تفاعل الدعوة يقوم على المفاصلة بين الحق والباطل
2008/06/27م
المقالات
2,748 زيارة
تفاعل الدعوة يقوم على المفاصلة بين الحق والباطل
منذ أن نزل أمر الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصدع في قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) [الحجر 94]، وبالإنذار في قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء] دخلت الدعوة مرحلة جديدة، إذ أخذت مساراً جديداً بالتعرض لما عليه المجتمع من عقائد وأفكار ومشاعر وعلاقات فاسدة، وذلك بنـزول الآيات القرآنية الكريمة، دون أن تترك أمراً يخالف العقيدة إلا وبينت ضلاله وبطلانه، مما مثل حالة من تفاعل الدعوة مع المجتمع والعلاقات فيه، ولم يكن هذا التفاعل حواراً مع عقائد أو حضارات باطلة، أو تبادلاً لأفكار متناقضة، بل تعرضاً للأفكار والمشاعر والعادات المناقضة للعقيدة بشكل ينقضها ويبين زيفها وضلالها، دون أي احتمال لحلول وسط، أو التقاء في منتصف الطريق، قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء 18] هذا هو معنى الصدع وهذه حقيقته التي غابت عن كثير من دعاة اليوم، والتي تستوجب منا وقفة طويلة لبيان حقيقتها وتأكيد وجوبها.
إن التفاعل له مزايا وسمات عديدة لا بد للعاملين للإسلام ودعاته من تتبعها من خلال أعمال الدعوة في مكة، وقد كان من أبرز هذه السمات الوضوح في الطرح والمفاصلة في الدعوة للكفر وأفكاره، جاء في لسان العرب «الصَّدْعُ: الشَّقُّ في الشيءِ الصُّلْبِ كالزُّجاجةِ والحائِطِ وغيرهما، وجمعه صُدُوعٌ؛.. فانْصَدَعَ وتَصَدَّعَ: شَقّه بنصفين،… وصَدَعْتُ الشيءَ: أَظهَرْتُه وبَيَّنْتُه؛.. يَصْدَعُ يَفْرُقُ بين الحقّ والباطل.. ورجل صَدَعٌ: ماضٍ في أَمرِهِ. وصَدَعَ بالأَمرِ يَصْدَعُ صَدْعاً: أَصابَ به موضِعَه وجاهَرَ به. وصَدَعَ بالحق: تكلم به جهاراً» وفي تفسير ابن كثير «يقول تعالى آمراً رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإبلاغ ما بعثه به وإنفاذه والصدع به وهو مواجهة المشركين به».
هذه الحالة من المفاصلة والكفاح للباطل وأفكاره، والتي بدأت مع أمر الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصدع بالدعوة، شملت كافة العقائد والأفكار والمعالجات، حيث نزل القرآن آمراً رسولنا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجاهدة الكفار بالقرآن دون فتور، فقال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان 52] وأما الكفار فقد افتروا كل إفك لمجادلة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالباطل جحوداً للحق، أو جهلاً به، يسألون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في محاولات مستمرة فاشلة لإحراجه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن القرآن كان ينـزل فيه الجواب الحاسم والرد الشافي على ما يقولون أو يدعون ويفترون، قال تعالى: (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا، قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا) [الإسراء 49-51] وينـزل القرآن ليطمئن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه سيبطل كل ما يَفْتَرون ويدعون، بشكل واضح لا لبس فيه، قال تعالى (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) [الفرقان 33] فيخاطبهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأدب القرآن وببرهان القرآن، يخاطبهم بالحكمة والموعظة الحسنة، يخاطب عقولهم كما يخاطب قلوبهم بالتي هي أحسن، يلين لهم في الكلام، ويغلظ فيه على بعضهم، لكنه في نفس الوقت ينـزل محدداً حقيقة الدعوة بأنها تقوم على المفاصلة، وعدم الرضا بالقواسم المشتركة، قال تعالى (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يونس 104-105] وينـزل القرآن داعياً الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للتوكل على الله سبحانه والثبات على الحق المبين، قال تعالى (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل 79] كما ينـزل ليؤكد حرمة الركون للكفار ولو شيئاً قليلاً، مبيناً أن في الركون حرماناً من نصر الله تعالى في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسراء 74-75] فرفض (صلى الله عليه وآله وسلم) كافة العروض والمساومات ولم يقبل المداهنة في الأفكار أو الأعمال، وحتى الحماية لم تكن على حساب الدعوة، جاء في كتب السير أن أبا طالب قال للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنّ قَوْمَك قَدْ جَاءُونِي، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ وَعَلَى نَفْسِك، وَلاَ تُحَمّلْنِي مِنْ الأَمْرِ مَا لا أُطِيقُ، قَالَ فَظَنّ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَنّهُ قَدْ بَدَا لِعَمّهِ فِيهِ بَدَاءٌ أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ. قَالَ فَقَالَ رَسُول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): يَا عَمّ، وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ، قَالَ ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَبَكَى ثُمّ قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: أَقْبِلْ يَا ابْنَ أَخِي، قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: اذْهَبْ يَا ابْنَ أَخِي، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ فَوَاَللّهِ لا أُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا». وهكذا استمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعوته واستمرت الآيات البينات، والأدلة الباهرات بالنـزول حتى كانت هناك سوراً كاملة تقريباً تمثل وضوح الفكر، ومنهج المفاصلة، من مثل سورة الأنعام وسورة الفرقان، حتى قالوا «ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سَفَّه أحلامنا، وشَتم آباءنا، وعابَ ديننا، وفَرّقَ جماعتنا، وسَبَ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم». يقول ابن كثير في التفسير “أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية، وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح للتوحيد، وبينات ودلالات”.
ولم تقف هذه الحالة من الصراع الفكري لأفكار الكفر وضلالاته حتى بعد نزول آية السيف، فالصراع الفكري والمفاصلة في العقائد عمل مستمر، ومنهج ثابت في الدعوة، حتى بعد إقامة الدولة، فإن كان الصراع في مكة مركزاً مع أفكار الشرك وعبادة الأوثان، فقد صار في المدينة صراعاً مع ضلالات اليهود والنصارى، وفضح وكشف لأعمال المنافقين الخطيرة.
لكن هذا الصراع الفكري خاص بأفكار الكفر ولا يشمل الأحكام الشرعية الخلافية والتي لها دليل أو شبهة دليل، فهذه لا يتصدى لها حملة الدعوة بطريقة الصراع للأفكار، والمفاصلة في العقائد، بل بمحاولة شرح الرأي الصواب مع بيان دليله، ثم الرد على ما عند الآخر من دليل إذا لزم الأمر فقط، ودون أن يصنع من الأمر قضية.
وتحقيق هذا المعنى العظيم للصدع بالدعوة يُلزم حملة الدعوة الإسلامية المقتدين بمنهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون طرحهم واضحاً لا لبس ولا غموض ولا التواء فيه، وأن لا يلينوا أو يضعفوا عن بيان صحة أفكار الإسلام وصدق معالجاته، وبيان زيف أفكار الكفر وانحراف معالجاته، فيعرفون كل فكر يخالف العقيدة وكل فكر يطرح محلياً أو عالمياً ليكون منهج حياة للبشر أو قيادة فكرية لهم، فيدرسوه ليفهموه فينقضوه، وذلك من مثل فكرة الديمقراطية، والاشتراكية، والعلمانية، وفكرة الحريات التي تعني عدم التقيد بأي مفهوم إلا ما تقيده الدولة، ومنها حرية العقيدة وحرية الرأي والحرية الشخصية وحرية التملك، وفكرة السيادة للشعب، وأن الدين لله والوطن للجميع، والقومية والوطنية، وفكرة أن جميع أصحاب الأديان السماوية اليوم مؤمنون وليسوا كفاراً، وكذلك المعالجات والشرائع المخالفة من مثل النظام الاقتصادي الرأسمالي صاحب فكرة العولمة والخصخصة وأسواق الأسهم والبنوك الربوية والشركات الرأسمالية، وشركات التأمين، والقمار، والتصدي كذلك للأفكار التي تؤول لإباحة الزنا والتبرج والاختلاط والرقص والمجون تحت شعارات الحرية والانفتاح، وكذلك على حملة الدعوة كشف الحقائق للأمة في من يتآمر عليها من الكفار والمنافقين أو يخونها من الحكام، وبيان جرمهم في تعطيل شرع الله وحماية المنكرات وتمزيق الأمة والتفريط بقضاياها المصيرية، وكذلك بيان وفضح حقيقة المؤسسات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في مدى عداوتها للإسلام وأهله، وبيان دورها في تكريس فرقة الأمة، وعلى حملة الدعوة كذلك مراقبة ما يبث من أفكار ليهاجم بها الإسلام أو يميع، من مثل فكرة الأصولية والتطرف والإرهاب والوسطية، وفكرة حقوق الإنسان، وأعراف وقوانين المجتمع الدولي والتي تطرح علينا كمسلّمات إنسانية، وكذلك الدعوة لحوار الأديان، وحوار الحضارات وتكاملها، وعلى العاملين للإسلام التيقظ على أسئلة الكفار التشكيكية عن رأي الإسلام في حرية المرأة والسماح لها بكل ما هو محرم، وعن حكم الجهاد، والطلاق ، والخلافة، وقطع اليد، والجلد. . . وعلى حملة الدعوة عدم الانشغال بالفروع وترك العظيم من الأمور، فيجب معرفة اليد التي تقبض على العلاقات الفاسدة في المجتمع وتسيرها، أي على العاملين معرفة مَصْدَر المنكرات وأصلها، لأنه إذا لم يعرف الداء بطل الدواء، فيجب على حملة الدعوة تشخيص الواقع دون أي تزييف ليدرك الناس أن أصل المشكلة والداء إنما هو غياب حكم الله من الأرض، وفي مقابل كل ذلك على حملة الدعوة السهر لإعداد البرامج الجادة والحقيقية التي تكفل عودة الأمة كما أراد لها ربها جماعة على إمام غير مختلفة ولا متفرقة، متمكنة من رد أعدائها وتحرير أراضيها المغتصبة، في موقع قوة عالمية تمكن من عودة هيبة الإسلام واحترامه وحضوره الدولي المؤثر الفاعل فيه لا المنفعل معه، وبحمله رسالة عالمية للبشر، ليتخلص العالم بأسره من ظلم الأفكار الفاسدة ولينعم بعدالة أحكام الإسلام العظيم، ويقتضي السير على منهج الحبيب العمل بجد لدراسة الإسلام نفسه بشكل مفصل وطرحه ليطبق في كل جوانب الحياة، من أنظمة حكم و اقتصاد وسياسة خارجية وسياسة تعليمية وتجارة دولية وغير ذلك، بدل الانشغال بقضايا الخلاف، وإضاعة الوقت بالتصدي للعاملين للإسلام، وبهذا فقط تتحقق المفاصلة بين الحق والباطل.
وقد يظن البعض أن المفاصلة والكفاح هو فقط مع مجتمع أهله كفار، وأما اليوم فالتغيير يكون بالمساهمة بالبناء من خلال المؤسسات الدستورية، فأقول هذا وهم وضلال ليس بصحيح؛ لأن التغيير بالمجتمع إنما يقاس بتغير أفكار ومشاعر وأنظمة المجتمع، والدول إنما تنشأ أو تتحول بالأفكار التي تحملها الأمة كعقيدة سياسية لها، فالمطلوب هو إعادة المجتمع للإسلام كاملاً، لا تذويب الإسلام في المجتمع، وسأنقل هنا كلاماً نفيساً لسيد قطب يبلور الأمر، يقول رحمه الله تعالى عند تفسيره لسورة “الكافرون” يقول «إن تصورات الجاهلية تتلبس بتصورات الإيمان. وبخاصة في الجماعات التي عرفت العقيدة من قبل ثم انحرفت عنها. وهذه الجماعات هي أعصى الجماعات على الإيمان في صورته المجردة من الغبش والالتواء والانحراف. أعصى من الجماعات التي لا تعرف العقيدة أصلاً. ذلك أنها تظن بنفسها الهدى في الوقت الذي تتعقد انحرافاتها وتتلوى! واختلاط عقائدها وأعمالها وخلط الصالح بالفاسد فيها قد يغري الداعية نفسه بالأمل في اجتذابها إذا أقر الجانب الصالح وحاول تعديل الجانب الفاسد.. وهذا الإغراء في منتهى الخطورة! إن الجاهلية جاهلية. والإسلام إسلام. والفارق بينهما بعيد. والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته. هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه… وإلا فهي البراءة الكاملة، والمفاصلة التامة، والحسم الصريح.. (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون 6]… وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة وهذه المفاصلة وهذا الحسم.. ما أحوجهم إلى الشعور بأنهم ينشئون الإسلام من جديد في بيئة جاهلية منحرفة، وفي أناس سبق لهم أن عرفوا العقيدة، ثم طال عليهم الأمد» انتهى.
وسأذكر هنا -لمن يحب الاستزادة- أموراً تعرض لها القرآن الكريم في مكة، وسأكتفي بآية واحدة لكل موضوع، مع الإشارة للمعنى العام للآيات، وكلها مع اختلاف أسلوبها تؤكد هذه المفاصلة، وهذه بعض الآيات:
– الدعوة للتفكر في خلق الله، ليكون ذلك دافعاً للإيمان، قال تعالى (ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [النازعات 27-33].
– الدعوة لتوحيد الله تعالى، قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء 26].
– تسفيه عقائد الكفار: وقال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ) [يونس 18].
– الرد على إنكارهم للبعث قال تعالى: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [النحل 22].
– مهاجمة اتباعهم للظن، قال تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [النجم 28].
– الرد على بطلان اعتقادهم في الملائكة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [النجم 27-28].
– مهاجمة عِلْيَة القوم وكبرائهم،من أمثال الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف، وغيرهم، قال تعالى في كتابه العزيز: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا، سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) [المدثر 11-17].
– الرد على دعواهم بأن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) قد افترى القرآن، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [السجدة 3].
– تحدي الكفار بأن يأتوا بشيء مثل القرآن، قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء 88].
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) استمر دون ركون في هدم العقائد الفاسدة، وكفاح الآراء الخاطئة، والمجاهدة في سبيل الدعوة بالقرآن دون أن يلين أو يستكين، فاستطاع أن يصمد أمام كل المعوقات، وتمكن أن يصل للناس ويبلغهم دين الله تعالى، فأسلم كثير من عبّاد الوثن ومن النصارى، ولكن الدعوة لم تبلغ المدى الذي يمكّن من التطبيق العملي، فقد تجمد مجتمع قريش أمام الدعوة، حتى شكا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لربه قومَه قال تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا) [الفرقان 30] وقال تعالى: (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ، فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف 88-89] فأمره ربه أن لا يجاوبهم بمثل ما يخاطبونه، وأمره أن يرتقب النصر والتمكين من عند رب العالمين، قال تعالى: (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) [الدخان 59] واستمر (صلى الله عليه وآله وسلم) على دعوته دون أن يبدل حتى أمرَه ربُه أن يَعرض نفسَه على القبائل رجاء الإيمان والنصرة معاً، جاء في كتاب الثقات للبستي ج1 «قال أبو حاتم إن الله عز وجل وعلا أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم إلى الله وحده وأن لا يشركوا به شيئاً وينصروه ويصدقوه» أي أن الله تعالى أمره أن يضيف إلى الدعوة الجماعية للناس عامة، دعوة من بيده قوة وقدرة على نصرة الدعوة بعد الإيمان بها، فكان حكم طلب النصرة مؤكداً على المفاصلة وعدم القبول بالمشاركة.
فالتفاعل عمل دائم يستلزم التعرض لكل ما يخالف الإسلام وعقيدته، وهو من أشق الأدوار لأن مقصوده زرع المبدأ في المجتمع، وذلك يحتاج إلى صراحة ووضوح ومجاهدة، دون أن يحسب للنتائج والأوضاع أي حساب، ففيه تحصل فتنة الكفار للمسلمين عن دينهم ومنهجهم، وفيه تظهر قوة الإيمان وتظهر قوة الاحتمال، ويظهر ما في النفوس من صدق مع الله أو عدمه، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سار في هذا الدرب وتحمل من الأذى والدعاوة الكاذبة والمقاطعة ما تنوء به الجبال الشامخات، دون أن يغير (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يبدل بل ثبت واستمر في دعوته، واثقاً بنصر ربه، ولما عرض نفسه على القبائل لم يقبل إلا أن تكون النصرة كاملة وغير مشروطة؛ لأن هدف التفاعل وصول المبدأ كاملاً لسدة الحكم، لا وصول رجال الدعوة للحكم دون المبدأ، قال تعالى في سورة الإسراء: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء 80].
ينقل الإمام الطبري عن الحسن قوله في هذه الآية: «يُوعِده لَيَنْزِعَنَّ مُلك فارس، وعزّ فارس، وليجعلنه له، وعزّ الرّوم، ومُلك الروم، وليجعلنه له».
نسأله تعالى ثباتاً على الحق، ونسأله تعالى سلطاناً نصيراً وإماماً عادلاً رشيداً.
2008-06-27