النظام في سوريا: خياره للسلام الاستراتيجي… أميركي، ولا عذر لمن يتعاون معه
2008/06/27م
المقالات, كلمات الأعداد
1,683 زيارة
النظام في سوريا:
خياره للسلام الاستراتيجي… أميركي، ولا عذر لمن يتعاون معه
كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول المفاوضات السورية (الإسرائيلية)، واحتل مساحات واسعة من وسائل الإعلام التي انشغلت بتحليل مدى الجدية لدى كل من الطرفين، وهل هو خيار ظرفي أم استراتيجي، وصور الأمر على أنه تطور جديد وحدث مفاجئ وكأن ما أعلن عنه ليس له سابقة، مع أن الناظر في تاريخ اللقاءات والمحادثات السرية والعلنية، الرسمية وغير الرسمية، يرى أنه شريط طويل أعلن فيه النظام السوري مراراً وتكراراً أن السلام مع (إسرائيل) هو خيار استراتيجي، منذ عهد حافظ الأسد حتى عهد حافظ أمانته، عفواً خيانته، ابنه بشار. أما ادعاء العروبة والكرامة والصمود والتصدي والممانعة والمواجهة ضد (إسرائيل) فلها نصيب آخر من التحليل سنتناوله لاحقاً إن شاء الله.
نعم، إن تاريخ المفاوضات بين النظام السوري و(إسرائيل) شريط طويل، منه المعروض ومنه غير المعروض، وإن تاريخ العلاقة الخفية وغير المباشرة بين هذا النظام السيئ الذكر وبين (إسرائيل) تشير إلى أن حكام اليهود مرتاحون جداً في التعامل معه. فعلى الحدود السورية مع (إسرائيل) لم تطلق رصاصة واحدة منذ حرب الـ73، حتى يمكن اعتبار منطقة الجولان هي من أكثر مناطق المنطقة أماناً، ويقيم فيها المستوطنون منتجعات سياحة وفسق. وكذلك فإن حافظ أسد لم يدخل الجيش السوري إلى لبنان إلا بعد أخذ موافقة رابين، الذي كان وقتها رئيس وزراء يهود عبر الوسيط المتسلسل في الخيانة، الملك حسين. وفي لبنان، كان النظام السوري يلتزم تماماً ما وضعته (إسرائيل) من خطوط حمر، من مثل عدم دخوله إلى جنوب خط الليطاني، وعدم دخول جيشه إلى مناطق النصارى…
أما عن تاريخ اللقاءات والمحادثات فهو باختصار:
– سنة 1992م بدأت مفاوضات بين النظام السوري و(إسرائيل) برعاية أميركية روسية، عقب انتهاء حرب الخليج، استغرقت خمس جولات ولم تحقق نتائج وكان ذلك في عهد شامير رئيس وزراء (إسرائيل)، وعهد حافظ أسد الذي يذكر أنه سلم الجولان لـ (إسرائيل) تسليماً.
– في 23/6/1992م كلف رابين -عقب فوز حزب العمل- إيتمار رابينو فيتش للتفاوض مع موفق العلاف من الجانب السوري. وتم الاتفاق على اعتماد القرار 242 أساساً للمفاوضات، استغرق التفاوض 12 جولة، وخرج بمعادلة (عمق الانسحاب من الجولان يتوقف على عمق السلام وطبيعته).
– عام 1993م قام وزير الخارجية الأميركية بجولات مكوكية بين سوريا و(إسرائيل). وفي 14 آب نقل إلى حافظ أسد مضمون مباحثاته مع رابين، وأنه تعهد بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران سنة 1967م. وهو ما أطلق عليه (وديعة رابين).
– في كانون الثاني سنة 1994م عقدت قمة أميركية – سورية في جنيف تعهدت فيها سوريا إقامة علاقات سلام عادية مع (إسرائيل) مقابل الانسحاب من الجولان.
– في تموز سنة 1994م جرت جولة من المفاوضات بين وليد المعلم وإيهود باراك بحضور مستشار رابين الأمني داني ياتوم، تناولت الترتيبات الأمنية في الجولان بعد الانسحاب الأمني.
– في 19/12/1994م انضم رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي إلى المفاوضات وانتهت بالفشل، تدخل كلينتون واستؤنفت المفاوضات وانتهت في أيار 1995م إلى اتفاق على أهداف ومبادئ وترتيبات أمنية، وسميت حينها (ورقة تفاهمات).
– اغتيل رابين في 24/10/1995م وتولى بيريز الحكم، واستؤنفت المفاوضات في 24/1/1996م و28/2/1996م وتناولت تفاصيل الانسحاب وجوهر العلاقات الديبلوماسية والسلمية بين البلدين.
– توقفت المفاوضات بعد هجمات عسكرية في 2 و3/1996م وجرت انتخابات، وفاز الليكود بزعامة نتانياهو فتوقفت المفاوضات.
– في 17/5/1999م عاد حزب العمل في (إسرائيل) إلى الحكم برئاسة باراك، ونجحت أولبرايت في إحياء المفاوضات، وجرت جولة جديدة من المحادثات في (شبيردزتاون) في ولاية فرجينيا في 3و7/12/2000م بين الشرع وباراك. وتم الاتفاق على تأليف أربع لجان لدراسة مختلف جوانب الانسحاب وترتيباته، ولكن المفاوضات فشلت في الوصول إلى اتفاق نهائي.
– في 26/3/2000م اجتمع كلينتون بالأسد في جنيف، وهو يحمل له عرضاً (إسرائيلياً) بالانسحاب من 99% من هضبة الجولان، وتعويض سوريا عن الأراضي التي تبقى تحت السيطرة (الإسرائيلية)، وتضمن العرض (الإسرائيلي) إبقاء شريط بعرض 500 متر بمحاذاة نهر الأردن، وشريط آخر بعرض 80 ياردة على الضفة الشرقية لبحيرة طبريا.
هذا هو شريط المفاوضات السرية والعلنية أيام حافظ أسد. أما ابنه:
– في كانون الثاني 2004م طلب بشار أسد من رئيس وزراء تركيا أن يقود وساطة بين (إسرائيل) وسوريا من أجل السلام. على أثرها بدأت مفاوضات سرية غير رسمية بين آلون ليئيل المدير السابق لوزارة الخارجية (الإسرائيلية) وإبراهيم سليمان رجل أعمال أميركي من أصل سوري، وذلك في إطار ما سمي بـ(ديبلوماسية المسار الثاني) وتوصلا إلى مسودة اتفاق يقول عنه ليئيل: إن ما أنجزاه سيكون أساس أي اتفاق بين سوريا و(إسرائيل) حتى لو وقع بعد سنوات. ويقضي هذا الاتفاق بإقامة مجمع سياحي وصناعي على ثلث هضبة الجولان إلى الشرق من بحيرة طبريا، ويكون دخول السوريين و(الإسرائيليين) إليه من دون تأشيرات، وتكون السيادة عليه لسوريا. أما المناطق الأخرى التي ستخليها (إسرائيل) فتبقى خالية من السكان، ويقام عليها مرافق سياحية وترفيهية. و(إسرائيل) تتعهد بعدم هدم القرى والمدن التي تخليها لجعلها أرضية للمنتزهات والفنادق. أما الثلث المتبقي فيبقى منـزوع السلاح، وبالطبع كل الجولان سيعود إلى السيادة تدريجياً، وفي مقابل ذلك تسيطر (إسرائيل) سيطرة كاملة على منابع المياه في الجولان التي تنـزع عنها صفة العسكرية، وتطبيع العلاقات الديبلوماسية، ووضع جدول زمني للانسحاب من الجولان يراوح بين 5 و15 سنة. إن ما ذكر من هذه الشروط لا يبقي شيئاً اسمه سيادة حقيقية لسوريا على الجولان. فالسيادة الحقيقية هي التي تجعل صاحبها يتصرف فيها كما يشاء، يتصرف بأرضها وجوها ومائها، يضع فيها ما يشاء من قوات عسكرية، وما يشاء من سكان، ويبني فيها ما يشاء من تحصينات… إذاً فالسيادة التي يطمع النظام السوري أن يحصل عليها هي فقط في أوراق المفاوضات، إنها سيادة شكلية باللفظ فقط.
– في 21/5/2008م أعلنت سوريا و(إسرائيل) عن بدء مفاوضات مباشرة ورسمية في إسطنبول عبر وساطة تركية.
– وفي 22/2/2008م غادر وفدان سوري و(إسرائيلي) إسطنبول بعدما أنهيا الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة. وقال باباجان وزير خارجية تركيا: «إن المحادثات ستستمر بشكل دوري» وأضاف: «ستصبح المفاوضات المباشرة ممكنة إذا حصل تقدم محدود ومرضٍ» وأوضح أن إطار المفاوضات يدور حول (الأرض مقابل السلام، والسلام مقابل الأرض).
– … والشريط ما زال يدور ويعرض مشاهد الخيانة والتنازل…
فهل بعد هذا العرض يبقى عذر، أمام الله، وأمام الأمة، لمعتذر من الحركات الإسلامية التي تعتبر نفسها حركات جهادية بالتنسيق مع النظام السوري؟ فإذا كان العمل عندهم مربوطاً بالحكم الشرعي فلا شيء يجيز لهم التعاون والتنسيق معه، وإن كان العمل عندهم مربوطاً بهدفه فقط فلا شيء أوضح دلالة مما استعرضناه على أن النظام السوري لا يختلف عن غيره من الأنظمة الخائنة العميلة المرتبطة بأجندة أميركية تنفذ ضد الأمة.
ولسائل أن يسأل إذا كان النظام في سوريا يريد السلام، فلمَ لم يحصل عليه كما حصل عليه كل من نظامي مصر والأردن؟
وكجواب، إن النظام في سوريا ليس له من الأمر شيء في سياسته الخارجية، بل إن أميركا هي التي توزع أدوار الأنظمة التابعة لها سياسياً وعسكرياً في المنطقة، وأميركا تعمل على صياغة المنطقة بحسب نظرتها ومصالحها، وهي تستخدم النظام في سوريا لأهدافها، والنظام السوري يسير في مخططها تماماً؛ لذلك فإنه لا يعد العدة للقضاء على كيان يهود الغاصب، وإنما لتحسين الشروط الأميركية في عملية السلام. وكلما قوي النظام السوري ومن تابعه قربت أميركا من أن تفرض حلها على دول المنطقة، بما فيها (إسرائيل)، أي قربت من صياغة المنطقة بحسب خطتها. فالصراع الدولي الذي تخوضه أميركا في المنطقة متعدد الجوانب، فهو صراع ضد الاستعمار القديم المتمثل في بريطانيا وفرنسا والذي يعمل على تصفيته، وتصفيته ليست بالسهولة التي تمكنها من الحسم لمصلحتها بسرعة. فأوروبا وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا ما زالت تمتلك القدرة على خوض الصراع الدولي ضد أميركا، وما زالت تستطيع أن تعرقل مخطط أميركا في المنطقة، وأيضاً ما زالت تملك قدرة استعادة نفوذها في أماكن خسرتها، بمعنى آخر، ما زالت قادرة على المنافسة والمزاحمة في المنطقة. كذلك فإن أميركا في صراعها الدولي الذي تخوضه في المنطقة تريد جعل (إسرائيل) تابعةً لها، لا دولة مستقلة حليفة لها… لذلك فإن أميركا تستخدم النظام السوري على أكثر من صعيد، وتقتضي خطتها أن يلعب هذا النظام دوراً متعدد الجوانب على صعيد لبنان وفلسطين والعراق… وحتى ينجح هذا النظام تقتضي الخطة أن يستعمل شعارات الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي والسلام المشرف… وأن يلعب بورقة الإسلاميين لأنها الورقة الأنجح متى أحسن استغلالها… ثم عندما تحين اللحظة الأميركية للحل سيترجم هذا النظام كل ما حدث من اتفاقات بينه وبين (إسرائيل) على الأرض. وحينها سيصب الماء على قفا الحركات التي تعمل معه منخدعة بشعاراته الفارغة، وسيلزمها بالسير بحسب الخيار الاستراتيجي الذي أعلن عنه أنه السلام. ومن يرفض تسد المنافذ أمامه ويتولى النظام السوري، لا (إسرائيل)، ضربه. وأحسن هذه الحركات حالاً سيكون من يقبل تحولها إلى العمل السياسي ليستخدمها هذا النظام في حالة السلم كما استخدمها من قبل… وهكذا يستمر اللعب الدولي بمصير المسلمين معتمداً على مكر وخداع اللاعبين وغباء وتفريط مثل هذه الحركات.
إن النظام السوري من أبشع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، ومن أشدها على الإسلام والمسلمين، وتاريخه الأسود القريب ليس بغائب عن أنظار المسلمين ولا ببعيد، وإن هذا النظام القائم على الأجهزة الأمنية وإخماد كل صوت مخالف لصوته له تاريخ أسود مع شعبه، ومع جيشه، ولن يبيض صفحته القاتمة هذه إلا أهل سوريا المسلمين الذين تنبض عروقهم بالحياة… إلا أهل القوة فيهم، فهؤلاء عندهم ألف سبب وسبب يجعلهم يجتمعون باحتراس ويخططون بذكاء ومن ثم ينقضون على هذا النظام، ويسلمونه لأهلهم من الذين يدعون لإقامة الخلافة الراشدة؛ لتنطلق من بلاد الشام، بلاد الخير، من جديد، قوافل الجهاد في سبيل الله، فلا يعترضها حينئذ بإذن الله، لا (إسرائيل) ولا أوروبا، ولا روسيا، ولا الهند، ولا الصين، ولا أميركا… بل تخترق الحجب وتصل إلى مشارق الأرض ومغاربها تحقيقاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا».
إن التغيير في سوريا لا يأتي من الخارج، ولا يأتي من عملاء سابقين، ولا يأتي من حركات إسلامية تقبل أن تستمد العون والنصر من دول الغرب، وإنما يأتي ممن يستمدون العون والنصر من الله وحده، يأتي من أهل الإسلام المخلصين الواعين العاملين لإقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة… فإلى نصرة الإسلام يا أهل الحق، يا أهل القوة، في سوريا، ندعوكم، قال تعالى: (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) [يوسف 21].
2008-06-27