مع القرآن الكريم
1987/11/26م
المقالات
2,814 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)
فسَّر الشوكاني هذه الآية في تفسيره “فتح القدير”، بأنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات. ويضيف بأنَّ: “… في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهّرة، واصل عظيم من أصولها، وركن مشيّد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها..
وقوله (وأولئك) ترجع إلى الأمة باعتبار اتّصافها بما ذكر بعدها المفلحون أي المختصون بالفلاح”.
وفسَّر ابن كثير هذه الآية في تفسيره المشهور “يقول تعالى ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون. قال الضحّاك: هم خاصّة الصحابة وخاصّة الرواة يعني المجاهدين والعلماء. وقال أبو جعفر الباقر: قرأ رسول الله ﷺ: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) ثم قال: «الخير اتباع القرآن وسنتي» رواه ابن مردويه. والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدّية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كلّ فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم أن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، وفي رواية «وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل».
ويضيف القرطبي في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن الكريم” بأنَّ الآية تدلُّ “.. على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية،وقد عيّنهم الله تعالى بقوله (الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة) وليس كل الناس مُكّنوا…”.
ومن هنا يظهر لنا بأن الله سبحانه وتعالى “قد أمر المسلمين في هذه الآية أن تكون منهم جماعة متكتّلة تقوم بأمرين اثنين: الأول: الدعوة إلى الخير، أي الدعوة إلى الإسلام. والثاني: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وهذا الأمر بإقامة جماعة متكتلة هو لمجرد الطلب، لكن وجدت قرينة تدلّ على أنه طلب جازم، فالعمل الذي حدّدته الآية لتقوم به هذه الجماعة المتكتلة ـ من الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ هو فرض على المسلمين أن يقوموا به، كما هو ثابتٌ في كثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، قال عليه السلام: «والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكَنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعُنّه فلا يُستجاب لكم». فيكون ذلك قرينة على أن الطلب هو طلب جازم، والأمر فيه للوجوب”.
ويُذكر هنا أنَّ “عمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل لأمر الحكام بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، بل أن أهمّ أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو محاسبة الحكام، وتقديم النصح لهم، وهذا هو العمل السياسي”. يقول الرسول ﷺ: «من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، عاملاً بعباد الله بالإثم والعدوان ولم يغيِّر عليه بقول أو فعل كان على الله أن يدخله مُدْخله» ويقول: «أفضل الجهاد كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر»، ويقول: «سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى حاكم جائر فنهاه فقتله»، ويقول: «من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».
1987-11-26