التعددية السياسية والإسـلام
1998/10/26م
المقالات
2,089 زيارة
يتردد على ألسنة كثير من أبناء الأمة الإسلامية ومن منتسبي الحركات الإسلامية عبارة التعددية السياسية أو التعددية الحزبية أو التوالي السياسي، حتى إن أحد قياديي إحدى الحركات الإسلامية قال في برنامج تلفزيوني إن التعددية السياسية فطرة. كما أن أحد المدافعين عن الحركات الإسلامية طالب بنبذ الأحزاب أو التكتلات التي ترفض تداول السلطة عبر صناديق الانتخاب وحرمانها من العمل السياسي، مصرحاً بأنه يقبل أن يكون الحاكم شيوعياً إن جاء عن طريق الانتخاب.
وتطالعنا الصحف اليومية وتتناقل وكالات الأنباء تصريحات لبعض حكام البلاد الإسلامية بأنهم يعتزمون العمل على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية. فما هي هذه التعددية التي تتردد على الألسنة؟ وما المقصود منها؟ وما هو موقف الإسلام منها؟
إن معنى التعددية السياسية في مفهوم النظم الرأسمالية الديمقراطية هو أن يترك للناس حرية تشكيل الجماعات وإنشاء التكتلات وإقامة الأحزاب التي بدورها تختار من بين أعضائها ممثلين لها يشاركون في المؤسسات الدستورية: من مجالس نيابية أو مجالس شورى أو غيرها، وتنافس على الحكم، وتعمل لتتداول السلطة عبر صناديق الانتخاب.
ويعتبر هذا في نظرهم هو التمثيل الشعبي بغض النظر عن الفكرة التي تقوم عليها تلك الأحزاب. وقد يشاركون مباشرة في حكم البلاد، وعندها يدخلون السلطة التنفيذية ويصبحون وزراء في السلطة، أو يحاسبون الحكومة ويحاولون الحلول محلها، وهؤلاء هم المعارضة، وهي معارضة من داخل النظام، أي أنها معارضة دستورية، وهذا هو مدلول تداول السلطة بشكل سلمي.
تلك هي التعددية الحزبية في النظام الرأسمالي الديمقراطي ـ الذي يسود العالم اليوم. والمقصود منها في عرفهم أن تقوم في الأمة أحزاب وتكتلات وتجمعات تطرح أفكاراً وآراء تتعدد بتعددها لتعالج مشاكل الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ما ينفي صورة الحكم الانفرادي أو تفرد حزب واحد أو فئة واحدة في الحكم دون غيرها من فئات الشعب الأخرى، فينعكس ذلك إيجاباً على حياة الشعوب ورعاية شؤونهم على حد زعمهم.
ولما صار لفكرة التعددية الحزبية وتداول السلطة رأي عام، رأي حكام دول ما يسمى بالعالم الثالث؛ ومنها البلاد الإسلامية أن يركبوا الموجة حتى يتسنى لهم المحافظة على كراسيهم؛ لذلك لجأوا لإيجاد تعددية حزبية محروسة بقوانين تسمى قوانين تنظيم الأحزاب، وهذه القوانين عبارة عن شروط لقيام الأحزاب وتسيير أعمالها؛ مثل الإقرار بالدستور، الإقرار باتفاقيات معينة، أن يكون الحزب على أساس وطني، أن لا يكون الحزب على أساس ديني أو لغوي وغيرها من الشروط التي تتضمن أن يكون حزب الحكومة هو الحزب الوحيد المسيطر على الساحة السياسة، ويسمح بقيام أحزاب هامشية بجواره تكون ضمانة لاستمرارية الحكام، ومظهراً من مظاهر الموالاة والمعارضة التي هي من ركائز النظام الديمقراطي.
هذه هي التعددية السياسية التي يروج لها بعض حكام المسلمين لكي يصبغوا أنظمتهم بطلاء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.
فما موقف الإسلام منها؟!
لما كانت الدولة الإسلامية مهمتها الأساسية تنفيذ الإسلام وحمله إلى العالم، ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السياج الحامي للحاكم من الخروج عن أحكام الإسلام، وهو أمر فرضه الله على المسلمين، كان قيام الأحزاب لا يحتاج إلى إذن من السلطة، إذ إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ) [آل عمران:104]، ففي الآية طلب بصيغة الأمر ـ وهو الفعل المضارع المتصل بلام الأمر ـ من الأمة أن تكون جماعة لها صفات ثلاث، وهي الدعوة إلى الخير؛ وهو الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن في الأمّـة تلك الجماعة الموصوفة، وجب على الأمة أن توجدها، وإلا وقعت في الإثم والتقصير. ولم تحصر الآية الطلب في إيجاد جماعة واحدة فقط، فلم ترد كلمة واحدة بعد كلمة أمة، وجاءت كلمة أمة نكرة، فيجوز تعدد الأحزاب والجماعات في الإسلام، ولكن الآية تمنع أن تكون الجماعات أو الأحزاب من غير المسلمين، وتحصر ذلك في المسلمين فقط، ولهذا جاء في الآية الكريمة (منكم) أي من المسلمين.
ولكن ما هو الأساس الذي تبنى وتقام عليه هذه الأحزاب؟ الواضح في الآية أنه الدعوة إلى الخير؛ أي الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجميع الناس؛ حكاماً ومحكومين. وذلك لا يتأتى من غير المسلمين ولا يتأتى من العلمانية ولا الشيوعية ولا الوطنية ولا القومية، وعليه يحرم قيام أحزاب على هذه الأفكار. والشرط الوحيد لإقامة الأحزاب هو أن تقوم على أساس الإسلام، وتدعو إلى الإسلام، ولا يجوز اشتراط أي شرط ليس في كتاب الله، وذلك لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن مائة شرط»، ويجب أن تكون هذه الأحزاب علنية، إذ لا مبرر لسريتها لا في أفكارها ولا في منتسبيها ولا في أعمالها.
ولكن يحق للدولة الإسلامية أن تطلب من هذه الأحزاب والجماعات بياناً لبرامجها وأفكارها ووسائلها وطريقة عملها لتتأكد أنها قائمة على أساس الإسلام. ولا ينكر الإسلام تعدد الآراء في إطار أحكام الشرع بل يحث على التفكير والاجتهاد؛ وهو بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. وفي تاريخ أئمة الفقه وسيرتهم خير دليل على التوسع في الاجتهاد وإيجاد الحلول للمسائل المتجددة.
أما سبب ترويج ونشر دعوات التعددية الحزبية بين أبناء الأمة الإسلامية، فراجع إلى عدم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وشيوع الأفكار الرأسمالية الديمقراطية بين الناس، وقيام أنظمة تطبق قوانين وضعية مستوحاة من مبادئ الكفر، فكان لا بد من احتواء الناشطين من أبناء الأمة العاملين لنهضتها وتغيير واقعها، من خلال دمجهم في أحزاب وتكتلات متعددة تتنافس على الحكم بطريق ديمقراطي، وكلها تصب في خانة مصلحة النظام.
إن معالجة مشاكل الناس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بأفكار وآراء المبدأ الرأسمالي الديمقراطي وما انبثق عن عقيدته ـ فصل الدين عن الحياة ـ من أنظمة منذ إلغاء الخلافة جعل ثقافته تسود وتنتشر وتتربى عليها الأجيال من أبناء هذه الأمة. ففي غيبة أحكام الشريعة التي تعالج قضايا الناس بحسبها، لم يجد الناس بداً من معالجة قضاياهم طبقاً للأنظمة الوضعية التي وضعها البشر.
ولا سبيل للقضاء على هذه الأفكار والدعوات الزائفة إلا بحمل الدعوة الإسلامية بالطريق السياسي لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة حيث تطبق أحكام الإسلام كاملة في كل جوانب الحياة، وينشأ أبناء الأمة جيلاً بعد جيل على ثقافة الإسلام ومقياس أعمالهم الحلال والحرام، والحسن عندهم ما حسنة الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، وليس الهوى ولا المصلحة ولا الوطنية.
فهلا أدرك المسلمون الفرق بين التعددية السياسية في النظام الديمقراطي والتعددية على أساس أفهام مختلفة مصدرها الإسلام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) .
1998-10-26