اليورو والدولار والصراع الاقتصادي والسياسي بين أوروبا وأميركا (1)
1999/08/25م
المقالات
2,047 زيارة
بقلم: فتحي سليم / الأردن
في بداية العام الميلادي الحالي، انطلق التعامل بالعملة الأوروبية الموحدة، اليورو، في جو مفعم بالأمل بأن يستطيع هذا المولود الجديد، الذي احتضنته إحدى عشرة دولة أوروبية، تسيطر تقريباً على خمس الإنتاج الاقتصادي والتجاري في العالم، أن يواجه الدولار الأميركي ويقلل من هيمنته في العالم. والدول المشاركة في العملة الأوروبية الموحدة هي: النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال وإسبانيا، وهي التي تشكل منطقة اليورو، وعدد سكانها مجتمعة حوالي 291 مليوناً، بالمقارنة مع عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية الذي يبلغ 269 مليوناً. وقد سجّل إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو مبلغ 6.51 تريليون دولار عام 1997، يقل قليلاً عن إجمالي الناتج المحلي في أميركا، ويزيد عنه في اليابان. وبالفعل فقد سجّل اليورو ارتفاعاً بالنسبة للدولار الأميركي في الأيام والأسابيع الأولى للتعامل به، ولكن بدأ ينخفض، حتى إنه أوشك أن يساوي دولاراً واحداً، وربما انخفضت قيمته عن دولار في المستقبل القريب.
بداية، لا بد أن نسجّل أن الوصول إلى العملة الأوروبية الموحدة، تم بشكل هادئ ومدروس وبخطوات متأنية ثابتة استمرت سنوات طويلة، من أجل ضمان عدم حدوث أية انتكاسة قد تودي بالوحدة الاقتصادية، وبأحلام الوحدة السياسية الأوروبية. إذ تشكل هذه التجربة حالة رائدة في الدول الحديثة، إذ لأول مرة منذ ظهور الدولة الحديثة، يجري توحيد عملات دول متعددة لها كيانات مستقلة، وما تزال كل واحدة منها تحتفظ بعملتها المحلية، وبمصرفها المركزي، وبالحق في إصدار عملتها المحلية، ولا تزال كل دولة من دول الاتحاد تحتفظ بمعظم أرصدتها في مصرفها المركزي، بينما حَوّلت نسبة ضئيلة من احتياطيها إلى المصرف الأوروبي المركزي، وقد جرى تثبيت سعر صرف كل عملة من العملات المشاركة في اليورو بالنسبة لليورو، وما تزال العملة المحلية متداولة إلى جانب اليورو في كل دول الاتحاد.
ولإدراك مدى التخطيط الهادئ المدروس للوصـول إلى العمـلة الموحدة، لا بُدّ من استعراض تاريخ التقارب والاتفاقات بين الدول الأوروبية والمتعلقة بالناحية الاقتصادية خلال الخمسين سنة الماضية.
l عام 1951 وقعت فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا ودول البنيلوكس (بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) في باريس اتفاقية لتأسيس مجموعة «الفحم والصلب الأوروبية» التي تحولت إلى المجموعة الأوروبية فيما بعد، وبدأت المجـموعـة، التي كانت بمثابة الإطار الأولي للتكامل الأوروبي، العمل في أغسطس 1952.
l عام 1957 وقعت معاهدة روما في باريس لتأسيس السوق المشتركة، وتقوم على حرية حركة الناس والسلع والأموال بين فرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ.
l عام 1979 تشكل النظام النقدي الأوروبي في مارس، ويتمثل في آلية سعر الصرف، تحدد نطاقاً للتذبذب لعملات الدول الأعضاء، ويشمل أسعاراً مركزية مقابل وحدة جديدة سميت وحدة النقد الأوروبية (إيكو). والإيكو سلة عملات تضم عملات الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية. وانضمت إلى آلية سعر الصرف عملات بلجيكا والدانمارك وفرنسا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وألمانيا الغربية، وانضمت في السنوات التالية: النمسا وبريطانيا وفنلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا.
l عام 1989 تقرير ديلور الذي أعده رئيس المجموعة (جاك ديلور) في إبريل ليضع خطة على ثلاث مراحل للوحدة النقدية الأوروبية. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني سقط حائط برلين لتتوحد عملتا شطري ألمانيا.
l عام 1991 اتفاق الأعضاء على الوحدة الاقتصادية والنقدية للمجموعة الأوروبية في قمة (ماسـتـرخـت) في ديســـمــبـر/ كـانـون الأول؛ وحددت الاتفاقية جدولاً زمنياً مرناً، وشروطاً ومعايير اقتصادية للعملة الأوروبية الموحدة، وصممت الشروط بحيث تتيح التقارب بين مديونيات الدول والتضخم.
l عام 1992 أزمة الأسواق تتفاقم في يوم الأربعاء الأسود في 16 أيلول، واضطرت ضغوط بالغة الجنيه الإسترليني والليرة الإيطالية للخروج من آلية سعر الصرف، على الرغم من تدخل البنوك المركزية بمليارات الدولارات؛ وفي الأشهر التالية خفضت السويد وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا قيم عملاتها.
l عام 1993 تكثفت ضغوط السوق مرة أخرى بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في ألمانيا، والتوترات الاقتصادية بين دول آلية الصرف. وفي الأول من أغسطس/ آب عقد اجتماع طارئ لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية وبعد (12) ساعة من المحادثات أدخلوا إصلاحات على آليـة سـعـر الصرف، ووسعوا نطاق التذبذب داخله، والذي كان يتراوح من قبل بين 2.25% و6% ليصبح 15%.
l عام 1994 بدأت المرحلة الثانية من الوحدة النقدية الأوروبية في يناير/ كانون الثاني. والمعهد الذي تأسس في فرانكفورت هو ما سيتحول إلى البنك المركزي الأوروبي الذي سيدير الأورو في نهاية الأمر.
l عام 1995 حدد زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة مدريد في ديسمبر/ كانون الأول موعد الأول من يناير 99 لبدء العمل بالعملة الأوروبية الموحدة، وإعلان أنها ستسمى (اليورو) وسيجري العمل بالعملة الجديدة إلى جانب العملات الأصلية للدول الأعضاء؛ وسيكون لها سعر صرف ثابت، وستطرح أوراق عملات اليورو في عام (2002) وبحلول يوليو/ تموز من ذلك العام سيتوقف تداول عملات الدول الأعضاء.
l عام 1996 اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة دبلن على اتفاق للاستقرار والنمو، يهدف إلى ضمان التزام الدول بمستويات محددة للميزانيات، بعد بدء العمل باليورو. وصمم الاتفاق لضمان عدم اندلاع توترات مالية لدى طرح العملة الجديدة.
l عام 1998 رشحت اللجنة المالية في مارس/ آذار (11) دولة للوحدة النقدية الأوروبية، بعد تقييم أدائها الاقتصادي في عام 1997. وفي مايو/ أيار وافق زعماء الاتحاد رسمياً على اليورو بمشاركة أولية من جانب النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال وإسبانيا. ووافقت هذه الدول على أسعار تحويل العملات فيما بينها. واختار زعماء الاتحاد (ويم دويسنبرج) لرئاسة البنك المركزي الأوروبي، واختار خمسة من أعضاء المجلس التنفيذي للبنك.
وفي الأول من يناير 1999 أصبح اليورو حقيقة واقعة، وبدأ التداول به في أول يوم عمل رسمي في الدول الإحدى عشرة.
الصراع الأوروبي الأميركي :
كانت الحرب العالمية الثانية بداية تحول عميق في واقع الحياة الأميركية، من الناحيتين السـيـاسـيـة والاقـتـصـاديـة.
فمن الناحية السـياسـية، فإن أميركا هي التي رجحت كفة الحرب لصالح الحلفاء، وبعد هزيمة ألمانيا النازية كانت هي المؤثرة في صياغة النظام الدولي، فأوجدت هيئة الأمم بميثاقها المعروف، وأوجدت مجلس الأمن بصلاحياته المعـروفة، فضـمنت مركز الدولة الأولى في العالم.
أما من الناحية الاقتصادية ـ وهي التي نحن بصدد بحثها ـ فإن حصول الحرب العالمية الثانية، أنقذ أميركا من الأزمة الاقتصادية المشهورة التي بدأت سنة 1929؛ هذه الأزمة التي عصفت بالاقتصاد الأميركي، فأصاب الانهيار الفظيع كل مؤسسات البلاد الاقتصادية، وعمّ الكساد التام سوق البورصات المالية، وسوق الأسهم، وكافة الأسواق التجارية؛ ولم تقتصر تلك الأزمة على أميركا وحدها وإنما عمت العالم بأسره، واستمرت هذه الأزمة عشر سنوات، ولم تـنته إلا باشتعال نار الحرب العالمية الثانية.
وفي خضم الحرب، وقد مالت كفة الحلفاء إلى الرجحان، انعقد في مدينة (بريتون وودز) مؤتمر بحث المنحى الذي ستسير عليه أميركا لتحقيق اقتصاد يانع، تتربع فيه على عرش الاقتصاد العالمي. وقد تمخضت محادثات المؤتمر عن إنشاء ما يسمى (صندوق النقد الدولي) و(البنك الدولي) و(منظمة الجات) والتي سميت فيما بعد (منظمة التجارة الدولية الحرة)؛ كما جعلت من الدولار مرتكزاً يكون قاعدة الصرف للعملات العالمية، والتحويلات النقدية، والمعاملات التجارية. فكان الدولار هو القوة المهيمنة أو هو السيف المسلط الذي شرعته أميركا فوق رؤوس أصحاب التجمعات التجارية، والاحتكارات العالمية.
وقطع الدولار رحلته الطويلة، وهو المهيمن على النقد العالمي حتى عام 1971 حين أعلن الرئيس نيكسون فصل الدولار عن الذهب، وأن الدولار لا يمكن استبداله بالذهب وإنما ببضائع أميركية، وكان هذا القرار ضربة قوية للدول الأوروبية، وبخاصة فرنسا، التي كانت تحاول ضرب الدولار عن طريق العودة لقاعدة الذهب، ولكن ظل الاقتصاد الأميركي والدولار الأميركي هما المهيمنين عالمياً. وكثيراً ما حاولت بريطانيا وفرنسا ضرب الدولار، ولكن المارك الألماني، والين الياباني كانا يتدخلان أحياناً لإنقاذ الدولار، كما أن ديغول حاول العودة بالعالم إلى قاعدة الذهب، ولكن أميركا أحبطت كل هذه المحاولات.
كانت أوروبا طوال هذه المرحلة تقوم بمحاولات لتلم شعثها، وتطرح مشاريع الوحدة الاقتصادية، ثم الوحدة السياسية. فأنشأت منظمة الفحم والصلب والفولاذ، ثم تحولت هذه إلى السـوق الأوروبية المشـتركـة، ثم طرح موضوع الوحدة السياسية.
وأخيراً استقر بأوروبا المطاف، فاستقرت وحدتها الاقتصادية وتلاها وحدتها السياسية، وأصبحت السوق الأوروبية المشتركة تتألف من خمس عشـرة دولـة، ثم انتقلت إلى اكتمال البنيان السياسي، فتشكل الاتحاد الأوروبي، فكان لهذا الاتحاد برلمانه ومجلس وزرائه، وميزانيته وبنكه المركزي. وبلغت ميزانية الاتحاد عام 1998 (65) ألف مليون جنيه استرليني تدفع منها بريطانيا ثمانية آلاف مليون جنيه، كما تدفع ألمانيا ثلاثة عشر ألف مليون جنيه، وتدفع فرنسا ما يقارب هذا المبلغ.
وبعد أن وقعت معاهدة (ماسترخت) في ديسمبر/ كانون الأول سنة 1991 زالت الحواجز الجمركية بين دول الاتحاد، وفتحت الحدود أمام تنقل الأيدي العاملة وحركة الأموال؛ وحددت الاتفاقية جدولاً زمنياً مرناً وشروطاً ومعايير اقتصادية للعملة الأوروبية الموحدة، وقد صممت الشروط بحيث تنتج التقارب بين مديونيات الدول والتضخم، وأخيراً تمخضت هذه المباحثات المطولة عن ميلاد وحدة نقد جديدة لهذا الاتحاد تسمى (اليورو)، وبذلك بدأ التحدي الأوروبي للدولار الأميركي، الذي تربع على عرش الاقتصاد العالمي لأكثر من خمسين عاماً.
الدولار واليورو :
تتمتع المجموعة الأوروبية بحيوية اقتصادية، يدعمها ويرفدها طلب داخلي أكثر دينامية. يقول (جيرالد مارك) من (كريدي غريكول): إن العالم القديم (أوروبا) يبقى منطقة مقفلة؛ إذ إن أكثر من 60% من التبادل التجاري يتم داخل أوروبا نفسها، إلا أن تقليص منافذ التجارة الخارجية، سيؤثر سلباً على النمو، وهذا النمو سيكون أكثر حدة من انخفاض الدولار الأميركي، ما يجعل المنتجات الأوروبية أقل تنافسية، يشير بذلك إلى الهزات المالية التي أصـابت جنوب شـرق آسيا منذ قرابة العامين.
إن خلق اتحاد نقدي في أوروبا، نابع من إرادة سـياسـيـة، وهـذا يعـنـي أن أوروبـا الاتحادية قد دخلت الحلبة السياسية الدولية بالفـعـل. ذلك أن السـياسـة الدوليـة إنمـا تـدور مع المصالح الاقتصادية.
تفيد الإحصائيات أن دخل هولندا من الألبان ومشتقاتها حوالي ستين مليار دولار. وإن دخل بلجيكا من الماس الإفريقي حوالي (21) مليار دولار. وإن دخل فرنسا من العطور يزيد عن المائة مليار دولار. والإحصائية النهائية للدخل الذي يتمثل في ثلاث عشـرة دولـة أوروبية مجتمعة يسـاوي (43) تريلـيـون دولار، مع أن دخل الولايات المتحدة الأميـركـيـة لا يزيد عن (40) تريليون دولار.
وعندما تمخضت الإرادة السياسية لأوروبا الاتحادية عن فكرة إيجاد عملة موحدة لدول الاتحاد لتحل محل العملات المحلية قبل بضع سنين، عمدت أميركا إلى ضخ (28) تريليون دولار كاستثمارات ورساميل للشركات الأميركية في القارة الأوروبية، لتكون بمثابة عراقيل في وجه النقد الجديد.
إن فكرة ضرب السياسة الأميركية بضرب الدولار، هي فكرة قديمة، فقد أظهر ديغول تحديه لأميركا، والحرب العالمية الثانية لم تنته بعد. وفرنسا ما زالت دولة في المنفى، حيث إن فرنسا حقيقة كانت تئن تحت وطأة الاحتلال النازي. كما بادر ديغول نفسه في أوائل الستينيات من هذا القرن إلى محاولة الرجوع إلى قاعدة نظام الذهب.
إن أية مساحة يأخذها اليورو إنما تكون على حساب الدولار، ذلك لأن اليورو، يعتمد في قوته على معدل المبادلات التجارية، وحجمها هو الذي يفرض التأثير لليورو، سيما وأن نسبة التبادل التجاري الداخلي للإنتاج الأوروبي يساوي 60% وهذا يجعل اليورو في مأمن من تأثير التقلبات الاقتصادية العالمية. أضف إلى ذلك أن إزالة الحواجز الجمركية بين دول السوق الأوروبية، يدفع النشاط التجاري الداخلي إلى الأمام.
إن أميركا تخشى على هيبتها في العالم بوجود اليورو، لأن طرحه عالمياً يبدد المخاوف لدى مصدري البترول، وتذبذب العملة الأميركية يؤثر على استقرار اقتصاديات كثير من الدول، وبخاصة دول جنوب شرق آسيا.
فمجرد طرح اليورو في السوق العالمي، استقبل استقبالاً طيباً، وأخذ يضارب الدولار من أول أيامه، وبخاصة في أستراليا ودول شرق آسيا. فعمدت إلى تحويل جزء كبير من احتياطيّها إلى اليورو؛ وظهر ذلك واضـحـاً على الصين، حيث استقبلت اليورو بهدوء، وعمدت أيضاً إلى زيادة احتياطيّها من اليورو، ولا يكون ذلك إلا على حساب الدولار، كما يعني كسراً لاحتكار الدولار، وانفتاحاً جديداً في منطقة الدولار، لمنافس جديد هو اليورو.
وهذه بداية تاريخية، تدخل بها أوروبا القرن الحادي والعشرين، حيث يطرأ نمو كبير على اقتصادها، كما يسهل عليها معالجة البطالة، وهذا في حد ذاته تسهيل للمعاملات التجارية الخارجية؛ إذ إن التعامل بعملة واحدة أسهل على المتعاملين مع السـوق من التعـامـل مع إحدى عشرة عملة، ولا تنس أن أوروبا في حد ذاتها شريك استراتيجي مهم.
فالمشتريات من دول السوق تدفع باليورو مباشرة دون أن تمر بالتحويل إلى الدولار، ثم إلى العملة الأوروبية المحلية. كما أن الاستقرار في السوق الأوروبية يفرض نفسه في المعاملات التجارية. وستنتقل شمال إفريقيا تلقائياً إلى الإقبال على التعامل باليورو وبارتياح لقربها من القارة الأوروبية، ولوجود ارتباطات تاريخية قديمة بينها وبين أوروبا، ولأن الاقتصاد الأوروبي أكثر استقراراً من الاقتصاد الأميركي.
والاحتكارات الأميركية سابقاً إنما كانت ترتكز إلى الاستقرار السياسي، لدى الولايات المتحدة الأميركية؛ ولكن وبعد أن تفتت الاتحاد السوفياتي بدأ هذا الاستقرار يهتز ويتزعزع، وبدأت التحديات تواجه السياسة الأميركية دولياً سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية.
فمؤتمر برشلونة الذي انعقد بتاريخ 27ـ28/11/95 من سبع وعشرين دولة؛ خمس عشرة دولة أوروبية، واثنتا عشرة دولة من دول حوض المتوسط، كان فيه الإصرار واضحاً على عدم حضور أميركا أو روسيا هذا المؤتمر، كما أن أوروبا تعتبر هذا المؤتمر بمثابة فتح جديد لأوروبا في منطقة حوض البحر المتوسط. وتبعه بتاريخ 1/3/96 مؤتمر بانكوك حيث اتخذ اللون نفسه والشكل نفسه، فقد حضرته دول السوق الخمس عشرة، وعشر دول من جنوب شرق آسيا، كان الإصرار أيضاً ظاهراً على عدم حضور أميركا وروسيا. وقد زحفت الشركات الأوروبية واليابانية إلى منطقة الخليج ومنطقة بحر قزوين لتزاحم الشركات الأميركية، ولو كبداية محاولات.
لم يتعاف العالم بعد من الكارثة الاقتصادية والمالية التي أصابت منطقة جنوب شرق آسيا العام الفائت والتي ابتدأت من بنكوك عاصمة تايلاند، وامتد لهيبها حتى طال الكثير من دول العالم، وغدا الاقتصاد الأميركي مهدداً بزعزعة عنيفة، نظراً للجذور المتأصلة للاستثمارات الأميركية في أميركا اللاتينية، حيث لم تسلم أية دولة من دولها من لهيب هذه الكارثة بما فيها البرازيل. وهذا ينعكس سلباً على الاقتصاد الأميركي نظراً لاحتواء الأسواق اللاتينية على أكثر من 20% من الصادرات الأميركية، ووجود حجم كبير من الاستثمارات المهددة بالانتكاس نتيجة تأثر أميركا اللاتينية بالهزة الآسيوية.
وأما الدول الآسيوية ذاتها ـ والتي تسمى بالنمور الآسيوية ـ فإن أميركا ملتزمة بحمايتها، وحل مشكلاتها السياسية والمالية والحدودية، فقد سببت الهزة فقدان الثقة بالدولار، واتهام صندوق النقد الدولي بالتدخل المتحيز لصالح السياسة الأميركية والاقتصاد الأميركي.
وعامل آخر كان له تأثير على السياسة الأميركية في منطقة شرق آسيا، هو اتفاقية بنكوك الآنفة الذكر، حيث عقدت هذه الاتفاقية بمنأى عن أميركا وروسيا. كما أن أوروبا لم تتأثر بهذه الهزة، ولكنها أخذت تعد العدة لتحصين اقتصادها من عدوى هذه الهزة التي لم يتعاف العالم منها بعد. فجاء اليورو مستمداً قوته من سلامة اقتصاد الدول الأوروبية نفسها. فقد ولد سليماً في بيئة سليمة، فاستقبله العالم بالترحاب وسارعت المصارف العالمية لاحتضانه والتعامل به q
[يتبع]
1999-08-25