تعريف بكتاب:
” السياسة المالية في دولة الخلافة ”
د. عايد فضل الشعراوي
ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب:
مصطلح السياسة المالية مصطلح حديث النشأة له معان تبلورت عبر السنوات والعقود الماضية، وهو يعني ذلك الجانب من سياسة الدولة الذي يتعلق بإيجاد إيرادات لها من طرق عدة، إحداها الضرائب، ثم تقرير كيفية إنفاق هذه الإيرادات على أبواب محددة من قبل الدولة، تتسع وتضيق حسب السياسة المرسومة من قبلها. أي أن السياسة المالية تشمل دراسة الأنشطة المالية الحكومية في الإيرادات والنفقات، والميزانية والاقتراض( الديون العامة)، وكيفية تأثير ذلك على الاقتصاد من حيث تنشيط الركود، أو كبح التضخم، أو تقليص العجز، أو تخفيض الإنفاق العام( التقشف).
أما في دولة الخلافة فإن السياسة المالية ترتبط ارتباطا جذريا بالعقيدة والشريعة التي تحملها الأمة، والتي تلزمها باختيار النظام الاقتصادي في الإسلام حصرا، وليس أي نظام بشري ” وضعي” آخر، فلا يجيز الإسلام لدولة الخلافة أن تنتقل بين الخيارات والأنظمة الاقتصادية وتجارب الأمم الأخرى، وأن تترك الأنظمة الإسلامية، بل هي ملزمة شرعيا باختيار النظام الاقتصادي المنبثق من الشريعة الإسلامية، وهذا يلزمها وضع السياسات المالية والنقدية والزراعية والتجارية والصناعية التي تحقق أفضل تطبيق للنظام الاقتصادي في الإسلام، وتنجح في إصلاح ما أفسدته الأنظمة الرأسمالية.
لذلك تعد خيارات دولة الخلافة وسياساتها المالية والاقتصادية إما أحكاما شرعية واجبة التطبيق، أو تفرعات لتلك الأحكام الشرعية، وليست أفكارا وأعمالا دنيوية معزولة عن الدين. ومن هنا لا يجوز شرعا لدولة الخلافة أن تختار النظام الاقتصادي الرأسمالي، أو النظام الاقتصادي الاشتراكي مثلا، لأن كلا من هذين النظامين يعبر عن عقيدة دنيوية تعزل الدين عن الدنيا وبالتالي عن الاقتصاد، أو تلغي الدين كليا ن كل شؤون الحياة، أي أنه لا يجوز لدولة الخلافة أن تتبنى عقيدة ” أيديولوجيا” غير عقيدة الإسلام، قال تعلى:( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الاحزاب 36. وقال أيضا:( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر 7.
من ناحية أخرى، يعد حمل النظام الاقتصادي في الإسلام، والدعوة والدعاية له ولكل ما ينبثق عنه من سياسات، هو حملا لجانب من الإسلام لا يقل أهمية وخطورة عن الجوانب الأخرى، قال تعالى:( افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) البقرة 85. لذلك ينبغي حمل النظام الاقتصادي في الإسلام والدعوة له بوصفه من جزئيات الدين الذي هو أمانة في الأعناق.
وبالعودة إلى المصطلح في الماضي يمكن القول: إن دولة الخلافة في القرون الماصية لم تستعمل مصطلح سياسة مالية بالمعنى المعاصر للكلمة، لكنها لكونها تستند إلى أحكام شرعية ملزمة في جباية الإيرادات وإنفاقها وتوزيعها. هذه السياسة يمكن استخلاصها من بعض الكتب المتخصصة مثل: كتاب الخراج لأبي يوسف، وكتاب ” الأموال” لأبي عبيد، وكتاب ” الأحكام السلطانية ” للماوردي، و ” مقدمة ابن خلدون”، وكتاب ” الأموال المشتركة” لابن تيمية وأمثالها، ثم في كتب فقهية عديدة غير متخصصة في المال والاقتصاد، بل تتحدث عن فقه المعاملات، وعن أمور فقهية أخرى.
ويمكن أن يجد المرء عناوين لمؤلفات إسلامية لا يدل اسمها على محتواها ومن الأمثلة على ذلك:
-
كتاب ” الأحكام السلطانية” للماوردي الذي ورد فيه العناوين التالية: ولاية الصدقات، قسم الفيء والغنيمة، ووضع الجزية والخراج، وفي إحياء الموات واستخراج المياه، وفي الحمى والإرفاق وفي أحكام الإقطاع، وفي اوضع الديوان وأحكامه وفيما يختص ببيت المال من دخل وخرج.
-
كتاب ” الخراج” لأبي يوسف حيث جاء في مقدمته ما يلي: ” إن أمير المؤمنين أيده الله تعالى سألني أن أضع له كتابا جامعا يعمل به في جباية الخراج والعشور والصدقات والجوالي.
-
كتاب ” الأموال” لأبي عبيد، وهو كتاب يشتمل على كل ما تعنيه كلمة أموال، لكنها وردت بصيغة أحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-
كتاب المقدمة لابن خلدون والذي تحدث فيه عن ” ديوان الأعمال والجبايات” قائلا: ” اعلم أن هذه الوظيفة من الوظائف الضرورية للملك، وهي القيام على أعمال الجبايات وحفظ حقوق الدولة في الدخل والخرج وإحصاء العسكر بأسمائهم وتقدير أرزاقهم وصرف أعطياتهم.
إ، الذي اختلف في العصر الحديث هو غياب تطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام وما يتفرع عنه من سياسات، إضافة إلى تغير بنود الإيرادات، والنفقات، حيث غابت الإيرادات الناتجة من الخراج والجزية والفيء والغنائم والزكاة، وتعاظمت نفقات الدولة المعاصرة مع تعاظم واجباتها ومسؤولياتها الرعائية بسبب تطور الحاجات العامة والمرافق العامة، فتضخمت نفقات الدولة ما اضطرها إلى فرض ضرائب باهظة على الناس تطال الفقير والغني ومتوسط الحال إلى درجة وصلت نسبتها في بعض الدول الرأسمالية الغنية اقتصاديا ما يعادل 30-40% من دخل الفرد.
تحدث الكاتب ف يالفصل الأول عن طبيعة الملكية العامة للمال، أما في الفصل الثاني فقد تحدث عن الخدمات والمرافق العامة والإنفاق عليها، ثم تطرق في الفصل الثالث لرسم السياسات المالية، وفي الفصل الرابع تحدث عن الإنفاق على تثبيت السيادة للشرع وتثبيت السلطان للأمة، وفي الفصل الخامس استعرض الموازنة في الأنظمة المعاصرة بوصفها أداة تخطيط، ثم عقد مقارنة بينها وبين الموازنة في الإسلام، واستفاض في الحيدث عن الموازنة في الإسلام في الفصل السادس أيضا، أ/ا في الفصل السابع فقد ذكر بالتفصيل مؤسسات الرقابة المالية في كلا النظامين الرأسمالي والإسلامي.
وتطرق الباحث في الفصل الأخير إلى الرقبة في الإسلام قائلا:
قام الكتاب القدامى بتسليط الضوء، على أداة مهمة من أدوات الرقابة على المال، وعلى أمور الدولة الإدارية ألا وهي الدواوين، وأولها من الرعاية والاهتمام درجة تدل على بعد نظر.
وذكر الباحث أنواع الإيرادات التي تدخل إلى بيت المال، وتوسع بشكل لافت في مسألة الضرائب وفي الأموال التي تستحق على المسلم غير مال الزكاة وفنذ مسببات ذلك، وذلك على الشكل التالي:
الضرائب ” التوظيف”: لا تفرض دولة الخلافة على رعاياها ضرائب مباشرة، أو غير مباشرة، أو تصاعدية، أو ضريبة روابت وأجور، أو ضريبة أملاك مبنية، أو رسوما جمركية. هذا هو الأصل، أما الاستثناء، فهو فرض ضرائب على الأغنياء إذا لم تكف موارد بيت المال وعند فرضها لهذه الضرائب، ينبغي على دولة الخلافة مراعاة ما يلي:
-
وجود حاجات فرضت على الموارد الدائمة لبيت المال.
-
وجود حاجات فرضها الشرع على المسلمين كافة، وجعل للدولة الحق أن تحصل المال منهم لقضاء تلك الحاجات.
ج- عدم جواز أخذ رسوم غير الضريبة لحاجة فرضها الشرع، لذلك لا يجوز أخذ رسوم للمحاكم، ولا للدوائر الرسمية، ولا لأي أمر آخر.
د- عدم جواز أخذ المكوس ؛ لأنها محرمة بنص الحديث الذي سبق ذكره.
هـ- عدم جواء أخذ مال من أي مسلم إلا بحق شرعي دلت عليه الأدلة الشرعية.
و- عدم جواز أخذ ضريبة من غير المسلمين ؛ لأن قضاء الحاجات التي فرضها الشرع هو فرض على المسلمين فقط.
ز-أخذ الخراج من المسلم وغير المسلم على الأرض الخراجية.
ح- أخذ الضريبة من المسلمين مما زاد عن نفقتهم، ومما يعتبر عن ظهر غنى شرعا، أي ما زاد عن إشباع حاجاته الأساسية، وحاجاته الكمالية حس العرف.
ط- عدم استخدام فرض الضريبة لمنع الأغنياء من الغنى، ولا لمنع تزايد الثروة.
ي- عدم فرض الضرائب لأجل إيجاد التوازن؛ لأنه لا يوجد دليل شرعي على ذلك، والتوازن ليس من الأمور التي فرضت على الجماعةن بينما سد الحاجات فرض على الأمة.
ك- عدم فرض الضريبة بمقادير تصاعدية أو تنازلية، وإنما تقدر بنسبة واحدة على المسلمين، بغض النظر عن مبلغ المال الذي تؤخذ منه، مع مراعاة العدل بين المسلمين في تقدير تلك النسبة، حيث تؤخذ عن المال الزائد عن الحاجة.
وذكر المؤلف في الخاتمة:
تظهر السياسة المالية في النظام الاقتصادي الرأسمالي من خلال الموازنة السنوية،وهي موازنة تقديرية، أي أن أرقامها هي أرقام تقوم على توقعات ” تنبؤات”، سواء في جانب الإيرادات أم في جانب النفقات، وهي سنوية من حيث المدة الزمنية، فهي تغطي عاما ميلاديا واحدا يبدأ ب 1/1/0000 وينتهي ب 31/12/0000م، ويتم تحضير هذه التوقعات قبل أن يبدأ العام الذي تغطيه الموازنة.
وتصدر الموازنة في الدولة الرأسمالية بموجب قانون يسن كل عام، ويصدقه مجلس النواب، وهو يتألف من عدة مواد تتعلق بالإيرادات والنفقات.
أما في دولة الخلافة فلا توضع موازنة سنوية، ولا يسن قانون لها، ولا تعرض على مجلس الأمة ؛ لأن المقابل لها هو بيت المال، وإيرادات بيت المال ليست تقديرية ولا هي أرقام متوقعة، بل هي أرقام حقيقية، تتعلق بأموال يتم تحصيلها حسب الأحكام الشرعية، وكذلك النفقات، فهي نفقات حقيقية، أنفقت فعلا بموجب أحكام شرعية دائمة لا تتغير بتغير السنين، أي أن بيت المال لا يشبه الموازنة بشكلها المعتاد، من أبواب وفصول ومفردات وإيرادات بيت المال ونفقاته، تمثل ميزانية دائمة يقوم ولي الأمر بتقرير فصولها ومفرداتها حسب الأحكام الشرعية.
وأشار المؤلف إلى أنه من الطبيعي جدا أن يعارض بعض الناس ما يرد في بعض المؤلفات الإسلامية ” ومنها هذا المؤلف” من آراء وأفكار، وذلك لأسباب شتى، منها:
-
إن الناس اعتادوا على النظام الاقتصادي الرأسمالي، وتأقلموا معه في الكليات والجزئيات، ويجدون من الصعوبة بمكان الاقتناع بوجود نظام آخر غير النظام الرأسمالي بحيث يشكل بديلا حقيقيا وناجحا له.
-
إن وجود دول رأسمالية كبرى مثل: أميركا وفرنسا وبريطانيا واليابان وألمانيا وإيطاليا تطبق النظام الاقتصادي الرأسمالي، جعل الناس تصدق خطأ، أن التقدم الاقتصادي الذي تنعم به هذه الدول هو بسبب تطبيقها للنظام الرأسمالي، وليس لأسباب موضوعية أخرى، ما أدى إلى التشبث بهذا النظام، وافتراض الكمال فيه،وعدم الثقة بأي نظام آخر.
-
إن البعض ينظر خطأ إلى النظام الاقتصادي الرأسمالي، بوصفه علما وليس نظاما وهو غير قابل للمراجعة والنقد، مثلما هو علم الرياضيات والهندسة، ولا يقبل نقدا أو تغييرا لأية جزئية فيه، وتأتي هذه النظرة الخاطئة من كونهم يخلطون بن العلم والنظام، أو أنهم يعتبرون النظام الاقتصادي علما للاقتصاد.
وأشار المؤلف إلى غياب تطبيق النظام الاقتصادي في الإسلام، ليس مرده إلى عدم صلاحيته للتطبيق في هذا العصر، ولا لأنه فشل في معالجة الفقر والمجاعة، والتضخم والبطالة والفساد المالي، وتذبذب أسعار العملات، بل لأسباب أخرى، أهمها سيطرة القوي على الضعيف، وسيطرة الغالب على المغلوب، والمستعمر على المستعمر والذي فرض علمه ونظامه وعاداته وأفكاره ونظام حكمه ونظامه الاقتصادي، ثم بذل قصارى جهده لمنع تغييب هذا النظام عن التطبيق.
ولذلك فأن إعادة بناء ثقة المسلمين بأنظمتهم، وبصلاحيتها لكل زمان ومكان، وبأنها أحكام شرعية واجبة الحمل والتطبيق، هو العلاج الناجع، ولا يتأتى ذلك إلا بالمزيد من السعي الدؤوب لوضع هذه الأنظمة موضع التطبيق.
وختاما، إن الأمم تتدافع، والأفكار تتدافع، والأنظمة تتدافع، ومهما أطلقوا عليها من تسميات، فالنتيجة واحدة، وسواء كان الوصف هو حالة حوار، أم حالة صراع، أم حالة وئام وانسجام، فالنيتجة واحدة، والهدف واحد، مهما غيروا في المصطلحات زورا وبهتانا، ولذلك سوف يرى الناس، بإذن الله ووعده في القران الكريم والحديث الشريف، من خي خير أمة أخرجت للناس، وكيف يمكنها إسعاد البشرية إذا ما امتلكت زمام الأمور، بعد أن انكشف الآخرون واستهلكت شعاراتهم، وآخر دعوانا أن الحم لله رب العالمين
بطاقة الكتاب:
عنوان الكتاب: السياسة المالية في دولة الخلافة. اسم المؤلف: د. عايد الشعراوي.
اسم الناشر: دار البشائر الإسلامية. مكان النشر: بيروت. تاريخ النشر 1428هـ/2007م.
عدد الصفحات: 303 من القطع الكبير
الهوامش:
الحمى: محظور لا يقترب منه
الإرفاق: المرفق: ما يرتفق به وينتفع ويستعان، وعند الحنفية هو الحق وهو ما كان تبعا للمبيع ولا بد له منه ولا يقصد إلا لأجله كالطريق، والشرب للأرض.
الجوالي: جمع جالية وأصلها الجماعة التي تفارق وطنها وتنزل وطنا آخر ثم نقلت هذه اللفظة إلى الجزية