هل مصائب الدنيا هي عقوبات على الذنوب ؟
1999/11/24م
المقالات
3,121 زيارة
حين أصاب الزلزال الشديد تركيا في 17/08/99 وتبعه زلازل مدمرة في أماكن عدة صار كثير من الناس يتحدثون بأن هذه الكوارث يرسلها الله على الناس بسبب معاصيهم وكفرهم. وهناك فريق من الناس يفسرون ذلك تفسيراً مادياً بحتاً بحيث لا يرون أية علاقة بين معاصي الناس وبين ما يحدث في الكون من أحداث الطبيعة. وسنحاول، إن شاء الله، في هذه الكلمة القصيرة، أن نبيّن المفهوم الصحيح، ونسأل الله الهداية والسداد.
لا بد من التذكير قبل كل شيء أن هذا الكون بما فيه من أجرام هو مخلوق. خلقه الله تعالى وأخضعه لقوانين وسنن لا تتخلف، إلا إذا شاء الله أن يخرقها في حالات استثنائية، كما يجري المعجزات على أيدي الأنبياء. وقد أودع الله في المخلوقات كلها طبائع وخصائص تسير بموجبها ولا تخرج عنها.
وعلم الله محيط بالمخلوقات قبل أن يخلقها، وعلمه محيط بالكليات والجزئيات، وهو سبحانه الذي قدّر كل شيء لكل زمان ولكل مكان صغيراً كان أو كبيراً، (لا يعْزُبُ عنه مثقال ذَرّة في السموات ولا في الأرض) [سورة سبأ 3]، واللوح المحفوظ (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) [سورة الكهف 49]. إذاً ليس في الكون أو في الطبيعة شيء عشوائي، وليس هناك شيء يحصل صدفة، بل كل شيء منظّم ومرتّب ومقدّر ومقضيّ من لَدُن حكيم عليم.
وهذا يفسّر لنا كيف يستجيب الله دعاء الصالحين الذين يدعون به الآن، فالله يعلم منذ الأزل أن عبده فلاناً سيدعو في وقت ما بدعاءٍ ما، فإذا قَبِل دعاءه فإنه يرتب الأمور ويقدرها بحيث ينجز له طلبه. أي تكون استجابة الدعاء جزءاً من القضاء. وكذلك توفيق الله لعباده الصالحين، فإن الله سبحانه يعلم منذ الأزل أن هذه الفئة من عباده تستحق توفيقه فيرتب الأمور ويقدرها منذ الأزل بحيث يكون التوفيق حليفهم دون حاجة إلى خرق سنن الكون أو تخلف خصائص الأشياء. ومثل ذلك يحصل لمن يريد الله أن يبتليهم أو يعاقبهم، فهو يعلم سبحانه منذ الأزل أن هذه الفئة من الناس تستحق عقوبة ما في الدنيا، وأن تلك الفئة سيبلوها الله بشيء من الابتلاء في الدنيا، فهو سبحانه يقدّر الأمور ويقضيها منذ الأزل بحيث يتم كل ذلك في مواقيته ومقاديره وناسه ضمن سنن الكون وخصائص الأشياء.
لقد مضت سنّـة الله في الأقوام الذين يكذّبون رسله إليهم أن يعذبهم في الدنيا على تكذيبهم. ولكن هذا التعذيب أو الإهلاك غالباً ما يكون بعد إعطائهم الأدلة الكافية والمدة الكافية. فقوم نوح أهلكهم الله بالطوفان ولكن بعد أن لبث فيهم نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً، قال تعالى: (كذبتْ قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدَنا وقالوا مجنونٌ وازدُجِرْ فدعا ربه أني مغلوبٌ فانتصِرْ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر وحملناه على ذات ألواحٍ ودُسُر ) [سورة القمر 9ـ13] وفرعون أهلكه الله مع جنده في نهر النيل بعدما دعاهم موسى وهارون عليهما السلام بالحجج والمعجزات مدة كافية، قال تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فِرْقٍ كالطود العظيم وأزلفنا ثَمَّ الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين ) [سورة الشعراء 63ـ65]. وعاد، قوم هود عليه السلام، أرسل الله عليهم ريحاً صرصراً، قال تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيامٍ نحساتٍ لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولَعذابُ الآخرة أخزى وهم لا يُـنصرون ) [سورة فصلت 16] وثمود، قوم صالح، عليه السلام قال الله فيهم: (فعقروا الناقة وعتوْا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنتَ من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) [سورة الأعراف 77ـ 78] وقوم لوط قال الله فيهم: (إن موعدهم الصبحُ أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مُسوّمةً عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) [سورة هود 81 ـ 83] وقوم شعيب عليه السلام رفضوا الإيمان وتحدّوْه أن يأتيهم بالعذاب، قال تعالى: (قالوا إنما أنت من المسحَّرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسـقـطْ علينـا كِـسَـفـاً من السـمـاء إن كنت من الصـادقـيـن قال ربـي أعلم بما تعملون فكذّبوه فأخذهم عذاب يوم الظُّـلَّـة إنه كان عذاب يوم عظيم ) [سورة الشعراء 185 ـ 189].
وحين أُرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم تغيرت سنة الله في إهلاك الكفار الذين يكذبون رسوله. وبرز هذا التغيير في النصوص التالية:
1ـ قال الله تعالى: (وإذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله مُعذِّبَهم وهم يستغفرون ) [سورة الأنفال 32 ـ 33].
والذي أطلق هذا التكذيب والتحدي هو النضر بن الحارث وأبو جهل، وهذا كان لسان حال مشركي مكة. ولم يأتهم الجواب بالإهلاك بل أعطاهم أمانين: الأمان الأول وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظَهرانَيْهم، والأمان الثاني الاستغفار. وإذا زال الأمان الأول بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الأمان الثاني لا يزول بالكلية.
2ـ قال تعالى: (يستعجلونك بالعذاب ولولا أجلٌ مسمّى لجاءهم العذاب وليأتينّهم بغتةً وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يومَ يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ) [سورة العنكبوت 53 ـ 55].
قال القرطبي ج13/ ص 356: (قال ابن عباس: يعني هو ما وعدتك ألاّ أعذّب قومك وأؤخـرهم إلى يوم القيامة. بيانه (بل الساعة موعدهم).
3ـ قال تعالى: (وما ينظر هؤلاء إلا صيحةً واحدة ما لها من فواق وقالوا ربَّـنا عَجِّلْ لنا قِطّنا قبلَ يوم الحساب ) [سورة ص 15 ـ 16].
قال القرطبي في تفسيرها: «ينظر» أي ينتظر. «هؤلاء» يعني كفار مكة. «إلا صيحةً واحـدة» أي نفخة القيامة. «قطنا» قال مجاهد وقتادة: عذابنا.
4ـ قال تعالى: (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه) [سورة الأنعام 12] قال القرطبي في تفسيرها: «كتب على نفسـه الرحمة» أي وعد بها فضـلاً منه وكرماً، ولذلك أمهل.
5 ـ قال تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلاّ أن كذَّب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً ) [سورة الإسراء 59].
قال القرطبي في تفسيرها: (وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذّبوا بها فيهلكوا كما فُعِل بمن كان قبلهم … فأخّر الله تعالى العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمناً … إنهم طلبوا أن يحوّل الله لهم الصفا ذهباً وتُتَنحى الجبال عنهم، فنزل جبريل وقال: «إن شئتَ كان ما سأل قومُـك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يُمْهَـلوا، وإن شئتَ استأنيتُ بهم» فقال: «لا، استأنِ بهم»).
6ـ قال الله تعالى: (ولا تحسبَنَّ الله غافلاً عما يعملُ الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [سورة إبراهيم 42].
وهذا خطاب من الله للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن اشتد استفزاز المشركين وتحديهم له واستهزاؤهم به وبالعذاب الذي يهددهم به. وهذا الاستهزاء والتحدي والاستفزاز يبرز في قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تَفْجُـرَ لنا من الأرض يَنْبوعاً أو تكونَ لك جَنّـةٌ من نخيل وعِنَبٍ فتفجِّـرَ الأنهارَ خلالها تفجيراً أو تُسْـقِطَ السماءَ كما زعمتَ علينا كِسَفاً أو تَأتيَ بالله والملائكة قبيلاً أو يكونَ لك بيتٌ من زُخْـرُف أو تَـرْقى في السماء ولن نؤمن لرقيِّـكَ حتى تنزِّل علينا كتاباً نقرؤه قل سـبحـانَ ربـي هـل كـنـتُ إلا بشـراً رسولاً ) [سورة الإسراء 90 ـ 93] وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم حزيناً متألماً. فأنزل الله عليه تسلية له بأن الله ليس غافلاً عنهم إنما يؤخرهم إلى يوم القيامة.
لقد تحدثنا حتى الآن عن الأقوام الذين يأتيهم رسل الله فيكذبونهم. فما هي سنّـة الله في الناس بشكل عام، أي حين لا يكون هناك رسول بين ظَهرانَيْهم يدعوهم إلى الله، كما كانت الحال في الفترة بين رسول ورسول، أو كما صارت الحال واستمرت منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
هذه الحال العامة للناس تحكمها النصوص التالية:
1ـ قال الله تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابّـة ولكنْ يؤخرهم إلى أجل مُسمّى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) [سورة النحل 61].
2ـ قال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّـة ولكن يؤخرهم إلى أجل مُسمّى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً ) [سورة فاطر 45].
3ـ قـال تـعـالـى: (وربـك الـغـفـور ذو الـرحـمـة لو يـؤاخـذهـم بـمـا كـســـبــوا لـعــجّـل لـهـم الـعـذاب بـل لـهـم مـوعــد لـن يجــدوا مـن دونــه مـوئــلاً ) [سورة الكهف 58].
4ـ قال تعالى: (ولا تحسـبـنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [سورة إبراهيم 42].
5 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليومَ عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل» [رواه البخاري].
هذه النصوص الخمسة وما كان في معناها تفيد بوضوح أن الله سبحانه لم يجعل الدنيا دار حساب بل هي دار عمل، والحساب غداً. واستيفاء الحساب يكون يوم القيامة الذي يسمى يوم الـحـسـاب (وإنما توفـون أجـوركـم يـوم القيامة) [ آل عمران 185 ].
أما ما يصيب الناس في الدنيا من المصائب فهذه تحصل بحسب سنن الكون وخصائص الأشياء التي أودعها الله فيها، وهي تصيب المـؤمـن كمـا تصـيب الكافر، وتصـيب الـتـقـي كما تصيب الشقي.
والمصائب في الدنيا ليس من الضرورة أن تكون عقوبة من الله على معصية، وليس من الضرورة أن تكون انتقاماً إلهياً من العبد المصاب. فهذا قول الله تعالى مخاطباً المؤمنين: (ولنبلُوَنّـكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّـا لله وإنّـا إليه راجـعـون أولئك عليهـم صـلـوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [سورة البقرة 155 ـ 157]. وهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلى الرجلُ على حسب دينه. فما يبرحُ البلاءُ بالعبد حـتـى يتركه يـمـشـي على الأرض وما عليه خطيئة» [رواه البخاري].
فالمؤمن الذي يصاب ويصبر ويحتسب ذلك عند الله تكون المصيبة نعمةً عليه وليست نِقمة، فهي تحط من سيئاته وتزيد في حسناته يوم القيامة.
وأما الكافر الذي يُصاب فإن مصيبته لا تكون محواً لسيئاته ولا زيادة في حسناته يوم القيامة، لأنه ليس له حسنات يوم القيامة، قال تعالى: (وقَدِمْنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً ) [سورة الفرقان 23]. وقال تعالى: (يومَ يُـعرض الذين كفروا على النار أذهبتمْ طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليومَ تُجزوْن عذابَ الهونِ بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) [سورة الأحقاف 20].
وقد وردت كلمة (عذاب) في النصوص الشرعية بمعنى العقوبات التي أمر الله بإيقاعها على العصاة، مثل قوله تعالى: (وليشهد عذابَهما طائفة من المؤمنين ) [سورة النور2]، ومثل: (ويدرأ عنها العذابَ أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) [سورة النور7].
وقد وردت كلمة (عذاب) وكلمة (عقاب) وكلمة (هلاك) وكلمة (تدمير) وكلمة (استبدال) في النصوص الشرعية بمعنى ما يصيب الناس من أذى أو مصائب بحسب سنة الكون، وبحسب الأسباب والمسببات، مثل قوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [سورة الأنفال 68]، أي أن ترك القتل أثناء المعركة والحرص على الأسر طمعاً بأخذ فدية الأسير قد يؤدي إلى خسرانكم المعركة وأن تصبحوا أنتم القتلى والأسرى. ومثل قوله تعالى: (قاتلوهم يعذّبْهم اللهُ بأيديكم ويخزِهِمْ وينصرْكم عليهم ويَشْفِ صدورَ قومٍ مؤمنين ) [سورة التوبة 14]. ومثله قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمرناها تدميراً ) [سورة الإسراء 16]، وذلك حين تقع حروب أهلية بسبب كثرة الفساد، أو يطمع عدو خارجي حين يرى تلك القرية غارقين في الترف واللذات ومهملين في أسباب القوة والجهاد. ومثله قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [سورة محمد 38]. فتولِّي المسلمين عن شريعة الله سيؤدي بهم إلى التمزق والضعف ما يجعل أعداءهم يقضون عليهم حتى يأتي من الأمة غيرُهُم يتمسكون بدين الله. ومثله قوله تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) [سورة طه 123 ـ 124]. ومثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وقد سُـئِل: «أنَهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كَـثُر الخبث» [رواه البخاري ومسلم]. ومثل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشكَنّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعُنّه فلا يستجاب لكم» [رواه الإمام أحمد والترمذي].
هذه النتائج التي تنتج حسب قانون السببية ليست هي الحساب على الذنوب، بل الحساب على الذنوب سيأتي يوم القيامة. لاحظوا قوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتَها وكذلك اليومَ تُنسى ) [سورة طه 124 ـ 126]. فالإعراض عن ذكر الله (أي شرع الله) تنتج عنه المعيشة الضنك (أي الشقاء) في الحياة الدنيا، وهذا الشقاء لا يجبر عن صاحبه عذاب يوم القيامة. العذاب الدنيوي الذي يجبر عن صاحبه عذاب يوم القيامة هو العقوبات الشرعية من حدود وتعزير، إذ إن هذه العقوبات هي زواجر وجوابر. أما المصائب والأمراض التي تحصل جراء الأسباب والمسببات فهذه ليست عقوبات تجبر عقوبات يوم القيامة. فالذي يرتكب الزنا ويصاب بمرض الآيدز مثلاً لا يقال بأن هذه هي عقوبته عجلها الله له في الدنيا ليسقطها عنه في الآخرة. بل مرض الآيدز هو نتيجة حينما تتوفر أسبابه، وتبقى عقوبة الزنا إلى يوم الحساب.
أما الأمور التي تحصل في الكون، وليس للإنسان فيها أي دور، مثل الزلازل والأعاصير والفيضانات والبراكين وانحباس المطر وشدة الحر وشدة البرد وما ينتج عنها من آثار، فإنها من أفعال الله وحده، حسب السنن التي أودعها الله في الأشياء، هذه الأمور تصيب الناس لا فرق بين مؤمن وكافر، ولا بين صالح وطالح. وهي ليست شراً بالمعنى الشرعي للشر. وهي بالنسبة للمؤمنين ابتلاء فإن صبروا واحتسبوا كانت خيراً ونعمة. وهي بالنسبة لجميع الناس: مؤمنين وكافرين آية من الله تدعوهم للتفكر والاعتبار، وهي تخويف لهم من عاقبة إهمالهم واستغراقهم في الشهوات العابرة ونسيانهم ما هم مقدمون عليه من نعيم أو جحيم.
إن هذه الأحداث لا تحدث عشوائياً ولا صدفة، إنها تحدث حسب التقدير والترتيب الذي اختاره الله سبحانه بحكمته وعلمه.
اللـهـم اقدر لنا الخير والتوفـيـق الذي يرضـيـك حيث كنا وحيث كان. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) .
1999-11-24