الخلافة المرتقبة والتحديات (10)
2007/05/24م
المقالات
1,971 زيارة
الخلافة المرتقبة والتحديات (10)
قلة الموارد والإمكانيات مقارنةً مع حجم التحديات
إن مسألة قلة الموارد والإمكانيات، أو كثرتها داخل الدولة الإسلامية عند قيامها، يعتمد أولاً على مكان قيام هذه الدولة، وعلى إمكانيات هذه الدولة، سواء أتعلقت بالطاقة البشرية أم الطاقة الماديّة أم المواد الخام الأولية، لكن الأمور يجب أن تُحسب على أسوأ التقديرات، خاصّة وأن الدولة غالباً ما تواجه حالة من الحصار الاقتصادي والحرب الماديّة ومحاولاتٍ لتأليب الدول المجاورة عليها، كما ذكرنا أثناء حديثنا عن الحرب المادية والحصار.
غالباً ما تكون التحديات كبيرة في بداية الأمر، وقد تكون الإمكانيات الموجودة قليلة مقارنة مع ذلك، فكيف تتأقلم الدولة مع هذا الواقع، وكيف تحصّن نفسها به أمام هذه التحديات الكبيرة؟!
أولاً: يجب على الدولة والقائمين عليها أن يبحثوا في كلّ السبل والمجالات والإمكانيات المتاحة، سواء أكانت داخليّة أم خارجيّة؛ لتوفير الضروريّات في الوقوف والصمود، وأول هذه الضروريّات الطعام والشراب لجميع أفراد الرعية في الدولة، وما يلزم ذلك من طاقةٍ كهربائية أو وقود أو معدّات لتسيير أمور المأكل والمشرب، فمسألة إيجاد الطاقة مرتبطة بالحاجات الضرورية ارتباطاً وثيقاً؛ لأن معظم أنواع الغذاء يحتاج إلى طاقة، واستخراج المياه كذلك يحتاج إلى طاقة.
فهذه الحاجات (المأكل والمشرب وما يرتبط بها من وسائل استخراج) ضرورية جداً، وهي أهم الضروريّات لبقاء الدولة وصمودها أمام حملات التصفية، والصدّ عن سبيل الله التي ستقودها الدول العظمى، والدول العميلة المجاورة لهذه الدولة، وقد حاول الكفار -قبل قيام الدولة في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وبعد قيامها في المدينة المنورة- منعها عن المسلمين حتى يعلنوا استسلامهم.
وقد تحدثنا عن مسألة توفير الطعام والشراب أثناء حديثنا عن الحصار، ومن أبرز هذه الأمور تطبيق سياسة من التقشف مقارنة مع ما هو موجود من إمكانيات بحيث تكفي مدة طويلة من الحصار، وكذلك تطبيق سياسة التكافل الاجتماعي بين الناس وخاصّة في ضروريات العيش كما طبق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك في بداية وصوله للمدينة المنورة في التآخي بين الصحابة، ومحاولة التوسّع في الإنتاج الزراعي أو تصنيع المواد الغذائية ما أمكن إلى ذلك من سبيل، وأيضاً يجب على الدولة أن تعمل على إيجاد سياسةٍ للتوزيع الغذائي وخاصّة إذا انحصرت روافد هذا الإنتاج ومصادره.
أما مسألة الطاقة فهي مسألة حسّاسة جداً، خاصّة وأن الماء والغذاء يرتبط في أغلبه بها، وهذا الأمر يحتاج إلى بذل الجهود في تقنين استعمال موارد الطاقة وأن يُقتصر في ذلك على الحاجات الملحة والضروريّة جداً، فأدوات النقل مثلاً يُقنّن استعمالها في الحاجات الملحّة ولا يُسمح بتسييرها لأي حاجة كالسابق؛ لأن الأمر هنا صار مرتبطاً بحاجة ضرورية وببقاء الدولة واستمراريتها.
الأمر الثاني: هو تفعيل كلّ قدرات العلماء وتقنيتهم في البحث عن وسائل مساندة للطاقة مثل الطاقة الشمسية في الإنارة وتشغيل المحركات، أو الطاقة المائية إن وجدت، وهذا الأمر فيه إمكانية الإبداع، خاصة وأن المجالات العلميّة تستطيع أن تبتكر وتُبدع في ذلك، ولا يقتصر في إثارة الإبداع وتحفيزه على علماء الدولة الإسلامية، بل يحاول القائمون على الأمر شراء العقول من الخارج، وشراء البرامج العلمية المطورة من العلماء ومراكز الأبحاث.
الأمر الثالث: تنظيم حملاتٍ سريّة بواسطة خبراء في الداخل والخارج لتهريب مصادر الطاقة ووقودها، وتهريب المواد الغذائية ما أمكن إلى ذلك من سبيل، عن طريق الحدود البرية للدول المجاورة، وعن طريق المعابر المائية، وعن كل الطرق الممكنة، وهذا الأمر فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته في مسألة الغذاء أثناء حصار الشِّعَب في مكة المكرمة، حيث كانت تصله شحنات من الغذاء بطريق السرّ من بعض المتعاطفين في مكة. روى ابن اسحق قال: «وقد كان أبو جهل بن هشام، فيما يذكرون، لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الشِّعَب، فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟! والله لا تذهب أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فجاءه أبو البحتري بن هشام بن الحارث بن أسد فقال ما لك وله؟! فقال: يحمل الطعام لبني هاشم! فقال أبو البحتري: طعام كان لعمته عنده بعثت به إليه، أتمنعه أن يأتيها بطعامها؟! خلِّ سبيل الرجل. قال : فأبى أبو جهل لعنه الله حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البحتري لحْيَ بعير فشجّه ووطئه وطئاً شديداً…».
الأمر الرابع: هو محاولة البحث عن منابع للبترول إن وجدت، و محاولة زيادة إنتاجها إن كانت موجودة أصلاً، وذلك بكل الوسائل والطرق الممكنة، عن طريق إغراء الشركات البترولية أو عن طريق إغراء بعض الدول بنصيب كبير من الإنتاج، وذلك كما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما عرض على غطفان ثلث ثمار المدينة مقابل رجوعهم عن حرب المسلمين في الخندق، قال ابن اسحق: «… فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرابطاً، وأقام المشركون يحاصرونه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بينهم إلا الرَمِيّا بالنبل. فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) -كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ومن لا اتهم عن الزهري،- إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المرّي، -وهما قائدا غطفان- وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهم عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة. فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه. فقالا: يا رسول الله، أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ فقال: بل شيءٌ أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما…».
كل ذلك تفعله الدولة من أجل سدّ الخلل الناتج عن الحصار، ولا يسمح أيضاً للشركات الأجنبية الموجودة قبل قيام الدولة بنقل معداتها البترولية، وتعتبر هذه المعدات حاجةً ضروريّة حتى يتمّ فكّ الحصار نهائياً.
هذه هي أبرز الأمور في التعاطي مع مسألة الغذاء والطاقة، فهي عبارة عن محاولات في الصمود والتصدّي في وجه الحصار؛ لأن الدولة لا تملك خوارق عادات، وإنما تتعامل مع الطاقات الممكنة، وتحاول جهدها لفكّ الحصار وكسره بكل ما أوتيت إلى ذلك من سبيل.
هذا ما يتعلق بمسألة محدودية الإمكانيات في الحاجات الضرورية مقارنة مع عظم التحدّيات الداخلية والخارجية في بداية قيام الدولة الإسلامية المرتقبة.
أما ما يتعلق بمسألة التسلّح فهي مسألة مهمة كذلك في هذه المرحلة، لأن السلاح ضروري لأمرين:
الأول: المحافظة على الأمن الداخلي من الثورات ضد النظام، والثاني: صدّ المحاولات الخارجية من قبل أعداء الله في كسر شوكة الدولة الإسلامية.
والحقيقة أن مسألة التسلّح أيسر قليلاً من مسألة الطاقة، لأن الطاقة إن وجدت فإنه يمكن إيجاد كثير من السلاح وتصنيعه، وعلى الدولة أن تضع الخطط والأساليب على النحو الآتي لتوفير السلاح وبأقصى طاقة ممكنة:
أولاً: العناية بما هو موجود من جميع أنواع الأسلحة والعمل على صيانتها والعناية بها، ومحاولة إيجاد قطع الغيار الضرورية لها بكل الوسائل المتاحة، والسبب هو أن الدولة في حالة حصار ومن الصعب إدخال معدات ثقيلة إلى داخل الدولة.
ثانياً: تحفيز الخبراء والصناع لإيجاد الدراسات وورشات التصنيع الحربي بكل الوسائل الممكنة أيضاً، سواء أكان ذلك على مستوى الأسلحة البسيطة أم الثقيلة. وهذا الأمر ليس صعباً إن وجدت النوايا الصادقة والخبراء ومصادر الطاقة اللازمة، ومصادر المعادن.
ثالثاً: إيجاد طواقم من الخبراء في الداخل والخارج للعمل على وضع خطط لتهريب الأسلحة عن طريق الدول المجاورة، وتهريب البرامج في التصنيع الحربي وحتى البرامج في الأسلحة غير التقليدية، فليس صعباً على أهل الدراية في هذا المجال شراء الأسلحة بطريقة سرية، وليس مستحيلاً كذلك -وإن كان صعباً- تهريب هذه الأمور إلى داخل الدولة.
هذا ما يتعلق بمسألة التسلح في وقت الحصار ومحدودية الإمكانيات. وقد ذكرنا أن هذه الأمور لا تنفصل عن محاولات الدولة بشكل حثيث لكسر هذا الحصار، وإنهائه بكل السبل الممكنة، سواء أكان ذلك عن طريق المحافل الدولية ومخاطبة الشعوب في العالم الكافر، أم كان ذلك عن طريق مخاطبة الشعوب في الدول المجاورة وفي دول العالم الإسلامي، أم كان عن طريق القوة العسكرية والحرب، إذا رأت الدولة في نفسها كفاية في فكّ هذا الحصار عن طريق ضمّ دول مجاورة لجسم الدولة، أم عن طريق إعلان الحرب الفعلية من أجل هذه الغاية.
والحقيقة أن مسألة عامل الوقت في مدّة صمود الدولة الإسلامية أمام هذه العقبات ليس في صالح الدول الكافرة، وليس في صالح الدول المجاورة كذلك؛ لذلك يمكن القول: إن إطالة عمر الصمود في وجه الحصار دون تصدّع الدولة هو نجاح عسكريٌّ للدولة في بداية الأمر، وهو كذلك نجاحٌ سياسيٌّ على كل الدول الكافرة والعميلة لها.
[يتبع]
أبو المعتصم – بيت المقدس
2007-05-24