بريد «الوعي»: الجهاد بالكلمة
1987/10/25م
المقالات
3,451 زيارة
عن أنس رضي الله عنه، أن النبي ﷺ، قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وأَلْسِنَتِكم» رواه أبو داود بإسناد صحيح. فالجهاد في سبيل الله واجب إسلامي قامت عليه دولة الإسلام، وما تزعزعت إلا منذ تراخينا عن الجهاد. والجهاد يتّخذ أشكالاً عدة أهمها:
l الجهاد بالنفس في ساحات المعركة والمواجهة مع قوى الشرك والنفاق.
l والجهاد بالمال بحيث نوجّه كل طاقاتنا المادية لنصرة دين الله وإعلاء كلمته في كل مكان.
l والجهاد بالكلمة، كلمة حق، هو مدار حديثنا الآن.
إن الأفكار الغربية الهَدّامة لم تزل منذ ظهر الإسلام تزحف نحو ديار المسلمين بدافع الغير التي تلتهم ضمائر الكفار، فيحاولون أن يبثّوا سمومهم في عروق شبابنا، ويستميلون أحياناً ـ وهو المؤسف. وعلينا أن نسألك ما الأسباب؟
إن الشاب المسلم في عصرنا الحاضر فقد ارتباطه الروحي بدين الإسلام وقِيَمه، فأصبح أرضاً خصبة للتجارب الفكرية الغربية، وبات يترقب وسائل الرقيّ والإصلاح الحديث من أخْذِها ونسخها ونِسبتها إليهم بعد تشويهها.
من هنا، كان على المسلم الملتزم واجب التنبيه للمؤامرات التي تحاك ضد الأمة وتتسلل في غيبة أعين الرقباء إلى نفوس المسلمين الذين جعلوا انتماءهم إلى دينهم شكلياً.
في مجتمعاتنا اليوم الكثير من الآفات الأخلاقية والآثام والمعاصي التي ترتكب ولا نجد من يضع لها حداً. وما ذلك إلا لأننا انصرفنا ـ كلٌّ إلى ذاته نبحث عن أسباب معيشتنا أو نؤمّن رزق عيالنا… وكفى.
إن الله لا يرضى عن هذا أبداً!
يجب أن نجاهد في الله حق الجهاد، ونتصدى لكل ما يخدش صورة الإسلام، ولا سيما أننا نرى الكثير من حملة الرسالة يتهاونون في الذود عنها. وأخشى أن يكون بعضهم يطعنها بسوء تطبيقه لمضمونها، أو باكتفائه بتطبيق الجوانب الثانوية التي لا يعوّل عليها وحدها في بناء المجتمع الإسلامي.
ليس على المسلم أن يسكت عن أي شيء يجد فيه خروجاً على الدين، إذ أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولا أظنّ أن مسلماً يرضى أن يكون شيطاناً والعياذ بالله. إن سكوتنا يتيح المجال أمام الكثير من المتردّدين الذين كانوا يلجأون في فسقهم إلى التستر، وأصبحوا يجاهرون الله بالفسوق ويرتكبون الموبقات علانية دون خجل، بل أنهم يتفاخرون ويدّعون أنها من سيم الرقي والحضارة.
علينا ـ نحن الشباب المسلم ـ أن نحمل عقيدة الإسلام، أن نعضّ عليها بالنواجذ، وأن نصبر عليها كالقابض على الجمر، وأن لا ندّخر جهداً في إظهار مساوئ الفكر المستورد من هنا وهناك دون رسوم جمركية!
أخشى أن تكون صفة الرجعية، التي ألصقها بنا أدعياء التقدمية وأصحاب الفلسفات المادية، تستمد سلطانها وقوتها من ممارسات بعض المسلمين الذين فهموا الدين فهماً خاطئاً فساهموا في إضفاء صفة الانزواء والرجعية على الدين، وهو من كلّ هذا براء.
إن المفهوم الروحي للإسلام، وهو شيء أساسي، يجب أن يُدعم بنتاج فكري، وعمل دؤوب، وجهاد متواصل لترسيخ المفاهيم الروحية، وإلا فقدت قيمتها.
أيها الشاب المسلم، إن واجباتكم اليوم خطيرة وشاقة. خطيرة لأننا نواجه أعداء لديهم تنظيم وتنسيق متكامل يدافعون عنه رغم بنائه على باطل. وشاقة لأننا نفقد وحدة الكلمة، ولأننا نرى بعض المسلمين يسيرون في ركاب أصحاب الأفكار الهدامة، مما يؤدي إلى تصادم بين المسلمين إن لم نأخذ الأمور بحيطة وحذر.
رغم هذا، نحن نملك الأسلحة الكفيلة بالنصر. ولا أعني أسلحة الميدان فإنها لم تنصر محمداً ﷺ، وإنما نصره الله بالرعب قذفه في قلوب الأعداء. فلنقاوم الفكر الهدّام، لا خوفاً على الدين فالله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وإنما خوفاً على أبناء هذا الدين. ولنحافظ على التراث الإسلامي، ولنعد إلى الأصالة في رحاب القرآن والسنة. قال رسول الله ﷺ: «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
فهل نكون من أصحاب أضعف الإيمان؟ لا. لأننا نستطيع أن نغير ما في مجتمعنا من فسادٍ وإثم بأيدينا وألسنتنا. إن نفوس المسلمين بعد الأزمات الأخيرة باتت تشعر بالفراغ الروحي بعد أن فشلت الحلول المستوردة بل زادت الطين بله. لذلك جاء دورنا كي ننهض بعبء الإصلاح، ونحن روّاده، لتعلم الدنيا أن الحلول التي يبحث العالم عنها، جاء بها الإسلام منذ قرون طويلة، وهي صالحة لجميع الأزمنة والأمكنة.
أبو محمد ـ البقاع ـ لبنان
إخوتي وأحبتي أسرة مجلة «الوعي» السلام عليكم ورحمة الله. نشكركم على الجهود الجبارة التي بُذلت في سبيل مجلة كل المسلمين «الوعي». هذه المجلة القيّمة وما تتطرق إليه من مواضيع الساعة، وما نعانيه من مشاكل فكرية. وأتمنى على إخوتي في مجلة «الوعي» نشر هذه المقالة.
قضيتنا
قضية المسلمين الأولى ليست هي مشكلة فلسطين، ولا مشكلة لبنان، ولا مشكلة أفغانستان، ولا مشكلة إيران مع العراق، ولا غيرها من المشاكل الجزئية. كل هذه وأمثالها فروع نشأت حينما ضيَّع المسلمون العمل بكتابتهم وسنة نبيهم. ويظن قصيرو النظر من المسلمين أن بإمكانهم أن يحلّوا مشاكلهم دون العودة إلى الإسلام، ولكن هيهات.
قضية المسلمين الأولى هي عودة الإسلام كاملاً إلى الحياة، باستئناف الحياة الإسلامية في البلاد الإسلامية، وحمل الرسالة الإسلامية إلى العالم. وهذا لا يتمّ إلا بإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة الراشدة. إذ أن أحكام الإسلام منها ما يطبقه الأفراد ومنها ما يُطبقه الخليفة أي الدولة الإسلامية. فإذا غابت الدولة، تعطل القسم الأكبر من الشريعة الإسلامية.
والدولة الإسلامية هي التي توحد المسلمين في كيان واحد بدل أن يكونوا ممزقين في أربعين دولة كما هو حالهم اليوم. ومن ثم فلن يبقى مشاكل حدود بين المسلمين. والدولة الإسلامية هي دولة المسلمين كافة، فليست هي دولة قومية أو عنصرية أو إقليمية، ومن ثم فلا يبقى مشاكل عنصرية بين المسلمين، وليست هي دولة مذهب معين، بل يتبنى الخليفة الحكم الشرعي الأقوى من أي مذهب من المذاهب الإسلامية، والدولة الإسلام هي التي تُعِد الجيوش للجهاد، فلا يمكن مع وجود الدولة الإسلامية أن يستفرد الكفار بجزء من بلاد المسلمين يحاربونه، ويظل باقي المسلمين مكتوفي الأيدي، كما حصل في هجوم إسرائيل على لينان سنة 82، وكما حصل من اعتداء على ليبيا، وكما هو متوقع أن يحصل على سورية، وكما حصل من احتلال اليهود لفلسطين من قبل، وكما هو حاصل من سيطرة الكفار على كثير من بلاد المسلمين واحتلالهم لها. فلو كان للمسلمين دولة توحّدهم وتجيّش جيوشهم لأصبحوا مرهوبي الجانب، ولأصبحت الدول الكبرى تحسب لهم ألف حساب. أما الآن، فإن أحقر الدول وأجبن الشعوب (ونعني اليهود) صاروا يطمعون في بلاد المسلمين ويتمادون في إذلالهم. فتارة يضربون العراق في المشرق، وطوراً يضربون تونس في المغرب، ويهددون دول الخليج، فضلاً عن احتلالهم لفلسطين وأرض من سوريا والأردن ومصر ولبنان.
وصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «يُوشِكُ أن تداعى عليكم الأمم كما تَداعَى الأكلّة إلى قَصْعَتِها قالوا: أوَ مِنْ قِلّة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا، إنكم يومئذٍ كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل، ولنزعَّن الله المهابة منكم من صدور عدوّكم وليَقذِفَنَّ في قلوبكم الوهن، قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت».
باختصار يجب ضرب الأحكام التي بها تُرعى شؤون الناس، وتعالج بها مشاكلهم، وضرباً لأفكار كفر وأحكام كفر بوصفها كفراً، بأفكار إسلامية وأحكام إسلامية بوصفها إسلامية ليس غير. هذه هي الطريقة التي تجعل الوقائع والحوادث تنطق بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصدقها، وهي الاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام، أي ببث أفكار الإسلام وأحكامه على الأساس السياسي. وبعبارة أخرى، حمل الدعوة الإسلامية في الطريق السياسي. ومن هنا ندرك السر في الحملة التي قام الكفار بواسطة المأجورين من المسلمين لإبعاد المسلمين عن السياسة وتنفيرهم منها، وجعلها تتناقض مع سموّ الإسلام وروحانيته. وندرك السر في محاربة الدول الكافرة والحكام والعملاء للكفار للحركات الإسلامية السياسية، لأنها تدرك أن هذه الحركات هي وحدها التي تنهض الأمة وتقيم الدولة وتضرب الكفر وترجع مجد الإسلام ولن تعود ثقة الأمة الإسلامية بالإسلام، ولن تنهض، ولن تقام الخلافة وترجع الدولة الإسلامية إلا بالاشتغال بالسياسة على أساس الإسلام. وعلى هذا، فقضية إنقاذ الأمة الإسلامية من الفناء هي إعادة ثقتها بصحة أفكار الإسلام وأحكامه وصلاحيتها.
هذه هي الطريقة التي أوجد بها رسول الله ﷺ الأمة الإسلامية والدولة الإسلامية، فالعمل الوحيد الذي يجب على المسلمين اليوم أن يقوموا به قبل أن يقوموا بأي عمل آخر هو إقامة الدولة الإسلامية أي إعادة الخلافة الإسلامية، وطريق ذلك ثورة فكرية سياسية تدمر الأفكار الباطلة وتحطم الحُكم الفاسد.
مصطفى المسلم ـ الجامعة اللبنانية ـ الجنوب.
تفرد «الوعي» هذا الباب للأخوة القراء للإجابة على أسئلتهم، وذلك استجابة لرغبة الكثيرين منهم. وفي هذا الباب، نجيب على تساؤلات القراء الشرعية، خصوصاً تلك التي يصعب الحصول على إجابة لها.
وفيما يلي ردود على أسئلة تقدمت بها الأخت القارئة ثروت ـ ر، الطالبة في كلية بيروت الجامعية:
1- إن إبليس لم يكن من الملائكة، فهو غير مأمور بالسجود لآدم، فكيف يعاقب على مخالفته أمراً لم يوجّه إليه؟
إن مسألة إبليس: هل كان من الملائكة أم لم يكن قد اختلف فيها أهل العلم، فهناك من قال إنه كان ملاكاً بدليل دخوله في طلب السجود، فقالوا عن الملائكة صنفان: صنف خلق من نور وهم غالبية الملائكة،وصنف خلق من نار. وإبليس كان ملاكاً مخلوقاً من نار مثل الجن. وهناك من قال إنه لم يكن ملاكاً بل كان بين الملائكة، وكانت له مرتبة الملائكة ومعاملة الملائكة، ولذلك دخل في الخطاب.
حجة الذين قالوا أنه لم يكن ملاكاً قوله تعالى في سورة الكهف: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) وإنما تناوله الأمر لأنه كان بين الملائكة وكانت له مرتبة الملائكة وكان يعامل معاملة الملائكة. وقالوا بأن استثناء إبليس من الملائكة لا يدل على أنه ملاك لأن هذا استثناء منقطعاً وليس استثناء متصلاً.
وفي اللغة، فإن الاستثناء لا يدل دائماً على أن المستثنى هو من جنس المستثنى منه، فقد يكون المستثنى من جنس المستثنى منه فيكون الاستثناء متصلاً، وقد يكون من غير جنسه فسمى الاستثناء منقطعاً، وهناك جوانب بلاغية في استعمال الاستثناء المنقطع.
2- نعلم أن إبليس طرد من الجنة عقب إبائه السجود. فكيف وصل إلى آدم في الجنة حتى أغواه ودلاّه وزجه بغروره؟
لم يشرح القرآن والحديث كيف أمكن لإبليس دخول الجنة بعدما طرد منها. وقد فهم العلماء أنه منع من دخولها دخول تكريم، أما دخول اللصوص فلم يمنع منه.
3- هل آدم نبي ورسول؟
نعم، آدم عليه السلام نبي ورسول. والرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه يشرع غيره من الرسل وأمر بتبليغه. وآدم أوحي إليه بشرع فيه أمر ونهي ولم يكن قبله رسل. فالآية: (وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) تدل على رسالته. وأيضاً فإن الله تعالى قال: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)، ومعنى اجتباه أي اصطفاه. وقد وردت أحاديث في السنة تدل على نبوة آدم عليه السلام.
ونحب أن نلفت أنظار قرائنا الكرام وأنظار جميع المسلمين أن يبحثوا ويسألوا عن الأمور الهامة التي تلعب دوراً في أعمالهم وأسس تفكيرهم. فمثلاً: ماذا يهم المسلم لو عرف كيف دخل إبليس الجنة أو لم يعرف؟ فلو كان مهماً لبيَّنه لنا القرآن أو السنة. وكذلك ما همّنا لو عرفنا أن إبليس كان ملاكاً أو كان غير ملاك ولكن برتبة الملائكة؟ المهم معرفته أن إبليس وذريته من الشياطين هم أعداء لنا يحاولون إغواءنا لإدخالنا النار. والمهم معرفته كذلك أن هناك شياطين من الإنس كما أن هناك شياطين من الجن، تغوي وتزين المعاصي، فلنحذر منهم ولنتخذهم أعداء.
وحين يختلف الناس: هل آدم رسول أو لا، فمن قال إنه رسول فإنه لا يأخذ شرعه من آدم عليه السلام، فالبحث عن رسالة آدم لا ينبني عليها أمور عملية، ولا ينبني عليه إلا الاعتقاد بنبوته أو برسالته. أما الرسالة التي نحن مأمورون عملياً بالبحث عنها وفهم أحكامها واتباعها، فهي رسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد ﷺ.
1987-10-25