إمارة الصبيان والسفهاء
أم إمارة الخلفاء الراشدين
أبو إسراء – بيت المقدس
إن حكام المسلمين في هذا الزمان سفهاء ، رأيهم مضطرب لا استقامة له، وهذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ولا أخاله يخفى على أحد ، فمنهم من يبدد الأموال الطائلة التي تفوق الخيال من أجل بناء قصر أو يخت أو حفل زفاف أو سهرة ماجنة ومنهم من ينطق بالكفر الصراح ويتبجح بذلك قائلا : إن مشكلة ( الإرهاب) ليست الأردن أو الولايات المتحدة أو السعودية، وإنما المشلكة تكمن بداخل الإسلام، ويفاخر بمساعدته الأميركيين في ملاحقة المسلمين وقلهم، ومنهم من يفاخر بأنه جند سبعين ألف جندي أو يزيدون ليشاركوا في تعقب من أسماهم بالإرهابيين في الجبال والوديان ، وكل هؤلاء الحكام مسلوبو الإرادة خدم لإسيادهم الكفار، مذمومون شرعا، يحمون بغير ما أنزل الله ، وكفى به سفها. في حين أن حكام المسلمين زمن الخلافة كانوا راشدين محبين لأمتهم حريصين عليها، فأي الفريقين أحق بالحكم؟!
لقد بينت لنا الأحاديث النبوية الشريفة إمارة السفهاء ولاصبيان وإمارة الخلفاء الراشدين ، وكيفية التعامل مع كل منهما ، فقد ورد ذكر إمارة الصبيان والسفهاء في الأحاديث التالية:
-
مسند أحمد عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لكعب بن عجرة : أعاذك الله من إمارة السفهاء ، قال وما إمارة السفهاء؟ قال أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ولا يستنون بسنتي….
-
جاء في الفتح كتاب الفتن، في حديث لأبي هريرة رفعه ” أعوذ بالله من إمارة الصبيان، قالوا : وما إمارة الصبيان ؟ قال : إن أطعتموهم هلكتم – أي في دينكم – وإن عصيتموهم أهلكوكم ” أي في دنياكم بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما.
ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من إمارة الصبيان والسفهاء وإنما وضع آليات محددة ملزمة للمسلمين جعلت كيفيات واجبة على الرعية الالتزام بتنفيذها، وهذه الآليات والكيفيات هي:
-
اعتزالهم وقلعهم من جذورهم لا إصلاحهم، والأدلة على ذلك كثيرة نأتي على بعضها:
حديث حذيفة الذي رواه البخاري، فعن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: ” كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت: يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت : وما دخنه؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم – أطلق عليهم ذلك باعتبار ما تؤول إليه حالهم – من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله ، صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك”. ففي هذا الحديث رد واضح على القائلين بإصلاح هذه الفرق – دول الضرار – فدعاة الإصلاح يخالفون الأمر بالاعتزال، وهم آثمون بتقربهم إلى أمراء الفرقة وعدم اعتزالهم إياهم؛ لأن الأمر بالاعتزال جازم، وهنالك قرينتان على أنه جازم: الأولى : وصفه صلى الله عليه وسلم إياهم بأنهم دعاة على أبواب جهنم. والثانية: أمره صلى الله عليه وسلم بأن يعض على أصل شجرة إمعانا باعتزالهم. وأمراء الفرقة – حكام دول الضرار – هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم هم الذين سماهم صلى الله عليه وسلم بالسفهاء والصبيان، وهم الذين لا يستنون بسنة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يهتدون بهديه. وهنا ينبغي التنبيه إلى أن أمره صلى الله عليه وسلم باعتزال هذه الفرق كلها لا يتنافى مع وجوب العمل لإيجاد الجماعة على إمام ولا يتعارض معه، فالحديث يأمر باعتزال الفرق ولا ينى عن العمل لإيجاد الجماعة على إمام.
والأوضح في الدلالة من هذا حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنها ستكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن باراهم نجا، ومن اعتزلهم سلم أو كاد، ومن خالطهم هلك” . فهذا الحديث واضح الدلالة لا باعتزالهم وعدم مخالطتهم وحسب، بل بمبارزتهم وقلعهم واستبدالهم بخليفة يحكمنا بالكتاب والسنة.
-
عدم السمع والطاعة لهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن نافع عن عبدالله : ” السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” ولا شك في كون الحكام المذمومين هنا يرتكبون المعاصي ويأمرون بها.
-
عدم تصديقهم بكذبهم أو إعانتهم على ظلمهم لقوله صلى الله عليه وسلم : ” فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهم مني وأنا منهم وسيردون على حوضي”.
-
عدم الدخول عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: ” فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه” حتى إن سفيان الثوري حرم النظر إليهم فقال: ” النظر إلى وجه الظالم خطيئة”.
-
التعوذ منهم ورد عند أحمد والبزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان” ، وقال : ” لن تذهب الدنيا حتى نكون عند لكع ابن لكع” . قال الخطابي اللكع على معنيين، أحدهما : الصغير، والآخر : اللئيم، وعن الأصمعي: اللكع الذي لا يهتدي لمنطق ولا غيره.
أما الخلافة الراشدة فهي وعد ربنا ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) النور 55، وبشارة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ” … ثم تكون خلافة على منهاج النبوة… ” بها تعز الأمة وبغيابها تهان وتذل وتنتهب ثرواتها وخيراتها، فهذه الخلافة وردت في الكثير الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبين لنا صلى الله عليه وسلم كيفية إيجادها من خلال سيرته العطرة، وبين لنا أن الخلافة الراشدة الثانية ستكون على منهاج النبوة، وهذا يعني أن يكون الخلفاء الراشدون القادمون كأمثال الراشدين الأولين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وعليه فسأقتصر على بعض معالم خلافة هؤلاء الأربعة لإعطاء صورة عن الخلفاء القادمين.
هم فقهاء ، وصدق عمر رضي الله عنه حينما قال: ” …. فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم”. فقد جاء في كتاب أخبار النحويين ” عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد أن أبا بكر وعمر قالا: لحفظ بعض إعراب القران أحب إلينا من حفظ بعض حروفه”. وأورد البيهقي في الشعب “روينا عن أبي موسى أنه كتب إلى عمر من أبو موسى، فكتب إليه عمر أن اجلد كاتبك سوطا”. وأورد ابن أبي شيبة ” عن عمر ابن زيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري : ” أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية”.
وهم رحماء شديدو الحرص على أمتهم، فمن ذلك ما أورده الحاكم في مستدركه ” عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: ولينا أبو بكر فكان خير خليفة لرسول الله، وأرحمه بنا ، وأحناه علينا” . وأورد ابن سعد في طبقاته: ” … كنا نقول لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت هما بأمر المسلمين”. وأورد ابن أبي عاصم في الزهد: ” … حمدثنا سليمان بن موسى أن عثمان بن عفان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح ، فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ، ورأى أمرا قبيحا فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة”.
وهم متواضعون، فمن ذلك ما أورده البيهقي في السنن ” عن الحسن أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس فقال: ألا وإني قد وليت عليكم ولست بخيركم… قال الحسن هو والله خيرهم غير مدافع، ولكن المؤمن يهضم نفسه”. وما أورده الحاكم في مستدركه ” .. قال : خرجت مع أهل المدينة في يوم عيد، فرأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي حافيا…”. وما أورده الذهبي في تاريخه عن الحسن قال : ” رأيت عثمان رضي الله عنه نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه. كأنه أحدهم”. وما أورده ابن سعد في طبقاته عن جرموز قال: ” رأيت عليا يخرج من لقصر وعليه إزار إلى نصف الساق ورداء مشمر؛ ومعه درة يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع…”
ويحفظون أعراض المسلمين، فمن ذلك ما أورده عبد الرزاق” عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا يدخل رجل على مغيبة، قال : فقام رجل فقال : إن أخا لي أو ابن عم لي خرج غازيا وأوصاني بأهله فأدخل عليهم؟ قال : فضربه بالدرة ثم قال : أدن كذا ، أدن دونك ، وقم على الباب، لا تدخل ، فقل : ألكم حاجة؟ أتريدون شيئا؟ “. وما أورده أحمد في مسنده ” عن علي أنه قال: أما تغارون أن يخرج نساؤكم؟ وفي رواية : ألا تستحون أو تغارون؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج” . وما أورده ابن حزم في محلاه ” عن الحسن أن رجلا رأى مع امرأته رجلا فقتله، فارتفعوا إلى عثمان بن عفان فأبطل دمه”.
ويعرفون الفضل لأهله، فمن ذلك ما أورده ابن عساكر في تاريخه ” عن عبدالله بن دينار قال: لم يلق عمر أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات وأنت علي أمير “. وقصته مع عبدالله بن حذافة السهمي مشهورة إذ قال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ، وأنا ابدأ ، فقام عمر فقبل رأسه.
ولا يضيعون مال الأمة بل يحفظونه وينفقون عليها لا على أنفسهم، فمن ذلك ما أورده هناد في الزهد” عن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فقالوا: ألا ندعو الطبيب؟ فقال: قد رآني فقال: إني فعال لما أريد” ، فأبو بكر لم ينفق على التداوي شيئا ، ونحن نسمع أرقاما فلطية عن تدوي حكام السفه. وأخرج ابن سعد في طبقاته ” عن يسار بن نمير قال: سألني عمر كم أنفقنا في حجتنا هذه قلت: خمسة عشر دينارا”.
ولا يسعني المقال لذكر جل صفاتهم وعظيم افعالهم، والبيب تكفيه الإشارة ، قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 50.