خطة أوباما للسلام: استبدال الصراع الإسلامي – (الإسرائيلي) بالصراع بين دول الاعتدال ودول الممانعة
2009/10/21م
المقالات, كلمات الأعداد
1,926 زيارة
خطة أوباما للسلام:
استبدال الصراع الإسلامي – (الإسرائيلي) بالصراع بين دول الاعتدال ودول الممانعة
منذ ظهور الحالة الإسلامية وتعاظمها على مسرح السياسة الدولية أخذت تعمل أميركا جادة على إخراج الصراع الإسلامي -(الإسرائيلي) من دائرة الصراع الدولي لأن استمراره بهذا الشكل بات يشكل خطراً على مصالحها، ومن ثم استبداله بوجه آخر من الصراع يقوم بين دول المنطقة التي تحكم المسلمين تحت مسمى منظومة دول الاعتدال وستكون (إسرائيل) رأساً فيها، ومنظومة دول الممانعة وستكون إيران على رأسها.
إن تغيير وجه الصراع هذا هو قرار استراتيجي أميركي ستبني عليه سياساتها القادمة في المنطقة، وهو أمر موافق عليه من القطب الآخر في الصراع الدولي وهي دول أوروبا ومن (إسرائيل) ومن حكام دول المنطقة الذين بات بعضهم يرى في (إسرائيل) دولة يجب الاستعانة بها في هذا الصراع الجديد لحماية عروشها، والتي ترى نفسها مكبلة لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة باتجاه الاستعانة بها طالما أن الصراع القائم هو صراع إسلامي – (إسرائيلي)… وهذا الوجه الجديد يجري منذ فترة تركيب عناصره في الوقت الذي يجري فيه تفكيك عناصر الصراع الأول، وخطة أوباما للسلام في الشرق الأوسط هي من أبرز أساليب التفكيك والتركيب هذه المعقدة… فالمرحلة الحالية يمكن اعتبارها مرحلة انتقالية، وهي معقدة بحيث لا يمكن اجتيازها ببعض الشعارات، ولا بالإعلان عن بعض النوايا، ولا بإظهار أن عملية السلام عالقة على نقطة ما، ولا تكفي فيها المصافحات العلنية، ولا اجتماعات القمم الثلاثية، وقد لا يمكن تجاوزها، وفي كل الأحوال فإنها مرحلة يجب أن تنجح عندهم ولو أخذت وقتاً طويلاً، ولن تنجح إن شاء الله تعالى…
ومن هذا المنطلق، فإن خطة أوباما للسلام هذه، بغض النظر عن إمكانية تحققها أو لا، هي خطة جادة، متكاملة تم تسريب بعض بنودها التي يجري التعمية عليها في المفاوضات وذلك بخطف الأنظار نحو الاستيطان: تجميده أو عدم تجميده، كلياً أو جزئياً، ومدة تجميده… ومما تم تسريبه من بنود هذه الخطة:
– ترسيم الحدود بين (إسرائيل) والكيان الفلسطيني على أن تكون المستوطنات خارج إطارها.
– الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت السيادة (الإسرائيلية) والتفاوض بشأن المستوطنات الصغيرة.
– اعتبار المناطق المتبقية من أراضي الضفة الغربية مناطق منـزوعة السلاح مع سيطرة (إسرائيلية) على الأجواء، وامتناع السلطة الفلسطينية عن توقيع معاهدات أمنية وعسكرية مع دول أخرى، وتواصل التعاون والتنسيق الأمني بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، والسماح ببناء مطار مدني في الضفة الغربية.
– إقامة أنفاق وجسور إضافية لربط مناطق الضفة ببعضها دونما احتكاك بين الفلسطينيين والمستوطنين.
– اقتطاع مناطق من محيط وقلب القدس الشرقية لتبقى تحت السيطرة (الإسرائيلية)، ووضع المقدسات الإسلامية تحت إشراف وسيادة عربية وإسلامية من جانب، وسيطرة أمنية (إسرائيلية) من جانب آخر، مع ترتيبات خاصة بمشاركة دولية بشأن الأماكن المقدسة في مدينتي القدس والخليل بشكل محدد.
– الاتفاق على استيعاب الكيان الفلسطيني الناشئ لأعداد من اللاجئين يتفق عليهم من لبنان تحديداً. وحل قضية باقي اللاجئين بالتوطين، وتسهيل سبيل الهجرة إلى الخارج.
– إحلال قوات دولية في عدد من مناطق الضفة الغربية وخاصة في الأغوار والحدود مع الأردن.
– حل كافة التنظيمات والفصائل الفلسطينية وتحويلها إلى أحزاب سياسية، وإنهاء القوى المتطرفة التي ترفض الانضواء تحت عملية السلام.
– تحديد عناصر القوى الأمنية وعتادها.
ومما تم تسريبه حول هذه الخطة أنه قد أشرف على إعدادها طواقم متخصصة في شؤون المنطقة غالبية أعضائها أميركيون من أصل يهودي ضماناً لقبول (إسرائيل) لها. وذكر أن الإدارة الأميركية ناقشت بنود هذه الخطة بالتفصيل مع زعماء (إسرائيل) وأنجزوا معاً صياغتها مع اتفاقهما على طريقة الإخراج لتمريرها على الساحتين العربية والإقليمية.
إن سقف بنود هذه الخطة منخفض جداً بالنسبة للجانب الفلسطيني حتى قيل إنها من أفضل ما قدم لـ(إسرائيل) حتى الآن ويمكن اعتبارها خطة لتصفية القضية الفلسطينية. وهذه الخطة سبقتها تصريحات لأوباما تذكر أنه مع مقولة «يهودية دولة (إسرائيل)» و«إن على العرب أن يخفضوا من سقف المبادرة العربية لتصبح مقبولة لدى (إسرائيل)». و«مع منح (إسرائيل) ضمانات برفض عودة أي لاجئ فلسطيني» و«مع تجاوز مسألة الانسحاب إلى ما قبل خط الرابع من حزيران سنة 1967م لصالح حلول ابتكارية من نمط جديد»، و«مع التطبيع باعتباره جزءاً محورياً في أي مشروع للتسوية منذ كمب ديفيد» و«مع خلق واقع جديد (غير التطبيع) يؤسس لفكرة التسوية عبر علاقات اقتصادية»…
وعلى هذا الأساس، قالوا عن هذه الخطة بأنها تبشر بحل شامل للصراع الطويل في المنطقة، وباتفاقيات سلام دائمة بين (إسرائيل) وسائر دول المنطقة.
هكذا بكل سهولة تريد أميركا ودول أوروبا و(إسرائيل) أن يشطبوا قضية فلسطين ويضيعوها ويهيلوا عليها تراب قضية أخرى مصطنعة تجعل الصراع يقوم فيها بين دول المنطقة وتكون (إسرائيل) هي المستفيد الأول والمسلمون هم الخاسرين. ولكن هل قضية فلسطين هي قضية هامشية حتى يتم تجاوزها بهذه السهولة؟ وهل يمكن أن يرسم الغرب للأمة من هو عدوها ومن هو صديقها باتفاقيات وألاعيب بعيداً عن دينها وشرع ربها؟ وهل تظن أميركا وأشياعها أن الأمة تسلّم لعباس وزمرته ممن هم على شاكلته المشكوك في توجهاتهم وتصرفاتهم والمنشور غسيلهم على السطح أنهم يمثلونها… إن قضية فلسطين الحبيبة قضية إسلامية لا تقبل الأمة حلها إلا عن طريق الإسلام، وإنها قضية مصيرية لا يمكن تحويلها إلى قضية ثانوية هامشية، والأمة تزداد تمسكاً بها وتماسكاً حولها. والواقع يحدثنا بذلك. وإن القضية الفلسطينية لا يمثلها حكام المسلمين المفروضين على الأمة والمرفوضين منها، هؤلاء الحكام الذين يزدادون بعداً عن دين الله، والذين تتحول أهمية القضايا عندهم تبعاً لمصالح أسيادهم وحفاظاً على رؤوسهم وعروشهم، إن القضية الفلسطينية تنتظر (صلاح دينها)، تنتظر (خليفتها المهدي)، نعم تنتظر ذلك بلا مبالغة، لقد أثبتت هذه القضية أنها عصية على الحل خارج إطار الإسلام بالرغم من كل المؤامرات والخيانات، وبالرغم من كل المجازر وجرائم التشريد والمآسي التي تغطيها الأمم المتحدة بأوامر من الدول الكبرى، ولم تنـزل الأمة درجة واحدة في سلم عدائها ليهود شذاذ الآفاق. بل هي في صعود دائم لا يوقفه كل ما يرتكب بحقها بل يزيدها إصراراً.
إن ما يخطط له من تحويل وجهة الصراع من صراع بين المسلمين على أساس دينهم وبين يهود ومن شايعهم من دول الغرب الرأسمالي الكافر ومن لحقهم من الأذناب حكام المسلمين لن يكتب له النجاح مهما حاولوا؛ لأن الأمة مقبلة على مزيد من التمسك بدينها وحل مشاكلها على أساسه.
فأي سلام ستحمله مبادرة أوباما التي يلهث حكام العرب والمسلمين وراءها وهي تحمل من التنازلات الصريحة ما لم تحمله أي مبادرة قبلها. إن ما يخيف في هؤلاء الحكام أنهم لا يمثلون قضايا أمتهم، بل لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يتقدم على الحفاظ على عروشهم أي مطلب، ويبقى الشك فيهم هو الأصل، والأنكى من ذلك أن بعض هؤلاء ينتظر بفارغ الصبر تغيّر وجه الصراع هذا، ويتمنى أن لا تطول هذه المرحلة الانتقالية لأن التأخر ليس في مصلحة بقائه على عرشه الزائف الذي سيغلي به في جهنم يوم القيامة إن شاء الله تعالى.
إن ما يرسم للمنطقة من وجه جديد للصراع، ويريد الغرب أن نكون في المرحلة الانتقالية إليه، نتوقع بقوة أن لا ينجح، وأن تطول هذه المرحلة بحيث يسبقها الله سبحانه وتعالى مناً منه وفضلاً، بمؤمنين مخلصين واعين يخلصون الأمة مما يكاد لها، ويردون الصاع صواع لكل من يكيد لها ويمكر بها.
وإننا نلفت إلى أنه في الخطة الجهنمية الجديدة التي يراد منها حرف الصراع عن حقيقته، فإن كلاً من طرفي الصراع من دول المنطقة، سيان المحسوب منهم على خط الاعتدال أم المحسوب على خط الممانعة، كلاهما خائن يخوض في دين المسلمين ودمائهم، وهو تابع لطرف من أطراف الصراع الدولي.
نعم، إننا نتوقع لهذه المرحلة أن تطول بحيث لا تستطيع أن تجتاز أميركا وكل العالم عقبتها، وإن على المسلمين الذين يعتبرون أن فلسطين هي قضية إسلامية بامتياز وليس عندهم غير ذلك، أن يعلنوا للعالم أجمع أن قضية فلسطين هي قضية إسلامية بالكمال والتمام، وأنه لا يجوز التفريط بحجر واحد منه، وأنه لا يحق لأحد أن يقترح شيئاً إلى جانب الحكم الشرعي أو يتجاوزه أو يعقب عليه تحت أي حجة (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [يوسف 40].
إن (إسرائيل) تعمل بجد على اجتياز هذه المرحلة بسرعة من غير أي ثمن تقدمه بحجة ضرورة مواجهة العدو الداهم لها ولحكام دول المنطقة وهي إيران وامتداداتها وبحجة ضرورة الإسراع في مواجهته. إننا نعلن أن المسلمين براء من هذا، فليست هذه قضيتهم، بل إن مثل هذه الخطة تصب في خطة واستراتيجية أميركا للمنطقة وما يعرف عندها وعند (إسرائيل) بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير (كثرت الأسماء والمسمى واحد) وإننا نعلن في الوقت نفسه إن المعركة بين الإسلام والغرب مفتوحة وهي تزداد اتساعاً، ولم تعد قضية فلسطين وحدها ساحة للصراع، فأميركا ومعها الغرب لا يعقل أن يمد يد السلام في فلسطين ويمد يد القتل في أفغانستان والصومال والعراق… إن سلم المسلمين واحدة وحربهم واحدة، ولن يصدق مع المسلمين إلا دينهم، ولن يصدق المسلمون إلا مع دينهم. إنه لن يحرر فلسطين وسائر بلاد المسلمين المحتلة إلا الخلافة الراشدة التي لن يقيمها إلا الصادقون مع ربهم.
قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة 119].
2009-10-21