البيعة على النصر (5)
بيعة العقبة الثانية
بعدما آمن سعد بن معاذ، وفشا ذكر الإسلام في المدينة، حتى لم يبقَ دارٌ من دور الأنصار، إلا وفيه مسلمون؛ عاد مصعب بن عمير إلى مكة، قبل حلول موسم الحج التالي، يحمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر إسلام أهل القوة والمنعة في المدينة. وقد تساءل المسلمون الجدد: حتى متى نترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ فلما قدموا مكة، اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم معهم على أن يجتمعوا سراً، في أواسط أيام التشريق، في الشعب الذي عند العقبة،حيث الجمرة الأولى. وهناك بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلمبيعة العقبة الثانية.
روى الإمام أحمد عن جابر: قلنا: يا رسول اللَّه، علامَ نبايعك؟ قال: «على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقوموا في اللَّه لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني، إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم، ولكم الجنة». فأخذ البراء بن معرور بيده، ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنّك مما نمنع أزرنا منه، فبايعنا… فنحن- واللَّهِ – أبناء الحرب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر. قال: فاعترض القول أبو الهيثم بن التيهان، فقال: يا رسول اللَّه، إن بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت، إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك اللَّه، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فابتسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «بل الدم الدم، الهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم».
قال ابن اسحاق: لما اجتمعوا للبيعة، قال العباس بن عبادة بن نضلة: هل تدرون علامَ تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، واشرافكم قتلاً أسلمتموه، فمن الآن، فهو – واللهِ – إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له… فخذوه، فهو – واللَّهِ – خير الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الاشراف، فما لنا بذلك – يا رسول اللَّه – إن نحن وفينا؟ قال: «الجنة» قالوا: أبسط يدك فبايعوه.
(الوعي): إن النصرة كانت الحكم الشرعي الذي أقيمت به الدولة الإسلامية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. ونصرة أهل القوة والمنعة من المسلمين اليوم، هي التي تقيم الخلافة الإسلامية الراشدة الموعودة. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )[الأحزاب] .