الحل الجذري للقضية الفلسطينية
الحل الجذري لأية مشكلة أو مسألة هو ذلك الحل الذي يعالج أصول المشكلة ويتعمّـق في العلاج إلى أن يصل إلى جذورها، وهو غير الحل التسكيني أو الترقيعي، والحل الجذري هو حلٌّ دائمٌ بينما الحل التسكيني أو الترقيعي هو حلٌّ مؤقت سرعان ما ينتهي ويتلاشى وتعود المشكلة وتطفو على السطح من جديد.
ــــــــــــــــــــــ
وبالنسبة للقضية الفلسطينية فإنّ جميع الحلول التي طُرحت منذ تحولت إلى مشكلةٍ مزمنة وإلى الآن كانت ولا تزال حلولاً تسكينية وترقيعية ومؤقتة والسبب في ذلك يعود إلى واقع المشكلة. وواقع المشكلة الفلسطينية نشأ عملياً وسياسياً منذ العام 1916م. عندما تمّ تقاسم ممتلكات الدولة العثمانية المنهارة بين الدول الأوروبية المستعمرة وبالذات بين بريطانيا وفرنسا، ففي تلك السنة اتفق وزيرا خار جية الدولتين سايكس وبيكو على تقسيم البلاد العربية فيما بينهما وكان في التقسيم شيءٌ غريبٌ عجيب إذ سُلخت فلسطين تحديداً من بلاد الشام وأُعطيت صفةً متميزةً عن الانتداب البريطاني الفرنسي، وهذه الصفة تتمثّل في جعلها منطقةً دوليةً وذلك توطئةً لمنحها لليهود، وبعد ذلك بعام جاء وعد بلفور مؤكّداً على منح اليهود وطن قومي في فلسطين وجيء باليهود بعد ذلك بكثافة ومكّنوا من السلاح والمال والنفوذ حتى أقاموا الدولة اليهودية في أعقاب تسليم الإنجليز فلسطين لهم بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها وثم إخراج هذه المسرحية بحربٍ مزيفةٍ بين الدول العربية والعصابات اليهودية تمّ على أثرها إقامة الكيان اليهودي وتمّت رعايته دولياً من قبل الدول الكبرى.
هذه هي جذور المشكلة وبداياتها العملية بينما جذورها وبداياتها النظرية بدأت منذ غزو نابليون لبلاد الشام حيث اختمرت وقتها في أوروبا فكرة زرع كيانٍ يهوديٍّ في قلب العالم الإسلامي وإبعاد يهود أوروبا والتخلص منهم، وأخرجت الفكرة سياسياً لأول مرة عام 1907م. حيث نشر اللورد كامبل ممثلاً عن بريطانيا والدول الأوروبية تقريره الشهير الذي قال فيه: “هناك شعبٌ واحدٌ متّصل، يسكن من المحيط إلى الخليج لغته واحدة ودينه واحد وأرضه متّصلة وماضيه مشترك وآماله واحدة، وهو اليوم في قبضة أيدينا، ولكنه أخذ يتململ، فماذا يحدث لنا إذا استيقظ العملاق؟ يجب علينا أن نقطع اتصال هذا الشعب بإيجاد دولةٍ دخيلة، تكون صديقةً لنا، وعدوةً لأهل المنطقة، وتكون بمثابة شوكةٍ توخز العملاق كلما أراد أن ينهض”.
إذاً هذا هو واقع القضية، دولةٌ دخيلة تابعة للغرب عدوةٌ لأهل المنطقة، تمنع اتصال شعوبها، وتوخز العملاق كلما أراد أن ينهض، لعلّ هذه الكلمات للورد كامبل الإنجليزي تعبّر بأوضح عبارة عن حقيقة هذه الدولة الدخيلة المسمّـاة “إسرائيل”.
فهذا الواقع بعد إدراكه جيداً يدلّ على أنّ هذا الغرب المتمثّل بأوروبا وأميركا الذي سلخ فلسطين من الجسم الإسلامي الكبير لا يمكن أن يسمح بعودتها لأهلها لأنه فعل ذلك من أجل السيطرة على المنطقة فلا يُعقل أن يسمح بعودتها لأهلها، وبذلك ندرك أنّ هذا الغرب هو العدو الحقيقي لأنّه هو الذي زرع الكيان اليهودي في فلسطين بعد ان سلخها من جسمها الإسلامي الكبير. وهذه الحقيقة لا يمكن أن تنسى ولا يجوز أن ننساها لأننا إن نسيناها أو تناسيناها فهذا يعني أننا لم نعد بقادرين على تحديد العدو من الصديق، وعليه فإنّ الغرب هو الطرف الرئيسي المعادي لنا في هذه القضية وعلينا أن نتعامل معه بوصفه عدواً، هذا إذا فهمنا المشكلة فهماً صحيحاً وحاولنا حلها حلاً جذرياً. أما إذا تغاضينا عن هذه الحقيقة فإننا سنقع في فخاخٍ كثيرة وهذا ما حصل لنا بالفعل، فإنه لما كانت الحلول المطروحة حلولاً تسكينية وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من تفريطٍ بأكثر من أربعة أخماس الأرض الفلسطينية، والتفريط بالخمس الباقي أو بمعظمه آتٍ على الطريق.
إنّ المدقق للمطالب العربية الحكومية في فلسطين منذ عام 1948م. إلى عام 1967م. يجد أنّ هذه المطالب كانت تتمثّل – في ناحيتها العملية – بإقامة دولةٍ فلسطينيةٍ علمانية تضمّ اليهود والمسلمين والنصارى بحيث تكون السطوة فيها طبعاً لليهود، وفي هذه الأثناء تمّ ترويض الرأي العام الإسلامي والعربي المطالب بتحرير فلسطين المحتلة عام 48 فكان الطرح الرسمي العربي في تلك الأثناء يعمل على احتواء الطرح الشعبي وامتصاص غضبه، وتغيّر الطرح بعد هزيمة عام 67 النكراء وأصبح الطرح الرسمي العـربي يطالب بإقامة الدولة الفلـسـطينية الـمـسـتقلة في الأراضي التي احتلت عام 67 وواكب هذا التغيّر جملةً من الهزائم والمذابح والتنازع بين الأطراف العربية الرسمية أدّت إلى إرهاق الشعب وترويضه وجعله يبدو كأنه يرضى بدولةٍ على خمس فلسطين.
ثم عندما انخفض سقف المطالب العربية والفلسطينية راحت إسرائيل تلعب لعبةً جديدةً وهي لعبة المستوطنات، فملأت الضفة والقطاع بالمستوطنات بعد أن أدخلت الأطراف العربية والفلسطينية في اتفاقات أوسلو السلمية والإسرائيلية والتي انشغلوا بمفاوضاتها عشرة أعوام استغلّتها إسرائيل في بناء المستوطنات. وما إن استهلكت مسيرات أوسلو ومفاوضاتها ووصلت إلى الطريق المسدود حتى اندلعت الانتفاضة وبدأت مسيرة الدماء الزكية تنهمر على أيدي الحاقدين اليهود وثمّ جاءت خارطة الطريق أخيراً لتوقف الانتفاضة ولتعد الفلسطينيين بدولةٍ لم يتبقّ لها من أراضٍ تقام عليها ووافق اليهود على هذه الخارطة وتبنّتها الإدارة الأميركية بقوة وظنّ الجاهلون أنّ اعتراف أميركا وإسرائيل بإقامة دولة فلسطينية هو مكسبٌ للقضية الفلسطينية، مع أنّ الحقيقة التي لا مراء فيها أنّ أعداءنا في الغرب بزعامة أميركا ومعها هذا الكيان اليهودي اللعين لم يتبقّ لديهم شيءٌ يسوقونه لنا إلاّ فكرة الدولة وكأنّ مشكلتنا هي دولةٌ كرتونيةٌ جديدة نتلهّف لإقامتها، فالحقيقة أنّ مشكلتنا ليست الدولة فعندنا من مثلها كثير، ولكن مشكلتنا هي تحرير فلسطين من رجس اليهود. هذه هي مشكلتنا فلا يجوز أن تختلط علينا الأمور إلى هذا الحد.
فإذا أدركنا حقيقة المشكلة وواقعها إدراكاً عميقاً عندها يمكن وضع الحل الجذري لهذه المشكلة والحل الجذري هو الحل المصيري والحل المصيري هو الحل الشرعي الذي يرتضيه اللَّه سبحانه وتعالى لنا، والحل الشرعي لأية مشكلة يكمن في الرجوع إلى الكتاب والسنّة واستنباط الحكم الشرعي منهما، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) [النساء] وقـال: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور]، وقال: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) [الجاثية]. إنّ الحل الشرعي هو الذي يحتّم علينا طاعة اللَّه والرسول وهو الذي يحذّرنا من مخالفة أي أمرٍ من أوامره لئلا نقع في الفتنة إن خالفنا أمره سبحانه وتعالى، والحل الشرعي يُلزمنا بإتباع الشريعة التي أنزلها اللَّه سبحانه على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) لتنظيم كل العلاقات بين المسلمين على الأرض. هذا هو الحل الشرعي وهو عينه الحل الجذري.
والقضية الفلسطينية وفقاً لهذا الحل هي قضيةٌ مصيريةٌ إسلاميةٌ باركها اللَّه سبحانه، لقد اغتصب اليهود فلسطين بمعاونة الغرب الذي استمر حتى الآن في ضمان أمن دولة اليهود وفي ضمان احتلالها لفلسطين. والقضية المصيرية تقضي بأن تستردّ هذه الأرض جميعها من قبضة الغرب واليهود بالجهاد في سبيل اللَّه، قال تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) [الممتحنة]، وقال: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً) [النساء]، وقال: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ! واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) [البقرة].
والجهاد لتحرير فلسطين حكمٌ شرعيٌّ يوجب على الجـيـوش الإسـلامية مقـاتلة اليهـود واسـتـئـصـال شـأفـتـهـم فـي فلسطين ولو استشهد الملايين لأنّ القضية المصيرية هي القضية التي تسيل لها الدماء وتزهق بسببها الأرواح. هذا هو العلاج الشرعي وهذا هو الحل الجذري لهذه القضية ولكن وحتى يستكمل هذا الحل لا بدّ له من تحريك الجيوش أولاً للإطاحة بالحكام العرب الذين يحافظون على أمن إسرائيل ويحرسونها من المجاهدين لأنّ الجيوش الإسلامية لا تتمكّن من القضاء على الكيان اليهودي تحت إمرة هؤلاء النواطير، لذلك لا بدّ من إزالتهم وإقامة خليفةٍ واحد بدلاً منهم يحكمنا بشرع اللَّه ويوحّد الجيوش ويوجّهها لتحرير فلسطين من رجس الغاصبين لأنّ التفريق بين الحكم بالإسلام وبين تحرير فلسطين والفصل بين القضيتين لا يجوز شرعاً ولا يصحّ واقعاً فالمسألتين متلازمتين لا مجال للإنفكاك بينهما، فعن أبي أمامة قال سمعت رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) يقول: “إنّ أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أعمال ثلاثة لا أخاف جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على أمتي أئمةً مضلّين إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم”.
فالقضية المصيرية الفلسطينية مرتبطةٌ ارتباطاً عضوياً بقضية الأئمة المضلّين، الحكام الظلمة الذين يطبّقون أحكام الكفر على الناس ويوالـون الكـفـار وقد نهوا عن ذلك قال تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء) [آل عمران/28]، فهؤلاء الحكام الذين يتربّعون على العروش في البلاد العربية والإسـلامـيـة اليـوم ليسـوا مـن اللَّه في شيء لأنهم اتخذوا الأميركان والإنجليز واليهود أولياء لهم من دون اللَّه وبذلك وجب إزالتهم عن عروشـهم وإزالتهم هي الحل الجذري لمشكلتهم في الحكم؛ لأنّ العلاج السطحي الذي ينادي بالإصـلاح والمصـالحـة معهم هذا العلاج لا ينفع فـي حـل مشـكلة هـؤلاء الحكام العملاء الخونة، بينما العلاج الجذري الشـرعي الذي ينسجم مع علاج القـضـية الفلـسـطـينية الجـذري الشرعي يكمن بإزالتهم وخلعهم من الحكم حتى نتمكّن من إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الإسلام على الناس وتحرير فلسطين وكل بلاد المسلمين المحتلة من أيدي الكفرة الغاصبين.
ويبدو أنّ الأمور تسير نحو هذا الاتجاه لأنّ عنجهية أميركا وعربدتها وصلفها ولؤم اليهود وطمعهم وكونهم لا يؤتون الناس نقيراً كل ذلك يساعد في استعداء المسلمين، فأميركا وما فعلته في أفغانستان والعراق، وإسرائيل وما تفعله في فلسطين فذلك كله يؤكّد على حقيقة الصراع الأبدي بيننا وبين الكفار، هذا الصراع الفكري السياسي الدموي لم ينته ولن ينقطع ما دام هناك إسلامٌ وكفر، وها هي أميركا قد رفعت شعار محاربة الإسلام علانيةً وإن ألبسته ثوب الإرهاب والتطرّف، وها هي إسرائيل أداتها الفعّالة قد اعتبرت المقاومة إرهاباً. وها هم حكام البلاد الإسلامية قد تواطؤوا معهم على محاربة حـمـلة الدعـوة بحـجـة محـاربة الإرهـاب، وبذلك تكون شرارة الحرب الشاملة بيننا وبينهم قد بـدأت، ويكون التعايش كفكرة يروّج لها الكفار قد سـقـطـت إلى الأبـد ولم يبـق للمسلمين من خيارٍ سوى الإسلام والقتال في سبيل اللَّه حتى تحقيق إحدى الحسنيين .
أ.ح – بيت المقدس