هل انهزمت الأمة في حربها مع أميركا؟
2003/07/20م
المقالات
1,734 زيارة
هل انهزمت الأمة في حربها مع أميركا؟
كثير من الذين تابعوا ما جرى في العراق من استسلام غير متوقع للقوات العراقية وترك بغداد لقمة سائغة في يد القوات الأميركية الغازية، اعتبر ما حصل هزيمة نكراء للأمة، وخاتمة العقد التي ستمنع المسلمين من استعادة عزّهم وكرامتهم بإعادة الخلافة الإسلامية واقعًا حيًّا يحيا المسلمون في ظلها. فأميركا قد استولت على العراق الذي حسب قولهم كان يشكّل عمقًا استراتيجيًا للأمة بما يملكه من قدراتٍ عسكريةٍ وعلميةٍ ونفطيةٍ. وبهذا تكون أميركا قد أحكمت السيطرة على المنطقة العربية، فبالإضافة إلى قواعدها العسكرية الضخمة في السعودية وقطر والبحرين والكويت… ها هي سوف تبني قواعد جديدة لها في العراق، فكيف لنا اليوم أن نتحدث عن قيام دولة الخلافة في ظلّ هذا الحصار العسكري الأميركي بدءًا من الخليج وحتى أفغانستان مرورًا بالعراق. ثم إن الحديث عن طلب النصرة من أهل القوة والمنعة المتمثلة اليوم في الجيوش في العالم الإسلامي أمرٌ مُستبعد في ظلّ هكذا أنظمة، وقد علمنا أنّ أميركا حاولت قلب نظام صدام حسين من خلال انقلاب عسكري مستعينةً في ذلك بمخابرات بعض الدول في المنطقة، ولكنها فشلت، فكيف نستطيع نحن؟! أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة بعد احتلال أميركا للعراق، وحريٌّ بنا أن نجد لها إجابات صادقة.
ـــــــــــــــــــــــــ
وهذه الإجابات تبدو لنا من خلال عدة نقاط لا بدّ من إبرازها:
-
إن الأمة لم تنهزم أبدًا طوال تاريخها الطويل باعتبارها أمة.
-
إن الأمة لم تنتصر في يوم من الأيام بالعدد والعدة.
-
إن الوجود الأميركي في العراق ليس مانعًا من إقامة الدولة.
4- إن ما تملكه الأمة من إمكانيات ضخم جداً.
1- إن الأمة لم تنهزم أبدًا طوال تاريخها الطويل باعتبارها أمة.
منذ أن تشـكّـلـت الأمـة الإسـلامية بعد تأسيس الرسول (صلى الله عليه وسلم) للدولة الإسلامية بدأ الصراع العسكري مع الكفر ودوله. وخاضت الدولة الإسـلامـيـة العـديد من الحروب فـي إطار هذا الصراع. وقد نزلت آية القتال أثناء هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم). قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) [الحج] ثم نزلت بعد ذلك (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) [البقرة/216] الآية. فكانت غـزوة بـدر التي كانت فاتـحـة الخير للمسلمين والتي انتصر فيها المسلمون نصرًا مؤزرًا على كفار قريش، فكـانت البادئة الأولى في فتح جزيرة العرب بالإسلام.
وأما الهزيمة التي لحقت بالمسلمين في أُحُد فلا يمكننا اعتبارها هزيمة أمة فقد كانت درسًا تعلّم منه المسلمون طاعة نبيّهم، كما أنّها معركة واحدة ضمن حرب طويلة خاضها النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مع قريش كان النصر في نهايتها للمسلمين بفتح مكة. ولقد كان يوم أُحُد يوم بلاءٍ ومصيبة وتمحيص، اختبر اللَّه فيه المؤمنين، ومَحَقَ به المنافقين.. ويومًا أكرم اللَّه فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته قال الله تعالى: (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص مافي قلوبكم والله عليم بذات الصدور) [آل عمران] (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) [آل عمران].
أما ما حصل من هزيمةٍ للمسلمين أمام جحافل التتار فهو ولا شك من أقسى الهزائم التي تعرّضت لها الدولة الإسلامية على مدار تاريخها الطويل بسبب الضعف الشديد الذي طرأ على الدولة في ذلك الوقت من تفكّك وانقسامات، وكان للخيانة دورٌ كبيرٌ في المساهمة في سقوط الولايات الإسلامية ولايةً بعد ولاية حتّى سقطت بغداد. ولكنّ المسلمين استطاعوا وقف هذا الزحف التتري بقيادة سيف الدين قطز، ثم بعد ذلك استعادة ما سقط في أيدي التتار بقيادة الظاهر بيبرس، وأكثر من ذلك اعتنق هؤلاء الغزاة الإسلام ثم حملوه رسالةً للعالم بعد أن امتلك عليهم كل جوارحهم ومشاعرهم بما يملكه من طاقةٍ كبيرة تغيّر مجرى حياة الإنسان.
وأما ما حصل في الحروب الصليبية، فالمسلمون قد يكونون انهزموا هزيمةً عسكرية واحتلّ الصليبيون بلاد الشام ما يقرب من قرنين من الزمن، ولكنهم لم ينهزموا أمام هؤلاء الهمج تلك الهزيمة الفكرية التي حصلت لهم بعد زوال الخلافة واحتلال وتقسيم بلاد المسلمين من قبل الاستعمار الغربي. حتّى هذه الهزيمة العسكرية التي حصلت للمسلمين في الحروب الصليبية استطاع المسلمون بعد ذلك بقيادة صلاح الدين أن يحوّلوها إلى نصرٍ عظيم في معركة حطّين. طوال هذا التاريخ كان للمسلمين دولة ولو مرّت هذه الدولة بفترات ضعفٍ وانحطاط، إلاّ أنها كانت تستعيد عافيتها بعد فترة من الزمن فتقود المسلمين إلى النصر ومن ثمّ تستعيد هيبتها ووزنها الدولي في العالم. إلاّ أنّه بعد سقوط هذه الدولة أيام العثمانيين سنة 1924 أصبح المسلمون كالأيتام لا راعي لهم يرعى شؤونهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام جُنّةٌ يُقاتَل من ورائه ويُتّقى به». ومنذ هذا التاريخ وحتّى اليوم تتوالى الهزائم على المسلمين، ولكن هذه الهزائم ليست هزائم للأمة بوصفها أمة، فهي هزائم للمسلمين في فلسطين، والبوسنة، وكشمير، وألبانيا، وأفغانستان، والعراق. ففي كل هذا الهزائم لم تكن الأمة هي مالكة زمام أمرها بل كان يقودها وما زال حكام عملاء رويبضات صنيعة الاستعمار يقومون بتأدية ما هو مرسوم لهم سلفًا.
2- إن الأمة لم تنتصر في يوم من الأيام بالعدد والعدة:
كانت عدة المسلمين في بدر ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكان معهم فارسان فقط وسبعون بعيرًا يعتقب الرجلان والثلاثة والأربعة على البعير الواحد، بينما كانت عدّة الكفار ستمائةٍ وخمسين رجلاً، ومعهم مائتا فارس وعدد كبير من الإبل لركوبهم وحمل أمتعتهم. وقس على ذلك جُلّ الحروب التي خاضها المسلمون ضد أعدائهم حيث كان عددهم فيها أقلّ من عدد عدوّهم، ذلك أنّ اللَّه سبحانه وتعالى طلب من المسلمين أن يُعدّوا ما يقدرون عليه من عدّة، وأن يتوقعوا النصر من اللَّه تعالى، قال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) [الأنفال/60] الآية. فالإعداد حكمٌ شرعيٌّ يجب على المسلمين أن يلتزموا به قبل لقاء العدو، ولا يقبل ربّ العالمين من المسلمين أن يكتفوا بالتقوى والتوكّل عليه، ويهملوا الأسباب المادية. ومع ذلك فإنّ اللَّه سـبحانه قد تكفّـل للمؤمنين بالنصـر قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم) [محمد/7] وحصر النصر فيه سبحانه وتعالى فقال: (وما النصر إلا من عند الله) [الأنفال/10] وقال: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) [آل عمران/160]. فاللَّه سبحانه وتعالى ينصر الأمة عندما يتحقّق الإيمان والتّقوى قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف/96]. واليوم الوحيد الذي كان المسلمون فيه أكثر من عدوّهم هو يوم حُنَين والذي أراد اللّه فيه أن يؤكّد للمسلمين أنّهم لا ينتصرون بقوّتهم الذاتية فقط، فقد تردّد بين جيش المسلمين أنّهم لن يُغلبوا اليوم من قلّة، فأنزل اللَّه فيهم قوله: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) [التوبة].
نحن نقول هذا الكلام لنبيّن أنّنا قادرون على التصدّي لقوى الشرّ الموجودة في العالم، أميركا وحلفائها بكلّ ما يملكون من قوة، فإذا كانوا يملكون القوة المادية فنحن معنا تأييد اللَّه سبحانه وتعالى ووعده لنا بالنصر، وروح الشهادة الموجودة في الأمة، بجانب ما تملكه الأمة من إمكانياتٍ ماديّة لم تُستغلّ الاستغلال الأمثل وسيأتي معنا تفصيل ذلك. إذًا فالنصر هو حصرًا من عند اللَّه، وغرور القوة الأميركية يجب أن لا يرهبنا، والذي حصل في العراق لا يمكن ولا بحال من الأحوال أن نعتبره هزيمة للأمة، فهو في المقام الأول والأخير هزيمة لنظام البعث الكافر الذي كان يحكم العراق، والذي قتل الدافع عند الناس والجيش للقتال، ولم يرتقِ خطابه للأمة إلى المستوى المطلوب حتّى في عزّ المعركة، وهو لم يخاطب إيمان الأمة وفاقد الشيء لا يعطيه، كما انّه أذاق الناس سنوات من الظلم والقهر والاضطهاد فذهب غير مأسوفٍ عليه. وحتّى الصمود الذي حصل في الأيام الأولى للحرب لم يكن انطلاقًا من ارتباط الشعب بقائده ونظامه واستماتته في الدفاع عنه، فالجيش العراقي لم يحارب أصلاً، والذين تصدّوا للقوات الغازية هم أولئك الناس الذين عاشوا سنوات من القهر والذلّ في ظلّ نظام صدام حسين. البصرة التي قاومت هي البصرة التي ضربها صدام بالصواريخ فيما سُميَّ بالانتفاضة.
كما أنّنا لا يمكن أن نعتبر ما حصل في العراق نموذجًا يُقاس عليه ما يمكن أن يحصل إذا تداعت دول الكفر على الدولة الإسلامية بعد قيامها. وإذا أخذنا بفرضية سقوط بغداد على أثر مقتل صدام حسين في قصف منطقة المنصور في بغداد الذي على أثره وبعد تأكده استسلمت قوات الحرس الجمهوري. فإنّ موت القائد ليس مبرّرًا للاستسلام، والأمة إذا خاضت حربًا عَـقَـدية مع الكفر فإنّها لا تستلم لموت قائدها على رغم أهميّـة وجود القائد. ولكنّ صدام لم يكن قائدًا فعليًّا لشعبه، وقد تبيّن لنا كيف كان يحكم شعبه وجيشه أيضًا بالحديد والنار. والقائد في الدولة الإسلاميّة هو جزء من الأمة، وهو ممثّلها ونائبها في تطبيق الإسلام، وبالتالي فالأمة لا تستسلم لموت رئيس الدولة لأنّ الدولة هي دولتها.
3- إن الوجود الأميركي فـي العراق ليس مانعًا من إقامة الدولة:
الذي يجب أن ندركه أنّ أميركا لم تستطع شنّ حرب على العراق برغم وجود قواعد عسكرية لها في معظم بلدان الخليج إلا بعد أن حشدت أكثر من 250000 جندي مع معدّاتهم وطائراتهم وبوارجهم، فإنّها أيضًا لن تستطيع أن تشنّ حربًا على دولة الخلافة إلاّ بعد حشد مثل هذه الحشود وأكثر وهو سيستغرق زمنًا يُعطي مهلةً أكبر لدولة الخلافة للاستعداد للمعركة لا الانتظار كما فعل العراق حتّى تكتمل الحشود ويحدّدوا هم وقت ومكان الضربة الأولى. كما أنّ تلك الدول حول العراق التي فتحت أراضيها وبحارها وأجواءها للقوات الغازية تصول وتجول فيها كيفما تشاء، لن تجرؤ أن تفعل مثلما فعلت عندما يتعلّق الأمر بدولة في مواصفات دولة الخلافة التي ستقوم بإذن اللَّه في أكثر من قطر والتي ستكون دولةً للمسلمين كافّة في كلّ العالم تحمل عقيدتهم وتُعبّر عن أفكارهم ومشاعرهم، والتي سيكون خطابها خطابًا للأمة الإسلامية بوصفها أمةً واحدة من دون الناس، وهذا ما لم يكن يملكه الخطاب البعثي الذي هو شيء آخر غير ما تحمله الأمة من أفكار ومفاهيم وقناعات.
4- إن ما تملكه الأمة من إمكانياتٍ ضخم جداً:
إنّ من يقيس الأمور من مقياسٍ إقليميٍّ محدود، فيضع قوّة وإمكانيّات أميركا والغرب في كفّة، وإمكانيات وقدرات دولةٍ من تلك الدول الكرتونية الموجودة في العالم الإسلامي في كفّةٍ أخرى، لا شكّ أنّه سيخرج بنتيجةٍ حاسمة وهي أنّنا لا طاقة لنا بأميركا وجنودها. لكنّ الأمر يجب أن لا يكون على هذا النحو فأمّتنا أمةٌ واحدة، ومهما حاول الاستعمار أن يُفرّق بين الأمة ليسود عليها، فإنّ الأمة اليوم لا تضع في اعتبارها هذه التقسيمات والحدود المصطنعة وهي تتحرك اليوم كأمة واحدة أو كجسدٍ واحدٍ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهي تحركت عندما أعلنت أميركا الحرب على أفغانستان، وتحركت ضدّ أميركا في حربها ضدّ العراق. ولكنّ حكامها أذاقوها لباس الخوف والجوع فقهروها واسترهبوها.. وبالرغم من ذلك فإن الأمة تحركت ولن يوقف حركتها شيء لا الحكام ولا جيوشهم، ولا أميركا ولا أساطيلها. إذًا فإمكانيات مواجهة أميركا لا بدّ وأن تحسب بما تملكه الأمة بمجموعها وهي كثيرة:
1- طاقة بشرية هائلة تصل إلى مليار وثلث.
2- إمكانيات مادية ضخمة، فالأمة الإسلامية هي أكثر الأمم ثراءً بما تحويه أراضيها من ثروات.. وهي ثروات غير مُستغلّة الاستغلال الصحيح، فالمستفيد الأكبر منها بالمقام الأول دول الغرب وعلى رأسهم أميركا ثمّ هؤلاء المرتزقة من الحكام العملاء الخونة. وبعد قيام الدولة إن شاء اللَّه ستُحسن الدولة استغلال كل تلك الثروات المكنوزة في أرض المسلمين.
3- بلاد المسلمين تمتدّ من المحيط الأطلسي غربًا إلى بلاد الصين شرقًا، ومن الأناضول شمالاً إلى المحيط الهندي جنوبًا، وهي مساحات شاسعة تضمّ مناطق استراتيجيّة عظيمة من يملكها ويسيطر عليها فإنّه هو من يحكم العالم، وما هذا التكالب على بلاد المسلمين إلاّ من أجل الهيمنة وبسط النفوذ على هذه المناطق الاستراتيجيّة المهمّة، ولمنع المسلمين من التوحّد في دولةٍ واحدة يسودون بها العالم كما كان سابق عهدهم.
4- العقيدة الإسلامية هي عقيدة هذه الأمة، وهي عقيدةٌ عقليّةٌ ينبثق عنها نظام ينظّم كل كبيرة وصغيرة في حياة هذه الأمة. فالأمة الإسلامية تمتلك عقيدةً سياسية تمزج المادّة بالروح. وهي الملاذ للبشرية والمخرج لما هي فيه من فراغٍ روحيٍّ وانهيارٍ خُـلُـقيّ، وصراع على المنافع المادية التي يرىالغرب بما يحمله من عقيدةٍ رأسماليةٍ أنّ غاية الحياة هي تحصيل أكبر قدرٍ من المتع واللذات المادية. بهذه العقيدة استطاع المسلمون في أقلّ من ثلاثة عقود أن يسودوا بها الدنيا، ويُخضعوا فارس والروم – سادة الدنيا في ذلك الوقت – لحكم الإسلام وشريعته. وبهذه العقيدة أيضًا يستطيع المسلمون أن يسودوا الدنيا مرة أخرى فيُـخضعوا أميركا والغرب لحكم الإسلام. (ويومئذ يفرح المؤمنون ، بنصر الله) [الروم] .
شـريف عبد اللّه
2003-07-20