أسـلحـة الدمـار الشـامـل في الغـرب (2)
نتابع فـي هذه الحلقة سجل الغرب، الذي لا جدال فيه، فـي الاستخدام المنهجي والمتعمد لأسوأ أسلحة فـي العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
-
الأسلحة الكيماوية والبيولوجية: إن أول استعمال للأسلحة الكيماوية فـي العصر الحاضر كان من قبل كثير من الدول التي شاركت فـي الحرب العالمية الأولى: فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهي نفس الدول التي تحاكم العراق الآن. وكرد فعل على استخدام الألمان للكلورين عند الهجوم على يبرز/ بلجيكا، الذي قتل فيه أكثر من 5000 من قوات الحلفاء،قامت المملكة المتحدة باول محاولة خاصة بها لصنع الأسلحة الكيماوية. فقد عُين ميجور شارلز فولكس، من المهندسين الملكيين، كأول خبير غاز، وكانت مهمته أن يعجل بتنظيم الجهد البريطاني لصنع الأسحلة الكيماوية دون الاكتراث بالأخلاقيات. وفـي الحال أصبح عمليا كل مهندس كيماوي بريطاني بارز يعمل فـي مجال الغاز الحربي. وهكذا بنيت معامل فـي بورتون داون وأصبحت المركز العام لجهود صنع الأسلحة الكيماوية البريطانية، التي استخدمت أكثر من 1000 عالم وجندي.
-
مؤسسة الأسلحة الكيماوية الأميركية: أنشأت الولايات المتحدة مؤسسة الأسلحة الكيماوية منتصف عام 1918 تحت إدارة الجنرال أموس اي فرايز. وقد أصبحت إدج وود آرسنال، قاعدة عسكرية قرب بلتيمور فـي ماريلاند، مركز أبحاث الأسلحة الكيماوية الأميركية، حيث استخدم أكثر من 1200 فنّي، و700 مساعد خدمة، اختبروا أكثر من 4000 مادة سامّة. وقد استطاعت إدج وود، التي تتألف من 218 مبنى صناعي و28 ميلا من الخطوط الحديدية، من انتاج 200 ألف قنبلة وقذيفة كيماوية يوميا. وبحلول عام 1918، فإن 5/1 – 3/1 القذائف التي اطلقت كانت مملوءة بنوع ما من الكيماويات. وفـي الشهور الـ 18 الأخيرة من الحرب، كان غاز الخردل الذي يخشاه الناس كثيرا، مسؤولا عن 6/1 الإصابات. وغاز الخردل هذا يحرق ويُـقرّح الجلد، ثم يسبب الموت البطيء أو الوهن عن طريق إزالة الغشاء المخاطي للقصبات الهوائية ومنع التنفس. وقد نسب للغاز الحربي رسميا أكثر من 91,000 وفاة، و1.3 مليون إصابة، ولكن المؤرخين اليوم يعتبرون هذه الأرقام الحد الأدنى.
-
استعمالات معلّقة: لم يكن استخدام الأسلحة الكيماوية محصورا على الحرب العالمية الأولى، بل إن البريطانيين الذين تدخلوا إلى جانب الجيش الأبيض فـي الحرب الأهلية الروسية عام 1919، قاموا بتزويدهم بقذائف غاز الخردل، واستخدموا جهاز (M) لانتاج غيوم من الدخان الزرنيخي (السّـام) فوق الجيش الأحمر. وقد استخدم البريطانيون كل فرصة سانحة لهم من أجل استخدام أسلحتهم الجديدة. فقد حث الميجور فولكس، الذي أرسل إلى الهند عام 1919، الجيش البريطاني على استخدام الأسلحة الكيماوية فـي حربهم ضد الأفغان، قائلاً: “إن الجهل، وغياب التوجيه والنظام، وعدم وجود حماية من جانب الأفغان ورجال القبائل، لاشك أنه يزيد من فرص إيقاع الإصابات بواسطة غاز الخردل في حرب الحدود”. وقد وافقت إدارة الحرب البريطانية على ذلك، وارسلت مخزونات من غاز الفوسجين والخردل، وكانت القوات البريطانية قد تدربت على ذلك بلبس بدلات ضد الغاز فـي ممر خيبر. ومع هذا، يملك توني بلير الجراة اليوم أن يضيف الحكومة البريطانية الى لائحة الدول “المتحضرة”، وأن لها سجلا نظيفا وقيما نبيلة مقارنة بنظام صدام فـي العراق.
-
وضع بروتوكول جنيف: كان هناك خيبة أمل واسعة، بعد الحرب العالمية الأولى، من حرب الغازات. فقد عقد فـي أيار 1925، وتحت رعاية عصبة الأمم، مؤتمر حول سباق التسلح العالمي، وذلك فـي مدينة جنيف فـي سويسرا. ومنع بروتوكول جنيف، كما جرى تسميته، استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية فـي أي صراع فـي المستقبل. كما وصفه أحد المراقبين،كان “التوقيع على ميثاق جنيف عام 1925 العلامة البارزة لرفض الرأي العام لاستخدام الحرب الكيماوية”. ولم يكن توقيع الإتفاق على أي حال ملزما، لأن على الحكومات أن تصادق عليه. فبدأت مؤسسة الحرب الكيماوية الأميركية بالهجوم عليه، فقد أعلنت الجمعية الكيماوية الأميركية “أن تحريم الأسلحة الكيماوية يعني التخلي عن طرق انسانية من أجل العودة للأعمال السابقة المروعة في المعارك”. وأمام المعارضة القوية، فإن وزارة الخارجية امتنعت عن التصديق على الاتفاق. ولكن معظم الدول الأوروبية وقعت على ميثاق جنيف، بعد أن أضافت شروطا تعديلية جعلت من الميثاق عديم الفائدة. أحد هذه الشروط المضافة للميثاق جعلت منه غير ملزم للدولة مالم تكن الدولة التي فـي حرب معها قد وقعت هي أيضا على الميثاق. وكذلك احتفظ الموقعون على الميثاق بالحق فـي الرد بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية إذا هوجموا بهذه الأسلحة. كما أن ميثاق جنيف لم يمنع بشكل حاسم إجراء أبحاث أو تخزين للاسلحة البيولوجية ولكنه حرّم فقط البدء باستعماله. وكانت النتيجة النهائية لميثاق جنيف أنه لم يمنع تطوير الأسحلة البيولوجية وإنما جعل بحث وتطوير مثل هذه الأسلحة أكثر سرّية. وفـي عام 1925، سمح ونستون تشرشل، الذي اصبح فيما بعد رئيسا للحكومة البريطانية، للقط أن يخرج من الكيس، كما فـي المثل المشهور، عندما كتب عن أمراض طاعون معدة بشكل منهجيّ ومقذوفة على الإنسان والحيوان: آفة لتدمير المحاصيل الزراعية، وجمرة خبيثة لقتل الخيول والأنعام، وطاعون لتسميم ليس الجيوش فحسب بل لتسميم مناطق كاملة، هذه هي الخطط التي يسير عليها العلم العسكري بدون رحمة. وهذا البحث الحربي يلزم أن يبقى سرّا خوفا من المعارضة الشعبية.
-
إنشاء بورتون داون في المملكة المتحدة: لـقـد أوصـت لجـنـة هـولانـد، التي أنـشـأتـهـا الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى لدراسة الحرب الكيماوية وسياسة بريطانيا المـسـتقبلية تجاهها، بأن تبقى معامل بورتون داون بشكل دائم، على أن تضيف بورتون داون إلى لائحـة مهمتها دراسة وتطوير الحرب الجرثومية. وقد أبدت لجنة هولاند اعترافا خطيرا. فقد خلصت إلى “أنه يستحيل فصل دراسة أبحاث الدفاع ضد الغازات عن استخدام الغازات نفسها كسلاح هجومي، لأن فعالية الدفاع تعتمد بالكامل على المعرفة الدقيقة لمدى التقدم الحاصل أو الذي يمكن أن يحصل من الاستخدام الهجومي لهذا السلاح”. وقد علمت الحكومة منذ البداية أنه لا يوجد شيء اسمه دراسة الأسلحة الكيماوية الدفاعية البحتة. لذلك أعطت الحكومات علماءها مطلق الحرية لتصميم ما يتصورونه أكثر الأسلحة فتكا، على أساس أنه يجب اختراع هذه الأسلحة أولاً قبل إعداد الدفاع ضدها. وقد ادرك العلماء فـي قاعدة الأسلحة السرية فـي بورتون داون بأنهم يخاطرون بأرواح جنودهم الشباب الذين يستخدمونهم للتجارب فـي اختبار الغازات، حسـب رأي علماء السموم. وتتهم عائلة أحد الرجال الذين ماتوا فـي هذه التجارب، العلماء بجريمة القتل. فحسب ما ذكر آلاستير هي، من جامعة ليدز، أن الملاحظات الموجزة المعدة من العلماء فـي قاعدة ولتشاير، توحي بأن العلماء كانوا يعرفون أن الجرعات التي كانوا يعطونها للجنود يمكن أن تكون قاتلة. “كانوا يلعبون بالنار. كانوا يعرّضون الناس لكميات مركّزة قتلت بالفعل رجلا واحدا، ولكنها لم تكن بعيدة من احتمال قتل عدد آخر”. قال الجنود الذين أعطـوا راتبا إضـافيا وإجازة زائدة، مقابل الاشتراك فـي الاختبارات، أنهم أُخبِـروا بأن الاختبارات كانت من أجل علاج الرشح العادي. وقد أصرت وزارة الدفاع مرارا على إنكار الزعم بأن الجنود قد ضُـلِّـلُـوا. وقد قدم تقرير وثائقي تلفزيوني عام 1999 مايك كوكس، 68 عاما، من ساوث هامبتون، الذي استخدم للاختبار، وكان مع جندي اسـمه رونالد ماديسون يوم وفاته فـي غرفة الغاز حيث أجريت التجارب. وقدم البرنامج أقارب السيد ماديسون وهم يتحدثون عن الأحداث التي وقعت قبل 46 عاما. قالت أخته ليلياس كريك “لو مات في الحرب لتفهمّت ذلك، وإنما أن يموت بسبب مادة غبيّة وضعوها في ذراعه، ما كان يجب أن تُعطى لأي شخص، فإني آسف، لذلك أظن أنهم قتلوه”.
-
دور الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في الحرب العالمية الثانية: غاب استعمال حرب الغازات من الحرب العالمية الثانية، ابتداء لصعوبة إلغاء هذه الأسلحة دون أن يؤثر ذلك على قوات الدولة المستعملة نفسها، وكذلك لاحتمال الرد المماثل، لأن كل الدول الرئيسية المشاركة فـي الحرب كانت قد خزّنت مئات الأطنان من الأسلحة الكيماوية، خاصة غاز الخردل، لاحتمال استعمالها. وقد صنعت بريطانيا أول قنبلة من الجمرة الخبيثة عام 1942، وقد فجّـرت قنبلة، خام مليئة بجراثيم الجمرة الخبيثة على جزيرة جرانارد أمام ساحل سكوتلاندا الغربي. وقد بدأت الاغنام الموجودة فـي الجزيرة تموت فـي الحال. وحتى هذا اليوم، فإن الجزيرة غير مسكونة، كما لا يسمح للطيران بالنـزول فيها، وقد تمكن البريطانيون فـي النتيجة من صنع 5 ملايين كعكة من الجمرة الخبيثة لأسقاطها فوق ألمانيا. كان يمكن أن تتسبب خطة بريطانية لضرب ألمانيا بالجمرة الخبيثة إلى موت ما يقدر بـ 3 مليون شخص. وقد أجرى البريطانيون أيضا تجارب على التوكسين المميت ب – 9 أو ما يسمى بوتوليزم (يُـحدث تسمما مثل الناتج عن أكل اللحوم والاسماك الفاسدة). وقد طورت أميركا أيضا بشكل ضخم برنامج حربها الجرثومية اثناء الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1940 بدأت اللجنة الصحية والطبية الأميركية التابعة لمجلس الدفاع القومي النظر فـي “الطاقة الهجومية والدفاعية في الحرب البيولوجية”، وقد عين جورج فيرك من شركة ميرك الصيدلانية، مديرا لمصلحة الأبحاث الحربية، التي كانت مكلفة بأبحاث الحرب الجرثومية. وفـي عام 1943، افتتح معسكر ديتريك فـي ماريلاند، وأصبح بسرعة مركزا لجهود الحرب الجرثومية الأميركية. وقد استثمرت أميركا أكثر من 40 بليون دولار فـي بناء مصانع ومعدات بين عامي 1942 و1945، واستخدمت أكثر من 4,000 شخص فـي ذلك المعسكر، وفـي محطة الاختبار الميداني فـي جزيرة هورن فـي باسكاجولا فـي ولاية المسيسيبي، ومصنع الإنتاج فـي فيجو، فـي انديانا، ومنطقة دجوي بروفنغ جراوندز (أرضيات فحص الطرق المحفورة). وقد جرى اختبار الغازات التالية فـي معسكر ديتريك: الجمرة الخبيثة، والتولاريميا، والطاعون، والتيفوئيد، والحمى الصفراء، والتهاب الدماغ، وذلك للاستخدام فـي أرض المعركة، كما اختبرت غازات آفات زراعية على الأرز والبطاطا والحبوب. ودرست الولايات المتحدة إمكانية تدمير محاصيل الأرز الياباني بواسطة الحرب الجرثومية. وقد تم انتاج أول دفعة من القنابل المعبأة بالجمرة الخبيثة ومقدارها 500 قنبلة من معسكر ديتريك فـي آيار 1944، وبنت الولايات المتحدة مصنعا فـي فيفو فـي انديانا، قادرا على إنتاج 500,000 قنبلة من الجمرة الخبيثة شهريا و250,000 قنبلة معبأة بغاز البوتوليزم، ولحسن الحظ أنها لم تستعمل. وقد قامت الولايات المتحدة بأكبر عملية تصنيع للغاز السام فـي العالم أثناء الحرب العالمية الثانية، وأنتجت 135,000 طنا من الغاز السام. وهذا الرقم يزيد 20,000 على مجموع ما استخدم من قبل الدول المشاركة فـي الحرب العالمية الأولى. وبدأت أميركا أيضا بالتفوق على البريطانيين فـي الحرب الجرثومية.
-
الاستفادة من الخبرة اليابانية: أراد جوج ميريك، بعد الحرب العالمية الثانية، أن تستمر برامج الحرب الجرثومية التي كانت أثناء الحرب. فتحول معسكر ديتريك عام 1956 إلى قلعة ديتريك كمعهد دائم للبحث والتطوير العسكري. وهكذا أضيفت الآن الفيروسات والغازات القاتلة المعروفة للإنسانية إلى المخزون الأميركي، بما فيها غازات الأعصاب مثل جي بي، وفـي إكس، وهي غازات قاتلة لدرجة أن نقطة صغيرة منها إذا وقعت على الجلد قد تسبب الوفاة فـي أقل من دقيقة واحدة. شهدت الحرب الباردة الاعتراف بالأعداء السابقين وجرى الصفح عنهم فأصبحوا موظفين أميركيين، مما أدى إلى حماية مجرمي الحرب اليابانيين، الذين أجروا تجارب على الناس، من المحاكمة. ففي أثناء احتلال اليابان الطويل والوحشي للصين خلال الثلاثينات والأربعينات، كانت هناك وحدة خاصة من الجيش الياباني معروفة باسم الوحدة 731، تقوم بإجراء تجارب على الجنود والمدنيين الصينيين بالغاز والجراثيم الحربية. فقد قامت الوحدة 731 بقيادة الجنرال ايشي شيرو بجرائم حرب كثيرة. فقد أختبروا مثلا تأثيرات قنابل الجمرة الخبيثة على البشر، وحقنوا الجنود والمدنيين الصينيين بالتيتانوس والجدري والطاعون. وبناء على المخلّفات البشرية التي درستها أميركا عام 1947 فإن الجمرة الخبيثة كانت مسؤولة عن موت 31 شخصا والكوليرا 50، وغاز الخردل 16، والطاعون 106، والتيفوئيد 22، والتيفوس 9. وقد جرّبت أمراض أخرى كثيرة. وقد أراد الروس وضع أعضاء الفريق 731 بما فيهم الجنرال شيرو للمحاكمة، ولكن أميركا منحتهم الحصانة مقابل إعطائها نتائج تجاربهم. فحسب ما كتب المؤرخان روبرت هاريس وجيريمي باكسمان فإن “الولايات المتحدة كانت تحمي فعلا علماء البكتيريا اليابانيين من تهم جرائم الحرب مقابل المعلومات عن التجارب التي أجروها على البشر”. وقد أخفيت هذه المعلومات لمدة 30 سنة بعد الحرب.
-
استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب الفيتنامية: أطلقت أميركا أول حرب بيوكيماوية على فيتنام منذ الحرب العالمية الأولى. فقد استخدمت أميركا غاز سي إس ضد مليشيات جبهة التحرير الوطني، واستعملت سوائل كيماوية مثل العامل البرتقالي، سيئ السمعة. وبحلول عام 1970 أسقطت عملية رانش هاند 12 مليون جالون من العامل البرتقالي على فيتنام، حيث دمرت 4.5 مليون فدّان من المزروعات فـي الريف الفيتنامي وتسببت فـي تسممها لسنين طويلة. وكان شعار مؤيدي عملية رانش هاندر “أننا فقط نستطيع منع نمو الغابات”. ويحتوي العامل البرتقالي على سائل الديوكسين (من ثاني أكسيد الكربون)، وهو أخطر الكيماويات القاتلة فـي الأرض المتسببة فـي السرطان. وقد سبب استخدام العامل البرتقالي من قبل الولايات المتحدة المعاناة لآلاف الآلاف من الشعب الفيتنامي والجنود الأميركيين وعائلاتهم.
-
الأساس المنطقي لدعم أميركا لمواثيق الأسلحة البيولوجية والكيماوية: أعلن نيكسون عام 1972 وقف أميركا لبرامجها المتعلقة بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية. لم يكن ذلك إيثاراً من اميركا ولكن نتيجة تأكد الإدارة بأن التقنيات اللازمة لإنتاج هذه الاسلحة ستكون مع الزمن شائعة بحيث يصبح إنتاج هذه الاسلحة أمراً لا مفر منه. وسيكون إنتاج هذه الاسلحة أرخص وأسهل من إنتاج الاسلحة النووية بشكل كبير. وبذلك سيصبح من الصعب أن تحتكر لوحدها صنع هذه الاسلحة. وبناء على القرار الأميركي بخصوص هذه الأسلحة بدأ التوقيع على مواثيق الأسلحة البيولوجية فـي 10 نيسان 1972، وأصبح فـي حيّز التنفيذ فـي 26 آذار 1975. بينما بدأ التوقيع على ميثاق الاسلحة الكيماوية فـي 13 كانون ثاني 1993 ودخل حيّـز التنفيذ فـي 29 نيسان 1997. وكما هو الحال فـي اتفاقيات الحد من التسلح النووي، فإن الاتفاقيات الكيماوية والبيولوجية جرى تطبيقها من قبل أميركا بتمييز كبير أو بشكل انتقائي. ويستطيع مجلس الأمن أن يحقق فـي الشكاوى المتعلقة بهذه الأسلحة، ولكن هذه الصلاحية لم يجر العمل بها أبداً. إضافة إلى أن قوانين التصويت فـي مجلس الأمن يمنح روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة حق النقض لقرارات مجلس الأمن، بما ذلك حق إجراء التحقيق فـي مخالفة ميثاق الأسلحة البيولوجية. وفـي شهر تموز من هذا العالم رفضت الولايات المتحدة بروتوكولا تنفيذيا يفرض تنفيذ هذه الاتفاقية، بسبب قلقها فـي الاساس على مصالحها الداخلية.
-
الأبحاث الجارية حاليا في مجال الأسلحة البيوكيماوية: كشفت مجلة التايمز، نيويورك، فـي 4 أيلول 2001 بأن باحثي الدفاع البيولوجي التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وتحت حجّة العمل الدفاعي، قد أجروا تجارب على قنابل بيولوجية صـورية، وبنوا منشـأة فعلية لانتاج أسلحة بيولوجية فـي نيفادا، وهي نشاطات لا يمكـن تمييزها أبدا من أبحـاث الأسـلحة البيولوجية الهجومية. وقد أبقت أميركا هذه النشاطات سرّية، ولم تكشف عنها فـي التقارير السـرية السـنوية للمنشأة، الموجهة لميثاق الاسلحة البيولوجية. ويمكن بسهولة تحويل هذه الدراسات الدفاعية التي قامت بها الولايات المتحدة إلى أسلحة بيولوجية. فمثلا يبدو أن حوادث الهجوم بالجمرة الخبيثة التي حصلت فـي تشرين أول 2001 فـي الولايات المتحدة، قد وقعت من قبل علماء محليين من داخل مختبرات الأسلحة البيولوجية الأميركية.
-
علاقة أميركا بمواثيق الأسلحة البيولوجية: فيما يتعلق بميثاق الأسلحة الكيماوية، فهو ينفذ من قبل منظمة تحريم الأسلحة الكيماوية التي تفتش على المختبرات والمصانع وتشرف على تدمير الأسلحة التي يمكن أن تكون فـي حوزتها، ولكن أميركا أجبرت هذه المنظمة على إبعاد مديرها العام، جوسي بستاني، وكانت جريمته هي رغبته فـي التفتيش على أميركا بنفس الصرامة المطبقة فـي البلاد الأخرى، وكذلك دعوته صدام حسين للتوقيع على ميثاق الأسلحة الكيماوية. وعلى النقيض من المسلك الأميركي بالمطالبة بالتفتيش على الاسلحة العراقية بأسلوب تطفلي، فإن مجلس الشيوخ الأميركي قد أقر قانونا يتعلق بتطبيق ميثاق الأسلحة الكيماوية، قسم 307، اشترط فيه “ان الرئيس يمكنه ان يرفض طلبا بالتفتيش على أي موقع في الولايات المتحدة في حالة إذا ما قرر أن ذلك التفتيش يمكن ان يهدد مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة”.
-
دعم أميركا لبرامج الأسلحة البيوكيماوية العراقية: لقد لعبت الولايات المتحدة أيضا دورا فـي انتاج هذه الأسلحة. وادّعت إذاعة تلفزيونية للقناة الرابعة البريطانية عام 1998 أنهم اطلعوا على وثائق استخباراتية أميركية تبين أن 14 شحنة من المواد البيولوجية قد صدّرت من أميركا الى العراق، وتشمل هذه 19 كمية من بكتيريا الجمرة الخبيثة، و15 كمية من البوتولينوم، وهو العنصر الحيّ الذي يسبب البوتوليزم (يُـحدث تسمما مثل الناتج عن أكل اللحوم والاسماك الفاسدة). ويدل البرنامج أن لديهم دليلا بأن العراق اشترى عددا من ملقحات التوكسين بعد أن استخدمت الغاز فـي الهجوم على المدينة الكردية، حلبجة، التي قتل فيها 5000 شخصاً.
الخـلاصـة:
يتضح مما سبق أنه لا يوجد شك فـي ان الغرب يمتلك اسلحة الدمار الشامل فقد كان يستخدم بشكل دائمي هذه الأسلحة ضد ملايين الابرياء من الناس فـي الحرب العالمية الأولى والثانية وفـي فيتنام، وحتى ضد جنودهم. وهذا يبين بكل وضوح أن أبناء اليوم والغد يجب الا يتركوا ضحايا فـي يدي الغرب أو كما قال الرئيس ترومان، الا يتركوا “للتجربة” القادمة، التي ستواجهم بلاشك. ومن المناسب أن نذكّر أنفسنا بقيم الحكومات الغربية الرأسمالية، بأن نكرر ما قاله ميجور فولكس، أحد أوئل صانعي الأسلحة الكيماوية البريطانيين، حين بعث إلى الهند عام 1919، حيث كان يضغط على العسكرين البريطانيين لاستخدام الأسلحة الكيماوية فـي حربهم ضد أفغانستان حينما قال “ان الجهل، وغياب التوجيه والنظام، وعدم وجود حماية من جانب الأفغان ورجال القبائل، لاشك أنه يزيد من فرص إيقاع الإصابات بواسطة غاز الخردل في حرب الحدود” .
[انتهـى
* من كتاب «أسلحة الغرب للدمار الشامل والسياسة الخارجية الاستعمارية» / شـباب حـزب التحـرير – بريطانيا / (تقويم الجالية الإسلامية في بريطانيا) / تاريخ صدوره 28 شعبان 1423هـ، 03/11/2002م.