الخلافة التي يعمل على إقامتها حزب التحرير تؤرق المفكرين الروس
2010/02/20م
المقالات
1,852 زيارة
الخلافة التي يعمل على إقامتها حزب التحرير تؤرق المفكرين الروس
مرة أخرى يعود شبح عودة “الخلافة” ليؤرق الغرب، وفي هذا المقال ينضم السياسيون والمفكرون الروس إلى السياسيين والمفكرين الغربيين للتحذير من هذا المشروع الذي يعتبرونه مشروعاً يهدد الحضارة الغربية من أساسها. ومن هذا الباب ننقل ما كتبه المفكر أحمد إبراهيم خضر مقالاً نشره على موقع “الألوكة” بعنوان: «الروس وشبح عودة دولة الخلافة» ونحن ننقله كما ورد في المصدر:
في الستينات من القرن الماضي كتَب أحدُ أبرز قادة الفكر الإسلامي يقول: “ما الذي يمكن أن يقدِّمه المسلمون للعالَم؟ أيقدِّمون له عبقرياتٍ في الآداب والفنون والعلوم؟ لقد سبقتْهم شعوب الأرض في هذه الحقول، والبشرية تغصُّ بالعبقريات في هذه الحقول الفرعيَّة للحياة، وليست في حاجة ولا في انتظار عبقريات أخرى مِن هنا وهناك.
أيقدِّمون له عبقريات في الإنتاج الصناعي المتفوِّق، تَنحني له الجِباه، ويغرقون به أسواقها، ويغطون به على ما عنده من إنتاج؟ لقد سبقتْهم شعوب كثيرة، في يدها عجلة القيادة في هذا المضمار.
أيقدِّمون له فلسفةً مذهبية اجتماعية، ومناهجَ اقتصادية وتنظيمية مِن صُنْع أيديهم، ومن وحي أفكارهم البشرية؟ إنَّ الأرض تعجُّ بالفلسفات والمذاهب، والمناهج الأرضية، وتشقى بها جميعًا غايةَ الشقاء!
ما الذي يقدِّمه المسلمون للعالَم؛ ليعرفهم به، ويعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟
لا شيءَ إلاَّ هذه الرِّسالة الكبيرة؛ رسالة الإسلام، والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها، وهي تتردَّى في هاوية الشقاء والحَيْرة، والقلق والإفلاس، وأداء هذه الرِّسالة لا يكون إلاَّ بإنشاء دولة، وقيام أمَّة يقوم كيانها كله على أساس هذه الرسالة”.
في 17 سبتمبر 2009م بعث الكاتب الروسي “جيرمان سادولييف” من “سان بطرسبرج” بمقالة خاصَّة لموقع “بارجووتش دوج”، بعنوان “دولة الخلافة الروسية”، طرح “سادلييف” ذات السؤال الذي طرَحَه المفكِّر الإسلامي من قبل، ولكن بطريقة مختلفة، تساءل “سادولييف”: ما الذي يمكن أن يقدِّمه الغرْب للمسلمين لكسبِ عقولهم وقلوبهم؟ وخاصَّة عقول وقلوب الشباب المسلِم، هذا الشباب المليء بالحيوية، والمستعد للتضحية، والتوَّاق للعدالة – على حدِّ قوله.
يستطرد “سادولييف” متسائلاً أيضًا: ما الذي يمكن أن يقدِّمه الغرب للمسلمين حتى يتمكنَ من مواجهة الحرب الأيديولوجيَّة التي يشنها من يسمِّيهم بالمسلمين المتشددين على الغرب، وماذا يفعل الغرب للحيلولة دون قيام دولة الخِلافة ثانية؟
يقول “سادولييف”: “إنَّ دولة الخِلافة قد ماتتْ رسميًّا، لكنَّها لم تَمُت فعليًّا، إنها توسَّعت، لا تزال دولة الخِلافة حيَّة، ليس فقط كفِكرة، وإنما كواقع، تظهر حينًا، وتختبئ حينًا آخر، وإذا كان هناك شبح يهدِّد أوروبا اليوم، فإنه شبح عودة دولة الخلافة الإسلامية…. لم يكن الاتِّحاد السوفيتي بمبادئه الشيوعيَّة – كسلاح أيديولوجي فعَّال – يخاف من دولة الخِلافة الإسلاميَّة؛ لأنَّه كان يمثِّل دولة خلافة مِن نوع خاصّ، تتنازع مع دولة الخِلافة الإسلامية على الجنة الموعودة، ولكن على الأرض وليس في السماء.
لقد اعترف المسلِمون بذلك، وعلى رأسهم “خطَّاب”، ذلك القائد الذي كان يحارِب الروس في أفغانستان، ثم في الشيشان، قال خطاب: “بالأمس كان الروس يحاربوننا مِن أجْل قضية يؤمِنون بها، أمَّا اليوم بعد أن انهارتِ الشيوعية، فليس هناك من قضية يحاربون مِن أجلها”.
تواجه روسيا الإسلامَ اليوم بلا سلاح بعد أن خلعتْ سروالها الأيديولوجي، إنَّ روسيا اليوم بدون الشيوعيَّة لن تسعى إلاَّ إلى قِيَم العالَم الغربي؛ المصلحة الخاصَّة، عبادة الرفاهية المادية، وهي أسلحة لم تُثبت نجاحَها في المعركة مع الإسلام.
كانت الفلسفة الشيوعيَّة هي وحدَها المظهر الخارجي للـ “الجنة” التي يحارِب المسلمون من أجلها أيضًا.
إنَّ هذه “الجنة” المثالية قد أحيل أمرُها إلى المستقبل الآن، ولهذا تحتاج الشيوعيَّة إلى شعارات ذات شفافية دِينيَّة كالأخوة والمساواة والعدالة، والبطولة والتضحية، وكلُّ هذه الشعارات لا تتماشَى مع قِيَم المصلحة الخاصة التي يتبناها الغرب اليوم.
إنَّ انهيار الاتحاد السوفياتي جعل روسيا اليوم جزءًا من العالَم الغربي ولو ظاهريًّا؛ ولهذا فهي تقف في خندق واحد مع الغرْب الذي يمثِّل معسكر أعداءِ الخِلافة الإسلامية.
إنَّ الإسلاميِّين المتشدِّدين ماضون في جهودهم لإعادة دولة الخلافة، يؤسِّسون إماراتٍ إسلامية، أو ما يسمُّونه بدار الإسلام، وهي مقاطعات إسلامية، ليستْ كتلك التي نتصورها نحن كدولة علمانية متعدِّدة الثقافات، لا، إنَّها دار إسلام بكلِّ ما يحمله هذه المصطلح من معنى.
إنَّ الصفة المميزة لدولة الخلافة الجديدة أنَّ أحدًا لا يسأل فيها، ولا يريد أن يسأل، مجتمع هذه الدولة مجتمع مكتف ذاتيًّا، يُعيد إنتاج نفسه ذاتيًّا، يتوسع ذاتيًّا، وينمو نموًّا سرطانيًّا، إنها دولةٌ السيادةُ المطلقة فيها للشريعة التي تحملها، بغضِّ النظر عما إذا وافقتْ جمهور الشَّعب أمْ خالفته، تمشَّت مع عادات الناس أمْ ناقضتها، قَبِل بها الناس أمْ رفضوها.
دولةٌ سيادتُها من داخلها تستند إلى المسلمين أنفسِهم، وليس إلى دول الغرب، يستند أمنُها داخليًّا وخارجيًّا إلى نفسها، وليس إلى غيرها، دولة تتمحور سياستها الخارجية، وتبني علاقتَها مع غيرها من الدول على أساس تطبيق هذه الشريعة داخلَها، ثم حملها إلى العالَم الخارجي.
ما الذي يمكن أن يقدِّمه الغرب للمسلمين حتى يواجه به هذا النموَّ السرطاني لدولة الخلافة؟ إنه يَعِد المسلمين بأن يكونوا مستهلكين سعداء، ينعمون بالرفاهية، إنَّ هذا الوعد يمثِّل استجابة ضعيفة، غير قادرة على مواجهة التحدِّي الإسلامي.
لقد أدرك شبابُ العالَم الثالث أنَّ هذه الوعود مجرَّد خداع، وأنَّ هذا الاستهلاك السعيد يقتصر في حقيقة الأمر على القلَّة مِن الناس، أما هم فلا ينتظرهم سوى العبودية والفقر.
ما الذي يمكن أن يقدِّمه الغرب للمسلمين؟ العقيدة النصرانية؟ لقد لعِب الغرب بهذا الكارت سابقًا، لكنَّه احترق الآن!
إنَّ تضحية فرسان النصارى في العصور الوسطى هي التي أنقذتِ الغرب من سطوة الإسلام، لكن الأمر مختلف بشدَّة في الحرب الصليبية الجديدة، إنَّ النصرانية المعاصرة لم تعد كافية لمواجهة الإسلام، بل لم تعد كافيةً داخل أوروبا ذاتها، إنَّها تستخدم للاستهلاك المحلي، فما بال الأمر بتصديرها؟!
وماذا عن الاشتراكية؟ لقد احترق كارتُ الاشتراكية في العالَم الإسلامي أيضًا، لقد لفظتها أوروبا ذاتها، وتبنَّى المسلمون شعاراتها: العدل والمساواة، أما الاشتراكية القومية فلا تصلح للتصدير أيضًا إلى العالَم الإسلامي؛ فهي مصدر إزعاج في أوروبا ذاتها.
المحصلة النهائية:
هي أنَّه ليس هناك من شيء يمكن للغرب أن يقدِّمه للمسلمين لكسب قلوبهم وعقولهم”.
انتهى “سادولييف” إلى أنَّ المواجهة باتتْ حتمية؛ لأنَّ المسلمين ماضون في طريقهم لإعادة دولة الخلافة، والجهاد هو طريقهم لتوسيع هذه الدولة، الغرب يحارب المسلمين ببنادق متطوِّرة، وبصواريخ، وقنابل ضخمة، وبوحدات الانتشار السريع، وقوَّات المهام الخاصَّة، وبالأساطيل البحرية، والأسلحة النووية، بينما يحاربهم أعداؤهم ببنادق قديمة واهية من طراز AK-47S والمتفجرات البلاستيكيَّة البِرميلية، لم تتمكن كلُّ أسلحة الغرب هذه من القضاء على فِكرة دولة الخلافة، ولا على هذه الحفنة من الجهاديِّين الذين يتبنونها.
اختارتْ روسيا – كما يرى سادولييف – طريقًا جديدًا، ومنهجًا خاصًّا في صراعها الأيديولوجي مع ما يسميه بالإسلام “المتشدد”، أو “غير الصحيح” – كما يرى الروس.
رأتْ روسيا أنَّ الطريق إلى إيقاف انتشار ما تسمِّيه بالإسلام غير الصحيح هو زيادة نشْر الإسلام الصحيح؛ أي: الإسلام بلا جهاد، ينسب “سادولييف” هذه الفكرةَ إلى الرئيس الروسي الحالي “مدفيديف”، الذي أطلقها منذ فترة ليستْ بالبعيدة في اجتماعه مع قادة الطوائف الدينية في روسيا.
ملخص هذه الفكرة:
أنه “لكي نمنع انتشارَ التعصُّب الإسلامي، علينا أن نتجه إلى تعليم الإسلام في كلِّ مدرسة، وبناء المساجد والمدارس، والسماح بقناة إسلاميَّة لمدة 24 ساعة، على حساب الدولة”؛ (سادولييف، دولة الخلافة الروسية بتصرف).
حاول “كريستوفر مارشال” أن يفسِّر أسبابَ تسامح روسيا مع المسلمين بداخلها، والبراجماتية التي تتعامل بها مِن استبداد ومرونة مع الأقليات، أرجع ” مارشال ” هذا التسامح إلى ارتفاع نسبة السكَّان المسلمين في روسيا، إلى جانب الظهور النشط للمسلمين، ونظرة الكرملين إليهم كَفِئة متصالِحة مع الدولة، كما وجد الروس أنَّ القمع الذي يمارسونه في الشيشان، وما جاورها مِن مناطق هو حملٌ ثقيل يعكِّر صفو أية علاقات يحاول إقامتها مع البلدان الإسلامية.
ولبيان هذا التسامح مع المسلمين استشهد “مارشال” بمقولة “بوتين” عندما زار ماليزيا في عام 2003م التي قال فيها: “إنَّ روسيا قوَّة إسلامية تأمل أن تلعب دورًا في شؤون المسلمين العالمية”؛ (كريستوفر مارشال، لماذا يتسامح الكرملين مع مسلِمي روسيا؟)؛ موقع الوقت 9/10/2009.
استاء “سادولييف” مِن هذا المنهج التسامحي الجديد الذي اتبعتْه روسيا في صِراعها الأيديولوجي مع الإسلام، وعبَّر عن استيائه هذا بقوله: “إنَّ رجال الفتيا والملالي المسلمين تماشوا مع هذا الاتجاه الجديد، لكن السؤال هنا: “هل يمكن إطفاء النار برشِّها بالجازولين؟! الذي سيحدث هو أنَّ المسلمين الروس المتمسِّكين بإسلامهم سوف يتعلَّمون العربية، وسيعمل الكثيرون منهم على نشْر الإسلام على امتداد روسيا، ملهمين ومؤيَّدِين مِن الدولة، والمناطق التي تحمل نفس الاتجاه.
إنَّ العقيدة الدِّينيَّة لا تنتشر بواسطة حكَّام ملحدين كلُّ همهم الدنيا ومكاسبها، ولكن بواسطة أتباع مخلصين وقديسين.
إنََّّ التاريخ يكشف لنا أنه ليس هناك مِن خير يمكن أن يتحقَّق عند تحالُف السلطة مع الدِّين في هذا العالَم.
إنََّّ الحكومة الروسية تعمل الآن على تغذية وتحفيز الإسلام، ما الذي تنتظره إذًا؟ النتيجة هي النمو الحتمي للتطرُّف والتشدُّد، وهو خلاف ما كانتْ تسعى إليه روسيا، ثم تبقى المحصِّلة النهائية، وهي: زوال حُكم الدولة الروسية”.
German Sadulayev, The Russian Caliphate, special to Prague Watchdog.
تأتي رسالة “سادولييف” هذه المحذِّرة من خطر قيام “دولة الخلافة الإسلامية”، وكأنَّها دعوة إلى الروس لاستصدار قانون مشابِه لهذا الذي اتخذتْه بريطانيا، واتجهت فيه نحوَ تجريم الدعوة والمطالبة بالخِلافة الإسلامية، واعتبار مَن يتلبَّس بذلك العمل متطرفًا.
كما تدعم هذه الرسالة أيضًا ما جاء في مؤلف “ميخائيل يورييف”: “روسيا.. إمبراطورية ثالثة” مِن أنَّ دولة الخلافة الإسلامية ستكون واحدةً من خمس دول عالميَّة رئيسة بحلول عام 2020م، وما جاء به “نوح فيلدمان” أستاذ القانون بجامعة هارفارد، بعنوان: “سقوط وصعود الدولة الإسلامية”، الذي يؤكِّد فيه وجودَ تأييد جماهيري لتطبيق الشريعة الإسلامية مرَّة أخرى في العصْر الحالي، والذي – حسب تقديره – يمكن أن يؤدِّي إلى وجود خلافة إسلامية ناجحة. (د. ماهر الجعبري، من روسيا لأمريكا، كتاب عالميُّون يترقبون الخلافة العربية).
إنَّ مقولة “يورييف” من: “أنَّ الحضارة الأوروبية سائرةٌ إلى الزوال، ولا بدَّ أن يغزوها ويحتلها هذا أو ذاك” – تتسق مع ما انتهى إليه “سادولييف” مِن أنَّ معركة الغرب مع الإسلام قد انتهت، وأنَّ الغرب قد خَسِر هذه المعركة.
لكن التاريخ يعلِّمنا أنَّ عبدالله بن أبي بن سلول – وهو مِن عظماء الخزرج، اضطر إلى النزول عن كبريائه وكراهيته لهذا الدِّين ونبيه – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإلى أن يكبتَ حِقدَه وحسده، ويكون منافقًا للمسلمين، وليقول قولتَه الشهيرة: “هذا أمرٌ قد توجه”؛ أي: ظهرتْ له وِجهة هو ماضٍ فيها، لا يردُّه عنها رادّ”.
ونفسِّره هنا بأنَّ عودة دولة الخلافة قد أصبح قدرًا لا مفرَّ منه، وأنَّ التسامح مع الإسلام الذي أظهره الروس، أو قد يظهره غيرهم، هو نفاق مِن نوع نفاق “ابن سلول”؛ نعني بهذا: أنَّ مثل هذا التسامح لن يمنع أعداءَ الإسلام من تلمُّس الثغرات في صفوف المسلمين، وترقُّب الأحداث التي تُضَعْضِع قُواهم؛ ليُظهروا كوامنَ صدورهم، أو ليضربوا ضربة الإجهاز، إذا كان ذلك في إمكانهم.
2010-02-20