الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية (3)
2010/04/20م
المقالات
2,345 زيارة
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية (3)
2- البيطرة:
البَيْطارُ أو المُبَيْطِرُ في اللغةِ هوَ مُعالجُ الدوابِّ، وهوَ يُبَيْطِرُ الدوابَّ أَيْ يُعالجُها، ومعالجتُهُ البَيْطَرَةُ. ووظيفةُ البياطِرَةِ الأساسيةُ في الدولةِ هيَ الحفاظُ على جودةِ الإنتاجِ الحَيَوانِيِّ وتكثيرُهُ. إلا أَنَّ كَوْنَ الثروةِ الحيوانيةِ مصدرًا منْ مصادِرِ الغذاءِ، وكوْنَ بعضِ الأمراضِ الحيوانيةِ قدْ تنتقلُ إلى الإنسانِ بِطُرُقٍ مختلفةٍ وَتُؤَثِّرُ على صحتِهِ، يجعلُ وظيفةَ البيطارِ شاملةً أيضًا لمراقبَةِ صحةِ الحيواناتِ في الدولةِ، ومنعِ الأمراضِ الناتجَةِ عنِ الحيواناتِ، سواءً الداجنةَ منها أَمِ البريةِ، والتي تؤثِّرُ على الإنسانِ. ولذلكَ تهتمُ الدولةُ الإسلاميةُ بإنشاءِ جهازٍ خاصٍّ منَ البياطرَةِ يكونُ تابعًا لدائرةِ الزراعةِ باعتبارِ وظيفته الأساسِيَّةِ، ومُرْتَبِطًا بدائِرَةِ الصحةِ فيما يَخصُّ الجوانبَ التاليةَ:
أ- مراقبةُ صحةِ الحيواناتِ: يتوجبُ على جهازِ البيطرةِ في الدولةِ الإسلاميةِ أنْ يُراقِبَ جميعَ المزارعِ الحيوانيةِ التابعةِ للدولةِ أوْ للأفرادِ، بأنْ يُخَصَّصَ لكلِ مزرعةٍ أوْ مجموعةِ مزارعٍ بيطارًا يَهْتَمُّ بمراقبةِ ومتابعةِ صحةِ الحيواناتِ فيها، وينطبقُ هذا الأمرُ أيضًا على حدائقِ الحيوانِ. ويقومُ هذا البيطارُ بتطعيمِ الحيواناتِ أوِ الدواجنِ ضدَّ الأمراضِ التي قدْ تنتقلُ إلى البشرِ، فضلاً عنْ باقي الأمراضِ التي لا تُعْدِي البشرَ ولكنَّها تُؤَثِّرُ في الإنتاجِ الحيوانِيِّ. ويتوجبُ على البيطارِ إذا شَخَّصَ مرضًا مُعْدِيًا أو مُؤَثِّرًا على الإنسانِ في أَحَدِ المزارعِ أنْ يُخْبِرَ دائرةَ الصحةِ فضلاً عنْ دائرةِ الزراعةِ، حتى تقومَ بالاحتياطاتِ اللازمةِ لمنعِ انتشارِ المرضِ إلى الناسِ، أو لعلاجِ الأفرادِ الذينَ قدْ يكونُ المرضُ قدْ أصابَهُم. أما إذا شَخَّصَ البيطارُ مرضًا لا يُؤَثِّرُ على الإنسانِ لكنَّهُ يُؤَثِّرُ في الإنتاجِ الحيوانيِّ أوْ جودتِهِ فإنَّهُ يرفعُ الأمرَ إلى دائرةِ الزراعةِ فقطْ لتقومَ بالإجراءاتِ اللازمةِ.
وَيُراقِبُ البيطارُ أَساليبَ تَرْبِيَةِ وَتَنْمِيَةِ الحيواناتِ في المزارعِ، وَتَمْنَعُ الدولةُ ما يَضُرُّ مِنْ هذهِ الأساليبِ بِصِحَّةِ الرعيةِ ممنْ يتناولونَ مُنتجاتِ أوْ لحومِ هذهِ الحيواناتِ.
ب- مكافحةُ الآفاتِ الناقلةِ للأمراضِ: إنَّ بعضَ الأمراضِ تنتقلُ إلى البشرِ عنْ طريقِ الآفاتِ الحيوانيةِ كالبَعوضِ والذُّبابِ والقوارضِ والضَّواري، مثل أمراضِ المَلاَرْيَا وَالطَّاعُونِ وَدَاءِ الكَلَبِ وغيرِها مِنَ الأَوْبِئَةِ. وهذا منَ الضررِ الذي قدْ يقعُ على الرعيةِ، ولذلكَ يقومُ جهازُ البيطرةِ بعلاجِ هذهِ الآفاتِ والتخلصِ منها بِأَنْجَعِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا تأثيرًا على البيئةِ وصحةِ الرعيةِ، منْ بابِ إزالةِ الضررِ الذي أمرَ الإسلامُ بِهِ راعِيَ الشُؤُونِ.
ج- الحفاظُ على الحيواناتِ البَرِّيَّةِ: إنَّ الحفاظَ على الثروةِ الحيوانيةِ البريةِ ضروريٌّ للحفاظِ على الدورةِ الحياتيةِ وميزانِ الطبيعةِ، كما أَنَّ مُراقبةَ صحةِ الحيواناتِ البريةِ مهمٌ لِمَنْعِ انتقالِ الأمراضِ إلى الحيواناتِ الأليفةِ أوِ الإنسانِ، كداءِ الكَلَبِ أوِ السُّعَارِ وَإِنفلوانزا الطُّيورِ وغيرِها مِنَ الأمراضِ المُعْدِيَةِ. وَتُخَصِّصُ الدَّوْلَةُ لهذا الغرضِ بياطرةً يُراقِبونَ صِحَّةَ الحيواناتِ البريةِ ويُطَّعِّمُونَها ويُعالجونَ الأمراضَ التي تُصيبُها، حتى لا تَنْتَقِلَ هذهِ الأمراضُ إلى الحيواناتِ الداجنةِ في الدولةِ عنْ طريقِ الآفاتِ أو الاتصالِ المُباشرِ، وَتُهَدِّدُ بالتالي صحةَ الرعيةِ.
د- تجربةُ الأدويةِ على الحيوانِ وزراعةِ أعضاءِ الحيواناتِ وَإِنْتاجُ الأدويةِ والأَمْصالِ مِنْها: يحتاجُ البحثُ العلميُّ الطبيُّ وتطويرُ الأدويةِ والطُرُقِ العلاجيةِ في بعضِِ مراحِلِهِ إلى تجربةِ هذهِ الأدويةِ أو تطبيقِ هذهِ الطرقِ العلاجيةِ على الحيواناتِ الملائمةِ قبلَ استخدامِها لعلاجِ البشرِ، وذلكَ لفحصِ فعالِيَّتِها أو ضَرَرِها المحتملِ قبل إعطائِها للإنسانِ. واستخدامُ الحيواناتِ لهذا الغرضِ جائزٌ شَرْعًا، لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى سَخَّرَ كُلَّ ما في الكونِ للإنسانِ، ومنهُ الحيواناتُ، فقالَ سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [لقمان 20]، وقال سبحانه وتعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية 13] والتسخيرُ حقيقتُهُ التَّذْلِيلُ والتَّطْوِيعُ، وهوَ مجازٌ في جَعْلِ الشيءِ قابلاً لتصرُّفِ غيرهِ فيهِ، ومنْ هُنا اسْتُنْبِطَتِ القاعِدَةُ الشرعيةُ أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحةُ ما لمْ يرِدْ دليلُ التحريمِ.
وقدْ نهى الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنْ تعذيبِ الحيواناتِ، ففي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّهُ قَالَ: “دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ”، وعنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (رضي الله عنه) قالَ: كُنَّا معَ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: “مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا”، وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا، فَقَالَ: “مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟”، قُلْنَا: “نَحْنُ”، قَالَ: “إِنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ”، رواهُ أبو داودٍ بسندٍ صحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ. وَرَوَى أَبو داود بسندٍ صحَّحَهُ الأَلْبانِيُّ أيضًا عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: “مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟”، فَجَاءَ فَتًى مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: “لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ”، فَقَالَ: “أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ”. كَمَا أَنَّهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) نَهَى عنْ قَتْلِ الحيواناتِ عبثًا، فقدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا: “مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلا سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، قِيلَ: “يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا حَقُّهَا؟”، قَالَ: “يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلا يَقْطَعُ رَأْسَهَا فَيَرْمِي بِهَا”، وفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: “مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَارَبِّ إِنَّ فُلانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي مَنْفَعَةً”، وقالَ الشوكانيُّ في السَّيْلِ الجَرَّارِ إنَّ هذا الحديثَ مرويٌّ منْ طُرُقٍ قدْ صَحَّحَ الأئمَةُ بَعْضَها.
إِلا أَنَّ استخدامَ الحيواناتِ للتجاربِ العلميةِ وَمِنْها الطِّبِّيَّةِ جائزٌ وإنْ أَفضى إلى قَتْلِها، لأنَّ مفهومَ المخالفةِ للحديثِ السابقِ أنَّ منْ قَتَلَ حيوانًا في منفعةٍ لمْ يرتكبْ حرامًا. ولكنْ يُسْتَثْنَى منْ هذهِ الحيواناتِ الأصنافُ التي ذُكرتْ في الحديثِ الذي رواهُ ابْنُ عَبَّاسٍ (رضي الله عنه) فقالَ: “إِنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ”، رواهُ أبو داودَ وابنُ ماجةَ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ. ويُسْتَثْنَى كذلكَ مِنَ الحيواناتِ الجائِزِ اسْتِخْدامُها للأغراضِ الطبيةِ الضِّفْدَعُ، لما رواهُ أبو داودَ بإسنادٍ حَسَّنَهُ الألبانيُّ ورواهُ النسائِيُّ بإسنادٍ صَحَّحَهُ الألبانيُّ أنَّهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى طَبِيبًا عنْ قتلِ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ.
وَمِنَ المفضلِ أَنْ تُقَدَّمَ العَقْرَبُ والحَيَّةُ والغُرَابُ وَالحِدَأَةُ وَالفَأْرَةُ أوِ الجُرْذُ والكلبُ العَقورُ والوَزَغُ على غيرِها مِنَ الحيواناتِ لِغَرَضِ الأبحاثِ العلميةِ إِذا اسْتَوَتِ الفائدةُ العلميةُ في كُلٍّ منها، لإباحةِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَتْلَ هذِهِ الأصنافِ، فقدْ رَوَى البُخارِيُّ عنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها) أنَّ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: “خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ، الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ“، وفي روايةٍ عندَ مُسلمٍ: “أنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ”، والجُرْذُ منْ فصيلةِ الفِئْرانِ. وَرَوَى البخاريُّ عنْ أُمِّ شَرِيكٍ (رضي الله عنها) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ: “كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ؛“.
كَما أنَّ زراعةَ أعضاءِ الحيوانات، أوَ إِنْتاجَ الأدويةِ والأَمْصالِ مِنْها جائِزٌ أيضًا بالشُّروطِ المذكورةِ، وذلكَ لعمومِ أَدِلَّةِ التَّداوِي.
ويحرصُ جهازُ البيطرةِ في الدولةِ الإسلاميةِ على تطبيقِ هذهِ الأحكامِ الشرعيةِ والمساهمةِ في تطويرِ وترقيةِ البحثِ العلميِّ الطبيِّ بالتعاونِ مَعَ الأطباءِ والعلماءِ.
3- الرقابةُ الصحيةُ:
تقومُ الدولةُ الإسلاميةُ عنْ طريقِ جهازِ الحسبةِ بمراقبةِ الأمورِ التي تُؤَثِّرُ على صحةِ الجماعةِ بشكلٍ عامٍّ، بحيثُ يَمْنَعُ المحتسبُ كلَّ ضررٍ صحيٍّ يقعُ على الجماعةِ ويعاقِبُ منْ يَتَسَبَّبُ بهِ عقوبةً تزجرُهُ عنِ العودةِ إليهِ. وأما باقي القضايا التي لا تتعلقُ بصحةِ الجماعةِ ولكنَّها تضرُّ بصحةِ بعضِ الأفرادِ أوِ الفئاتِ في الدولةِ الإسلاميةِ، فيُعيَّنُ لها جهازٌ يُراقِبُها ويُتابِعُها، ويقومُ بمنْعِها إذا وَجَدَ أنها تُلْحِقُ الضررَ بهؤلاءِ الأفرادِ أو الفئاتِ. ومنَ الأمورِ التي يجبُ على المحتسبِ أنْ يُراقِبَها في الدولةِ الإسلاميةِ:
أ- جودةُ الغذاءِ في المطاعمِ والأسواقِ والمصانعِ: إنَّ الطعامَ إذا كانَ فاسِدًا أوْ لمْ تُتَوَخَّ النظافةُ أثناءَ إعدادِهِ أنتَجَ الأمراضَ المختلفةَ ونَقَلَ العَدْوَى، لذلكَ وَجَبَ عَلى مَنْ يصنعُ الطعامَ ويُقَدِّمُهُ في المحلاتِ العامَّةِ أنْ يَلْتَزِمَ بالنظافةِ الكاملةِ وبجودةِ الطعامِ المُقَدَّمِ. وعلى المحتسبِ أنْ يقومَ بإغلاقِ المطاعمِ أوْ محلاتِ الطعامِ التي يَتَبَيَّنُ أنها تُقَدِّمُ الطعامَ الفاسِدَ أوِ المغشوشَ، ومعاقبةِ أصْحابِها إنْ كانوا مُقَصِّرِينَ أو مُتَعَمِّدِينَ في بيعِ الغذاءِ الفاسِدِ. ولا يُعادُ فَتْحُها إلا بعدَ إعادَةِ فحصِ جَوْدَةِ ما تُقَدِّمُهُ للناسِ منْ غذاءٍ. روى مسلمٌ في صحيحِهِ أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: “مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟”، قَالَ: “أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ –أيِ المَطَرُ- يَا رَسُولَ اللَّهِ “. قَالَ: “أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي”، وفي روايةٍ عندَ الترمذيِّ صَحَّحَها الألبانيُّ: “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا”.
ب- المواصفاتُ والمعاييرُ للمنتجاتِ والسِّلَعِ: إنَّ بعضَ السلعِ والمنتجاتِ كَمَوَادِّ البناءِ والموادِّ الكيماويةِ كمُبيداتِ الحشراتِ وموادِ التنظيفِ يمكنُ أنْ تُسَبِّبَ ضَرَرًا على مُسْتَخْدِمِها إذا لمْ تكُنْ مُصَنَّعَةً وَفْقَ مواصفاتٍ ومعاييرَ تضمنُ السلامةَ عندَ استخدامِها، ولذلكَ كانَ لا بُدَّ مِنْ إنشاءِ جهازٍ خاصٍّ في الدولةِ يضمُّ علماءَ في مختلفِ المجالاتِ ذاتِ العلاقةِ لِوَضْعِ هذهِ المعاييرِ والمواصفاتِ وإلزامِ المصانِعِ والمُنتجينَ بها، ويقومُ المحتسبُ بمراقبةِ تطبيقِ هذهِ المعاييرِ والمواصفاتِ ومُعاقبةِ مخالِفِها ومنعِ تداوُلِ السِّلْعَةِ المُخالِفَةِ.
ج- فحصُ الموادِّ المستوردةِ: على الدولةِ الإسلاميةِ أنْ تقومَ بفحصِ الموادِّ المستوردةِ منَ الدولِ الأخرى، سواءَ أكانتْ موادَّ زراعيةً أم صناعيةً، لمنعِ دخولِ ما قدْ يَضُرُّ بالرعيةِ في الدولةِ الإسلاميةِ أو يَنْقُلُ الأمراضَ والآفاتِ منَ الدولِ الأخرى، كاستيرادِ الحيواناتِ المصابَةِ بمرضٍ مُعْدٍ أو البضاعةِ الفاسدةِ، وتقومُ الدولةُ بإنشاءِ نقاطِ فحصٍ وتفتيشٍ في ثغورِ الدولةِ لهذا الهدفِ. وقدْ روى البخاريُّ في صحيحِهِ، أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: “لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”. والروايةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَنَّهُ قالَ: “لا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”، وَهذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ جاءَتْ بِصيغَةِ الخَبَرِ وَلَفْظِ النَّفْيِ، لكِنَّها بِمَعْنَى النَّهْيِ بِدَليلِ رِوايَةِ البخاريِّ بِصيغَةِ النَّهْيِ، والمُمْرِضُ هوَ الذي لهُ إِبِلٌ مَرْضَى، والمصحُّ منْ لهُ إبلٌ صِحاحٌ، فيكونُ الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) قدْ نهى صاحبَ الإبلِ المريضةِ أنْ يورِدَها على الإبلِ الصحيحةِ.
د- مراقبةُ صحةِ القادمينَ للدولةِ: على الدولةِ الإسلاميةِ أنْ تقومَ بفحصِ المُسْتَأْمَنينَ والمُعاهِدينَ والرُّسُلِ القادمينَ إلى الدولةِ الإسلاميةِ منْ دُوَلٍ تنتشرُ فيها أمراضٌ معديةٌ كالطاعونِ أو السَّارْسِ أو السِّلِّ، والكشفِ عنْ حملِهِمْ للمرضِ قبلَ دُخولِهِمُ الدولةَ، فإن وُجِدَ أنَّ أحدهُمْ يحملُ المرضَ وفيهِ قابليةُ نقلِ العدوى مُنِعَ منْ دُخولِ الدولةِ.
وقد سُئِلَ أسامةُ بنُ زيدٍ (رضي الله عنه): “مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي الطَّاعُونِ؟”، فَقَالَ أُسَامَةُ (رضي الله عنه): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): “الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ-، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ”، رواهُ البخاريُّ. وروى مسلمٌ في صحيحهِ أنهُ كانَ في وفدِ ثقيفٍ رجلٌ مجذومٌ، فأرسلَ إليهِ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): “إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ”.
هـ- قوانينُ الأمانِ في العملِ: على صاحبِ العملِ أنْ يَوَفِّرَ لعُمالِهِ البيئةَ الصحيةَ الآمنةَ للعملِ، ولا يعرِّضَهُم للخطرِ، وعلى المحتسبِ أنْ يُشْرِفَ على المصانعِ والورشاتِ، ويتأكدَّ منْ خُلُوِّ مكانِ العملِ منْ أيِّ خطرٍ على العمالِ.
4- الحَجْرُ الصحيُّ:
منَ الأمراضِ ما هُوَ مُعْدٍ وذو خطورةٍ عاليةٍ، وَلِمَنْعِ انتشارِ مثلِ هذهِ الأمراضِ يجب أحيانًا عَزْلُ المريضِ المُصَابِ تمامًا، أوِ اتخاذُ إجراءاتٍ وقائيةٍ كَلِبْسِ الكَمَّاماتِ حينَ مُخالَطَتِهِ، حتى لا يتعرضَ الأصحاءُ لما يَحْمِلُهُ المريضُ منْ كائناتٍ دقيقةٍ مُعْدِيَةٍ. وإذا قرَّرَ الأطباءُ أنَّ مريضًا مُعَيَّنًا يُشَكِّلُ خطرًا ومصدرًا لنقلِ العدوى فإنَّ على الدولةِ أنْ تقومَ بعزلِ ذلكَ المريضِ عنِ الناسِ في بيتِهِ أوْ في المُسْتَشْفَى إِنِ احتاجَ إلى علاجٍ ومُتابعةٍ، أو تُجْبِرَهُ على اتخاذِ الإجراءاتِ الوقائيةِ اللازمةِ إنْ لمْ يَتَطَلَّبِ الأمرُ عزلَهُ تمامًا عنِ الناسِ.
وإذا لمْ يلتزمِ المريضُ بقرارِ العزلِ في هذِهِ الحالةِ أَجبرتْهُ الدولةُ وعزلتْهُ بالقوةِ، لأنَّ في خروجِهِ ومخالطتِهِ للناسِ ضررًا عليهِمْ، وذلكَ لأنَّ الإمامَ راعٍ وهوَ مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ، ولأنَّ القاعدةَ الشرعيةَ “لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ” توجِبُ على الإمامِ إِزالَةَ الضررِ عنْ رعيتِهِ. غيرَ أنَّ على الإمامِ أنْ يتكفَّلَ بالإنفاقِ على المريضِ المحجورِ إنْ لمْ يكنْ يملِكُ كفايتَهُ منَ المالِ لحبسِهِ عنِ العملِ والخروجِ.
وَأَخْرَجَ الإمامُ أحمد بإسنادٍ حسنٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): “لا تَفْنَى أُمَّتِي إِلا بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ”، قُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الطَّاعُونُ؟”، قَالَ: “غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ، الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ”. والطاعونُ مرضٌ خطرٌ مُعْدٍ، وقدْ جعلَ الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمنْ يَصْبِرُ ولا يَبْرَحُ مكانَهُ منَ المَطْعُونِينَ أجرَ الشهيدِ، وَلِمَنْ خَرَجَ مِنْ دائرةِ الحجرِ والعزلِِ فخالطَ الناسَ وِزْرَ الفرارِ منَ الزحفِ وهوَ مِنَ السَّبْعِ المُوبِقاتِ، قرينةً على حُرمةِ مُخالَطَةِ المريضِ بمثلِ هذهِ الأمراضِ للأصحاءِ.
وقدْ يُعْزَلُ مريضٌ لأنَّ جهازَ المناعةِ لديهِ ضعيفٌ ولا يقوى حتى على مكافحةِ الأمراضِ البسيطةِ التي قدْ يَنْقُلُها إليهِ غيرُهُ منَ الناسِ، ومثلُ هذا المريضِ يُعْزَلُ خوفًا عليهِ منَ العَدْوى لا خوفًا على الناسِ منه، ولا تُجْبِرُهُ الدولةُ على اجتنابِ مخالطةِ الناسِ، لأنهُ لا يوجدُ ضررٌ على الجماعةِ في هذهِ الحالةِ وإنما يقتصرُ الضررُ على الفردِ، ويكونُ على الفرد أن لا يُعرِّض نفسَهُ للخَطَرِ، وأن يأخذ بالوقايةِ التي فَرَضَها اللهُ عليهِ، كما سَنُبَيِّنُ أَدِلَّةَ ذلكَ في بابِ الوقايَةِ إِنْ شاءَ اللهُ.
5- بنك الدم:
بنكُ الدمِ هوَ الجهةُ التي تقومُ بجمعِ الدمِ ومكوناتِهِ وحِفْظِها وتوصيلِها إلى مَنْ يحتاجُها، وكذلكَ تقومُ بمتابعةِ عمليةِ تَقْدِيمِهَا للمرضى وما قدْ يَنْتُجُ عنْ هذا التقديمِ منْ مضاعفاتٍ أوْ أمراضٍ. وَيُؤَسَّسُ لهذهِ الأغراضِ جِهازٌ إداريٌّ تابعٌ لدائرةِ الصحةِ، يضمُّ كادِرًا منَ الأطباءِ والمُمَرِّضَاتِ وباقي الموظفينَ والعلماءِ، بحيثُ يكونُ في كلِّ عَمَالَةٍ فرعٌ ثانويٌّ لبنكِ الدمِ فيهِ ما يكفي منَ الدمِ ومكوِّناتِهِ للعلاجِ اليوْمِيِّ في مستشفياتِ تلكَ العمالةِ، وبحيثُ يكونُ هنالكَ فرعٌ رئيسيٌّ للولايةِ كُلِّها يَضُخُّ ما يكفي منَ الدمِ ومكوِّناتِهِ إلى فروعِ العمالاتِ الثانويةِ في حالةِ النقصِ أوِ الحاجاتِ الاستثنائيةِ كالحروبِ والكوارثِ.
ومع أن الدم محرم لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة 3]، إلا أن التداوي بالمحرم جائز، لأَنَّ الرسولَ (صلى الله عليه وآله وسلم) رَخَّصَ لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ (رضي الله عنهما) فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا، والحديثُ رواهُ الشيخانِ، ولبسُ الحريرِ للرِجالِ حَرامٌ. كما أنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ (أَيْ مِنْ فِضَّةِ) فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ، رواهُ أبو داودَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بسندٍ حَسَّنَهُ الألبانيُّ، ولبسُ الذَّهَبِ للرِجالِ حَرامٌ أيضًا، ومنْ هنا كانَ التداوي بالمُحَرَّمِ جائِزًا، أيْ ليسَ بحرامٍ، ويدخلُ في ذلكَ الدمُ.
وَيُجْمَعُ الدَّمُ منَ الناسِ في مراكزَ خاصةٍ وَيُحْفَظُ في بنكِ الدمِ، وتقومُ الدولةُ بحملاتٍ إعلاميةٍ دوريةٍ لحثِّ الناسِ على التبرعِ بالدمِ لما في ذلكَ منْ ضرورةٍ لعلاجِ المرضى وتطبيبِ المجاهدينَ. وَتُفْحَصُ فِئَةُ الدمِ عندَ كلِّ منْ يتبرعُ بالدمِ، وتُحْفَظُ في بياناتِ بنكِ الدمِ، حتى إذا احتاجَ يَوْمًا إلى الدمِ كانتْ فئةُ دمِهِ معلومَةً، كما أنَّهُ إذا نقصَتْ هذِهِ الفئَةُ منْ مخزونِ بنكِ الدمِ، أَمْكَنَ الاتصالُ بصاحِبِها وطَلَبِ التَّبَرُّعِ بدمِهِ. كَما تُفْحَصُ فِئَةُ دمِ كُلِّ منْ يَتَجَنَّدُ لجيشِ الدولةِ الإسلاميةِ، لتسهيلِ عمليةِ إِعْطاءِ الدمِ ذي الفِئَةِ المناسبةِ في حالةِ إصابَتِهِ في الجهادِ واحتياجِهِ إلى الدمِ. وَيُفْحَصُ كَذلِكَ خُلُوُّ الدمِ منْ مُسَبِّبَاتِ المرضِ التي قدْ تنتقِلُ عنْ طَريقِهِ.
ولأنَّ الدولةَ الإسلاميةَ دولةٌ مبدئيةٌ تُطَبِّقُ الإسلامَ في الداخلِ وتحملُ دعوتَهُ إلى الخارجِ بالجهادِ، فإنَّها تكادُ تكونُ في حالةِ حَرْبٍ دائمَةٍ لنشرِ الإسلامِ والذَّوْدِ عنِ المسلمينَ، ولذلكَ كانَ على بنكِ الدمِ أَنْ يكونَ مُسْتَعِدًّا دائِمًا لتزويدِ الخطوطِ الأماميةِ للجيشِ بما يلزَمُ منَ الدمِ ومكوِّناتِهِ لعلاجِ الجرحى، وتُقامُ لهذا الغرضِ فروعٌ خاصةٌ لبنكِ الدمِ في الثغورِ تَجْمَعُ الدمَ منَ المقاتلينَ في الخطوطِ الخلفِيَّةِ ومناطقِ الاتصالِ، لتقديمِهِ للجرحى في الخطوطِ الأماميةِ، وعلى هذهِ الفروعِ المُقامَةِ في الثغورِ أَنْ تسعى قدرَ المُستطاعِ إلى تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ خاصةً في أوقاتِ الالتحامِ، حتى لا تكونَ متعلقةً بالإمداداتِ الخلفيةِ لإمْكانِيَّةِ حُصولِ الانقطاعِ، وإذا حَصَلَ نَقْصٌ في كميةِ الدمِ فيُطْلَبُ ما يَسُدُّ هذا النقصَ منَ الدمِ منْ فروعِ بنكِ الدمِ في الولاياتِ المُتاخِمَةِ للثَغْرِ.
وعلى جهازِ بنكِ الدمِ أنْ يهتمَّ بموازنَةِ مخزونِ الدمِ بالطَّلَبِ، بحيثُ لا يزيدُ الطلبُ على المخزونِ فيحصلَ النقصُ ويَتَأَخَّرُ أوْ يَتَعَطَّلُ العلاجُ، وكذلكَ لا يزيدُ المخزونُ على الطلبِ فيتلفَ الدمُ بعدَ انتهاءِ صلاحيَّتِهِ.
وإذا نقصَ الدَّمُ وَكَثُرَ الجرحى أوِ المرضى المحتاجونَ لهذا الدمِ عند الحوادث الطارئة كهجوم عدو أو الزلازل أو الطوفان…، ولمْ يَكْفِ المتبرعونَ بالدمِ لِسَدِّ الحاجةِ للدمِ، فللدولة أن تُجْبِرُ من رعاياها منْ لا يُسَبِّبُ أخذُ الدمِ منهمْ ضَرَرًا عليهم أوْ على مُتَلَقي الدمِ، تُجْبِرُهُمْ على إِعْطاءِ الدَّمِ حتى تَحْصُلَ الكفايةُ. لأنَّ التطبيبَ فرضٌ على الدولةِ، وعدمُ توفيرِهِ يُشَكِّلُ ضَرَرًا تجَِبُ إزالتُهُ، يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا ضرر ولا ضرار». هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن للدولةِ أن تفرض ضرائِبَ وفق الأحكام الشرعية إنْ لم يوجدْ في بيتِ المالِ مالٌ للصرفِ على نفقات الحوادث الطارئة من مجاعات وزلازل وطوفان أو هجوم عدو…، وبناء عليه فإنها تجبر من رعاياها منْ لا يُسَبِّبُ أخذُ الدمِ منهمْ ضَرَرًا عليهم أوْ على مُتَلَقي الدمِ، تُجْبِرُهُمْ على إِعْطاءِ الدَّمِ حتى تَحْصُلَ الكفايةُ لسد الحاجة الضرورية لهذه الحوادث الطارئة إن لم يكن في مخزون الدم لديها ما يكفي.
[يتبع]
2010-04-20