الحملة الأميركية
على الإسلام والمسلمين (1)
لقد أصبح واضحاً أن أميركا تسعى لبسط هيمنتها على بلاد المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم الهائلة وبخاصة مخرزون نفطهم الظاهر والباطن، ولقد كتب الكثير عن هذا الموضوع لأن أميركا لا تنكره بل هو يتردد في تصريحات المسئولين السياسيين في الولايات المتحدة، وكذلك على ألسنة أرباب المال والشركات النفطية. هذا ما يتردد على ألسنتهم تصريحاً لا تلميحاً.
إلا أنَّ ما تخفيه صدورهم من حقد على الإسلام والمسلمين أكبر من ذلك، وما فلتات لسان بوش وبرلسكوني وغيرهم إلاَّ نزر يسير مما تكنه صدورهم من حقد دفين على الإسلام والمسلمين. وقد تكاثرت هذه الفلتات في الأقوال والأفعال حتى أصبحت حملةً ملموسةً محسوسةً على الإسلام لأنه إسلام وعلى المسلمين لأنهم مسلمون، فما هو السبب الأساس في ذلك؟
ــــــــــــ
ما هو سبب حملة أميركا على الإسلام كفكرٍ عقدي ومبدأٍ لأفكار الحياة كلها عبر حملة ظالمة تبررها بأكاذيب تفرضها على أنها حقائق بهدير الطائرات وتحريك الأساطيل والقصف المدمر، والاعتقال على الساحة الدولية والضجيج اللفظي في ترويع المسلمين ونشر اللوائح العشوائية في تركيبها والتهديد بخيارات أميركا في قصف عدد لا يحصى من بلاد المسلمين؟! ما هو سبب حملة أميركا في خطة تأليب العالم وجعله تحالفا دوليا ضد الإسلام بحجة أن فِكره الأيديولوجي يصنع إرهابيين؟! لماذا في أساس خطتها ثلاثة أركان بارزة في التصريحات والأعمال والمؤتمرات؟ الركيزة الأولى: الإصرار على استباحة دماء المسلمين بأقصى درجات القسوة، والتفاخر بقتلهم، والكذب المكشوف في تفصيل وبيان سبب هذا القتل. الركيزة الثانية: الإذلال العلني للمسلمين في وجودهم كأمة وفي كيانهم الفكري وفي إيمانهم النفسي. الركيزة الثالثة: الدعوة الصريحة لتغيير معاني ألفاظ آيات القرآن والسنة وتغيير معاني أفكار القرآن والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
إن سبب حملة أميركا على الإسلام هو الانتهاء من صراع الحضارات بالضربة القاضية وهذا الموضوع لم يتطرق إليه أحد في أبحاثه وتعليقه إن كان مع هذه الحملة أو ضدها. لا أميركياً ولا أوروبياً، ولا أحد من المنافقين بين المسلمين الذين يُسمح لهم بالظهور كمفكرين علمانيين ومفكرين “إسلاميين”. كما أن السياسيين لم يتطرق أحد منهم لهذا الموضوع بهذا الوصف نعم تطرقوا إليه على أنه يتعلق بصراع الحضارات، لكن لم يجرؤ أحد على القول إنه للانتهاء من صراع الحضارات. إن خطة أميركا في قتل المسلمين حول الكرة الأرضية ليست موضوعاً في صراع الحضارات ولا جزءاً أو مرحلة في موضوع صراع الحضارات. إنها خطة في الانتهاء بالضربة القاضية من صراع الحضارات، أي من صراع كفر الفكر الديمقراطي الرأسمالي مع فكر إيمان الإسلام. لذلك كانت الخطة تعتمد على الركائز الثلاث المذكورة:
1 – قتل المسلمين بتصميم نادر في زخمه.
2 – إذلال المسلمين علنياً وهي خطة التدمير النفسي.
3 – فرض تحريف معاني الإسلام بأفواه أصحاب العمائم.
إنّ موضوع بحثنا هذا يرتبط في صراع الدول الكبرى بإمكاناتها الهائلة مع فكر الإسلام الذي ليس له دولة ولا إمكانات اللهم إلا الحجة العقلية والبرهان المحسوس. إنّ الصراع يدور بين الفكر الديمقراطي الرأسمالي بأهله وبين فكر الإسلام من دون أهله. كما أن الفكر الرأسمالي لا يعتمد على حملته أو معتقديه بل على القوة التي تحمي حَمَلَةَ فكره. علماً بأن ظرفَ البحث غير موضوعه. فظرفُه اليوم هو تصميم أميركا على قتل المسلمين جسدياً، وإذلالهم لقتلهم معنوياً، وتحريف الإسلام للقضاء على فكره.
إن موضوع صراع الحضارات بقي منذ ابتدائه قبل مرحلة الحروب الصليبية فكرياً بمقارعة برهانِ الإسلام بأقوال النصرانية. ثم كانت الحروب الصليبية لنقل الصراع من فكريٍّ (بين فكرٍ في برهانٍ وبين افتراضٍ في قولٍ) إلى فرض كراهية الإسلام والمسلمين على الأوروبيين. هكذا عاش الأوروبي في حصن كراهية الإسلام والمسلمين منذ الحروب الصليبية التي كانت لترسيخ هذه الكراهية، حتى زوال دولة الإسلام في عام 1924م. بعد هدم دولة الخلافة وهي سلطة الحكم التي تقوم على أساس نظام الإسلام بقي فرضُ كراهية الإسلام على الأوروبيين ومنعِ الإسلام أن يكون له منبر. حتى إن المنع طاول أي فرد مؤمن. في احتلالهم بلاد المسلمين قام الإنكليز باصطناع أحزاب وجمعيات وزعماء بإسلام مجتزأ، مبهم، مختلط بغير إسلام – كفر – لإيهام المسلمين أنهم ما زالوا يصارعون الكفر. لأن صراع الكفر – أفكار غير الإسلام – جزء أساسي في فكرِ الإسلام، وفرض أساسي من فروض الإسلام. لكن هذه الأحزاب والجمعيات والزعامات “الدينية” كانت في خبثٍ ومكرٍ وخيانةٍ مصمَّمَةٍ لهدر طاقات الأمة الإسلامية والتلاعب بمقدرتها. وقد استمر هذا الحال حتى دخول أميركا المسرح السياسي العالمي.
لم يكن عند أميركا خطة سياسية للعالم أو لسيطرتها على العالم. لذلك دخلت المسرح بقوتها العسكرية واستمرت على المسرح السياسي الدولي بقوتها العسكرية، لكن دائما بدون خطة سياسية متكاملة للعالم. فهي لم تقنع يوما أن هناك مقوّمات للصراع العسكري تغاير مقومات الصراع الفكري أو الصراع السياسي أو الصراع الاقتصادي. وهكذا لم تنتصر يوماً من دون سلاحها العسكرِي. لذلك عندها، حسمُ أي صراع لا يمكن أن يتم إلا بصراع عسكري. أو إن الصراع العسكري هو نهايةُ كل صراعٍ حتى ولو كان صراعاً على نظافة البيئة، أو صراعاً مع قوى تمنع تفشي الرذيلة في مجتمعها وتصر على العيش بقيمٍ وفضائل.
كانت أميركا ترى أن حقها الطبيعي هو وراثة الاستعمار الأوروبي للعالم، هذا كان غاية أميركا وسبب دخول أميركا للحرب. لكن هذا ليس خطةً بل هدفاً يحتاج إلى خطة. فيما بعد وضعت أميركا خططاً كثيرةً لمناطق مختلفة من العالم لم تتجاوز أن تكون خططاً إقليميةً لا خطةً للعالم. لما أدركت ضعفها في هذا وحاجتها إلى خطة للعالم قامت بتجميع خططها الإقليمية لكن هذا أيضاً لا يجعل هذا التجمع خطة للعالم. كذلك في خطتها لاستيعاب الوجود الروسي الدولي في جلبابها وإنهاك روسيا عسكرياً في سباق التسلح واقتصادياً في سياسة الحرب الباردة كانت خطةً إقليميةً لكن في منبر المسرح الدولي وليس خطةً للسيطرة على العالم. إن اصطناع الإرهاب شبحاً مخيفاً ونفخ الروح فيه في كل يوم بعد اصطناع أحداث التفجير في أيلول هو أول خطة سياسية متكاملة لأميركا في محاولة السيطرة على العالم بغض النظر عن ضعف هذه الخطة أو قوتها وفشلها أو نجاحها.
وهكذا فإن أميركا لم يكن عندها قضية سياسية عندما باشرت السياسة الدولية. ولكنها لما دخلت المسرح الدولي وجدت دول أوروبا تفرض سيطرتها على بلاد المسلمين وغير بلاد المسلمين لتستغل طاقاتهم وتنهب ثرواتهم. فلم يكن أمامها بحسب اعتناقها للنظام الرأسمالي غير المشاركة في هذا الاستغلال وهذا النهب. أما ادعاء أميركا أنها تحمل الديمقراطية للشعوب فهو ليس أكثر من مادة لإثارة الشعوب لتتخلص من حكامها عملاء الحكومات الأوروبية المستعمرة وإبدالهم بحكام من عملاء أميركا في تلك الشعوب. وقد نجحت في هذا عن طريق الثورات الشعبية، حيث أخذت الحكام والمتنفذين في الشعب، وكذلك عن طريق شراء ذمم ضباط الجيش لتسليمها البلاد بكل ما فيها لكن استمرار نفوذها في هذه البلاد ما زال يعتمد على الجيش ولم تنجح في أخذ الشعب ليسير معها.
وبعد مرور ستين عاماً على دخولها للمسرح الدولي وجدت أميركا أنها في وتيرة سيطرتها على الدول الخاضعة لبريطانيا وفرنسا وبخاصة البلاد الإسلامية لموقعها الاستراتيجي المهم وثرواتها الضخمة، فإنها تحتاج إلى قرون قبل تصفية هذه الدول من نفوذها وسيطرتها على دولٍ كثيرةٍ في العالم إذا سارت بالطرق التقليدية السياسية، لذلك كان لا بد لأميركا من إدخال قوة الصراع العسكري في الحسبان أثناء إعادة درس خطتها ودورها في المسرح الدولي. ثم استمرت في مخططاتها السياسية على هذا الأساس إلى أن كانت أحداث 11 سبتمبر، ووقع التفجير ووقع الاتهام.
وعندما وقع التفجير ووقع الاتهام بدأت أميركا بتنفيذ خطتها في الهيمنة على المنطقة الإسلامية كاملةً فبدأ قتل المسلمين بدون ذنبٍ ارتكبوه إلاّ أنهم مسلمون، رغم أنهم مسلمون بدون فكر الإسلام بدأوا بقتلهم. ورغم أنهم عزّل من سلاحٍ يماثل سلاح المعتدي أنشأوا حلفاً دولياً لقتل المسلمين. وأثناء القتل الجماعي الهمجي يصرح أحد أقوى أطراف الحكم في الرئاسة الأميركية أنه مع غيره خططوا منذ مدة لهذا العمل! لكن هذا العمل جزء من خطة فلا بد أن حكام أميركا قاموا سراً في عهد كلينتون بوضع خطة تقلب موازين القوى في العالم. إن أميركا لا تريد الانتهاء من المسلمين فالمسلمون أنهت بريطانيا كيانهم الدولي منذ زمن بعيد. وأميركا لا تريد الانتهاء من الإسلام كعقيدة في النفوس لأنها تعلم أن ذلك ليس في مقدور البشر أن يفعلوه. لأنه ثبت لديهم أن الشيطان حاول وفشل وهو سيدهم فكيف بهم. لكنَّ أميركا قررت أن استمرار وجودها ككيان ودولة وقوة عظمى يقتضي ضرب العقيدة الإسلامية ليس في صدور المسلمين بل في صياغة فكر العقيدة، ففكر العقيدة هو ماء الحياة للمؤمن قبل أن يكون ماء الحياة للعقيدة. وهو يؤدي إلى إحياء الإنسان الذي يعتقد العقيدة الإسلامية. إن أميركا تعتبر أنه في غياب دولة الخلافة التي تطبق أحكام الإسلام سيكون مجال صراع الحضارات محصوراً بين غير متعادِلَيْن: صاحبِ فكرٍ وصاحبِ سلاح. فكيف يتغلب سلاح أميركا على سلاح الإسلام وهو فكر عقيدته حيث لا يوجد للإسلام سلاح مادي مع هذا السلاح نظراً لعدم وجود دولته دولة الخلافة؟
لقد قامت أميركا بخطتها في نزع سلاح الإسلام بالسير على ثلاث جبهات:
الجبهة الأولى: قتل المسلمين بتصميم نادر في زخمه.
الجبهة الثانية: التدمير المعنوي للنفسية الإسلامية.
الجبهة الثالثة: فرض المباشرة في نزع سلاح الإسلام بتحريف معاني الإسلام بأفواه أصحاب العمائم والمثقفين في فنِّ دجلِ الكلام.
هذه الجبهات الثلاث، البعض يقول إنها جبهة واحدة وحجته في ذلك أن أميركا دمجتها مع بعضها. قولهم صحيح وهذا ما تحاول أميركا أن تفعله في الظاهر. لكن الأوروبيين فهموا أن هذا الدمج مصطنع لتمرير المؤامرة عليهم بأن تكون الهيمنة على المنطقة الإسلامية خالصةً لأميركا وحدها، وبخاصة الثروة البترولية الضخمة. وهكذا فالهجمة على المسلمين والمؤامرة هي في حقيقتها على الأوروبيين وعلى رأسهم الإنكليز، فالمسلمون ليسوا طرفاً في أي نزاع لا دولي ولا إقليمي ولا داخلي. بل هم الطرف الذي يُتنازَع عليه لذهاب دولتهم. أما سبب فتح أميركا لهذه الجبهات الثلاث فهو اصطناع مسرحٍ جديد في ساحة السياسة الدولية تكون عناصره الثلاثة من صناعتها وحدها. إن ساحة المعركة في السياسة الدولية لها مسارح عدة، لكن هذا المسرح هو المسرح الوحيد الذي تصطنعه أميركا ليطغى على بقية المسارح لأنه المسرح الوحيد الذي – تظن وتريد – أن ترقص فيه وحدها وتكون فيه دول أوروبا متفرّجة في المقاعد. أما دول العالم الأخرى بما فيها روسيا والصين فوراء الكواليس وليس لها أثر كبير على السياسة الدولية الأميركية كذاك الذي لأوروبا .
[يتبع]
أبو يعقوب الأحمد