تحليل اقتصادي – سياسي:
أميركا تقترب اقتصادياً من أزمتها الخانقة 1929م
تـتـوسـع أطماع الرئيس الأميركي بوش الابن ومِـن حوله زمرته التي تُـكَـوِّن الطاقم الإداري للبيت الأبيض، إلى حد يرون أن بإمكانهم حيازة ثروات العالم، والـتـمـكـن من طـاقـاته، والـهـيـمـنة على أسـواقـه، ويضـربـون بيد قـوية من تسول له نفـسـه الـمـنـافـسـة أو المواجهة، أو حتى مجرد وضع العراقيل أو العوائق فـي طريق إنجازاتهم أو تنفيذ مخططاتهم.
إن الرئيس بوش يرى أنه فـي قمة القوة والعظمة والتجبر وأنه يستطيع أن يحرز كل شيء، وأن الفرصة قد سنحت ليمد يديه شرقاً، ويضع العالم فـي قبضته وتحت تصرفه.
لكـنـمـا يؤتـى الحـذر مـن مـأمـنه، ذلك أن الولايات الـمـتـحـدة الخـمـسـيـن وهي تعج بالـثـروات والأثرياء والخبراء والمخـتـرعين والفنيين ترى أنها قد أوتيت كل شيء، وركنت إلى وضع سـياسـي مستقر، ووضع اقتصادي مزدهر، وإذا بها تضـرب فـي كـبريائـهـا، وتنقـض من داخـلـهـا، ذلك أن طبيعة النظام الرأسمالي الذي تعـيـشـه أميركا وتحـافـظ عليه وتدعو له، هو الذي تتولد من تشريعاته المشاكل، ويحمل فـي طياته بذرة فنائه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت الهزات المالية، والضربات الاقتصادية لأميركا من داخلها، ومن شركاتها العملاقة، وبوش إنما يراهن على هذه الـشـركات الكبيرة، لأنها هي التي دعمته بالمال فـي جولاته الانتخابية، وهي تعيش بالمتنفذين فيها حول البيت الأبيض. فكلهم من المقربين وهذا يضفي الحماية والحصانة لهذه الشركات، فتتملص من القوانين وتتجاوز الحدود، وتتمادى فـي تجاوزها – كما حصل مع شركة (إنزون) للطاقة – إلى أن تخرج إلى العراء فتنكشف سوءتها، وتنفضح سرقاتها ويظهر التلاعب فيها على حقيقته. فإذا بالمليارات من الأرباح تتحول إلى خسارة، وإذا بالبورصات التي تتحرك بأسهمها تنهار، وتهبط أسهم هذه الشركات من عشرات ومئات الدولارات للسهم الواحد إلى بضعة سنتات وتقع الكارثة، وينتشر الذعر ويهرع مالكو الأسهم التي يضاربون عليها إلى التخلص منها. وهذه خسائر بعض هذه الشركات:
الرقم |
إسم الشركة |
عملها |
خسارتها |
1 |
وولدكوم |
إتصالات |
41 مليار دولار |
2 |
أنزون |
الطاقة |
25 مليار دولار |
3 |
هاركن |
الطاقة |
4.2 مليار دولار |
4 |
مريل أنديكو |
الأدوية |
12 مليار دولار |
5 |
ربلبانت |
الطاقة |
7 مليار دولار |
6 |
زولويكس |
الأدوات المكتبية |
7 مليار دولار |
7 |
الفياكوميوننكشنتير |
تلفزة |
3 مليار دولار |
المستثمرون فـي أميركا – وما أكثرهم – بدأ يسري بينهم عامل ضعف الثقة بالاقتصاد الأميركي، فقد فتحت أحداث 11 أيلول 2001م أمامهم باباً من الخوف على استثماراتهم التي يقتطعونها من نفقات بيوتهم اليومية.
إن المستثمرين ذوي الاستثمارات المتوسطة والعادية يحرصون كل الحرص أن يضعوا هذه الاستثمارات فـي مكان آمن ومربح، فيلجأون إلى شركات المحاسبة لاستشارتها وأخذ المعلومات منها عن واقع الشركات الضخمة التي تستوعب ملايين الأسهم، ما مدى سعتها وما هي أرباحها، ومدى استقرارها والثقة بها؟
فيهرعون عندئذٍ إلى ما يرونه ملاذاً آمناً لاستثماراتهم البسيطة وهكذا معظم الأميركيين، وجميع الشركات لها محاسبون يتتبعون مدخولاتها ونفقاتها وأرباحها. ولكن أن تتزعزع الثقة فـي الشركات الاستشارية وشركات تدقيق الحسابات، فإن هذا أمرٌ أدخل الرعب فـي قلوب هؤلاء المستثمرين، لا سيما وهم يرون الشركات العملاقة تتهاوى تباعاً وتنكشف عن أرباح وهمية ليست إلا خسائر وديون متراكمة يستحيل سدادها حتى تضطر هذه الشركات إلى تعليق إجراءات محدوديتها فـي المحاكم لحمايتها من ملاحقة الدائنين لها وذلك بعد إعلان إفلاسها. وقد أصبح هذا الأمر لا يقتصر على الشركات المتوسطة بل امتد إلى كبريات الشركات، فإنَّ شركة يونايتد إيرلينـز الأميركية والتي هي ثاني أكبر شركة طيران قد أعلنت إفلاسها في 09/12/2002 لحمايتها من دائنيها.
ومـن الـمـعـروف عـادةً فـي مـثـل هـذه الـهـزات الاقتصـادية والانهـيـارات المالية أن تـتـدخَّــل الدولة لفـرض إجـراءات مـن شــأنـهـا حماية الاقتصاد ودعم ميزان الحسابات العام، ليدخل الاطـمـئـنـان إلى قلوب المستثمرين وليسترد السوق عافيته.
ولكـن كـيـف بهم والقائمون على الأمور الذين بيدهـم إعلان الإجـراءات وتـنـفـيـذهـا هم الذين تطالهم هذه الفضائح، وهم المشاركون فيها بل هم أبطالها؟
ركـيـزتـان يرتكز إليهما المستثمر الأميركي فـي اطـمـئـنـانه على مدخراته واستثماراته: الركيزة الأولى هي: شركات تدقيق الحسابات والـشـركات الاسـتـشـارية التي يستأنسون بتوجيهها فـي وضع مدخراتهم واستثماراتهم. الركـيزة الثانية هي: الإجراءات التي تتخذها الدولة لدعم الاقـتـصـاد ومحـاربة الـفـسـاد ومعـاقـبة الـمـجـرمـيـن. ولكن، ومـتـى ظـهـر أن هاتين الركيزتين هما منبع الفساد، فسينهار بانهيارهما الاقتصاد الأميركي.
الأسـواق الوهـمـية (البورصات) أسواق الأسهم والسندات التي يلجأ إليها صغار المـسـتـثـمرين – ونصف الأميركيين من ذلك الصنف – يقتطعون مدخراتهم من مصاريفهم اليومية ومن معاشات تقاعدهم ويطرحون بها فـي هذه الأسواق طلباً للربح وطمعاً فـي الاستزادة، دون أن يبذلوا أي جهد أو يقوموا بتحريك هذه الاستثمارات فـي السوق الحقيقي سوق السلع والخدمات، وما دروا أن القائمين على هذا الأسواق (البورصات) هم مقامرون يتقنون فن المقامرة إلى حد الجنون.
وتقع الكارثة بأن يختلس المتنفذون ذوو المهارة والشطارة الأموال والموجودات كلها فتنكشف هذه الأسواق وتنهار البورصات ويبدأ الإعلان عن إفلاس هذه الشركات العملاقة بلجـوئـهـا إلى محـاكـم تحميها من المطالبة بالـمـليارات التي يتـوهم بأنها أرباح وإذا بها ديون باهظة يستحيل سدادها، فيغنى من يغنى ويفـقـر من يفـقـر، وهكذا دواليك. هذه هي طبيعة النظام الرأسمالي.
ومن المعروف أن الإدارة الحالية فـي البيت الأبيض إنـمـا وصـلت إلى الـسـلـطـة بأموال الشركات الكبرى وأجهزتها. وعددٌ لا بأس به من أعضائها متهم بالفساد، كما أن ممثلي كبريات الشركات مندسون فـي أماكن حساسة فـي هذه الإدارة. والإدارة فـي الـبـيـت الأبيض شديدة الولاء لهذه الاحتكارات الكبرى، مثل احتكارات السلاح والنفط وغيرها.
إن ما أصاب ويصيب البورصات من انتكاسات وانهيارات جراء تلاعب ذوي النفوذ سينتقل من سوق البورصات الوهمية إلى السوق الحقيقي، سينتقل ذلك إلى البنوك وشركات التأمين وشركات الإنتاج الغذائية والدوائية والاستهلاكية. هذه البنوك وهذه الشركات قد قدمت قروضاً كبيرةً لا يمكن استردادها، فانعكس ذلك على واقع السوق الحقيقي بتسريح عشرات الآلاف من موظفي هذه الشركات، ووضعهم فـي ساحات البطالة. وهذا ينذر بتراجع الاستثمار العام، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، فتأخذ المصانع الاستهلاكية بالترنح والذوبان، ويقفز على السطح نوعان من الشركات هي الشركات النفطية وشركات مصانع السلاح، لأن اهتمام الإدارة ينحصر فـي السوق الخارجي لهذين النوعين من الاحتكارات فتقوم بتهيئة ميادين خارج الولايات المتحدة تشعلها بالحرائق لترويج مصانع السلاح، وتقامر وتغامر على أماكن منابع النفط، وتسخر مجهودات الولايات المتحدة بأكملها إلى هـذا الـغـرض، فيتخم المتنفذون ومن حولهم، وتحل الكارثة بمن عداهم.
أما ما نراه من هزات وأزمات اقتصادية ومالية خارج الولايات المتحدة مثل: أزمات المكسيك والبرازيل والأرجنتين وروسيا وتركيا، فإننا إذا أمعنا النظر فـي أسبابها نرى أن مثل هذه الأزمات الاقتصادية نجمت عن هزات سياسية – وبغض النظر عن الخوض فـي أسباب حدوثها – فإن أميركا تهرع بواسطة صندوق النقد الدولي لـعـلاجـهـا. ولكن هذا العلاج إنما ينصب على العمل لسداد الدين الخارجي لتلك الدول. وهذه الديون فـي معظمها لشركات ومستثمرين أميركيين فتكون أميركا بذلك قد قدمت الدعم للمستثمر والدائن الأميركي.
فالعملية ليست من أجل إنقاذ الاقتصاد الـمـنـهـار فـي تلك الدول المذكورة وإنما هو من أجـل تـصــحـيـح انـحــراف سـيـاسـي فـي ولاء الدولة وموقفها، ثم من أجل ضمان ديون المستثمر الأميركي سواء كانت بنوكاً أو شركات تأمين أو غير ذلك.
إن مسلسل انهيار الشركات لم يتوقف، وتـتـوالـى الأنـبـاء عن الأحـوال الـمـالية السيئة لمزيد من الشركات الكبرى فـي قطاعات التكنولوجيا والأدوية، وقد شملت الخسائر ما لا يقل عن (80) مليون أميركي من حملة الأسهم. ذلك أن 50٪ من الأميركيين يملكون أسهماً فـي البورصة بالإضافة إلى المستثمرين الدوليين، وانتـقـال الـهـزات لباقي الأسواق العالمية الأوروبية والآسيوية. ذلك أن قيمة الأسهم الأميركية تشكل قرابة 34٪ من القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة فـي أسواق المال العالمية والتي كـانـت (35) ترليون دولار بنـهـاية عـام 2001م وبدأ ترحيل الاستثمارات الدولية من منطقة الدولار إلى منطقة اليورو.
نشرت جريدة “الأسواق” الأردنية فـي 24/08/2002 تـحـت عـنـوان: (الـرسـامـيـل تـعـود إلى منطقة اليورو):
“تشهد منطقة اليورو عودةً متناميةً لرؤوس الأموال التي كان المستثمرون يفضلون توظيفها فـي الولايات المتحدة، مما يتوقع أن يسهم المدى البعيد فـي دعم صمود العملة الموحدة (اليورو) فـي أسـواق الصرف”.
وتـقـول الـمـجـلـة الاقـتـصـاديـة الـشـهـيـرة (فورشن): هناك عفن مرعب فـي النظام الاقـتـصـادي الأمـيـركي، أمـا مـجـلـة (بيزنس ويك) فـتـتـحدث عن أكبر أزمة للرأسمالية الأميركية منذ بداية القرن العشرين: التلاعب المحاسبي فـي الشركات لتقدم أرباح زائفة… ثم تعرضها المفاجئ للخسائر الكبيرة أو الانهيار الكلي الذي شـمـل (64) شـركـة كـبـرى حتى الآن. والتلاعب تـم بمساعدة مراقبي الحسابات ومؤسسات الاستثمار مثل (ميريل لنش) والتقارير شملت أسماء لامعة فـي سماء الرأسمالية الأميركية مثل: زيروكس – جنرال إلكتريك – أمويكا إكـسـبرس التي تناقصت أرباحها بمقدار 53٪ وبعد ركود اقتصادي محقق منذ مارس 2001 حصـل أحـد عـشـر خفضاً للفائدة فـي (12) شهراً مـن 6.5٪ إلـى 1.75٪ وهـو أكـبـر خفض فـي تاريخ الولايات المتحدة.
وقد انتقد صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة وطلب منها إلغاء الإجراءات الجمركية التي تقوض حرية التجارة. كما أنه بتاريخ 30/08/2002 قـد أعـلـن أن: محـكـمـة منظمة التجارة العالمية تسمح للاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الـولايـات الـمـتـحـدة بـمـبـلـغ (4) مـلـيـار دولار وتمنح مصدريها تسهيلات.
ويـصـف (بـاتـريـك سـيـل) الأزمـة على أنها مقدمات لأزمة إفلاس كالتي شهدتها أميركا عام 1929م.
لـقـد مر الاقتصاد الأميركي خلال الـعـامـيـن الـمـاضـيـيـن بـثـلاث هـزات أثـرت على الاقتصاد الأميركي.
الهزة الأولى: فـي عام 2001م وهو بداية الانـهـيـار الـمـالـي لشركات التكنولوجيا الفائقة التي عرفـت باسم شركات (وادي السيلكون) وهي شـركـة صناعة الكمبيوترات والإنترنت القائمة على صـنـاعـة أشـيـاء الـمـواصـلات وهـو مـخ الكـمـبـيـوتـرات والإنترنت وقيادة ما سمي ثورة الاتصالات والمعلومات.
وبعد أن أصيبت بخسائر فادحة تم تسريح (25) ألفاً من العاملين، وهذا أكبر كم من الوظائف يتم فقده فـي هذا القطاع خلال (9) سنوات، وأغلقت (500) شركة أبوابها وهو ضِـعفْ العدد الذي أفلس عام 2000م.
الـهـزة الـثـانـيـة: كانت فـي (11) أيلول 2001م ومـا كـان خـافـيـاً عـن الـعـيـان الآثار الـمـدمـرة التي خلفتها هذه الهزة، وجراء حدوثها فقد عنصـر مهم من عناصـر الـمـجـتـمـع الأميركي وهو الأمن والاستقرار.
الـهـزة الثالثة: هي التي نشير إليها الآن وهي سـلـسـلة فضائح وانهيارات الشركات الكبرى والتي لا تزال مستمرة حتى الآن. وهذا الانـهـيـار لـم يـقـف عند حد بل شمل حتى صناديق الاسـتثمار الأميركية مما جعل ثقة المستثمرين تهتز بهذه الصناديق ويسحبون أموالهم منها. نـشـرت صـحـيفة “الدستور” الأردنية فـي 27/08/2002: ذكرت شركة (ليبر) العاملة فـي مجال بيانات وأبحاث صناديق الاستثمار أن المستثمرين سحبوا (49) مليار دولار من صناديق الاستثمار فـي الأسهم الأميركية خلال شهر تموز الماضي 2002م.
ويتوازى مع انهيار الأسهم فـي البورصة تدهور فـي سعر الدولار، فقد كانت تقارير تقديرات الخبراء أن اليورو سيتساوى مع الدولار فـي أواخر 2003م وإذا به يتساوى معه أو يسبقه فـي منتصف عام 2002م. ولا شك أن هذا الميل سيزداد تعمقاً لأن تعاملات أوروبا مع العالم ستنحصر فـي اليورو. ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي أكبر كيان مصدر فـي العالم بمبيعات تمثل (18.4٪) من المبيعات العالمية، فـي حين صـدرت الولايـات الـمـتـحـدة العام الماضي ما نسبته (15.4٪) أي بانخفاض قدره (7٪) عام 2000م بينما زادت صادرات الصين بنفس النـسـبـة، وإحـصـاءات منـظـمـة التجارة الدولية تؤكـد أن تـرتـيـب أكـبـر الـقـوى التجارية فـي العالم فـي مجال السلع والخدمات: 1 – الاتحاد الأوروبــــي 2 – أمــيـركـــا 3 – الــيــــــابــــان 4 – الصين. ونسبة الـ (18.4٪) الأوروبية لا يدخل فـي حسابها التجارة الثنائية بين الدول الأعضاء فـي الاتحاد الأوروبي.
والسوق الأوروبي يصل إلى (380) مليون نسمة وهو أكبر سوق من ناحية القدرة المالية والشرائية. لكل ذلك سيصبح اليورو نداً للدولار، وبذلك تتحقق ثنائية العملة على المستوى العالمي، وسيسقط الدولار عن عرشه الذي تسنَّـمه منذ (50) عاماً من السيادة المنفردة.
يقول الخبراء الاقتصاديون: لقد انفصلت دائرة التداول المالي عن دائرة التداول فـي سلع عينية فـي أول بادرة من نوعها فـي التاريخ الاقتصادي، كانت نسبة المتاجرة فـي الأسواق المالية العالمية: المضاربة فـي الأسهم والسندات والعملات كانت نسبتها إلى التجارة العالمية فـي السلع والخدمات لا تتجاوز (1:1) حتى مطلع السبعينات فأصبحت (1:10) عام 1980م ثم (1:50) عام 1992م ثم (1:70) عام 1995م واقتربت من (1:100) الآن، وهذا يعني انحرافاً خطيراً وجسيماً عن المعنى الاقتصادي للسوق الذي يقوم على تبادل الإنتاج السلعي والخدمي.
والآن ما هي الـمـشـكـلـة الحـقـيـقـية فـي الاقتصاد الأميركي؟
الحقيقة أن الاقتصاد الأميركي يعيش بإمكانيات أكبر من الإمكانيات الذاتية للمجتمع… وذلك من أجل الحفاظ على الهيمنة العسكرية والسياسية على العالم. وفـي تصريح للرئيس الأمـيـركـي الـسـابـق (كلينـتـون) يـقـول: إن 1٪ مـن الـمـوظـفـيـن الأميركيين يملكون 70٪ من الثروة القومية، فـي حين يعيش (50) مليون أميركي تحت خط الفقر.
إن أميركا تعيش فـي عـجـز تجاري مزمن، وهذا العجز يحتاج إلى تمويل، وهذا ببساطة يستحيل اعتماداً على الاستدانة بفائدة مركبة وبخاصة وأنّ العجز فـي الميزان الأميركي يومياً يساوي (1.5-2) مليار دولار.
إن الأوضاع الاقتصادية الأميركية تنطوي على مفـارقـات أشـبه بالقـنـابـل الزمـنـية الموقوتة… إن بنداً واحداً يلتهم الآن نصف الميزانية الفدرالية وهو بند الإعانات الاجتماعية للمسنين، وفـي عام 2003م سيستهلك هذا البند 75٪ من الميزانية الفدرالية، وفـي عام 2013م سيأتي على الميزانية برمتها.
إن الاقتصاد الأميركي أصبح أكبر مدين فـي العالم بينما كان أكبر مقرض منذ عشرين عاماً، ويعني هذا أن الشعب الأميركي يعيش الآن على أعلى من دخله اعتماداً على الاستدانة، وسيقع عبء سداد هذه الديون على الأجيال القادمة.
الأحداث السياسية والهزات الاقتصادية المتعاقبة تشير إلى أن الطاغوت الأميركي فـي تراجع، وهو فـي طريقه إلى الانهيار، كما حصل من انهيار طاغوت الاشتراكية.
إن ما تكشف من حالات الاحتيال والتدليس والفساد يكاد يفوق الحصر، حيث إن الأمر ليس مقصوراً على حفنة من المفسدين المتلاعبين، وإنما يتعلق الأمر بالنظام بكامله. فالنظام الرأسمالي وبخاصة الاقتصاد وشؤون المال، هو الذي لا بد من إعادة النظر فيه، فـي الأسس والقواعد التي ينبني عليها، والركائز التي تقوم عليها المعاملات المالية من مؤسسات: الشركات العملاقة المساهمة والبنوك التي تتغذى وتنمو بالفوائد الربوية الفاحشة، والأنظمة والقوانين والإجراءات التي يستظل بها الجشعون المرابون، ويحتمي بها المفرطون فـي اللهاث وراء المال والمنافع الشخصية، والمكاسب الذاتية.
هذا النظام لا بد من نسف قواعده وركائزه، وتبيان فسادها وإظهار خطئها، وإنها هي التي تجلب الشقاء والعناء وهي التي توجد الطبقية والفـوارق الـشـاسـعة بين أفراد المجتمع الواحد، كما تغرس عناصـر التجـبـر والتسلط على الشعوب، وإضفاء لون جديد من الاستعمار على الدول الضعيفة فلا بد من العمل الجاد للإطاحة بهذا النظام واجتثاث أسسه وقواعده، وتسلم زمام القيادة، واقتعاد مركز السيادة فـي العالم، وهــذا لا يـتــأتـى إلا بـإقـــامــة دولـة الخـــلافـة .
فتحي سليم