((العبادات توقيفية))
1987/08/22م
المقالات
4,569 زيارة
بقلم: عايد الشعراوي
طالعتنا مجلة الفكر الإسلامي الصادرة عن دار الفتوى في لبنان، في عددها السابع/ لشهر ذي القعدة من عام 1407هـ وفي الصفحة الأخيرة ص 130 وهي صفحة تتوج عادة بكلمتي (المال والبنون) وتحت عنوان (عيدٌ بلا قيم) يقول كاتب المقال الذي وقع اسمه بـ “أبو البنين”:
(مضى عيد الفطر بأيامه الثلاثة وشعرت مع الأولاد بأننا عشنا فرحة العيد ولو مع قليل من الغصة.. ولم تكد الأيام الثلاثة تمضي مع الفرحة النسبية حتى فاجأنا مصرع الرئيس رشيد كرامي فإذا بقيم الفرح والنعمة والرضا تسرق حتى من عيون الأطفال ويغدو عيدهم بلا قيم) انتهى كلام الكاتب (أبو البنين).
وأقول رداً على هذا الكلام ما يلي:
أولاً: العبادات في الإسلام توقيفية ولا يجوز للمسلم أن يزيد عليها أو ينقص منها شيئاً تحت أي ظرف.
ثانياً: بما أن أعياد المسلمين محصورة في عيدين فقط هما عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى المبارك، فإن إحياء المسلمين لهما هو داخل تحت العبادات التي حدد الشرع زمانها ومداها وليس العقل.
ثالثاً: الشرع الإسلامي حدد لنا كم تكون أيام العيدين حين حدد وقت عيد الفطر بيوم واحد وحدد وقت عيد الأضحى بيومٍ النحر وأيام التشريق الثلاثة التي تليه.
رابعاً: الأعياد لها أحكام تتعلق بها، ففيها أعمال مندوبة، وأعمال تعتبر مكروهة، وأخرى تعتبر محرّمة، وأخرى تعتبر سنة مؤكدة ومثال ذلك: – القيام ليلة العيدين، والتكبير ليلة الفطر، والغسل للعيدين، وتعجيل الغدو إلى الأضحى وتأخيره إلى الفطر، الأكل قبل صلاة العيد يوم الفطر، الزينة للعيدين، الخروج لأداء الصلاة في المصلى، صلاة العيدين وخطبتي العيدين، التكبير قبل صلاة العيدين، التكبيرات خلال صلاة العيدين، التكبير بعد الصلوات المكتوبة خلال أيام التشريق.
خامساً: (يوما العيد يحرم صيامهما في التطوع، والنذر المطلق، والقضاء، والكفّارة بالإجماع، وأيام التشريق لا يحلّ صيامها تطوعاً، أما صيامها للفرض ففي جوازه روايتان)(1).
ويلاحظ هنا أن ابن قدامة اعتبر العيد يومان يوم الفطر ويوم النحر أما أيام التشريق فهي تشترك مع العيد في أحكام معينة لذلك اعتبرها البعض داخلة من ضمن العيد كما ورد في “نيل الأوطار” للشوكاني(2) في معرض تعليقه على الحديث المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحبُّ إليه العملُ من هذه الأيام العشر فاكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد، يقول القاضي الشوكاني في تعليقه على الحديث: قال ابن أبي حمزة الحديث دالٌ على أن العمل في أيام التشريق أفضل من العمل في غيرها ولا يعكّر على ذلك كونُها أيام عيد كما في حديث عائشة ولا صح من قوله أنها أيام أكل وشرب كما في حديث الباب لأن ذلك لا يمنع العمل فيها بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى ولم يمتنع فيها إلا الصوم.
سادساً: ضرورة أن يتميز عيدا الفطر والأضحى عن غيرهما من المناسبات لأنهما ختام عبادة هي ركن الصوم وعبادة أخرى ركن الحج، ولأن فيهما عبادة من صلاة وذكر لله كما قال ابن أبي حمزة ( شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى.
سابعاً: يترتب على ما تقدم أن لا نعظّم المناسبات الأخرى مثل ذكرى المولد النبوي، وذكرى الهجرة كما نعظّم العيدين ولا أن نطلق عليها اسم عيد، بل تبقى ذكرى، ويضاف إلى ذلك أن لا نسمّي المناسبات العائلية والاجتماعية، والذكريات الوطنية والقومية أعياداً، ولا عيد الأم والطفل، وعيد العمال، ولا ذكرى الزواج، ولا ذكرى ولادة طفل، ولا أية مناسبة أخرى مهما كان شأنها.
ثامناً: يجب أن لا نقع في خطأ حساب عدد أيام العيد بعدد أيام العطلة الرسمية المعلنة من قبل رئيس الحكومة كما حصل مع صاحبنا “أبو البنين” غفر الله له ولنا وللمؤمنين أجمعين.
تاسعاً: أن لا نمدّد شعائر العيد والتهاني بالعيد مع تمديد أيام الإجازة الرسمية، لكي نحافظ على حدود العيد ولا نتجاوزها فتصبح مع طول المدة عادة وتتكرس بدعة مضلَّة قد تطول أيامها بقدر طول عيد الميلاد أو عيد الفصح، كما يحصل من حرص معظم الجهات الرسمية على تسمية عطلة الميلاد بـ (عطلة نصف السنة) وعطلة الفصح بـ (عطلة الربيع) وليس ذلك من قبيل المصادفة بل عن عمد وسبق تصميم.
عاشراً: أوجّه نصيحة صادقة للكاتب “أبو البنين” والذي أعرفه وأعرف أي منصب مهم يشغل، أن يتّقي الله وحسب. فأعياد المسلمين كلّها قيم، وتعلّم الناس القيم، وليست بدون قيم كما كتبت. فلا تخلط بين قيم العيد وبين انحراف القيم عند البشر. وكل ما جرى لا يعطّل شعائر العيد مهما كان حجم ما حصل. ويحق لي أخيراً أن أسال من أين جئت باليومين الذين أضفتهما على يوم العيد؟!.
ــــــــــ
(1) المغني: لابن قدامة، الجزء الثالث، صفحة 97.
(2) نيل الأوطار: الشوكاني، الجزء الثالث، ص 312.
1987-08-22