كلمة الوعي: أيها المسلمون… أيها الصائمون
2001/12/11م
المقالات, كلمات الأعداد
2,291 زيارة
يأتي رمضان هذه السنة، وأعصاب المسلمين كلهم مشدودة إلى ما يحدث في أفغانستان، وأنظارهم تتابع ما يجري.
والصيام في رمضان من الشعائر التي تجمع المسلمين في مشارقهم ومغاربهم، وتذكرهم بأن ربهم واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة وهمّهم واحد، وتؤكد على أنهم أمة واحدة من دون الناس.
وفي رمضان تقوى المشاعر الإسلامية وتثار منطقة الإيمان والتقوى لدى المسلمين، فيشعرون بقربهم من الله أكثر من أي وقت، ويشعرون بقربهم من أوامره ونواهيه، ويشتد التزامهم وينفعلون بالأحداث إيمانياً، ويكونون أقرب إلى الله… لذلك يخشى أعداء الإسلام من رمضان، ويراجعون حساباتهم، لا احتراماً لمشاعر المسلمين وإنما خوفاً من اجتماعهم على محاربتهم كما اجتمعوا على القيام بشعائره. ومن العجيب أن حكام المسلمين ينصحون أميركا بأن توقف ضرباتها على المسلمين في أفغانستان في رمضان (في رمضان فقط) كيلا يستفيد (الأصوليون) من هذه الضربات في إثارة مشاعر السخط ضدهم أي ضد هؤلاء الحكام باعتبارهم عملاء للغرب ينصاعون لأوامره على حساب شعوبهم. أما أميركا فإنها لا تأبه لمثل هذه الدعوة، وتأبى أن توقف القتال وتعلن بكل صلف وعنجهية أن المسلمين قد خاضوا حروباً فيما بينهم في رمضان مثل حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق.
إن أميركا (ومعها بريطانيا وتساعدها دول الغرب النصراني الرأسمالي الكافر) قد أعلنت الحرب على المسلمين باسم الحرب على الإرهاب. إنها حرب على المسلمين الذين يشكلون خطراً على حضارة الغرب الفاسدة ومصالحه المادية الجشعة. وهي حرب لا تقتصر على المسلمين في أفغانستان، كما يصرح المسؤولون الأميركيون، بل تشمل جميع المسلمين، في كافة أنحاء العالم، بحركاتهم وعلمائهم وأفرادهم، الذين يفهمون الإسلام فهماً جذرياً ويعرضونه عرضاً مبدئياً حضارياً.
إن أميركا، أعلنت أنها حرب على الإرهاب، وأعلن بوش في خطابه كلاماً لم يقدر عواقبه لحداثة عهده في الحكم، فقال «إنها حرب صليبية» فهل تكون الحرب على الإرهاب حرباً صليبية إلا أن تكون ضد المسلمين؟ وهل أعلنت أميركا الحرب على من تدعي أنهم إرهابيون ممن ليسوا مسلمين؟ إنه اللعب على الألفاظ وتغيير الأسماء من غير تغيير مسمّاها تماماً كقولهم عن الربا إنه فائدة وعن فلسطين إنها إسرائيل، وعن المسلم التابع لهم إنه معتدل، وعن المسلم الملتزم المخلص الواعي إنه إرهابي…
وأميركا، في حربها هذه، أباحت لنفسها أن تكون الخصم والحكم. وأباحت لنفسها أن تستعمل كافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً وغير المحرّمة، وسمحت لنفسها أن تقصف وتدمر وتحرق وتهدم وتقتل النساء والأطفال والشيوخ المدنيين… لقد داست أميركا ومعها بريطانيا كل الحرمات بالنسبة للمسلمين ووجهت الرأي العام الأميركي والغربي ضدهم فداست بذلك على ما تدّعيه كذباً وزوراً حقوق الإنسان، وأعلنت بلهجة هوليودية بأن من ليس معها فهو ضدها فداست بذلك على كل ما كانت تدعو إليه من احترام الرأي الآخر وأعلنت بلهجة الكاوبوي “مطلوب حياً أو ميتاً”. اتهمت المسلمين قبل أن تتوفر الأدلة على ذلك، مع أن أعداء أميركا كثيرون، من غير المسلمين، ودواعي الانتقام منها موجودة بقوة لأنها دولة مستعمرة ظالمة لا قلب لها، تزرع الفقر والفساد أينما حلّت ولا تقيم وزناً للقيم ولا للإنسانية وتتصرف وكأنها رب لا يرد له أمر ولا يحق لأحد أن يقف في وجهه… إن أميركا بهذه التصرفات تكون قد أعلنت سقوط مبدئها وحضارتها تماماً كما سقط مبنى مركز التجارة العالمي من برجه العالي، وسقط بذلك قناعها الزائف، ما كشف عن وجهها الحقيقي البشع.
إن أميركا قد رفعت شعار: «إما معنا وإما مع الإرهاب» وصارت وهي تنطق هذه الكلمة تنظر بعينها وقلبها إلى الإسلام والمسلمين. فإذا أردنا أن نسمي الأشياء بأسمائها فإن هذا الشعار يصبح: «إما معنا وإما مع الإسلام». فما حكم الإسلام في هذا الإعلان؟ وأين موقع المسلمين منه؟
إن الإسلام يحرّم الوجود الغربي في بلاد المسلمين. فلا يجوز لا لأميركا ولا لغيرها من دول العالم أن يكون لها أي وجود عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو إعلامي…
وإن الأمة الإسلامية يجب أن تكون أمة واحدة من دون الناس، حربهم واحدة وسلمهم واحدة، يجير أدناهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، وإعلان أميركا ومن معها من دول الغرب الحربَ على المسلمين والإسلام، وقتل المسلمين في أفغانستان يطال المسلمين جميعهم، ويأخذ حكم قتل المسلمين في كل مكان. وعلى المسلمين في كل مكان أن يعتبروا ذلك اعتداءً عليهم وعلى دينهم. ويجب عليهم أن يهبوا هبّة رجل واحد لمساعدة أهل أفغانستان، ويدفعوا عنهم المجازر التي ترتكب بحقهم والإرهاب الذي يمارس ضدهم.
ونظرة إلى الواقع تُري أن المسلمين يتقدون غيظاً مما يجري، وهم قد ضاقوا ذرعاً من هذه الأوضاع، وأنهم يريدون الخروج من كل الذل والخوف والاستضعاف الذي يرزحون تحته. إنهم يريدون التغيير، وإن خيارهم إسلامي. لذلك اعتبروا أن ما يجري اليوم في أفغانستان يجري ضد دينهم وضد إخوة لهم. ومثله مثل ما جرى ويجري في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان وفي كشمير وفي البلقان… إن خيارهم إسلامي ولكنهم ممنوعون من أن يسيروا فيه،… والذي يمنعهم هو حكامهم الذين نصبهم الغرب نفسُه وجعلهم حاجزاً يقفون في وجه الأمة. ومرة أخرى تنكشف حقيقة هؤلاء الحكام، ويعود أصبع الاتهام ليشير من جديد إلى أكابر مجرميها الذين يسيرون بعكس تيار الأمة. لقد أضاف هؤلاء الحكام إلى سجلهم الأسود فتح أجواء بلادهم أمام أميركا ومن معها وفتح القواعد لهم، وتقديم التسهيلات، وإسداء النصائح وإعطاء المعلومات الاستخباراتية، وتقديم العون المالي من بعضهم حتى إن بعضهم من أرسل قواته للمشاركة علناً في القتال، ومنهم من تتحدث الأخبار عن إرسال قواتهم سراً للمشاركة في العمليات.
والله إن جريمة الحكام لهي جريمة كبرى. إنهم يتصرفون مع أمتهم تصرف الأعداء لها. إنهم يقفون في نفس الخندق الذي يقف فيه من أعلنها حرباً على الإسلام.
إن المسلم إذا أراد أن ينصر المسلمين في أفغانستان عليه أن يجتاز الحواجز الكثيرة: فكم من الحدود عليه أن يقطع، وكم من الوثائق الثبوتية عليه أن يقدّم. إنه ممنوع من أن يخرج من بلده يمنعه الحاكم في بلده والحاكم في البلد الذي يريد الوصول إليه، وإن من يثبت أن له أدنى صلة بهؤلاء يزج بالسجون وينعتون بمختلف نعوت التطرف والإرهاب… والعالِم المسلم إذا أعطى فتوى لا تسير بحسب الخط الرسمي (فتوى أميركية) ولا تتلاءم مع نظرة الحاكم وسياسته يحاصر إعلامياً ويضيق الخناق عليه ويحارب محاربة شديدة… وحتى أهل القوة من المسلمين لا يسمح لهم بنصرة إخوانهم في أفغانستان لأن الحكام يمنعونهم.
إننا نعلنها صراحةً وبقوة: إن استمرار وجود هؤلاء الحكام هو استمرار وتجدد للمصائب والمجازر ضد المسلمين، خاصة وأنهم يفكرون ويعملون على استمرار حكمهم من بعدهم عن طريق أبنائهم، وإن استمرار وجود هؤلاء الحكام هو استمرار لتجزئة بلاد المسلمين، واستمرار للحكم بغير ما أنزل الله، واستمرار لتحكم الغرب فينا ونهب خيراتنا وإذلالنا وإفقارنا وإشاعة الفساد بيننا.
إن الأمة تحتاج إلى عمل جدي يخلصها مما هي فيه، ويبرئ ذمتها أمام الله تجاه ما يحدث في أفغانستان، ولقد ظهرت خلال هذه الحرب أعمال يلمس فيها الصدق وتبشر بالخير الذي نأمل أن يعم، فالناس في بلاد المسلمين يتحرقون شوقاً للجهاد وينطقون به نطقاً عفوياً في مظاهراتهم ومسيراتهم، وتحريم مد يد العون إلى أميركا في ضرب المسلمين يقول به حتى رجل الشارع، وفي باكستان يتصرف المسلمون بجدية تكاد تلامس المطلوب، وبقي أمر واحد مطلوب. وهو أمر يخشى منه الغرب، ويخلع قلوب الحكام وعروشهم،… هو أن يتحرك المخلصون من أهل القوة ليتسلموا الحكم من هؤلاء الحكام ويسلموه للمسلمين الواعين المخلصين الذين يعرضون الإسلام عرضاً مبدئياً فتعود دولة الإسلام ويعود ذروة سنام الإسلام. إنهم بعملهم هذا سوف يخلصون الأمة ويقومون بعمل يسجل لهم في الدنيا والآخرة.
إن المسلمين يجب أن تتوجه تحركاتهم في هذا الاتجاه. إنه لن يخلصهم إلا أن يقوم أمر الله الذي يحفظ الدين والأنفس والحرمات.
أيها المسلمون:
ها أنتم اليوم في رمضان. فاجعلوه شاهداً لكم ولا تجعلوه شاهداً عليكم. إجعلوه شهر نصر ولا تجعلوه شهر عجز، ولا تكتفوا بالدعاء فيه، فإن الدعاء مطلوب ولكن الإجابة لها شروط، ومن شروطها الاستجابة لله ولرسوله قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (البقرة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوْا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم». فإلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم أيها المسلمون… وعلى الله قصد السبيل .
2001-12-11