كلمة الوعي: أميركا والحرب
2001/10/11م
المقالات, كلمات الأعداد
3,086 زيارة
أميركا تحت النار، حرب على أميركا، أميركا تحترق … عناوين ملأت وسائل الإعلام وهي تنقل صورة الهلع والفزع الذي سيطر على الناس في الولايات المتحدة، وتصف عنف الحرائق المستعرة، والانفجارات الهائلة التي أصابت أميركا في عمقها السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، وهي واقفة مذهولة مشدوهة.
لقد قامت طائرات مدنية أميركية مختطفة في 11/9 من مطارات أميركية، الواحدة تلو الأخرى، تضرب مركز التجارة العالمي ببرجيه الشهيرين فتجعلهما حطاماً، وتضرب مركز الحرب (البنتاجون) فتدمر ركناً منه، وتكاد الضربات تصل إلى مركز الدولة (البيت الأبيض) في عمليات تذكر بضربات فرق (الكاميكاز) اليابانية. ثم تخلي الدولة المراكز الحساسة من الموظفين، حتى البيت الأبيض يبيت رئيسه خارجه لأول مرة لدواعي الأمن والأمان.
ثم تبحث أميركا عمَّن وراء الحدث، وتعكف لجان التحقيق في دوائر المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالية للوصول إلى الفاعل، وتتجه أنظارهم بسرعة فائقة إلى المسلمين، العرب وغير العرب، يلحقون بهم الأذى في مساجدهم وأشخاصهم على اعتبار أنهم مدانون تلقائياً، وتناسى المحققون تفجيرات أوكلاهوما التي تَبيَّن أن فاعلها لا يمت إلى العرب أو الإسلام بصلة، بل كان مغامراً من ظهرانيهم. فلماذا لا تتجه أنظار المحققين إلى مجموعة أوكلاهوما نفسها ليبحثوا إمكانية قيامها بهذه التفجيرات انتقاماً لإعدام صاحبها الذي تم منذ زمن قريب؟ ثم إن اليهود قد أفادوا مما حدث بالتعتيم على مجازرهم في فلسطين فلماذا لا يكونون من وراء ذلك؟ وخاصةً أن جهاز أمن اليهود (الشاباك) قد منع شارون من السفر إلى نيويورك في تلك الفترة للمشاركة في مهرجان تضامني مع دولة اليهود أعدت له المنظمات اليهودية والوكالة اليهودية. كما أنه لم يظهر من كشوف الخسائر البشرية في البرجين المنهارين أي يهودي علماً بأن أعداداً كثيرة من اليهود كانوا من العاملين في البرج. كل ذلك يشير إلى علاقة دولة يهود بما حدث. ولماذا لا تتجه أنظار المحققين إلى مجموعات دولية تنافس أميركا على الهيمنة والنفوذ فتنال منها بهذه التفجيرات، وبخاصة أن الحدث يحتاج إلى تقنية عالية لا تتيسر لمجموعات عادية؟ وأخيراً لماذا لا تتجه أنظار المحققين إلى البحث عن أسباب الكره الشديد الذي زرعته أميركا عند شعوب العالم ضدها بفعل شرورها التي أصابت الناس بها في الداخل والخارج؟
لقد قصفت أميركا اليابان بالقنابل النووية، وضربت فيتنام بالحمم البركانية، وأسقطت على العراق أطنان القذائف ولا زالت، وقصفت ليبيا وأفغانستان، ودمّرت مصنعاً للدواء في السودان، وهيمنت بقوتها العسكرية، وتدخلاتها المأساوية في أميركا الوسطى واللاتينية واحتضنت دولة يهود وأمدّتها بكل أسباب القوة للبطش والتنكيل في فلسطين دون تمييز بين بشر وشجر وحجر.
ثم إن المظلومين والمسحوقين والمضطهدين في أميركا نفسها من سود وحمر وأصناف شتى كذلك اصطلوا بظلمها وشرورها، بل إن حلفاء أميركا قد ذاقوا الأمرّين منها فقد لاحقتهم في مناطق نفوذهم لتحلّ محلَّهم، وضايقتهم في اقتصادهم، وفوق ذلك فقد منعوا الاتحاد الأوروبي من حل مشاكله بنفسه في أوروبا وأقحموا أنفسهم فيها، وساقت جيوشهم تحت لواء الأطلسي لضرب أوروبا نفسها في البلقان بما يحقق مصالح أميركا في الدرجة الأولى وفرض الحل الذي تريد.
فلماذا تتجه الأنظار إلى المسلمين دون غيرهم؟ ألأنَّ توجهها نحو دول كبرى تنافسها أو نحو منظمات دولية من جنسها سيفقد أميركا توازنها؟ أو لأنه يتراءى لها أنّ المسلمين هدف سهل، تحقد عليهم منذ زمن بعيد، ويمكنها أن تنال منهم بيسر دون عناء، فهي لذلك تسند إليهم قتل المدنيين كذريعة لإعلان حرب صليبية على المسلمين كما صرح بوش في 16/9 ومن ثم اتخاذ قواعد استراتيجية في بلادهم؟
إنَّ أميركا وغير أميركا يدركون أن الإسلام الذي يدين به المسلمون يحرِّم خطف الطائرات مع ركابها المدنيين وقتلهم، ويحرِّم تقصد قتل المدنيين حيث كانوا، والإسلام ليس مجهولاً ليتَّهم بما ليس منه، كما أن المسلمين حيث حلوا أحيوا الناس وأصلحوا الأرض وأزهقوا الشر ونشروا الخير. إن المسلمين في سلمهم وحربهم أقوياء عظماء لا يعمدون إلى الضعيف الأعزل ليقتلوه وإنما يتجهون بقوة إلى المقاتلين ينازلونهم القتال جهاراً نهاراً، والجيش الإسلامي مشهود له بذلك في كل حروبه.
إن كان المحققون أذكياء عقلاء فلتتجه أنظارهم إلى من حولهم، وليبحثوا عن مكامن الشر لديهم، وأوكار المؤامرات عندهم، وركام الظلام القابع بينهم ثم يزيلوا هذا وذاك، ويكفوا شرورهم عن الناس، وعندها سيهتدون إلى السبب وراء ما حل بهم.
أما البحث عن كبش فداء من العرب والمسلمين والتركيز على أفغانستان بالذات فإنما هو ذريعة لإيجاد وجود دائم لأميركا في المنطقة، كمنطقة استراتيجية لبسط نفوذها عليها، كما صنعت في بسط نفوذها ووجودها الدائم في منطقة الخليج.
فهل ستنجح أميركا في التضليل واستغلال الحدث للوجهة التي تريد، فتصيب الأمة صاعقة كصاعقة الخليج، أو أن الأمة ستدرك ما يدبَّر لها فتجعل أميركا تحصد شراً كما زرعت شراً؟ هذا هو السؤال .
2001-10-11