الأسـواق المالية
2001/08/11م
المقالات
1,880 زيارة
البورصات:
بورصات الأسهم والسندات، والأوراق المالية، والبورصات التجارية، هذه هي أسواق المال، إنها أسواق وهمية، يتحكم فيها قراصنة المال، وكبار المضاربين. وآلية هذه الأسواق هي:
1 ـ سعر الفائدة.
2 ـ سعر الصرف.
إن الأداة الأساسية التي يعتمد عليها السوق المالي، والتي يتحرك السوق بتحركها، ارتفاعاً وانخفاضاً، ازدهاراً أو انتكاساً، إنما هي الفائدة (الربا) ويرتبط بها سعر الصرف بين العملات النقدية، كما ترتكز عليها أسعار الأسهم والسندات وباقي المعاملات المالية في سوق البورصات التجارية.
إن الهزة المالية التي حصلت في أسواق المال في دول شرق آسيا، إنما بدأت من بنكوك عاصمة تايلاند. ففي 2 تموز سنة 1997 بدأت بتخفيض سعر الفائدة في بنك بنكوك المركزي، وامتدت حتى عمت جميع دول جنوب شرق آسيا، وبخاصة، إندونيسيا وماليزيا.
وبتاريخ 17 آب 1998 حصل انحدار مفاجئ للروبل الروسي، فبعد أن كان الدولار يساوي ستة روبلات، صعد فوراً حتى أصبح يساوي ثلاثة وعشرين روبلاً.
وفي 13 كانون ثاني 1999 حصل هبوط فظيع للريال البرازيلي. وبذلك يكون نصف الاقتصاد العالمي قد أصيب بضربات قوية.
إن المعاملات الاستثمارية هي رؤوس أموال متحركة متنقلة، وتحركها وتنقلها إنما يكون بإبراز بطاقة تنطوي على ضمانات وتعهدات تسمى شيكات، أو تحويلات بإشارات، فيتحرك المال وينتقل بهذه الإشارة من بنك كذا في أميركا إلى بنك كذا في باريس أو طوكيو، أي ينتقل من سوق مالي إلى سوق مالي آخر.
ويواكب هذه التحركات المالية مراقبات ومتابعات دقيقة وحذرة، ليتمكن المضاربون من الهروب بأموالهم، إذا ما ظهرت بوادر الخسارة، إن لم يفتعلوها هم أنفسهم، أو ليدخلوا وبسرعة أسواقاً تلوح حولها علائم الربح الوفير.
وحيث إن هذه الرساميل المستثمرة تشكل مبالغ ضخمة، تقدر بالمليارات، فإن أي تغيير في نسبة الفوائد يؤثر تأثيراً كبيراً على المستثمرين، ربحاً أو خسارةً.
وسعر الفائدة هذا ينعكس على سعر الصرف، وبخاصة النقد الذي يتمتع بقوة ذاتية. فالتحويلات، إنما تكون بالدولار، والأرصدة الضخمة إنما تقوم عليها البنوك المعتبرة؛ فإذا ما انخفض سعر الفائدة في منطقة ما من مناطق المراكز التجارية المشهورة، تنفجر الكارثة، وتبدأ رؤوس الأموال المستثمرة في الهروب إلى مناطق أخرى، فتنكشف البنوك في تلك المنطقة، وتترنح المؤسسات المالية؛ وينخفض سعر العملة، حتى تطال الكارثة عملة البلدان المجاورة، وتهبط أسعار العملات إلى حد يفقدها أو يضعف قوتها الشرائية، وتبدأ البورصات في التخلص من معروضات الأسهم والسندات، في سوق البورصات، وتصبح هذه الأسهم عبئاً على مالكيها، يريدون التخلص منها بأي ثمن. وهنا يأتي دور قراصنة المال، فإمّا أن يهربوا بأموالهم من السوق، فينكشف السوق، وتحدث الأزمة. وإما أن تكون قد امتلأت خزائنهم بالملايين. فلا يعدو كونها مقامرة تعتمد على ذكاء المضاربين الكبار وتلاعبهم في السوق وتأثيرهم وثقلهم في الدوائر والمؤسسات المالية.
وعندما وقعت الهزات المالية في بعض الأسواق، خسر فيها الكثيرون؛ وخسر البعض معظم رأسماله، ووصل حجم خسارة البعض أحياناً إلى (1.9) مليار دولار، ووصل ما تكبده أحد البنوك (700) مليون دولار. وخسر (جورج سوروس) ملياري دولار في بورصة موسكو؛ إنها خسائر فادحة. وهذا الملياردير المذكور هو أخطر المضاربين في العالم، وهو يهودي، ربح في إحدى المضاربات في منطقة الإسترليني مليار دولار في صفقة واحدة، لخبرته في سوق المضاربات المالية، وتشغيل رؤوس الأموال. وقد صرح قائلاً: إن الخشية من انهيار النظام الاقتصادي العالمي، إنما يكمن في قيام الدول المتخلفة بإغلاق حدودها أمام تدفقات رؤوس الأموال، لتحمي نفسها من آثار الأزمات، كالأزمة التي أمسكت بعنق نمور آسيا وروسيا، ثم دول أميركا اللاتينية.
إن المصارف (البنوك) هي المستودع الذي تصب فيه كافة الأموال المتحركة في أسواق المال، سواء منها الأموال الحقيقية، أو الأموال الاسمية، شبه الحقيقية. والمعاملات الاستثمارية هي رؤوس أموال متحركة متنقلة، تدخل أسواقاً فتنشطها، وتبعث فيها الحيوية، فيجري التفاعل بين مختلف القطاعات المالية والاقتصادية، فتزدهر قطاعات الإنتاج، وتزداد فرص العمل، وتضمحل البطالة، وترتفع أسعار الأسهم والسندات، ويكثر الإقبال عليها، وتستعر حمّى المضاربات، وترتفع مؤشرات البورصات، وبسرعة فائقة يهتبل قراصنة المضاربات هذه الفرصة، فيضربون ضرباتهم، بعد أن كانت قد تحولت عشرات المليارات من الدولارات إلى حساباتهم؛ وبجرة قلم، أو مكالمة هاتفية يخفض سعر الفائدة في إحدى البنوك المعتمدة، أو يجري تخفيض في أسعار بعض العملات ذات القوة الذاتية، فتهرب المليارات بسرعة ويخلى السوق منها، وتفتح لها أبواب الهرب حتى يطال كافة القطاعات المالية والإنتاجية، وتتفاقم الأزمة، فتعلن الكثير من الشركات إفلاسها، وتفرغ خزائن ميزانيات الدولة، فيهرع مندوبو صندوق النقد الدولي لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي في البلد، ويحضرون معهم قوائم الشروط العلاجية، ليتم على ضوء تنفيذها إسداء القروض، كما يكون هناك العديد من الشركات الضخمة المتعددة الجنسية الرابضة على جوانب الساحة لتلتهم القطاعات العامة، والتي ستتحول إلى قطاعات خاصة، بفعل قوانين الخصخصة، وبموجب اتفاقيات منظمة التجارة الدولية؛ وتقع الفريسة في مخالب وحوش المال، ويصبح البلد بكل مقدراته نهباً لهؤلاء الناهبين، كما تصبح الدولة أو دول المنطقة برمتها مشلولة الحركة، مكبلة الأيدي، وتتحول النمور إلى قطط، والصقور إلى دجاج.
بإيعاز من صندوق النقد الدولي وجهازه المتآمر، أو بإيعاز من البنك الفدرالي الأميركي، وبالتعاون مع وول ستريت، يتم التنسيق بين هذه المؤسسات والنوادي نوادي المال، وصناديق الاستثمار. وهذه كلها يقوم عليها رجالات مخضرمون مدربون، يتقنون فنون المخادعة. أحدهم يملك مؤسسة مضاربة كبيرة، ويكون عضواً في نادٍ مالي، كما يكون مستشاراً لأحد المصارف، ويكون له ثقل في المؤتمرات الاقتصادية الدائمة، مثل مؤتمر (دافوس) أو مؤتمر الدول السبع الغنية، كما يكون مستشاراً في بعض جوانب صندوق النقد الدولي، أو يكون مندوباً في بعثة لاستقصاء أحوال اقتصاد بعض الدول، او ما شاكل ذلك. مثل هؤلاء يكونون ملمين بأطراف القضايا الاقتصادية، فيعرف أحدهم كيف يدخل الأسواق، وكيف يحركها، وكيف يخرج من الأسواق، وكيف ينهب الأسواق ويخربها. فتقع المصائب، وتنتشر البطالة ويعم الفقر، وتعلن الشركات إفلاسها، وتضطر الدول إلى جدولة ديونها، وهلم جراً.
يوجد هناك نظام هرمي غير معلن للاقتراض، فيما بين البلدان النامية، حسب درجة الجدارة الائتمانية في أسواق المال العالمية. فعلى سبيل المثال: كان من الصعب على شركات ومصارف إندونيسيا أن تقترض قروضاً قصيرة الأجل من أسواق المال العالمية بأسعار فائدة معقولة. فكانت الشركات الإندونيسية تلجأ إلى البنوك أو إلى الشركات الكورية لكي تقترض لها ونيابة عنها، مستفيدة من متانة المركز المالي الكوري، مقابل (علاوة) تقوم البنوك والشركات الكورية بتعليتها على سعر الفائدة على القروض المقدمة لإندونيسيا. وفي المقابل تقوم الوحدات المصرفية الكورية بدورها بالاقتراض من البنوك وأسواق المال اليابانية لتغطية مراكزها وتدبير السيولة اللازمة. ولهذا فعندما انهارت الأوضاع في إندونيسيا وتعثرت الشركات الإندونيسية في سداد مديونياتها، تأثرت بذلك أوضاع السيولة في البنوك والشركات الكورية، التي أضرت بدورها بالأوضاع المصرفية في اليابان.
عندما وضعت أميركا الأسس التي ستسير عليها في سياستها الاقتصادية، وهي: صندوق النقد الدولي، وأعطته الصلاحيات التي يستطيع بها أن يوقع الكوارث المدمرة في ميزانيات الدول بحجة معالجتها. ثم البنك الدولي، حيث جعلت منه مؤسسة يرتبط بها مؤسسات مالية ضخمة من أجل إسداء القروض الطويلة الأجل، وتبني المشاريع العمرانية الكبيرة، وبخاصة البنى التحتية، كالموانئ والمطارات والسكك الحديدية، ومشاريع الري والكهرباء، وغيرها من المشاريع غير الإنتاجية. وبعد ذلك وضعت الأسس والقواعد لمنظمة الجات منظمة التجارة الدولية، من أجل إزالة الحواجز الجمركية، وفتح الحدود بين الدول، لتنقل رؤوس الأموال مع ضمانة حمايتها، وحماية أرباحها، مع تسهيل دخولها وخروجها في أي حين دون أية عراقيل. ثم بعثت إلى الحياة مولوداً جديداً هو موضوع العلمنة.
وأما الداء الوبيل، والمرض القاتل، فهو موضوع الديون، هذه هي القيود التي تكبل بها أيدي وأرجل الدولة المدينة، حيث تجعلها مقودة بزمام طرفه في يد الدائنين، والطرف الآخر ممسكاً بأعناق المدينين.
أي أن هذه الديون هي الاستعمار بعينه، والاستعباد بعينه، وهي الفقر بعينه والذل بعينه، والتبعية التي لا حد لها، ولا مناص منها.
هذه قضية الديون، يجب أن تلغى نهائياً وإلى الأبد، وهذه واقعية البنوك، فيجب أن تلغى نهائياً وإلى الأبد، وهذه نتائج الربا (الفائدة) فهي محرمة بصريح النصوص وإلى الأبد، وهذه آليات البورصات المالية، وأسواقها الوهمية، فيجب أن تزول وإلى الأبد، وتستثمر الأموال في السوق التجارية بشكل فعلي يحرّك السلع والخدمات، والبضائع والمنتوجات الزراعية والتجارية والصناعية لتشارك فيه كل يد، ويدخل كل بيت.
وموجودات أسواق البورصات موجودات وهمية، وليست حقيقية، إذ لا يوجد فيها سلع معدة لبيعها والمساومة عليها ومعاينتها، أو مواصفتها حيث إنها، أولاً: أوراق أسهم، وبورصات أسهم. ثانياً: بورصات تجارية. ثالثاً: أوراق مالية (سندات مالية).
ولبيان خطورتها نستعرض ظواهر ثلاث تكتنف العالم بأسره، وتحيط به من كل جانب:
1 ـ الظاهرة الأولى: هي فرقعة السلاح، ودوي المدافع، وهدير الطائرات، وانقضاض الصواريخ، واشتعال النيران، مسبوقة بالإعداد لذلك بحشد من العلماء والمختصين في الإبداع التكنولوجي.
2 ـ ثانيها: وهي التحرك السياسي، والتصريحات واللقاءات، والزيارات، والندوات والمؤتمرات والتهديدات والإغراءات السياسية وحبك المؤامرات وتنفيذ المخططات.
3 ـ ثالثها: وهي الأرضية الهادئة الصامتة، والمخيفة المرعبة، والمميتة المدمرة، وهي التي من أجلها تسخر الظاهرتان الأُولَيان، ألا وهي تحرك رأس المال، والبناء الهيكلي الذي قام عليه صرح النظام الاقتصادي الرأسمالي، واتخذ شرعة يستحل بها الحرام ويمتص بها الدماء؛ تقوم عليها إبادة الشعوب، ونهب ثرواتها، فلا حلال إلا ما أحله الاستثمار والاستعمار، ولا حرام إلا العوائق التي يحتمل أن تقف في طريق انسياب رأس المال ليدور دورته.
هذه الظاهرة الثالثة هي التي من أجلها تسخر الظاهرتان الأولى والثانية؛ فويل للعالم من هذا الظلم الفادح المشروع. إن العالم بأسره يئن تحت وطأة أقدام هذا المشرع والذي وضع الأسس التي تبتنى عليها هيكيلية رأس المال، والذي سخر العالم بأسره، واستغل القطاعات البشرية، والثروات الطبيعية، وتحركت الآلة كلها لتحمي رأس المال هذا؛ ولتفتح الطريق أمام هذا الأخطبوط، ليطال بأذرعه كل بقعة من بقاع الأرض. فكان البر والبحر والجو مسارح لهذا الجهاز الضخم الهائل الذي يصب في المحصلة النهائية في جيب المستثمر الأميركي أو الفرنسي أو الياباني.
أنظروا أيها الناس وتأملوا ما هذه الأفاعي التي تنفث السموم القاتلة؟ حيث لا ينجو منها أي بيت.
1 ـ صندوق النقد الدولي. 2 ـ البنك الدولي. 3 ـ منظمة التجارة الدولية. 4 ـ نادي باريس الدولي. 5 ـ نادي لندن الدولي. 6 ـ نادي نيويورك الدولي. 7 ـ مؤتمر دافوس بسويسرا. 8 ـ مؤتمرات الدول السبع الغنية. 9 ـ صندوق إدارة المال. 10 ـ الأسواق المالية (البورصات).
فأية واحدة من هذه الرزايا تكفي لأن تلحق الأذى البليغ بالبلد الذي تحل فيه، أو يرتبط بها، وأن تدمره وتلقي به إلى التهلكة. فكيف بها إذا اجتمعت وتكاتفت بعضها مع بعض؟ فما مصير العالم؟ وما سيحل بشعوب العالم؟
[يتبع]
فتحي سليم
2001-08-11