الخيار الاستراتيجي
2001/07/11م
المقالات
2,711 زيارة
القراءة الواضحة للعلاقات الإنسانية بين الدول والشعوب في التاريخ الماضي والحاضر تكشف لنا صراعات محتدمة بين قبائل وشعوب ودول وحضارات مختلفة… هذه الصراعات أخذت أشكالاً دموية آلت إلى سحق واندثار لقبائل وشعوب وحضارات… وهذه الصراعات الدموية سارت بدافع الحاجة والمصالح الحيوية لهذه الشعوب والدول، فكانت هذه الدول والشعوب على استعداد لأن تقدم كل تضحية في سبيل تحقيق هذه المصالح الحيوية باعتبار أنها مصالح وعوامل مهمة في وجودها وبقائها، وهذا ما يطلق عليه بالخيار الاستراتيجي وهو الأمر الذي ترى الأمة بوجوده كفالة لها بالحياة والبقاء فكان الصراع من أجل السيطرة على منابع المياه والمواقع الاستراتيجية من موانئ وممرات برية وبحرية… والسيطرة على المقدرات والخيرات والموارد الطبيعية…
من أجل هذا كان أهل القوة هم أصحاب السيادة بل أصحاب القرار في التحكم في رقاب الشعوب الضعيفة المنهزمة… فمن هذا المنطلق وبهذه النظرة دعونا نتحدث كيف أن السلام أصبح هو الخيار الاستراتيجي لطواغيت العرب!!… فإذا كان الخيار الاستراتيجي للأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي حماية اليهود والمصالح الأميركية والغربية!!… وإذا كان خيارهم الاستراتيجي العبودية التامة لليهود والأميركان والإنجليز…!! وإذا كان إجماعهم بمؤتمراتهم “لتذهب القدس في ستين داهية”!! فهذا يقودهم إلى إعلان الحرب الفعلية على دعاة الخـلافة بأساليب القتل والتعذيب والتنكيل والإعدام المنظم في حربهم القذرة… هنا في شام صلاح الدين وهناك في استنبول محمد الفاتح وهناك في أوزباكستان الإمام البخاري…
أيها الحضور الكرام… إن الله سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) .
أيها الحضور الكرام… المغضوب عليهم اليهود يقومون في كل يوم بقصفكم بالطائرات والدبابات والمدافع، والضالون من أميركان وإنجليز سماء العراق لهم حلال وبحار الخليج منطلق لصواريخهم وأرض الجزيرة مستودعات لذخائرهم… فيسقط الشهيد تلو الشهيد… تدمر البيوت تشرد العائلات… ترمل النساء وما أكثرهم في العراق والقوقاز… تيتم الأطفال ودماء زكية تراق هنا وهناك… في كل مكان بقعة من الدم… أرواح تزهق… أعراض تنتهك… الأرض تغتصب فيا هول ما حل بنسائها وفوق ذلك وغير ذلك كثير كثير قرآن يحرق ويمزق… فيا ألبان اصبري وتحملي فروماً سيفتحها جيش من ارض الخـلافة انطلق.
أيها الكرام: كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من العالم ومن حكام باعوا أنفسهم للشيطان لم يمنعهم كل هذا من الالتقاء بقاتليكم من يهود، والله يحرم الالتقاء بهم إلا في ساحة المعركة… تحاصرون وتجوعون… كل هذا لا قيمة له عندهم فالمهم عندهم هو المحافظة على عملية السلام ورفع سقفها التفاوضي… وحين يسألون عن أهداف إسرائيل من أعمال القتل؟ يقولون أن هدفهم هو تدمير عملية السلام… إن قتل أكثر من خمسمائة مسلم وجرح وإعاقة الآلاف وتدمير البيوت، ليس مهماً في نظرهم، بل المهم هو أن لا تدمر عملية السلام وللحيلولة دون إقدام شارون على سحب إنجازاتهم النضالية التي حققت في معارك القصور والمنتجعات… بينما اليهود يصرون على القتل والحرب…
وفي خضم كل هذا ومع استمرار أعمال القتل المنظم تستمر اللقاءات مع اليهود في أثينا… في تل أبيب… في القاهرة في واشنطن… ليس لهم لغة إلا الضغط على إسرائيل لاستئناف المسيرة السلمية من حيث وصلت في كامب ديفد الثانية وطابا… أظنكم توافقونني الرأي أن هؤلاء لا يعتبرون من يقتل من أهل فلسطين يخصهم أو يعنيهم، وإذا كان إنجاز المسيرة السلمية في نظرهم يقتضي قتل مئات الآلاف منكم فليكن فلسنا منهم وليسوا منا… فيصرون على السلام مع اليهود وتثبيتهم في الأرض المباركة… كم هم يستحقرون ويستخفون بعقول الناس حين يكون خيارهم الاستراتيجي إسقاط حكومة شارون!! ليكون اللقاء مع الشريك والجار… لقاء سلام مع أبناء شارون من قرود عمل وخنازير ليكود… لقد رضوا بالتخلي عن فلسطين ورضوا بإلقاء السلاح وبالخيار السياسي والدبلوماسي… وبدل أن يحموكم يسارعون إلى اليهود والأميركان… إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لتطبيق الشرعة الدولية وطلب الحماية الدولية من رأس الأفعى وذيل العقرب… وصدق فيهم الشاعر:
لا يُلام الذئبُ في عُدوانِهِ إنْ يَكُ الرّاعي عدوَّ الغنمِ
ونتساءل لماذا يصر هؤلاء الحكام على أن الخيار الاستراتيجي هو صنع السلام في الوقت الذي يواصل فيه أعداؤنا اليهود الحروب والقتل والعدوان؟! وإنه من المعروف بداهة وعبر التاريخ أن دول العالم تجهز الجيوش وتخوض المعارك والحروب لتأمين مصالحها وحماية رعاياها وهزيمة أعدائها… والتاريخ غني بالحروب بين الدول وحضارات مختلفة وكانت القوة العسكرية هي الخيار لفض الصراعات وما زالت… ففي الحرب العالمية الثانية فقد الاتحاد السوفيتي اثنين وعشرين 22 مليون جندي، وغرق الأميركان في مستنقعات فيتنام، وبابا روما وقساوسته غزوا بلاد المسلمين بحروب صليبية طاحنة طال أمدها… وأميركا اليوم تحتفظ بقواتها في قواعد ومعسكرات ضخمة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فقطر والبحرين وأرض الجزيرة تشكل قاعدة متقدمة لقواتها العسكرية التي ضربت العراق ولا تزال… وفرنسا وجودها مكثف في أفريقيا شرقها وغربها وكم هددت بغزو الجزائر واحتلالها… وبريطانيا احتلت جزر الفوكلاند وهي تبعد عن أرضها آلاف الأميال… فالمشاهد أن كل هذه الدول وغيرها خيارها الاستراتيجي هو الحرب للحفاظ على مصالحها وهي بالنسبة لهم خيار حياة أو موت… أما حكامنا اليوم فخيارهم الوحيد الأوحد هو السلام مع يهود وسيخ ومن يدين بالوثنية في سودان الجنوب… هذا خيارهم… فلمن تكون هذه الأسلحة وتلك الجيوش وهذه الأجهزة الأمنية إذاً؟! إنها تكدس لقمع الشعوب المقهورة حيث تظهر بطولاتهم الغريبة العجيبة!
أيها الحضور الكرام…
يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل @ إلا تنفروا يعذبكم عذابا شديدا ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا) .
إن الله سبحانه وتعالى قد اختار لكم الجهاد الخيار الاستراتيجي ليس فقط لتحرير فلسطين وبلاد المسلمين بل ولحمل الإسلام رسالة هدى ورحمة إلى البشرية المعذبة بكل صنوف الشقاء وذلك بتحويل ديار الكفر إلى دار إسلام وأوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين… على دولة الإسلام… على خليفة المسلمين… إعداد القوة لإرهاب العدو للوصول إلى النصر والتمكين… لقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) هذا ما سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده فقد جيشوا الجيوش وهيأوا النفوس وساروا في سبيل الله ففتحوا الحصون والأمصار وحلوا قضايا الأمة بمواقفهم الشجاعة وبفكرهم المستنير بنضال وكفاح دائم مستديم… تاريخ حافل سطره جهابذة الجيوش ونسور الخـلافة… عمالقة الإسلام صنعوا مواقف العز والمجد… وهاكم من سيرة الرشيد هارون حين رفض نكفور دفع الجزية… فكان الرد من خليفة المسلمين حين قال كاتباً يستنفره الغضب:
“بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم، وقد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه ولا تسمعه…” وذاك المعتصم وذاك طارق بن زياد وهذا صلاح الدين وهذا مراد الأول فكيف بالطيار
جعفر وعبد الله بن رواحه وزيد بن حارثه وسيد الشهداء حمزة… رجال عرفوا كيف يكون اللقاء مع الأعداء وكيف يكون الإعداد وكيف تكون العدة… وكيف يكون النصر…
أيها الحضور الكرام… إن الأمة الإسلامية أمة قتال وجهاد… تحمل عقيدة نضال وكفاح… فحج بعد حرب وحرب بعد فتح… انتصارات وبطولات سطرت بمداد العز في تاريخ دولة الإسلام العريق…
نعم إن الخيار الاستراتيجي لام عمار بن ياسر كان رضوان الله والجنة… وكان لقتيبة بن مسلم أن يطأ بقدميه تراب الصين… وكان الخيار الاستراتيجي لدولة الخـلافة هو الإعداد الحربي اللازم من تصنيع حربي لكل سلاح يستخدم وبأعلى درجات التقنية العسكرية وبكل العلوم الحربية… إعداد للجيوش بوحداتها الخاصة بتدريبات خاصة لكل إمكانيات وتوقعات القتال والحرب برجال صنعتهم وصقلتهم عقيدة: إما نصر وإما شهادة…
إنه خيار الدولة خيار أمير الجهاد “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله محمد رسول الله أو يعصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها”. هذا هو الخيار فسارعوا إليه.
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) .
الخليل ـ أيمن
2001-07-11