تباشير النصر تلوح في الأفق
2001/06/11م
المقالات
1,958 زيارة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
الإخوة الكرام: أحيّيكم بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
البشرى بالنصر لم تعد بشرى مردها إلى الإيمان المجرد الموثوق بوعد الله، ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم ، على أهمية هذا الإيمان في شحذ الهمم للانطلاق، وأهميته لعدم النكوص والارتداد والتخاذل، مهما كانت الظروف والأوضاع. بل إن بوادر النصر على أعداء الأمة الكفار بدت للعيان حساً وواقعاً، لا يمكن غض الطرف عنه، ولهذا تقيم أميركا ـ رأس الكفر حالياً ـ الدنيا ولا تقعدها، خوفاً على أصدقائها، وإن شئت الحقيقة قلت: خوفاً على نفسها من التغيير الجذري الذي سيقلب الأوضاع الدولية رأساً على عقب إن شاء الله تعالى (ويقولون متى هو قل علسى أن يكون قريبا) .
فالإيمان بالله تعالى والثقة به عز وجل والتوكل عليه وتعظيمه والالتجاء إليه مع طاعته والانقياد له، والأخذ بأسباب النصر اغترافاً من منهل الشريعة حسب دلالة مصادرها المعتبرة لا غير، هو العامل الأول والأهم في صناعة النصر، وقد عاد المسلمون إلى التمسك بدينهم والحمد لله، بل وقد ازداد وعيهم ـ وهذا من المبشرات ـ على أمور مهمة منها:
==================================
أولاً: تحصين النفس من التبديل والتغيير والخنوع لغيره سبحانه وتعالى.
فالعزة والكرامة موقف يصنعه الإيمان بالمبادئ، فكيف إذا كان الإيمان صادراً عن قناعات يقينية مقطوع بها تردُ العبد إلى ربه الحق إذا نسي مرة، أو كبا كبوة. قال تعالى: (واذكر ربك إذا نسيت) (الكهف/24). وقال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) (الأعراف). وقال سبحانه وتعالى في معرض دعوة عباده للثبات، والصدق، وعدم التبدل والارتداد: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (الأحزاب). وذكرهم سبحانه أن العزة جميعها له، فلا تُجنى من سواه، فسواه لا يملك القليل منها لذاته، فضلاً عن أن يهبها لغيره فقال: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) (فاطر/10). ودَلَّهم على حرمة خشية غيره من المخلوقات التي لا تملك لنفسها ضراً وإفراده تعالى بها فقال سبحانه: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) (المائدة/3). ولاستحقار أية قوة غير قوة القهار الجبار، قال سبحانه: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) (آل عمران).
فإذا كان المؤمن مؤمناً حقاً عَصَمه إيمانه من الزلل، والركون إلى الأعداء، الذين عرَّفنا الله بهم وعلى رأسهم الشيطان والحياة الدنيا والهوى وتزين الباطل، مما يجعل المؤمن صخرة صماء عصية عن التحطيم مهما كانت قوة المعاول والضربات التي تهوي فوق رأسه، فهو يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فهو عز وجل يراه، وهو يخشى دخول النار التي يؤمن بها كأنه يراها رأي العين، شاخصة أمامه تنتظر من ارتد على عقبيه وضَعُفَ عن حمل الأمانة انتظارها لمن كفر بالله ابتداء، سواء بسواء.
فالنهوض بالواجبات الشرعية لا خيار فيها مهما لقي المسلم في سبيلها من لأواء وابتلاء. قال عز وجل: (ألم @ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون @ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (العنكبوت)، وقال تعالى: (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا @ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا @ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (الكهف)، وقال محذراً اتباع الهوى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) (الجاثية)، وقال جل من قائل مهدداً عبدة الشيطان: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين @ وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم @ ولقد أضل منك جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون) (يس).
ولا أخال أحداً يخالف في أن المسلمين بدأوا يعودون إلى دينهم، يتمسكون به ويَعَضون عليه بالنواجذ، ويفتخرون بإسلامهم الحق. الأمر الذي لم يكن موجوداً في بدايات القرن المنصرم نتيجة لعوامل شتى ليس هنا مجال ذكرها ما يجعل الوصول للغاية التي أمرنا الله أمراً جازماً أن نحققها في الحياة، مسألة وقت رغم كيد الكائدين، وتخاذل المتخاذلين، وهذه الغاية، هي ظهور الإسلام على الدين كله ولو كره الكافرون ولو مات بغيظهم المشركون، هذا بعد أن ظن الكافرون أن الإسلام ولّى، ولن تقوم له قائمة أبداً ولكن هيهات هيهات، فلم يعد الملتزمون يستحيون من تمسكهم بدينهم، ولم يعودوا يأبهون بنظرات السخرية والاستهزاء من قبل عبيد المال والشهوات والدنيا.
فهذه علامة على الصعود والنهوض، تبشر بالخير، ليتم الله وعده فهو عز وجل القائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر). وما يحفظه الله لن يضيع أبداً وهو القائل: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) (الأنفال). وهذه حقيقة لا بد أن تتحقق لأن قول الله لا يخالف الواقع أبداً وهو القائل: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (الصف)، وهو القائل: (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (النور)، وقال تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (الروم). فالأمة إذاً في طريقها للنصر حتماً.
ثانياًً: مراعاة السنن الكونية، وأسباب الظفر التي لا تحابي أحداً، فهي لا تعرف مسلماً من كافر، من أهملها ولم يأخذ بها ـ ولو ملك الحقيقة ـ خسر.
فالمسلمون مثلاً، إذا لم يدفعوا ضريبة العزة، وإذا تركوا الحلبة السياسية للأميركان والكفار اقتصاراً منهم على العبادة، والعلاقات الشرعية الفردية مع أنفسهم وخالقهم فقط على أهميتها في صقل الشخصية الإسلامية المميزة سيبقون في وضعهم المزري، وما لم يدركوا سنن التغيير الكونية ويتلبسوا بها عملاً نحو غاية محددة سيبقون في حلقات مفرغة يدورون فيها حتى يصيبهم الدوار والإعياء، فتحرير فلسطين يحتاج جهاداً حقيقياً لا أعمالاً فردية رغم أهمية دلالاتها على حياة الأمة والقضية، إلا أن الغاية وهي التحرير تحتاج أعمالاً تناسب مستواها. فلا بد من العمل على تهيئة أجواء الأمة لتحريك الجيوش رغماً عن حكامها الأدوات، والعمل على إقامة الخلافة ومبايعة حاكم مخلص لأمته لا لأعدائها، يحكمها بكتاب ربها سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً: ازدياد وعي المسلمين على الفرق بين الحضارة والمدنية أو بعبارة أخرى بين ما هو خاص بأمة من الأمم وما هو عام للبشرية جمعاء.
لقد ازداد وعي المسلمين على حضارتهم اعتزازا بها واحتقارا لما سواها، كيف لا وهم يملكون الحقيقة المطلقة رغماً عمّن يأبى ذلك من الذين يريدون العيش في هذه الحياة كيفما اتفق، دون بحث جدي عن حقيقة الوجود، تاركين لأهوائهم وشهواتهم قيادتهم فيها فصدق فيهم قوله تعالى: (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (محمد). فأدرك المسلمون أن ما عندهم حق قطعاً وما عند سواهم باطل قطعاً وأن الإسلام كامل غير منقوص لا يحتاج من يكمله، وفيه إجابات كاملة على كل ما يمكن أن يستجد من أمور ووسائل قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة/3)، وقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (النحل). وقد ازداد وعي المسلمين على ما يؤخذ وما لا يؤخذ من غير المسلمين، فقد مضى زمانٌ بلغ فيه الجهل منا مبلغه، عندما حُرمت الطابعة والتلفون وغير ذلك بحجة أنها من بضائع الكفر، في حين كان إدخال الأفكار والآراء الكافرة على مصراعيه، مفارقة عجيبة لا زالت موجودة ـ بشكل يقل نسبياً عما سبق ـ حتى الآن.
فما يجوز شرعاً أن نأخذه من الغرب أو من أي مكان لا نأخذه. مثل المخترعات، وأبحاث زيادة الإنتاج، والأبحاث العلمية، والتطورات الصناعية الحربية في حين نأخذ ما يحرم علينا شرعاً أخذه، من الأفكار المتعلقة بالحياة إذ أن المفاهيم العقدية والمفاهيم الحياتية ممنوع أخذها إلا من الإسلام، كشكل نظام الحكم والنظام الاقتصادي والاجتماعي ونظام العقوبات… ألخ، فالحيرة التي سادت قبل حوالي القرنين زالت عند المسلمين الواعين وهي في طريقها للزوال عند عامة المسلمين بفضل الله.
والغريب والعجيب الذي يجب أن يفكر فيه ملياً بقايا المضبوعين بالغرب منا، هو لماذا تصدر لنا دول الكفر مفاهيمها عن الحياة كموضوع الحقوق والديموقراطية. وتتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في شؤوننا لإبقائنا تحت سيطرتها، في حين أنها تمنع عنا الأبحاث والمخترعات الجادة المهمة كالأبحاث العسكرية. وترفض إلى درجة التهديد والوعيد انصياع حكام المسلمين الإمعات الأدوات إلى رغبة شعوبهم بإعلان الجهاد لإعادة الحق في فلسطين إلى أصحابه مع تبنيها أن الحكم للشعوب. وتتدخل في شؤون المسلمين الداخلية رغم ادعائها بحرمة ذلك دولياً. منتهكة بذلك حتى شعاراتها التي تتغنى بها.
وبفضل الله يتصاعد الوعي أيضاً عند الأمة الإسلامية عما كان عليه إبان انحطاطهم في القرنين الماضيين في مجال إدراك سنن التغيير وكيفية صناعته ودفع ثمنه، وفي مجال ما يجوز أخذه من الأشكال المادية والمخترعات التي هي عامة تخص الإنسانية جمعاء، وما يحرم أخذه من الأمور الخاصة بالعقيدة وما ينبثق عنها من الشرائع. فالإسلام ـ وما أدراك ما الإسلام ـ جعل المسلمين يفخرون بما عندهم من عقيدة تجيب على كافة تساؤلات الإنسان الفطرية إجابة تقنع عقله وتقر ما في فطرته فتملأ قلبه طمأنينة دائمة في جميع الأحوال. فعلى المسلمين استحضار تكنولوجيا الإنتاج والصناعات الحربية وجوباً، ولا تكتفي بتكنولوجيا الاستهلاك التافهة التي أغرقنا بها الكفرة عن قصد وتعمد، هذا إن أبيح أخذها فكيف ما حَرَّمت الشريعة أخذه وترويجه والدعوة والدعاوة إليه من المدنيات الخاصة بهم كأفلام الدعرة وما إليها مما تفرع عنه من مفاهيمهم الخاصة المنحطة إلى درك الحيوان. مع الاعتذار الشديد إلى الحيوان الذي يسير وفق هدى الله تعالى بحقه، دون انحراف قيد شعرة.
فاستعداد الأمة لدفع ثمن العزة والكرامة، وتحطيم الوهن الناشئ عن ضعف الإيمان وعدم الاكتفاء بجزء من الإسلام، بل العمل لتطبيقه كاملاً في دولة سلطانها يعتمد عليها حقيقة لا على دول الكفر هو أيضاُ من بشائر النصر، الذي بات قاب قوسين أو أدنى ـ إن شاء الله. فحديثنا عن الأمة الإسلامية وحالها الآن، لا عن بقعة هنا أو هناك، يجثم فوق صدرها منفذٌ لسياسة أعدائها، هو إلى زوال عما قريب إن شاء الله.
رابعاً: اعتماداً على قول الله، وقوله حق لا باطل فيه، وعلى قول رسوله صلى الله عليه وسلم ازداد وعي المسلمين الواقعي على أعدائهم، الغرب الكافر ويهود الملعونين الذين كشفهم الله لنا كشفاً لا لبس فيه ومن لم يكتشف حقيقتهم بناءً على كشف الله لهم، لكونه من مخلفات عصر النكبة والانحطاط، ومن أتباع الموضة الفكرية المستوردة كشف له الواقع المعاش الملموس حقيقتهم. ولو عاد المسلمون إلى قرآن ربهم لما احتاجوا إلى كل هذه المصائب، والدوران حول الذات في حلقة مفرغة، وضياع الأوقات في المراهنة على صداقة أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم من الكفرة الحاقدين علينا. قال الحق سبحانه: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) (البقرة/109).
فعودة المسلمين إلى التمسك بدينهم، عرفتهم حقيقة أعدائهم فاتخذوهم أعداء طاعة لله تعالى، إذ إن اتخاذهم أولياء حرام، كحرمة ترك الصلاة الواجبة وصوم رمضان، لا يكمل إيمان المسلم إلا به. وهكذا تبيَّن للمسلمين عظم الجريمة التي يقترفها الحكام من خنوع وتخاذل أمام يهود، وتسليماً ورضا بهيمنة أميركا التي يعبدها الحكام من دون الله ولا يعصون لها أمرا. قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (البقرة/120)، وقال عز وجل: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (المائدة/82)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين @ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) (المائدة).
والخلاصة أيها الاخوة الكرام… إن حال الأمة الآن في تمسكها بالإسلام ووعيها عليه إذا ما قيس بحالها عند هدم الخلافة يُري ويُؤكد ـ ولله الفضل أولاً وأخيراً ـ أن الأمة في طريقها إلى الخلافة الراشدة إن شاء الله تعالى، بعز عزيز أو بذل ذليل، تصديقاً لقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم : «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت» (رواه أحمد).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته q
ــــــــــــــــ
*(إحدى الكلمات التي ألقيت في جامعة النجاح ـ نابلس)
2001-06-11