العمليات الاستشهادية
2001/06/11م
المقالات
2,200 زيارة
تناقلت الأنباء فتاوى حول العمليات الاستشهادية التي يقوم بها بعض المسلمين ضد يهود في فلسطين المحتلة. بعض هذه الفتاوى أجاز مثل هذه العمليات إن كانت ضد العسكريين ولكنه لم يجزها إن كانت ضد المدنيين. وفتاوى أخرى تقول إن مفتيها لم يجد أدلة تجيز هذه العمليات ويخشى أن تكون قتلاً للنفس أي انتحاراً.
وقد جاءت هذه الفتاوى في غمرة تصعيد كيان يهود لعملياته في القتل والتدمير والتفجير في فلسطين. هناك اليهود يَقْتلون ويُدَمِّرون، وهنا تصدر فتاوى تشك أو تشكك في العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المسلمون دفاعاً عن أنفسهم بأسلحة بسيطة إذا ما قورنت بآلة يهود العسكرية المتخمة بالمعدات التدميرية الهائلة.
ونظراً لأهمية الموضوع فإننا سنبين الحكم الشرعي فيه ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة:
==================================
– إن أدلة قتال الكفار قد جاءت مطلقة وجاءت عامة في القتال دون تقييد بأسلوب معين أو تخصيص، فكل أسلوب أو وسيلة يستعملها المسلم في قتال الكفار تكون جائزة ما دامت قتلاً للعدو الكافر سواء أقاتلهم بالسلاح عن بعد أم اخترق صفوفهم وقاتلهم أم فتح حصنهم أمام أعينهم مخترقاً جندهم أم اندفع بطائرته وفجرها بين صفوفهم أم أصيبت طائرته فلم ينزل منها بالمظلة بل قادها وأسقطها وهو معها في تجمع لعسكر الكفار، وسواء أفجر نفسه في معسكرهم أم فجر حزاماً ناسفاً به وبهم، كل ذلك جائز ما دام وسائل قتالية ضد الكفار.
يقول سبحانه:(يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) (وقاتلوا المشركين كافة) (فقاتلوا أئمة الكفر) (كتب عليكم القتال). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فإن هم أبوْا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم».
هذه الأدلة وغيرها تأمر بقتال الكفار دون أن تقيد بأسلوب أو تخصص بوسيلة.
– أما الذين يقولون إن هناك فرقاً في قتال الكفار بالوسائل الحربية وبين قتال الكفار بتفجير المسلم نفسه فيهم وإن هذا الفرق هو أن قتال الكفار بالوسائل الحربية لا يجعل المسلم متيقناً من قتل نفسه أما تفجير نفسه في الكفار فهي قتل للمسلم يقيناً وهذا يشبه الانتحار، هذا القول خطأ من وجهين:
الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ دخول المسلم المعركة للقتال وهو متيقن أنه مقتول في المعركة لا محالة:
أ ـ في معركة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخٍ بخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قول بخٍ بخٍ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله. [أخرجه مسلم والإمام أحمد].
فعمير رضي الله عنه كان متيقناً أنه سيقتل في المعركة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ومع ذلك دخل المعركة وقاتل حتى قتل.
ب ـ في معركة أحد:
قال ابن إسحاق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم مَنْ رجل يشري لنا نفسه؟ فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ثم رجلاً يقتلون دونه.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رجل يشري لنا نفسه؟ أي أن المطلوب رجل يقاتل الكفار ويقتل يقيناً في المعركة بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
أما الوجه الثاني: فإن الانتحار هو قتل النفس يأساً من الحياة وليس تطلعاً إلى جنة عند الله ورضوان، وهو قتل للنفس وليس قتلاً للكفار، وهو إيلام فقط لنفس المنتحر وليس إيلاماً للعدو بقتله.
وأدلة الانتحار واضحة في ذلك.
وعليه فالفرق واضح بين تفجير المسلم نفسه لقتل العدو وبين قتل المنتحر لنفسه، ذاك إلى الجنة والمنتحر إلى النار، ذاك يقتل العدو بقتل نفسه والمنتحر يقتل نفسه دون علاقة بقتال العدو وقتله.
وانطلاقاً من هذا الفهم عند السلف الصالح كانوا يخترقون صفوف العدو يسارعون إلى الجنة شهداء في سبيل الله:
1 ـ أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن إسحاق قال: زحف المسلمون إلى المشركين حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها عدو الله مسيلمة فقال البراء بن مالك يا معشر المسلمين ألقوني عليهم فاحتُمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم على الحديقة حتى فتحها على المسلمين ودخل عليهم المسلمون فقتل الله مسيلمة.
وأخرجه البيهقي عن محمد بن سيرين أن المسلمين انتهوْا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين فجلس البراء بن مالك على ترس فقال ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط فأدركوه قد قتل منهم عشرة.
2 ـ أخرج أبو داود وغيره عن أسلم أبي عمران قال كنا بالقسطنطينية فخرج صف عظيم من الروم فحمل رجل من المسلمين حتى دخل فيهم فقال الناس ألقى بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال أيها الناس إنكم تؤولون هذه الآية هذا التأويل وإنما نزلت فينا معشر الأنصار… إلى آخر القصة حيث بين لهم أبو أيوب أن التهلكة ليست في هذا وإنما في الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الغزو.
وعليه فإن تفجير المسلم نفسه لقتل العدو هو جهاد للعدو كقتاله بأية وسيلة حربية أخرى بل قد يكون أهم وأعظم، وعندما يفجر نفسه في عمليات قتالية للعدو، يكون شهيداً بإذن الله ما دامت نيته صادقة خالصة لله.
l بقيت مسألة وهي ما جاء في بعض الفتاوى بأن العمليات هذه تكون استشهادية إن كانت فقط ضد العسكريين اليهود وليس ضد المدنيين.
إن المقصود بالمدنيين هنا هم الأطفال والنساء والشيوخ لأن الرجال القادرين على القتال في حالة الحرب الفعلية يقتلون سواء كانوا جنوداً نظاميين أو احتياطيين، ويبقى الموضوع متعلقاً بالأطفال والنساء والشيوخ على النحو التالي:
1 ـ أخرج أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صغيراً ولا امرأة» وهذا يعني أنه لا يجوز تَقَصُّد الأطفال والنساء والشيوخ الفانين، بالقتل، وذلك في حالة استعمال وسيلة قتالية لا تصيب إلا من تختاره أنت كأن تكون الوسيلة السيف أو بندقية أو ما شاكلها فلا يجوز أن يعمد المقاتل إلى طفل أو امرأة أو شيخ فانٍ فيقتله.
2 ـ فإذا كان العدو يستعمل أسلحة تدميرية تصيب المقاتلين والمدنيين ـ كما يفعله يهود حالياً في فلسطين ـ فيصبح استعمالنا للأسلحة التدميرية ومنها التفجير في عمليات قتالية للعدو، سواء أقتلت مقاتلين وحدهم أم معهم مدنيون، فإن ذلك يصبح مشروعاً طبقاً للآية الكريمة (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) .
3 ـ إن المرأة إذا كانت مقاتلة فإن قتلها جائز شرعاً، أخرج أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على امرأة مقتولة في غزوة غزاها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما كانت هذه لتقاتل» فهذا يدل على أنها لو كانت تقاتل لجاز قتلها، والمعروف أن مجتمع اليهود في فلسطين مجتمع مقاتل رجاله ونساؤه.
4 ـ إنَّ الشيخ الفاني إن كان فيه نفع للعدو كأن كان ذا رأي في الحرب أو تدبير لقتل المسلمين فإنه يجوز قتله. فقد أخرج البخاري من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيّف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه لأن نفعاً كان فيه للعدو وضرراً للمسلمين.
والخلاصة: إنّ تعمد قتل الأطفال والنساء غير المقاتلات والشيوخ الفانين الذين لا نفع فيهم للعدو، هذا لا يجوز شرعاً فإن كانت المرأة مقاتلة جاز قتلها وإن كان الشيخ فيه نفع للعدو جاز قتله.
وكذلك إذا كان العدو يستعمل أسلحة تدميرية كالمدافع والطائرات والصواريخ وامثالها يقتل بها مقاتلينا والأطفال والنساء والشيوخ جاز لنا استعمال الأسلحة التدميرية كذلك ومنها التفجير سواء أقتلنا بها مقاتلي العدو أم قتلنا معهم نساءهم وأطفالهم وشيوخهم.
وعليه فإن تفجير المسلم نفسه في عملية قتالية ضد كيان يهود في فلسطين، سواء أَنَتج عنها قتل مقاتلين أم قتل مقاتلين ومدنيين، فإن هذه العمليات تكون عمليات استشهادية ما دامت نية القائم بها صادقة خالصة لله.
وكلمة أخيرة نقولها إن العدو ليس فقط يقتل المدنيين عندنا بالتبعية للمقاتلين بل إنه يتقصد قتل المدنيين بأسلحة خاصة تصيبهم تحديداً كما صنع في قتل الطفل محمد الدرة وهو في أحضان والده. إن هذا العدو غادر لئيم، وقد جرَّأه على بطشه بالمسلمين تخاذلُ وخيانةُ الحكام الذين لم يحركوا جيشاً لقتاله فاستفرد بالمسلمين العزل في فلسطين.
نسأل الله سبحانه أن لا يكون ذلك اليوم بعيداً عندما يتوجه جيش الخلافة لاقتلاع هذا الكيان من جذوره بضربات قتالية تنسيه وساوس الشيطان فتشرد به من خلفه لعنف الضربات التي ستوجه له من دولة الخلافة (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) .
2001-06-11