كلمـة صـدق في مؤتمـر صـدق
2001/04/11م
المقالات
2,045 زيارة
نص الكلمة التي ألقيت في المسجد الأقصى خلال مؤتمر عقده شباب من حزب التحرير في أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد الرحال إليها ـ المسجد الأقصى ـ الذي لا يزال يرزح تحت الاحتلالات المتلاحقة بعد أن هدمت دولة الخـلافة الإسلامية قبل نحو ثمانية عقود.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونبرأ إليه من تخاذل حكامنا ونفاق علمائنا وسكوت أقوامنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ميراث السموات والأرض وهو على كل شيء قدير، المبدئ المعيد الغني الحميد الذي يحيي ويميت وإليه المصير، ربكم ورب آبائكم الأولين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ونبيه البشير النذير المبتعَث بالكتاب المنير لينذر يوم الجمع لا ريب فيه، فريق في الجنة وفريق في السعير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم بإتقان إلى يوم الدين.
أما بعد أيها المسلمون: أوصيكم وإياي بتقوى الله، فهي الوصية الثمينة، والغنيمة النفيسة، لا يوجد أفضل منها، ولا يعدلها مثلها، فالله سبحانه وتعالى يقول: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، وأحذركم من عصيانه ومخالفة أمره عملاً بقوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
و بعد أيها الناس: في مثل هذا اليوم قبل سبعة وسبعين عاماً تجلى الظلم في أبشع صوره على المسلمين عندما قرر اللعين مصطفى كمال وحزبُه إلغاء نظام الخـلافة الإسلامية واعتماد نظام علماني كافر مكانها يفصل الدين عن الدولة، ليقطفوا بذلك ثمرة جهود خبيثة متواصلة بذلها أسيادهم الكفار وأعوانهم القوميون الخونة طيلة قرن من الزمان ونيف لهدم دولة الخـلافة. ومنذ ذلك الحين غاضت أحكام الإسلام، وتعطلت كل الفروض المنوطة بالدولة، وأصبح القيام بالفروض المنوطة بالأفراد المسلمين اختيارياً، من غير رقيب ولا حسيب.
في مثل هذا اليوم سقطت آخر ورقة من أوراق العدل في الأرض، وعم الظلم أوساط المسلمين في الأرض، علاوة على كونه ظلمات يوم القيامة. فهذا الظلم الذي فعلته الطغمة التي كانت تحكم اسطنبول يشكل ذكرى أليمة يليق بنا إحياؤها، بل لا يليق بخير أمة أخرجت للناس أن تحيي غيرها حتى تعيد المياه إلى مجاريها وتعيد الحق إلى نصابه. وقد عدَّ الله هذا الظلم من أعظم ألوان الظلم في قوله تعالى: (ومن أظلم ممن ذُكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، إنا من المجرمين منتقمون).
أيها الناس: لسنا بحاجة إلى بيان آثار الظلم الذي حل بالمسلمين جراء تلك الجريمة، فالحال يغني عن المقال، ويكفي ما يعانيه أهل فلسطين وغيرهم من المسلمين في المناطق المنكوبة بحكامها جراء ذلك القرار الظالم. ولكننا نريد اليوم أن نحذر المسلمين من مغبة إعانة الظلمة، كما سنبين واجب المسلمين تجاه الظلمة، وكذلك منقلبهم المظلم كظلمهم. فالله سبحانه وتعالى يقول: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، فترك مصيرهم مجهولاً إمعاناً في تخويفهم. أما إعانة الظالم على ظلمه فهي من الأمور العظيمة التي يستخف بها بعض الناس اليوم، ولا يلقون لها بالاً، فيوغلون في إعانة الظلمة، ويربطون مصيرهم بمصيرهم، ويتكلون عليهم في سرائهم وضرائهم. فماذا يقول فيهم وفي أمثالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جاء في كتاب [الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع الهمذاني] عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله r قال: “من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيسٌ من رحمة الله عز وجل”. رحماك ربي! وأعاذنا الله وإياكم من ذلك المصير المظلم، فإذا كان الرسول r نفسُه لا يدخلُ الجنةَ إلا برحمة الله، فكيف بمن سواه من الناس؟ فمن أيس من رحمة الله، فالنار مثواه وبئس المصير. روى البخاري في تاريخه الكبير بسند صالح حديثَ: “من قرأ القرآن عند ظالم ليَرفع منه لُعن بكل حرف عشر لعنات”، وفي حديث صفوان بن محرز أنه كان إذا قرأ (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) بكى حتى نقول: قد اندق قَصصُ زوْره، وهو منبتُ شعره على صدره.
أيها الناس: يجدر بنا أن نتذكر مصير الظلمة والخونة وأعوانهم في التاريخ القديم والحديث. ففي القديم: فرعون وهامان وقارون عمالقة الحكم والسياسة والمال في مصر، أخرجهم الله (من جنات وعيون @ وزروع ومقام كريم @ ونعمة كانوا فيها فاكهين) (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين). وهناك في مكان يقال له المغمَّس، وهو موضع قرب مكة في طريق الطائف، مات أبو رغال دليلُ صاحب الفيل، وهو أبرهة الذي غزا الكعبة لهدمها، فمنع الله بيته، وكانت العرب ترجم قبره إذا مرت به إمعاناً في كرههم لصنيعه الجاسوسي وفعله الخياني. وفي التاريخ الجديد مصطفى كمال وحسين بن علي، أركان مؤامرة الإطاحة بالخـلافة، ومن جاء بعدهم من حكام على بلاد المسلمين المقسمة، وأعوانهم من رؤساء الوزارات والوزراء ومدراء المخابرات ورجالها والخدم الآخرين ما ظهر منهم وما بطن، أخذهم الله ولم يفلتهم، وأفضوا إلى ما قدموا من أعمال شياطين الإنس، حتى إن بعضهم قد توسل في آخر عمره للناس الطيبين الذين أمر بتعذيبهم كي يسامحوه، بعد أن تقاعدوا من إعانة الظلمة! وشاه إيران وشرطته السرية (السافاك) الذين زاد عديدهم عن خمسة وأربعين ألفاً هلكوا، وأعدم بعضهم في الشوارع بعد سقوط ذلك الطاغية. وسادات مصر، نظير شاور، جاءته رصاصات متوضئة، عرفت طريقها إلى نحره، لتحمله وكيدَه إلى منصة العدل الإلهي، بعد أن تبجح على منصة الظلم البشري وهو يستعرض قوته وملكه الجبري، ولا عجب، فمن مأمنه يؤتى الحذِر. وبالأمس القريب رأينا ماذا حل بما كان يسمى بجيش لبنان الجنوبي حيث انهار في ساعات بعد الاندحار الإسرائيلي. وتاريخنا اليوم حافل بالظلم والظلمة والخيانة والخونة، فمنهم من هوى وسقط غير مأسوف عليه، ومنهم من ينتظر مصيره المظلم عندما تحين ساعة الانتقام منهم ومن أعوانهم، فالمصير في الدنيا واحد، خزي وعار واتهامات بالفساد وتشتيت للأهل والمال والبطانة، ولعن ورجم وسوء ذكر، والمآل في الآخرة واحد، النار وبئس القرار.
أيها الناس: تلك هي جريمة الظلم وجريمة إعانة الظالم، وذاك هو مصير الظلمة في الدنيا والآخرة، وقد أعذر من أنذر. فتعالوا بنا، ونحن في هذه الليالي العشر المباركة، تعالوا بنا نتعرف على واجبنا اليوم حيال ما نرى ونسمع، بعد أن ثبت ثبوتاً حسياً قاطعاً أن المسلمين قد عجزوا ـ منذ أن هدمت خلافتهم حتى اليوم ـ عن حل أي مشكلة من مشاكلهم كونهم قد سلكوا سبلاً لا توصل، واتبعوا أمر فراعنتهم، وما أمر فراعنتهم برشيد، فازدادوا وبالاً فوق وبالهم، وذلاً فوق ذلهم، وخذلاناً فوق خذلانهم، وفقراً فوق فقرهم! فالمسلمون يعانون من ظلم شديد، وخيانة تاريخية، سواء في فلسطين أم في غيرها من بلاد المسلمين. ولكن الأضواء الإعلامية مسلطةٌ على فلسطين أكثر من غيرها، فظهرت مساحة الظلم والخيانة واضحة لنا وجلية. فالأحداث التي حصلت ولا زالت تحصل من قتل للنفوس وتدمير للبيوت والممتلكات، في صراع غير متكافئ، تم تفعيله على خلفية مؤامرة سياسية خبيثة، وما يعرف بعملية السلام، وسلام الشجعان، والتفاهمات المريبة، والأرض مقابل السلام، وغيرها من المصطلحات التي لا نعرفها في السياسة الحربية الإسلامية التي تبرأ الاعتماد على قوات الحماية الدولية أو التضرع لأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي، ورفع راية الوطنية وأعلام الكفر التي حددت ألوانها اتفاقيةُ سايكس بيكو! فالذي نعرفه أن الواجب على المسلمين اليوم عمله هو إزالة هؤلاء الطواغيت، ورفع سيطرتهم الجائرة على قوة المسلمين وسلطانهم، وتنصيب حاكم واحد بدلاً منهم يبايع على السمع والطاعة للحكم بكتاب الله وسنة رسوله r، ثم يعلن القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، واسترداد البلاد والمقدسات، وتحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وهذا هو المعنى الوافي لقول الرسول r: «فاستعن بالله وقاتلهم»، والتجسيد العملي لقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام: “فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال: الإسلام، فإن أبوا فادعهم إلى الجزية، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم”، وذلك بإعداد القوة وفق الاستطاعة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). واستطاعة المسلمين في مجال إعداد القوة تفوق قطعاً استطاعةَ أطفال الحجارة، وتمرد بعضِ رجال التنظيمات المسلحين. فمن أراد التأسي بالحبيب المصطفى r، قائد المجاهدين الأولين، فعليه بتنفيذ أوامره بدقة، والتزام تعليماته بقوة، ولْيستعنْ بالله بطاعته والحكم بما أنزل، ولْيقاتلْ أعداءه بما يستطيع من قوة. فإذا عطل أحدٌ شيئاً من قوته، فليعمل على الضرب على يده وتفعيل ما عطل. فكيف إذا عُطلت كافة طاقات المسلمين القتالية من قبل حكامها الظلمة والخونة والفسقة والكفرة؟ عندها يكون من أوجب الواجبات العمل لقلعهم وخلعهم، وسحب بساط الحكم من تحت أرجلهم، وليذهبوا إلى حيث ألقت، فإنا نريد خليفتنا وإمامنا ليطبق علينا شرع ربنا، ولا نريد رجالاً حالوا بيننا وبين ذلك عقوداً طويلة ذقنا خلالها الأمرين.
أيها الناس: يجب علينا أن لا ننسى أننا مسـلـمـون لا فلسطينيون ولا أردنيون ولا مصريون ولا غير ذلك من المسميات الوطنية أو القومية التي ما أنزل الله بها من سلطان. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا وهو الذي رزقنا، وهو الذي سيميتنا وهو الذي سيبعثنا من مراقدنا، وهو الذي سيحاسبنا ويملك القرار النهائي بشأننا هل إلى الجنة أم إلى النار سيكون مصيرنا، وهو الذي خاطبنا بالمؤمنين والمسلمين، بل وخير أمة أخرجت للناس، وخاطب غيرنا بالكفار والمنافقين والضالين المكذبين. فلماذا نختار لأنفسنا ألقاباً ومسميات غير التي اختارها لنا ربنا؟ أليست تلك الألقاب والمسميات هي التي أوردتنا المهالك وسلكت بنا أوعر المسالك، وجلبت علينا العار والدمار، وجعلتنا في ذيل الأمم، نستجدي قوتنا وكرامتنا ووقود سياراتنا ورفع الحصار عن مدننا وقرانا كي ننعم بأبسط الحقوق الإنسانية التي لن نحصل عليها أبداً ما داموا فيها، مع أننا خير الأمم عقيدة وشريعة وموقعاً وثروة وعديداً، ولكننا نفقد أهم شيء ألا وهو استقلالية قرارنا السياسي الإسلامي. ولا بد من استرداده طال الزمان أم قصر، رغم أنف كل المعاندين، ولن نترك الخونة والظلمة يعبثون بمصير خير أمة أخرجت للناس. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
إننا في الوقت نفسه الذي نعمل فيه لاسترداد كافة مفقوداتنا وعلى رأسها الحكم بما أنزل الله، وتنصيب خليفة، فإننا نحذر الظلمة وأعوانهم من المصير نفسه الذي لاقاه أسلافهم من الظلمة والخونة وأعوانهم أمثال أبي رغال وشاور والسادات وغيرهم ممن سُجلوا في صفحات التاريخ السوداء، ولا زال الناس الذين يحترمون أنفسهم وعقيدتهم يرجمونهم بالكلام الذي هو أقوى من الحجارة، ويدعون عليهم وعلى أمثالهم بالويل والثبور، ويستمطرون اللعنات الإلهية كي تنـزل على أرواحهم الشريرة، وتدمر مخططاتهم الماكرة. فاللهم إنا نضرع إليك وندعوك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا ونستجير بقوتك وجبروتك ونأوي إلى ركنك الشديد، يا من تجيب المضطر إذا دعاك وتكشف السوء، ندعوك ربنا أن تنتقم من الذين ظلموا المسلمين وآذوهم وقتلوهم وعطلوا قرآنهم وسنة نبيهم، وتآمروا عليهم وظاهروا على إخراجهم من ديارهم. اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بَدداً ولا تغادر اللهم منهم أحداً، اللهم وعجل لنا بفرجك وبنصرك وبقيام دولة الإسلام التي فيها حكمك، اللهم وفق العاملين المخلصين الجادين والهادفين لإقامتها، واجعلنا منهم وثبتنا في صفوفهم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
2001-04-11