إستراتيجية الغرب في بلاد المسلمين: خوف… وطمع
2012/07/11م
المقالات
2,387 زيارة
إستراتيجية الغرب في بلاد المسلمين: خوف… وطمع
أمجد النتشة
الأمة الإسلامية أمة غنية في إمكاناتها المادية لذلك يطمع الغرب بها، وأمة قوية بحضارتها لذلك يتخوف الغرب منها. وهذان السببان هما دافع الغرب لاستعمار المسلمين وإبعادهم عن دينهم.
يدرك المتابع للعلاقات الدولية أن هنالك حرباً يشنها الغرب على الأمة الإسلامية. وتتعدد التفسيرات لدوافع هذه الحرب بتعدد الأيديولوجيات ومقدار الوقوف على الواقع. ومن هذه التفسيرات تلك المتعلقة بالطمع والخوف. وإن كنا لا نجد خلافاً حول التفسير المتعلق بالطمع باعتبارها حرب مصالح إلا أننا قد نجد خلافاً حول التفسير المتعلق بالخوف. تحاول المقالة إثبات أن كلا البعدين يشكلان الركيزة الأساسية لعلاقة الغرب مع المسلمين من خلال إبراز العوامل التي تجعل المسلمين ندَّاً حقيقياً للغرب وطبيعة الغرب الطامع في بلاد المسلمين، وتتجنب هذه المقالة الحقبة التاريخية في الصراع، كما أنها محاولة للغوص في واقع الغرب الحالي دونما النظر إلى عبارات تصدر من مفكر غربي إلا إذا كانت تفسيراً لظاهرة أو أساساً لسياسة يسير عليها صناع السياسة في الغرب.
عند الوقوف على طبيعة الغرب لا بد من التمعن في الثقافة السائدة لديه ودراسة الاتجاهات المستقبلية فيها. وتتحدد ثقافة مجتمع ما حسب وصفهم من خلال النظرة التي يحملها حول نفسه والآخرين ومؤسسات الدولة والوطن والبيئة والكون. وعند تطبيق هذا الفهم على الغرب نجد أن الغالبية العظمى تميل إلى الترفُّه وتبتعد عن المسؤولية، كما تميل إلى العزلة والانفراد. وبلغ الشك لديها في مؤسساتها حداً كبيراً، فهي تحب أوطانها، وإن كانت تقر بوجود خالق للكون إلا أنه لا تجد لتعليماته شأن في حياتها. وهذه الثقافة ناجمة عن الفكر الرأسمالي. ونحن حين نذكرها لا لكي نحاكمها وإنما لإبراز ما أفرزه الفكر الرأسمالي خصوصاً ذلك المتعلق بالوجهة التي نطرحها.
فالأنانية أصل عندهم. خصوصاً عند أصحاب رؤوس الأموال -المسيِّرون للأعمال- ويتبنون مقولة “أن تكون أنانياً فهذا أمر حسن It’s good to be selfish” والأناني بنظرهم الذي يسعى لتعظيم منفعته المادية هو الذي يعمل على خلق الثروة، وعندما تقابلة أنانية فرد آخر فإنهما سيتنافسان ويبذلان أقصى ما لديهما، وبذلك يسهمان بتعظيم الناتج الإجمالي في البلد. وإذا اشتدت المنافسة أصبحا يبحثان عن دول أخرى لتكون سوقاً لهم لبيع ما ينتجانه أو لاستغلال موارده، خصوصاً إن كانت هذه الموارد بأيدى أناس لا يستحقونها من وجهة نظرهم.
أما عن الاتجاهات المستقبلية خصوصاً المتعلق منها بالنظرة إلى الكون، ينقل لنا العالم فيليب كوتلر عن توقعات العلماء بأن الأميركيين يسيرون في رحلة العودة إلى الإيمان بالخالق، فهم قد سئموا الحياة المادية (الكلاب تأكل بعضها) “Dogs eat dogs“ ويتمنون الاستقرار بأن يكون لديهم شرعة تحدد لهم الخير والشر، وأنهم يجدون ذلك في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية. وإذا ما تمعنا في واقع الأمر نجد أن الإسلام هو الذي له النصيب الأكبر. إن هذا الاعتراف يشكل نقطة محورية في إدراك حالة الخوف التي تنتاب صانعو السياسات في الغرب. فالغرب وبكل ما أوتي من إمكانات تراه عاجزاً عن إقناع أناسه، فما بالك وهو يحاول أن يقنع أناساً قد ذاقوا لذة الإيمان، ناهيك عن إدراكهم الحسي بحقيقة الاستغلال والكره التي يحملها لهم. فعراقهم دمرت على أيدي الغرب، وفلسطينهم اغتصبت، وسودانهم قسمت، وسيادتهم واقتصادهم سلبا. ورائحة مكر الغرب أزكمت أنوفهم، والكثير الكثير من الويلات التي حطت عليهم بفعل الغرب وعملائه.
فالغرب بما يمتلكه من مراكز أبحاث يدرك هذه الحقائق. فلذلك تراه قد وضع استراتيجية الإرهاب أو الحرب الاستباقية للنيل من مقدرات الأمة قبل أن تمتلك القوة العسكرية ولتشويه صورة الإسلام، فجرَّت عليه الويلات وأدَّت إلى نتائج معكوسة، وأقلها أنها زادت من عداوة المسلمين له، وزادت من إقبال الغرب على الإسلام. فلجأ إلى حيلة أخرى ليمسح بها آثار فعلته وهي إظهار الحرص على الإسلام والمناداة بأن نبحث سوية عن القواسم المشتركة ولا نلتفت إلى المختلف عليه، وجسَّدها بدعمه لحركات إسلامية تتبنَّى الإسلام الأميركي، أي إسلاماً ليس فيه حمل دعوة أو قيادة فكرية أو جهاد أو وحدة أو نظام حكم أو اقتصاد أو تعليم… بهدي من القرآن والسنة، أو فيه استقلال عن التبعية الغربية وأدواتها. وهو وإن نجح في جذب بعض هذه الحركات إلا أنه لم ينجح بأستمالة القواعد الشعبية لهذه الحركات ناهيك عن عامة الأمة الذين يعتزون بدينهم الذي يدعوهم إلى تحكيم شرع ربهم والحذر من مخالفة أمره والحذر ممن يتخذ شرعه هواه.
أما عن العوامل التي تمتلكها الأمة الإسلامية فنورد بعضاً منها:
1- العقيدة ذات الطابع السياسي والنظم المنبثقة عنها: فهي ترفض مقولة (ما لله لله وما لقيصر لقيصر). فآيات القرآن شملت الصلاة والعقوبات والجهاد وأحكام المال وغيرها. فلا يستطيع مسلم كائناً من كان أن يوقف حجية هذه الآيات. كما أن الآيات تتضافر حول وجوب تطبيق شرع الله، وتحذر وتحرم الأخذ ممن سواه. كما تفرضه على جميع الناس: مسلمهم وغير مسلمهم، أحمرهم وأسودهم، عراقيهم وأندلسيهم. فهي تشكل نداً لعقيدة الغرب ونظمه القائمة على الهوى. وقد أدرك صناَّع السياسات في الغرب ذلك. وفي مقابلة مع جورج شولتز مع إحدى القنوات الصينية أثناء زيارة له للصين، قال بأن علينا أن نتكاتف سوياً لنقف أمام الذين يحاولون تدمير النظام القائم وهو يعني المسلمين. وهذه النظرة تعبر عن رؤيتهم للإسلام بأنه جاء ليقتلعهم. فللمسلمين نظام مناقض لما يسير عليه الغرب. وأهله يعتزون به ويرفضون ما هو سواه. وعندنا شاهد في عهد النبوة كيف أن كفار قريش لم يحتجوا على من دعا إلى التوحيد كورقة بن نوفل، في حين أنهم حاربوا الرسول e الذي دعا إلى (لا اله إلا الله محمد رسول الله) إدراكاً منهم لطبيعة هذه العقيدة التي جاءت لتقلب ما هم عليه وتقيم دولة الإسلام القائمة على هدي من الله. وقد تحقق ما كانوا يخشونه حينما أقام الرسول e دولة الإسلام في المدينة.
2- العنصر الديمغرافي: عند المقارنة بين الغرب والمسلمين تجد بأن الغرب مجتمع هرِم (ageing population) متوسطات أعماره تقارب الـ 45 عاماً، ونسبة التكاثر فيه لا تصل إلى الحد الذي يحافظ على تعدادهم، فمثلاً دولة كألمانيا عدد سكانها يقارب الثمانين مليوناً، ونسبة التكاثر عندهم 1.3%، والنسبة المطلوبة لكي يحافظوا على عددهم، أي الثمانين مليوناً هي 2.5%، وهذا يعني بأن ألمانيا بعد عشرين عاماً ستصبح أربعين مليوناً، وبعد أربعين عاماً ستصبح عشرين مليوناً. صحيح أن ألمانيا سيظل تعدادها ثمانين مليوناً، ولكن هذا بفضل إحلال عناصر أجنبية في البلد وغالبيتهم من المسلمين. أما المسلمون فعندهم من الكثافة السكانية والحيوية الشبابية اللازمة للتنمية ما يكسبهم ميزة عن غيرهم من الأمم إن هم أحسنوا استغلالها. وهذا ما دفع بعضهم إلى التصريح علانية بأن المعركة القادمة معركة ديمغرافية.
3- الترابط الثقافي: فالأمة الإسلامية تربطها عقيدة واحدة ونظام واحد، ويقرؤون نفس القرآن ونفس الصحاح من الأحاديث ونفس التفاسير والمذاهب الفقهية هي ذاتها المنتشرة في جميع أرجاء بلاد المسلمين. فليس غريباً أن نرى المصري والمغربي واليمني يهبُّ لنصرة الأقصى، ويتأثر بما يحدث في سوريا، ويتفاعل مع موجة التغييرات الحاصلة في المنطقة. فالجميع فرح بإزالة الدفعة الأولى من الطواغيت، وتألم لما حدث في العراق والسودان، وفرح وهو يرى كيف أن أهل أفغانستان لقنوا الأميركيين درساً لن ينسوه أبداً. فهذا الترابط المشاعري والفكري يتجاوز الحدود المصطنعة، ويجعل الغرب يحسب لهم الف حساب، فأذا ما أساء لأهل فلسطين أو شتم النبي e أو حقَّر آية من آيات القران الكريم علم أنه بفعلته هذه قد استفز جميع المسلمين.
4- الاعتزاز الحضاري: يدرك المسلمون أن الإسلام منارة للعالم أجمع، طُبِّق ونجح في التطبيق، ساد العالم قروناً من الزمن وفي ظله انتشر العلم وساد العدل وجمع بين المادة والروح، فترى التاجر الحاذق أو الصانع الماهر أو المقاتل المغوار هو ذاته التقي العابد الورع. فلا تعارض في دينهم بين هذا وذاك. فهم ليسوا بحاجة إلى دساتير يستوردونها من الغرب، ولا ينبهرون من مواثيق لحقوق الإنسان وضعها حكماء العالم او منظمات دولية تدعي حل النزاعات ومساعدة الفقراء في العالم.
5- المكون الثقافي: تحتوي الثقافة الإسلامية على العديد من القيم التى من شأنها أن تجعل من اعتنقها أهلاً لقيادة البشرية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعدل والإحسان والإيثار والجماعة والخلافة والوحدة والنفع للعالم واستشعار المسؤولية عن البشرية جمعاء والتوكل على الله والطمع في الجنة ومرضاة الله والزهد في الدنيا والاستعلاء بالإيمان ووجوب الأخذ بالأسباب واستخفاف بالأذى الدنيوي إذا ما قورن بعذاب الآخرة واستنهاض الهمم وغيرها الكثير الكثير. فهذا حال المسلم، تراه زاهداً في الدنيا وعامراً لها ومؤتمناً على رسالة رب العالمين وعاملاً ومقتنعا بها وناشراً ومدافعاً عنها لا يعرف الأنانية أو الكسل، بل يعرف التضحية والإيثار وتحمُّل المسؤولية. غير آبهٍ بعرَضٍ دنيوي أو ببلاء عابر أو امتحان أو تحميص.
6- العامل الجيوسياسي: يقع العالم الإسلامي في قلب العالم، فهو يشرف على أهم الممرات المائية، ويمتلك أهم الموارد الطبيعية. فالقرن الأفريقي أحد أهم المواقع الجيوسياسية في العالم هو جزء من بلاد المسلمين. ولو ضربنا مثلاً على دولة كمصر فلو استخدمت مقدراتها المائية فإنها تستطيع أن تشكل خناقاً على من تسمى (إسرائيل) وتمنع البوارج الأميركية من الوصول إلى الخليج العربي، المنفذ الرئيس لأهم الثروات النفطية في العالم.
فالغرب يواجه أمة تؤمن بمبدئها وتمتلك من الخيرات المادية الخيالية، والموقع الجغرافي الذي منحها الله إياه، والعنصر البشري بكثافته وينعانه ما يفتقر اليه الغرب مما يجعل الغرب يهابها ولاهثاً وراء عدم تمكينها من عودتها إلى دينها عودة أصيلة.
2012-07-11