“حـق العـودة والتعـويـض” من النـاحية الشـرعية والسـياسـية
2000/11/11م
المقالات
1,711 زيارة
لم يتوقف الحديث عن ما سمي بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين الذين شردوا منذ خمسين عاماً ونيف أي منذ النكبة عام 48، فمنذ ذلك الوقت والجدال يدور حول هذه المشكلة، فاختلفت الآراء وتشعبت، وصدرت القرارات الدولية ورفضت ثم قبلت، وتحولت فيما بعد إلى نصوص تشريعية ومرجعيات فقهية يؤلفون على أساسها الكتب، ويكتبون المقالات، ويطلقون التصريحات، حتى إن رجال الإفتاء وشيوخ الحكومات أُقحموا في المعمعة، فتارة يحرمون، وتارة يحللون، وانشغل الرأي العام في هذه القضية. بينما إسرائيل لم تلق لها بالاً وضربت عُرض الحائط بكل القرارات الدولية وانشغلت بتقوية نفسها وبناء ترساناتها العسكرية والنووية الضخمة.
ولما هلّ أوان تصفية القضية الفلسطينية وانعقد مؤتمر كامب ديفيد 2 وشرعت أميركا بمباشرة عملية التصفية، وبدأت بإبراز معالم الحل طغت مسألة اللاجئين على السطح واعتبرت هي ومسألة القدس من المسائل الرئيسية التي طرحت على طاولة المفاوضات، ثم جاء الحل الأميركي لهذه المسألة يفوح برائحة المال والدولارات التي أسالت لعاب السياسيين الخونة من العرب والفلسطينيين، وأصبح الحكام العملاء والزعماء المأجورون يضربون أخماساً في أسداس، ويسعون للحصول على أقصى ما يستطيعون الحصول عليه من مال. وأضحى الحديث في هذه المسألة منحصراً في الحسابات والمصروفات والاستحقاقات والنفقات، وتحولت مسألة اللاجئين إلى مسألة مالية بحتة، وانتقل الحديث من تعويض الأفراد إلى تعويض الحكومات، ومن حق عودة شعب إلى وطنه، إلى حق عودة أفراد إلى وطن الأعداء. وهكذا مسخت فكرة التعويض والعودة ـ المغلوطة أساساً ـ وتحولت إلى فكرة مالية يساوم فيها على الربح والخسارة وإن خالطها معنىً رمزي للعودة.
وحتى هذا المعنى الرمزي للعودة فقد تأسس على فهم خاطئ ومضلل كرَّس حق اليهود في ملكيتهم لفلسطين، إذ بدلاً من الحديث عن عودة فلسطين إلى المسلمين أصبح الحديث عن عودة بعض اللاجئين إلى إسرائيل أو إلى أراضي السلطة. ولم يعد أحد من المتشدقين في وسائل الإعلام يتحدث عن عودة فلسطين إلى أصحابها الشرعيين، وإنما تحول الحديث إلى عودة اللاجئين إلى بيوتهم في إسرائيل وتحت حكم اليهود وسلطانهم.
إن هذا الواقع الخطير لهذه المسألة المهمة يتطلب فهمه فهماً دقيقاً، وإنزال الحكم الشرعي عليه إنزالاً صحيحاً، وبيان الرأي السياسي فيه، بحيث يكشف عن عمق المؤامرة التي تحاك من قبل أميركا وإسرائيل بتواطؤ من حكام العرب العملاء وخونة الفلسطينيين الأجراء.
فأصل المشكلة لا تكمن في عودة اللاجئين إلى ديارهم وبيوتهم وإنما في عودتهم إلى ديارهم وبيوتهم وتحت سلطانهم. أما إسقاط الحكم والسلطان من مفهوم العودة فهذا يعني إعادتهم تحت سلطان الكفار اليهود ما يكرس الاعتراف بحق إسرائيل في السيطرة على فلسطين، فطرح هذه المشكلة في الأصل كان مغلوطاً وذلك لتجاهله لسلطان أهل البلاد الشرعيين، وكان الخبث في فكرة العودة بمعزل عن السلطان بادياً في ذلك الطرح مع أن الأصل أن تقدم فكرة السلطان على فكرة العودة، ومن هنا كانت عبارة حق العودة والتعويض الواردة في القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن مخالفة للشرع ومحرمٌ قبولها وتداولها بين المسلمين وباطلة من أساسها وذلك للأسباب الأربعة التالية:
الأول: أنها صادرة عن ما يسمى بالشرعية الدولية بدلاً من الشرعية الإسلامية.
الثاني: أنها تتضمن الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين.
الثالث: أنها تكرس حق اليهود في الحكم والسلطان على أرض فلسطين المغتصبة.
الرابع: أنها ترجع بعض المسلمين من اللاجئين للعيش في ظل سلطان الكفار اليهود.
وهذه الأسباب الأربعة تجعل عبارة حق العودة والتعويض محرمة شرعاً وينطبق عليها قوله سبحانه وتعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).
هذا بالنسبة للعودة تحت سلطان يهود وبقاء كيانهم. أما بالنسبة للتعويضات فإن واقعها يدل على أنها عملية بيع رسمية وقانونية لأراضي فلسطين لليهود، لأن التعويض في حقيقته عبارة عن الثمن المقبوض لقاء التنازل عن ممتلكات الفلسطينيين وتمليك الكفار الحربيين أراضي المسلمين وهذا لا خلاف في حرمته عند كل العلماء، فما البال عندما تكون هذه الأراضي قد باركها الله تعالى؟
إن ما يعرف “ببطاقة المؤن” التي أعطيت للاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من فلسطين عام 48 هي بمثابة سند أو وثيقة تثبت وجود حق من عقار أو أرض في فلسطين لحاملها، وصرف التعويضات لحملة هذه البطاقات لا يعني شيئاً غير البيع، أي أن الذين يقبلون التعويضات من حملة البطاقات إنما يقبلون التنازل عن ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم لليهود. وعليه فحرام على كل فلسطيني أن يقبل التعويضات مهما كانت ظروفه صعبة، ومهما كانت الإغراءات المالية كبيرة.
وإذا استطاعت أميركا والغرب وإسرائيل ـ لا قدر الله ـ أن تحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين فيعني ذلك أنها استطاعت ببضعة مليارات من الدولارات أن تسلخ فلسطين من قلب العالم الإسلامي وأن تحوله بتفويض من أهل فلسطين إلى أندلس جديدة تحتاج إلى أجيال وأجيال حتى يتم استردادها وتحريرها من دنس الأعداء.
فحكم التعويضات إذاً هو الحرمة القطعية وواقعها وواقع العودة سياسياً على النحو المذكور تحت سلطان يهود، يعني في حال نفاذه، أن الكفار الذين لم يتمكنوا من سلخ فلسطين عن أصلها الإسلامي أيام الحروب الصليبية، استطاعوا فعل ذلك على يد اليهود وحكام العرب الخونة وزعامات فلسطين العميلة.
ولا يتأتى للكفار والخونة أن يتموا المؤامرة، ويغلقوا الملف، وينهوا تصفية القضية الفلسطينية بدون حلٍ لمشكلة اللاجئين، لأن حل هذه المشكلة يعني وضع التوقيع النهائي من قبل أصحاب الأرض الشرعيين على صك التنازل عن فلسطين، إذ لا يكفي توقيع الحكام على البيع بالنسبة للمالكين الجدد (اليهود)، بل لا بد من توقيع السكان أصحاب الأملاك، وبذلك تكتمل المؤامرة ويغلق الملف وتصفى القضية كما يشتهي الكفار الأميركان والأوروبيون واليهود.
أما إن رفض اللاجئون أخذ التعويضات فستبقى إسرائيل دولة غير قانونية وغير شرعية، ولن ينفعها حينئذٍ اعتراف الحكام والحكومات بها، لأن الكل يعرف أن هؤلاء الحكام هم مجرد عملاء خونة، وأن تلك الحكومات هي مجرد حكومات صورية وليست حقيقية تمارس سلطاتها ذاتياً، وبالتالي فلا الحكام ولا الحكومات يملكون تمثيل الشعوب.
وهكذا سيبقى وضع إسرائيل معلقاً حتى تحل مشكلة اللاجئين، لأن اليهود في الواقع بأمس الحاجة إلى توقيع أصحاب الأرض الأصليين، وهم في هذه الحالة اللاجئون الفلسطينيون.
فحذارِ ألف حذارِ أن ينزلق اللاجئون في منـزلق التوقيع الخياني الذي انزلق به الحكام السماسرة من قبل، لأنهم إن فعلوا ذلك وقبلوا بأخذ التعويضات فإنهم يكونون قد ارتكبوا محرماً من أكبر المحرمات، واقترفوا جرماً من أفظع الجرائم، ويكونون بذلك الصنيع قد شاركوا الحكام الخونة في الضلوع ببيع فلسطين رسمياً ونهائياً لليهود واستحقوا بذلك الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة. والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من مغبة مثل هذه الأفعال في قوله عز من قائل: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) .
2000-11-11