نصـيحـة لمسـلمي الغـرب
2000/10/10م
المقالات
1,779 زيارة
المسلمون الذين يذهبون إلى أوروبا وأمريكا، يدفعهم إلى ذلك في الغالب ثلاثة أمور:
الأول: الاكتساب أي السعي وراء لقمة العيش.
الثاني: الفرار من ظلم الأنظمة القائمة في بلدانهم.
الثالث: طلب العلم.
ولو أنعمنا النظر في هذه الأمور الثلاثة لوجدنا أن الغرب نفسه هو السبب فيها، إذ أنه بعد أن هدم دولتنا ـ دولة الخـلافة ـ استولى على خيراتنا ومنعنا من استغلالها ووضع لنا مناهج عقيمة لا توجد من يفكر تفكيراً منتجاً، وأقام أنظمة عميلة له تنفذ له سياساته التي تحول دون نهضتنا، وتضمن بقاءنا متخلفين، وتقمع كل من يسعى للتغيير، ووجد من أبناء الأمة أنفسهم من يعينه على ذلك، تدفعهم الحاجة إلى لقمة العيش، أو الجهل المطبق. وهذا الواقع صار على ظاهر الكف لا يكاد يخفى.
وعندما يذهب هؤلاء إلى الغرب يجدون بعض هامش من الحرية التي لم يكونوا يجدون في بلادهم، وفي الغالب يجدون أعمالاً يعتاشون منها، مع أنها تكون أحياناً شاقة ومهينة، ويجدون إلى جانب هذا وذاك ما يسمى بالعنصرية التي تظهر في مضايقتهم وأحياناً في قتلهم، ولو قلنا إن التعصب الديني هو الغالب لا العنصرية لما كنا بعيدين عن الصواب.
ولو وازنوا بين بقائهم في الغرب ورجوعهم لكان بقاؤهم هو الراجح، ذلك أن الساعي وراء لقمة العيش لا يفضل الرجوع إلى الجوع والبطالة، والفار بفكره لا يرجع إلى السجن والملاحقة ـ هذا إذا سلم من الملاحقة والتصفية في الغرب، والذي أنهى تعليمه إذا رجع لا يجد عملاً، وإن وجد فإنه يكون في غير تخصصه بدخل دون ما يصبو إليه. هذا كله في الأعم الأغلب.
وما دام الأمر كذلك، فإنهم سيختارون البقاء، وكما نسمع فقد بلغ تعدادهم عشرات الملايين، ومن الطبيعي أن ينشدوا الحصول على الاستقرار والعدالة والعيش الآمن. وسيجدون من يقول لهم بحسن نية أو بسوئها إنه ليس لكم إلا الانصهار في هذه المجتمعات بكافة مؤسساتها وأنظمتها، وتشكيل تجمع لكم على غرار تجمعات غيركم من الأقليات للمطالبة بحقوقكم ورفع الظلم عنكم. وهذا ببساطة سيؤدي إلى اندثارهم كجزء من أمة إسلامية وانتقالهم إلى أن يكونوا جزءاً من المجتمع الرأسمالي. ومهما كانت حالكم فإنه ينبغي أن لا تغيب عن أذهانكم الحقائق التالية:
الأولى: أنكم جزء من الأمة الإسلامية تعتقدون عقيدتها، والأصل فيكم أن تتقيدوا بما ينبثق عنها من أحكام وما يبنى عليها من أفكار، وأن مقياس أعمالكم هو الحلال والحرام لا المنفعة أو المصلحة.
الثانية: أن غياب دولتكم ـ دولة الخـلافة ـ هو السبب في شقائكم، وأنه عند عودتها ـ وهي عائدة بإذن الله ـ فالأصل فيكم أن تهاجروا إليها، وإلى أن تقوم عليكم حمل الدعوة إلى الإسلام بالقول والفعل. فحمل الدعوة إلى الإسلام لا يسقط عنكم أينما كنتم، ويجب أن تبقوا مميزين عن غيركم بإسلامكم كفعل جعفر وصحبه المهاجرين إلى الحبشة رضي الله عنهم، فقد ثبتوا على إسلامهم. وهذا يتطلب دوام التثقيف بأفكار الإسلام الصافي ومفاهيمه، ورعاية أهليكم رعاية تفوق رعايتكم لهم فيما لو كنتم في دار الإسلام، ذلك أن كلاً من الدولة والمجتمع في دار الإسلام يكونان عوناً لكم على تربيتهم ورعايتهم، بينما الدولة والمجتمع عندكم على العكس من ذلك.
الثالثة: ينبغي أن لا يغيب عن البال أن الدول الغربية هي التي هدمت دولتكم وفرقت جماعتكم، ولا زالت تحافظ على هذه الفرقة وتمنع رجوع دولتكم بشتى الأساليب، فمن السذاجة أن تركنوا إليهم، وتظنوا أنهم يأتونكم بخير.
الرابعة: إن الدول العميلة القائمة في بلدانكم إنما أقامها الكفار لخدمة مصالحهم وهي حرب على الإسلام وأهله، وهي لن تألو جهداً في ملاحقتكم لإفساد دينكم وتضليلكم عن الطريق السويّ، وستبذل الأموال والجهود لصرفكم عن الحق فتقيم المراكز وتبني المساجد وتنفق عليها وعلى القائمين عليها، فإياكم أن تنخدعوا بهم وبأبواقهم، بل إنها ستلاحقكم عن طريق الإنترنت والقنوات الفضائية، فلا تركنوا إليهم، واعرفوا عمن تأخذون دينكم.
الخامسة: أن حملكم للدعوة لا ولن يكون بديلاً عن حمل الدولة للدعوة، بل إن مجرد وجود الدولة سيعيد لكم احترامكم وهيبتكم، ويدفع الناس للدخول في دين الله أفواجاً، فالدعوة الفردية تدخل في الإسلام أفراداً، ووجود الدولة يدخل في الإسلام دولاً بالفتح وبدونه. ذكر ابن الجوزي في المنتظم من طريق الحجاج بن أرطأة قال: كتب ملك الهند إلى عمر بن عبد العزيز: من ملك الهند الذي في مربطه ألف فيل، والذي تحته ألف ملك، والذي له نهران ينبتان العود والكافور إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً أما بعد، فإني قد أهديت لك هدية، وما هي بهدية ولكنها تحية، وأحببت أن تبعث إلي رجلاً يعلمني ويفهمني الإسلام. وذكر ابن فضلان في رحلته قال: فلما كنا من ملك الصقالبة ـ وهو الذي قصدنا له ـ على مسيرة يوم وليلة، وجّه لاستقبالنا الملوك الأربعة، الذين تحت يده وإخوته وأولاده، فاستقبلونا ومعهم الخبز واللحم والجاورس، وساروا معنا، فلما صرنا منه على فرسخين، تلقانا هو بنفسه، فلما رآنا نزل فخرّ ساجداً شكراً لله جل وعز، وكان في كمّه دراهم فنثرها علينا، ونصب لنا قباباً فنـزلناها، وكان وصولنا إليه يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة عشر وثلاثمئة، فكانت المسافة من الجرجانية إلى بلده سبعين يوماً، فأقمنا يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء في القباب التي ضربت لنا حتى جمع الملوك والقواد وأهل بلده ليسمعوا قراءة الكتاب. فلما كان يوم الخميس واجتمعوا نشرنا المطرَدّيْن اللذين كانا معنا وأسرجنا الدابة بالسرج الموجه إليه، وألبسناه السواد، وعممناه، وأخرجت كتاب الخليفة، وقلت له: لا يجوز أن نجلس والكتاب يقرأ، فقام على قدميه هو ومن حضر من وجوه أهل مملكته، وهو رجل بدين بطين جداً. وبدأت فقرأت صدر الكتاب فلما بلغت منه سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو قلت: رُدّ على أمير المؤمنين السلام، فرد وردوا جميعاً بأسرهم، ولم يزل الترجمان يترجم لنا حرفاً حرفاً، فلما استتممنا قراءته كبَّروا تكبيرة ارتجت لها الأرض…
هذه الحقائق يجب أن تكون بديهية، والسؤال الذي يراود أذهان المخلصين منكم هو معرفة الموقف الأفضل ما هو؟ هل هو الرجوع إلى بلدانكم أم الإقامة حيث أنتم؟ وما المطلوب فعله؟
وهذا يحتاج إلى شيء من التفصيل، فالذي يتوقع أنه سيفتن في دينه إذا رجع كما فتن الذين رجعوا من الحبشة فلا شك في أنه يرخص له في البقاء حيث هو، مع بذل الوسع في المحافظة على دينه وإحسان رعاية أهله، والتثقف بالإسلام الصافي، وأن يكون مثالاً للمسلم الصادق في أقواله وأفعاله، وأن يصبر حتى يأتي الله بالفرج، فإن انتظار الفرج عبادة. أما الذين لا يتوقع أن يفتنوا فالأولى أن يرجعوا إلى بلدانهم للعمل مع العاملين للتغيير واستئناف الحياة الإسلامية، فإن آثروا البقاء فيرجى أن لا يكون عليهم حرج.
واعلموا جميعاً أن خلاصكم مما أنتم فيه لن يكون إلا بقيام دولة الخـلافة، وعندها ترجعون إلى حضنها، ويرجى لمن فرّ منكم بدينه أن تكتب له هجرتان، أما غيرهم فتكتب لهم هجرة واحدة وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئٍ ما نوى. فأكثروا من الدعاء وألحّوا على الله في المسألة ليعجل لكم الفرج، فالمسافر الغريب يرجى أن يستجاب له، فما بالكم إذا كان مظلوماً .
ع.ع.
2000-10-10