كلمة الوعي: مشـاركة الحـركات الإسـلامية في أنظمة الحكم الوضعية تسـويق للعـلمانيـة
2000/10/10م
المقالات, كلمات الأعداد
1,665 زيارة
تعرض بعض الحركات الإسلامية جواز فكرة المشاركة في النظم الوضعية، مثل غيرها، على قاعدة الدستور الوضعي الذي يجري كل شيء على أساسه. ونحن لا نريد هنا أن نبين حرمة المشاركة وعدم جوازها فحرمتها ثابتة معروفة، وإنما نريد أن نبين وجهاً آخر من أوجه الخطورة في المشاركة وهو أنها تسويق لعقيدة الكفر العلمانية، عقيدة فصل الدين عن الحياة، وأثر من آثار الغزو الثقافي الغربي للمسلمين؛ لذلك يقبل الغرب ويقبل حكام المسلمين التابعون له مثل هذا العرض من المسلمين بل ويشجعونه، إذ إن مثل هذا العرض يفقد أصحابه الجذرية في التفكير، ويجعلهم جزءاً من النظام الوضعي، قابلين له من حيث الأساس، تنحصر اهتماماتهم بالفروع، مثلهم في ذلك مثل أي طرف آخر غير إسلامي.
إن أصحاب هذا العرض ينطلقون في قبول فكرة المشاركة والعمل لها من منطلق التبرير العقلي والتحليل المنطقي، متأثرين بالواقع وغير مستندين إلى دليل شرعي. فهم يقولون إن الحكم بما أنزل الله فرض، وهذا هو الأصل، ولكن إذا كان الحكم المفروض على المسلمين هو حكم الطاغوت، والمسلمون ممنوعين من العمل لإعادة الإسلام إلى واقع الحياة، فهل نترك الحكم ونترك الآخرين يحكموننا… إن هذا عامل ضعف لا عامل قوة في عملية بناء المجتمع الإسلامي، فلا بد على سبيل الضرورة أن ندعم مركز المسلمين ونصل إلى مركز القرار ما أمكن. هكذا يقولون، ثم نراهم يضعون التبريرات التي يسمونها شرعية بليِّ عنق النصوص لتوافق ما سبق وقرّروه وعزموا عليه، قبل انتظار الدليل أو النظر فيه.
إن قبول هؤلاء المسلمين المشاركة، يعني أنهم قد قبلوا أن تنـزاح أحكام الإسلام عن الحياة، بحسب ما يقرره النظام الوضعي، القائم على فكرة فصل الدين عن الدولة، الذي قبلوا أن يشاركوا فيه وراحوا يعملون من خلاله، وقبلوا ما يقرره هذا النظام من أن مسألة الأحوال الشخصية فقط هي التي يسمح لهم بتطبيقها بحسب أحكام دينهم، وأن يمارسوا عباداتهم على قاعدة حرية المعتقد. وهكذا يكونون من حيث الواقع العملي قد قبلوا الفصل بين الدين والدولة، وشاركوا في تطبيقه، وتركوا ما هو مطلوب منهم ومفروض عليهم من أن الإسلام دين منه الدولة، وأن فيه تشريعاتٍ كاملة لحياة الإنسان.
ثم إن قبول هؤلاء بالمشاركة يؤدي إلى تغيير خطابهم السياسي والفكري، إذ يصبح منطلق الخطاب عندهم مصلحياً نفعياً، ويأخذ لوناً من ألوان النفاق الذي عليه أن يظهر بخطاب الحرص على مصلحة البلد والغيرة الوطنية. بالإضافة إلى أن قبول هؤلاء المشاركة يجعلهم يسكتون عن الدعوة للإسلام وأحكامه كإقامة الحكم بما أنزل الله والجهاد في سبيل الله، ويجعلهم يتوقفون عن الدعوة إلى تشريعاته وإقامة أنظمته في واقع حياة المسلمين، وعند حدوث أية مشكلة للمسلمين في البلد الذي يعيشون فيه لا يعرض هؤلاء الحلول الإسلامية، لأن عرضها يخالف الدستور، ويخالف ما أعطوه من العهود والمواثيق للمحافظة على الدستور الوضعي وتطبيقه، بل يعرضون الحلول من منظور نفعي مصلحي مثلهم مثل غيرهم ممن يشاركونهم في الحكم إن كانوا في الحكم، وكأية معارضة لا تلتزم بأحكام الإسلام إن كانوا خارج الحكم. كذلك فإن قبول هؤلاء بالمشاركة يجعلهم يساهمون في إبعاد فكرة الدولة الإسلامية والعمل لها عن أذهان المسلمين، وعند هؤلاء تتغير طبيعة الصراع بين الكفر والإيمان والتي ذكرها وكررها القرآن في مئات الآيات، ولا تعود سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عندهم للتأسي. وبدلاً من أن يخوضوا الصراع الفكري والكفاح السياسي مع الأنظمة التي تحكمهم بغير الإسلام ويكشفوا ما يخطط ويدبر للأمة بجرأة وصدق، ويبينوا زيف كل معالجة لا تقوم على أساس الإسلام، ويعملوا على كسب الرأي العام لدى المسلمين إلى جانبهم في صراعهم مع الأفكار الأخرى ومواجهتم للأنظمة الفاسدة… بدلاً من كل ذلك فإنه يحل محله خطب ود الأنظمة ومداهنتها ومهادنتها، والسكوت على كل آثامها بل والسير معها، وهكذا تتبدل الأهداف لدى هؤلاء، ويضيع الإسلام عندهم في زحام المصالح والمنافع والألقاب والمناصب.
إن السير بهذا الاتجاه، إضافة إلى أنه مخالف الشرع، فهو يحمل في طياته ضرراً فادحاً وتضليلاً واسعاً، لأنه يظهر الإسلام مثل غيره من الأديان يحوي فقط معالجات جزئية، تتناول علاقة الإنسان بنفسه وبربه دون علاقته بالناس أجمعين، مع أن الأصل في من يعمل للإسلام أن يصدع بالحق مبيناً أن الإسلام هو المبدأ الصحيح الذي أنزله الله رب العالمين ليُحكم به في الأرض، معالجاً مشكلات الإنسان كلها ومنظماً علاقاته بربه وبنفسه وبغيره، لا فرق بين ما يسمى (الأحوال الشخصية) وبين المعاملات المالية أو العلاقات الدولية، فكلها تنظمها الأحكام الشرعية سواء بسواء.
إن الدعوة إلى المشاركة هي شكل من أشكال انتصار فكرة فصل الدين عن الحياة، وهي دعوة تجعل المسلمين يسيرون في ركاب هذه الأنظمة بدل تغييرها، وهي دعوة محرمة شرعاً ومعصيتها كبيرة حتى ولو كان القائمون عليها مقتنعين أن الإسلام دين كامل شامل ومنه الدولة، لأن المسلم لا يجوز له أن يعمل بخلاف قناعته الشرعية، وإلا كان كالذي يكذب وهو مقتنع أن الكذب حرام، فهل تعفيه قناعته من الإثم؟ إن المسلم يجب أن يجتمع قلبه وعقله على إحقاق الحق وإنكار المنكر، وأن يكون ظاهره كباطنه، وفعله كقوله، وإلا كان من الخاسرين.
ويمكننا القول إن الغرب قد كسب جولته مع هؤلاء، واستطاع أن يضلهم عن الطريق المستقيم ويهديهم إلى طريقه الأعوج الضال. فالغرب الذي يؤمن بعقيدة (فصل الدين عن الحياة) يعمل على نشرها وفرضها على العالم أجمع ومنهم المسلمون. وعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذه العقيدة الفاسدة ويحذّروا عامة المسلمين منها لأنها تناقض دينهم الحنيف الذي يقوم على أساس الصلة بالله، صلة إيمان بكونه الخالق الذي ليس كمثله شيء والمدبر الذي أرسل نظاماً للناس، هو النظام الصحيح، كونه يعلم ما خلق. كما أن الإسلام يقوم على أنه هو الحق وأن ما عداه هو الباطل. والغرب يعلم أن العقيدة التي يقوم عليها الإسلام هي عقيدة سياسية تسيّر أعمال المسلم في كل شؤون حياته على أساس الإيمان بالله، وتدعو المسلم للعمل على إظهارها على الدين كله ولو كره الكافرون. وهذه العقيدة السياسية لا يقبلها الغرب، لأنها تناقض عقيدته في (فصل الدين عن الحياة) فهو يحاربها ويتعامل معها ومع القائمين عليها تعاملاً حادّاً لا هوادة فيه ولا رحمة.
إن هذا الفريق من المسلمين الذي يدعو إلى المشاركة عليه أن يعيد قراءة الواقع ويفهمه بشكل صحيح، وأن يعيد قراءة الشرع ويفهمه ويلتزم به مهما كلفه ذلك من تضحيات وبذل نفوس، فسلعة الله غالية وأجرها عظيم. وعليه أن يعلم أن كل من لم يسلك الطريق الشرعية في الفكر والعمل فلن يصل إلى نصر ربه، قال تعالى: (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم)
2000-10-10