لغز الحياة والموت (1)
جواد الزهيري
الحياة والموت لغز حارت فيه العقول، وراح الناس، مفكرون وعلماء، يحاولون معرفة كنهه، سواء من آمن منهم بالحياة بعد الموت أم من أنكرها. والشاهد على تلك المحاولات، الأموال الطائلة التي أنفقت، والجهود الكثيرة التي بذلت لمعرفة سر الحياة، لعل محبي الحياة يستزيدون منها بل يخلدون، ولعل كارهي الموت يؤخرونه عن أنفسهم لحظةً بل يردونه. وما درى هؤلاء وأولئك أن الروح هي سر الحياة، وأنها خارج حدود علمهم وسلطانهم.
يقول الحق جلّ وعلا:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)[الإسراء/85].
وإذا كان من غير الممكن معرفة سر الحياة وإدراك كنهها، فإن الرغبة على الأقلّ في مشاهدة كيفية عودة الحياة إلى الأموات أمنية كل إنسان، حتى الأنبياء الذين هم أشد الناس إيمانا بالله تعالى وأقواهم يقينا بقدرته.
فهذا إبراهيم، عليه السلام، يسأل ربه تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى.
قال تعالى:( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)[البقرة/260]. ومثل هذه الرغبة جاءت على لسان العزير، عندما مرّ على قرية (بيت المقدس) دمرت، فغابت عنها مظاهر الحياة، وأصبحت خاوية على عروشها.
قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)[البقرة/259]. فإبراهيم عليه السلام والعزير لم ينكرا أن الله هو المحيي المميت، وإنما هي رغبة بشرية لديهما في رؤية عملية عودة الحياة إلى الأموات. والدليل على إيمان ابراهيم، عليه السلام، بقدرة الله تعالى، جوابه على سؤال الله تعالى له: «قال: (أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)[البقرة/260]. وطمأنينة القلب التي ينشدها إبراهيم، عليه السلام، هي في رؤيته عملية الإحياء أمام ناظريه، فيتحقق له، بجانب الخبر اليقين بإحياء الله للموتى، عين اليقين في رؤية عملية الإحياء ذاتها. وكذلك العزير يؤمن بأن الله قادر على أن يحيي الموتى كما تدل على ذلك الآية الكريمة: (قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ). فهو يقر أن الله قادر على أن يحيي القرية أي أهلها، بعد موتها، ولكنه راغب في معرفة كيفية عملية الإحياء ذاتها، ولذلك فإنّ الله تعالى أجاب كلاًّ منهما سؤله كما بينت ذلك الآيتان الكريمتان، فأجاب الله تعالى إبراهيم عليه السلام: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة/260]. فامتثل إبراهيم عليه السلام لأمر ربه بأن ذبح أربعة طيور، يقال إنها من أجناس مختلفة، ومزج لحومها وعظامها ودماءها وريشها، ووضع على كل جبل جزءاً من هذا المزيج، ثم دعاهن إليه، فإذا أجزاء كل طائر تتطاير عن هذه الجبال، لتعود الطيور الأربعة حية كما كانت، وتذهب ساعية اليه.
وأجاب الله تعالى سؤال العزير بأن أماته وحماره مائة عام ثم بعثه حياً، وأراه بعينيه عملية عودة الحياة إلى حماره كما تقول الآية الكريمة: (فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة/259].
ولكن هذا التساؤل عن الحياة لا يكون دائما لمعرفة سرها، ولا لمعرفة كيفية عودتها إلى الأموات، بل هناك من يتساءل عن ذلك منكرا عودة الحياة إلى الأموات مطلقا، ولقد سجل القرآن الكريم هذه التساؤلات الاستنكارية، ورد عليها.
يقول تعالى: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)[يس/78].
وهذا اشارة الى ما صنعه العاص بن وائل، إذ أخذ عظما ففتّه بيده وقال لرسول الله r: أيحيى الله هذا بعد ما أرى؟ فقال رسول الله: «نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم»، فسجل الله مقولته ورد عليه، قال تعالى:( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[يس/79]، أي أليس الله تعالى الذي خلق الأشياء، من عدم، وبعث فيها الحياة، بقادر على أن يعيد إليها الحياة بعد موتها؟ كما يظهر ذلك جليا في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى @ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى @ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى @ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى @ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى)[القيامة/36-40].
وهناك العديد من الآيات الكريمة، التي تخبر عن إنكار الكافرين للبعث والنشور، وترد عليهم قال تعالى: (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ @ أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ)[الواقعة/47-48]. وقال تعالى: (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا @ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا @ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)[مريم/66-68].
وقال تعالى: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ @ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)[السجدة/10-11]. بل راح بعض الكافرين يجزم دون علم ولا برهان، أن الله، وقد آمنوا به، لن يبعث الأموات من جديد، كما يخبر الله تعالى عنهم بقوله: ( وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[النحل/38]. قال تعالى مخبراً عن إنكار بعض الكافرين ليوم البعث، بعدما حذرهم منه رسل الله تعالى اليهم: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ @ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ @ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)[المؤمنون/35-37].
الحياة والموت بيد الله تعالى
لا يخفي الناس إعجابهم بمظاهر الحياة من حولهم، تغمر قلب الأم فرحة عارمة عندما تحس لأول مرة بحركة الجنين في رحمها. وتأخذ الزوجين النشوة عندما تقع أعينهما لأول مرة على مولود لهما. ومنظر كتكوت يخرج من بيضته، وبرعم ينمو من بذرته، ووردة تتفتح عن أكمامها، وعود يابس تنبثق البراعم الصغيرة من عُقَلِه، مشاهد لحياة جديدة، اعتاد الناس رؤيتها، ولكن القليل منهم من وقف هنيهة يتأملها، ويتدبر عظمة الخالق الذي أودع الحياة في هذه المخلوقات.
ولم يدّع أحد أنه قادر على أن يبعث الحياة في هذه المخلوقات إلا جاهل يتلاعب بالألفاظ، كالذي حاجّ إبراهيم، عليه السلام، وادعى أنه قادر على أن يحيي ويميت. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)[البقرة/258].
ولقد جاءت عشرات الآيات في القرآن الكريم تؤكد بشكل قطعي أن الله تعالى هو المحيي والمميت، وأن الإيمان بذلك من مقتضى الإيمان بالله تعالى.
وجاءت بعض هذه الآيات تؤكد هذا المفهوم العَقَدي بشكل تقريري، كما في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ)[ق/43]. وقوله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى)[يس/12].
وقوله تعالى:( وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ)[آل عمران/156]. وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ)[التوبة/116]. وقوله تعالى: (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى)[الشورى/9]. وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)[الروم/40]. ويقول تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)[الزمر/42] ويقول:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً)[آل عمران/145].
وفي سياق القصص القرآني بشأن نبيّ الله داود عليه السلام يقول تعالى:( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ)[سبأ/14]. وقوله تعالى: (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الزمر/42]. وقوله: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ)[الواقعة/60]. ووردت آيات أخرى كثيرة، تلفت نظر الإنسان إلى ما حوله، ليتفكر في ذلك ويتدبر، حتى يكون إيمانه بالله تعالى المحيي المميت إيمانا راسخا.
قال تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ)[فاطر/9]. ويقول سبحانه: (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[النحل/65]. ويقول سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف/57]. ويقول سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ @ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ @ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الروم/48-50]. وقوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[البقرة/164].
ونلاحظ في هذه الآيات الكريمة كيف يعقد القرآن المقارنة بين إحياء الله تعالى للأرض الميتة، وهو أمر جلي بيّن لكل ذي عينين، يتكرر حدوثه كل عام، وبين إحياء الموتى من البشر يوم القيامة، وهو أمر لم يقع بعد، ولكنه لا بد واقع. ونجد ذلك في قوله تعالى: ( كَذَلِكَ النُّشُورُ)، ( كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى)، ( إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى). ويعرض القرآن الكريم نماذج من أحداث، تجسد قدرة الله تعالى في إحياء الموتى، منها ما جاء معجزة وقعت على يد بعض الأنبياء، ليقيموا بذلك الحجة على نبوتهم وصدق رسالتهم. فيقول تعالى في وصف عيسى ابن مريم عليه السلام: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران/49].
ويضع الحياة في عصا يابسة، فإذا هي حية تسعى، آية معجزة يعطيها الله لرسوله موسى، عليه السلام، كما في قوله تعالى: ( وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى @ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى @ قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى @ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)[طه/17-20]. وما أرى الله تعالى إبراهيم والعزير من قدرته في إحياء الموتى، وأراهما عملية الإحياء ذاتها استجابة لسؤالهما له.
ومن آيات قدرة الله تعالى في إحياء الموتى، التي يعرضها القرآن على أسماع الناس واضحة جلية، كما عرضها أمام أعين الناس يوم حدثت قوية باهرة، قصة قتيل بني اسرائيل الذي لم يُعلَم قاتله. فأمر الله تعالى موسى، عليه السلام، أن يأمر قومه بذبح بقرة، فعجب قومه من ذلك الأمر وظنوه يهزأ بهم، ولكن بعد طول مماطلة وتلكؤ ذبحوا البقرة. ثم أمرهم الله تعالى أن يضربوا الميت ببعض أجزاء البقرة المذبوحة، وما أن فعلوا ذلك حتى عاد قتيلهم إلى الحياة، وأنبأهم باسم قاتله. وفي هذا يقول القرآن الكريم: ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[البقرة/73]. وكذلك قصة أولئك القوم الذين بلغوا الآلاف في تعدادهم، ويقال إنهم من بني إسرائيل، وقد حل بأرضهم الوباء فخشوا على أنفسهم من الموت، فغادروها ملتمسين النجاة منه في أرضٍ غيرها. فأماتهم الله في الطريق. ثم مر بهم أحد أنبيائهم، وهم موتى، فدعا الله تعالى أن يحييهم فأحياهم. وسجلها القرآن للناس آية من آيات الله تعالى، ودرسا لكل ذي لُبٍّ اَلا مفرَّ من الموت ولا نجاة منه. قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)[البقرة/243] .
[يتبع]