قمة حكام العرب قمة في التخاذل والتآمر
إذا أُجري استفتاء لشعوب البلدان العربية حول جدوى عقد مؤتمرات القمة العربية، لما اختلف اثنان من المشاركين فيه في الحكم على عقم هذه المؤتمرات، ولربما كانت نتيجة مثل هذا الاستفتاء هي الوحيدة في العالم التي تحقق نسبة 100% بجدارة.
لقد تكوَّن بين الجماهير العربية، وعلى مر عشرات السنين، عرف عام راسخ، ورأي عام كاسح، حول هذه المؤتمرات، يصمها بالفشل، ويقطع باستحالة تحقيقها للأهداف، ويحكم على المؤتمرين بالعجز والتآمر.
وما زال هذا الحكم العام للجماهير العربية عن المؤتمرات يتأكد كلما انعقد مؤتمر جديد، وما زالت مؤتمرات القمة المنعقدة تُوثق مهاترات الزعماء، واختلافاتهم السياسية والشخصية الناتجة عن اختلافات ولاءاتهم ومصالحهم.
وبالمحصلة، فإن المؤتمرات العربية ما زالت تكرس سياسات العجز والخنوع، والتجزئة والتشرذم، والتبعية والتآمر، حتى غدت هذه المؤتمرات مهزلة من أكبر المهازل، بحيث حوّلت صورة الشعوب العربية المسلمة الأبية إلى صورة أخرى مغايرة وعكسية، وأحالتها إلى أضحوكة بين الأمم.
ومؤتمر القمة العربي الأخير الذي عقد في تونس ليس بدعاً من المؤتمرات، فلا يختلف كثيراً عن سوابقه لا من حيث الشكل ولا المضمون.
أما من حيث الشكل فقد احتوى على ديباجات كلامية مألوفة في ابتذالها بحيث تبدو مملولة مكررة ترهق من يقرأها. وأما من حيث المضمون فإن متن نصوصها خلا تماماً من أية أفكار ذات دلالة يوضع عليها الأصبع، وهي بذلك بدت وكأنها نسخة جديدة مطورة عن المؤتمرات السابقة.
ولكن، ومهما كانت المؤتمرات مستنسخة عن سابقاتها، إلا أنه لا بد من العثور على جديد فيها يميزها عن غيرها، وجديد قمة تونس الأخيرة ظهور تراجعات خطيرة، وتخاذلات فظيعة علنية لم يوجد لها مثيل في السابق، حيث كانت التخاذلات والمؤامرات يسدل عليها ستار من السرية، أما في هذا المؤتمر فإن هذه التخاذلات يتم الإعلان عنها. ونستطيع أن نرصد في هذا المؤتمر عدة تخاذلات جديدة منها:
1- إدانة قادة المؤتمر للعمليات التي تستهدف المدنيين دون تمييز، وهذه سابقة تحدث لأول مرة في مؤتمرات العرب، إذ جَبُنَ المؤتمرون عن مجرد إدانة قوات الاحتلال الإسرائيلية بالقيام بما قامت به، وتقوم، من مجازر ومذابح يومية تستهدف الفلسطينيين العزل، وما تقوم به من هدم للمساكن، بصورة منتظمة، غير مبالية بإدانات المجتمع الدولي، الذي اضطر أن يدين هذه الممارسات الإسرائيلية المفضوحة على استحياء، حتى إن أحد وزراء حكومة شارون (تومي لابيد) أدان هو الآخر قيام الجيش الإسرائيلي بجرف البيوت وتشريد الأهالي وقتل الفلسطينيين في رفح، بينما لم يجرؤ قادة العرب على إدانة الجيش الإسرائيلي وذكره بالاسم، واستعملوا ديباجة من القول، تدين استهداف المدنيين بشكل عام، ودون تمييز، أي دون تخصيص اليهود بالإدانة، وساووا بذلك بين دماء الفلسطينيين المدنيين التي تسفك غدراً و ظلماً وعدواناً، وبين دماء بعض جنود اليهود المعتدين.
2- عدم إقدام الزعماء العرب على إدانة أميركا التي مارست كل أنواع التقتيل والتنكيل بالعراقيين، حتى ولو بكلمة واحدة، فقيام الطائرات الأميركية بقذف حممها على أبرياء في حفلة عرس، وحرقها للعشرات منهم، وقيام الجنود الأميركيين بتعذيب السجناء العراقيين بأشكال من التعذيب يندى لها جبين البشرية، وما شابه ذلك من أعمال إجرامية ووحشية ترتكبها أميركا صباح مساء في العراق، لم يستأهل ذلك كله من مؤتمر القمة مجرد إدانة أو استنكار؟!.
لقد أدانت معظم دول العالم ما اقترفته القوات الأميركية من انتهاكات وجرائم في العراق، فما الذي منع الدول العربية أن لا تدين تلك الانتهاكات والجرائم في قمتها؟!!.
ألهذه الدرجة من الخوف والتبعية والاستكانة لأميركا بلغ مستوى هؤلاء الرويبضات من حكام العرب؟؟!!.
3- قَبِل حكام الدول العربية صاغرين بحث مسائل الإصلاح والتي أمرتهم أميركا ببحثها وهم لها كارهون، فخرج في البيان الختامي وفي وثيقة ما يسمى بالعهد بعض بنود من الإملاءات (مشروع الإصلاح الأميركي) من مثل منح المرأة حقوق من أجل إخراجها عن حشمتها ووقارها إرضاءً لأميركا وإفساداً للمجتمع.
4- جاء في البيان الختامي للقمة “تضامن الدول العربية مع جمهورية السودان، والتأكيد على وحدة جمهورية الصومال، والحرص على تكريس الوحدة الوطنية في جمهورية جزر القمر (والملاحظ في هذه المعاني مراعاة المخططات الأميركية المتعلقة في تقسيم السودان، حيث جاء النص عاماً مبهماً غامضاً “تضامن الدول العربية مع جمهورية السودان) فلم يورد النص كلمة (وحدة السودان) وهذا مقصود، لأن الوحدة غير واردة بعد بدء مفاوضات تقاسم السلطة في السودان برعاية أميركية، بينما جاء النص واضحاً عند الحديث عن الصومال حيث قال (التأكيد على وحدة جمهورية الصومال) لأن عدم توحيد القبائل والمناطق الصومالية أدّى إلى عدم استقرار الوضع في الصومال، وأدّى بالتالي إلى عدم استفادة أميركا من الصومال، لذلك فمن مصلحة أميركا الآن السعي لتوحيد الصومال من أجل السيطرة عليه، ونهب ثرواته الطائلة، والتحكم في القرن الأفريقي الاستراتيجي.
5- وأما الابتداع الأخير الذي خرج به المؤتمر فهو اعتماد توقيع وزراء الخارجية على البيان، وليس توقيع رؤساء الوفود، واكتفاء الرؤساء بالتأشير لا بالتوقيع، وهذه البدعة الجديدة تدل على مدى التشرذم الذي وصلت إليه أحوال الدول العربية، وتدل أيضاً على مدى الهزال الذي آلت إليه هذه الدول، التي كان يفترض أن تكون مؤتمراتها –في أسوأ أحوالها- باعثاً على التضامن والتقارب، بينما نجدها بعجزها على توقيع رؤسائها على بياناتها الختامية، دافعاً على التفرق والشعوبية والانقسام، حيث أصبحت نغمة المشرق العربي والمغرب العربي، وأن لكل منهما خصوصياته، نغمة مألوفة يُراد جعلها رأياً عاماً.
إن مؤتمرات القمة العربية هذه تعيد تأكيد حقيقة أن الجامعة العربية ما وُجدت إلا من أجل تفريق الشعوب، وتكريس انفصال الدول العربية عن بعضها بعضاً، وإذا كان وزير خارجية بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي دعا إلى إقامة الجامعة العربية، فهل يُتصور أن يكون حالها أفضل من هذا الحال؟!.
لا يُتصور ذلك أبداً، لأن بريطانيا، ومن بعدها أميركا، أرادت من الجامعة أن تكون مفرقة للعرب، مبعثرة لطاقاتهم، فهي مشروع استعماري حقيقي لا يقل خطورة عن مشروع إقامة الكيان اليهودي، وهو – أي الجامعة العربية – مثل الكيان اليهودي تماماً، يهدف إلى ضرب وحدة العرب والمسلمين، وإلى تمزيق وحدتهم، وإلى تحويل دولهم إلى رهائن ودمى للكافر المستعمر يستخدمها كيف يشاء في الوقت الذي يشاء.
لذلك كان لزاماً على العرب أن يتخلصوا من هذه الجامعة التعيسة التي لم تجلب لهم وحدة ولا قوة ولا تضامن، لقد قتلت هذه الجامعة حتى الأمل في نفوس العرب بالوحدة، لذلك كان واجباً أن تقوم هذه الشعوب بنفسها بتحطيم الجامعة العربية، وإسقاط رابطة القومية العربية العفنة التي أثبتت على مدى السنين بأنها رابطة جاهلية رجعية لا تنتج إلا الهزائم والنكبات، ولا تثمر إلا الاستخذاء والاستجداء لأميركا والدول الكبرى.
والبديل موجود جاهز، وهو دولة الخلافة الإسلامية التي تجمع المسلمين على أساس الاخوة في الدين، ولا تقيم وزناً للنعرات الجاهلية، والدعوات العصبية التي أذاقت العرب والمسلمين صنوفاً من المعاناة والبؤس والشقاء طيلة العقود الماضية.
فإلى إقامة دولة الخلافة ندعوكم أيها العرب والمسلمين
أبو حمزة الخطيب – القدس