هـدمُ دولـةِ الخِـلافةِ ـ أُمُّ الجـرائِـم
2000/06/08م
المقالات
1,947 زيارة
(محاضرة ألقاها الأستاذ عصام عميرة في جامعة النجاح بنابلس في 15/04/2000 بدعوة من كتلة الوعي بالجامعة)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: أيها الحضور الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
قبل ثمانية وسبعين عاماً حسب التقويم الهجري حلت بالمسلمين كارثة كبرى، وارتكبت بحقهم وحق الأجيال التي تعاقبت بعدها جريمة بشعة يمكن تسميتها بحق أمِّ الجرائم. إنها جريمة هدم دولة الإسلام، وجريمة إلغاء نظام الخلافة الإسلامية التي أطاحت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من سدة الحكم والمرجعية عند الأمة الإسلامية. ولقد حل بالمسلمين جراء ذلك غضب مزدوج سماوي وأرضي، عُطِّلَ شرعُ الله في أرضه، فغضب عليهم وسلط عليهم الجدل وقلة العمل، وسد عليهم منافذ التقدم، وحرمهم العزة والكرامة، وجعل بأسهم بينهم شديداً، وأوكل أمرهم إلى أعدائهم فأخذوا كثيراً مما في أيديهم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاًوَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جبْرِيلَ إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلانًا فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ).
وبما أنه قد ثبت لدينا أن بعض المسلمين قد شارك في أم الجرائم تلك، وكثير منهم قد سكت ورضي بما جرى وتابع، فما يدرينا أن يكون الله تعالى قد نادى جبريل عليه السلام فقال له إني أبغضت هؤلاء القوم فأبغضهم، فنادى جبريل في السماء بالقرار الإلهي فتحركت الملائكة للتنفيذ، فرُفِعت الحصانة، وزالت الحماية، ونُزعت البركة، وقلَّ قطر السماء، ووضعت ملائكة النصرة أسلحتها غير عابئة بنداءات الاستغاثة التي تنبعث من المكروبين والمحاصرين والمظلومين حيث انعدمت شروط الإجابة. ونشطت في هذه الأجواء القاتمة مردة الجان وقادة الشياطين، وانتشرت فرق الوسواس الخناس من الجنة والناس.
أيها الحضور الكرام: هذا طرف من الغضب السماوي، ولا يملك أحد أية إحصاءات عن حجم السيئات التي سجلت، والخسائر التي حصلت جرّاء هذا الغضب. أما الغضب الأرضي فآثاره محسوسة، ونتائجه لا تخطئها عين مبصرة. فظهور الكفار على المسلمين وتجزئة بلادهم ونهب خيراتهم، ليس أقل من قتل نفوسهم وتشريد شعوبهم والتنكيل بهم. ولم يحمل تاريخ المسلمين في طياته صفحة أكثر سواداً ولا أشدَّ سوءاً من تلكم الصفحة التي تحكي تاريخهم المخزي منذ هدم الخلافة إلى يومنا هذا. فالمسلمون قد تنـزلت عليهم البغضاء من السماء إلى الأرض، فسامهم أعداؤهم سوء العذاب، ونكلوا بهم أشد التنكيل ولا يزالون، وجعل الله بأسهم بينهم شديداً، وعملت فيهم سنة الخلاف والتدابر والفرقة على نحو قلما شهد له تاريخ أسلافهم مثيلاً. وبناءً على ما تقدم فإني أقول: إن الخطب جلل، والمصيبة كبيرة، والعمل المطلوب ضخم في حجمه، كبير في أجره، صعب أداؤه، جزيل ثوابه، يتطلب فقهاً دقيقاً، وجهداً عظيماً، وصبراً متناهياً، ومثابرة جادة، وحيلة واسعة. وينبغي في ضوء تلك المعطيات الهامة، إعطاء الأولوية المطلقة لهذه القضية المصيرية، وتقديمها على ما سواها، ومعرفة العمل المطلوب لعلاجها.
إن هدم الخلافة قد أفضى إلى تعطيل الحكم بالإسلام ووقف العمل بالقرآن والسنة، وتلك مخالفة صريحة لقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك)، وهذا وحده كاف لإثارة غضب الله علينا، وأن تتحفز ملائكة العذاب لاختطافنا، وتتهيأ جهنم لاستقبالنا ـ والعياذ بالله.
وإن أم الجرائم قد فتحت الباب واسعاً لارتكاب كافة أنواع الجرائم من قبل الكفار والمسلمين على حد سواء. فالكفار يقتلون النفوس، وينهبون الثروة، ويغتصبون الحقوق، ويصولون ويجولون في بلاد المسلمين تماماً كما يفعل الذئب في الغنم التي غاب عنها راعيها. والمسلمون يرتكبون الجرائم المختلفة مما تؤاخذ على مثلها الشريعة الإسلامية، حداً أو قصاصاً أو تعزيراً، ولكنهم يفلتون من العقاب كون تلك الجرائم لا تشكل خرقاً للقوانين الوضعية. فيكون بذلك سجل الجرائم في ازدياد مستمر مع مرور كل دقيقة من الزمن، وبيان ذلك إجمالاً لا تفصيلاً، ومثالاً لا حصراً كما يلي:
-
إن من الجرائم الكبرى التي أفرزتها أم الجرائم أن يعتبر المسلم المخلص والعامل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية مجرماً يستحق أقصى العقوبات، ما يشكل عائقاً مادياً ونفسياً أمام المسلمين لإقامة شرع الله في أرضه.
-
إن تسخير جيش جرار من أبناء المسلمين العاملين في حقول الجيش والشرطة والمخابرات للمحافظة على الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وقيامهم بأعمال الحراسة والتجسس وتسيير الحياة اليومية للناس على غير أساس الإسلام يشكل جريمة نكراء ارتكبت ولا تزال ترتكب بحق المسلمين بخبث ودهاء مذهلين.
-
إن إغراق العاملين في الحقل الإسلامي في خلافات سطحية وشكلية بعد تضخيمها، وكذلك إشغالهم في أعمال مفتوحة النهايات تستهلك جل وقتهم، وتستنفد طاقاتهم، وتمتص مخزون حماسهم يشكل جريمة شنيعة في حق هذه الأمة وشبابها المخلصين.
-
إن ربط مصير الأمة الإسلامية السياسي بما يسمى بالشرعة الدولية وإخضاع المسلمين لهيمنة الكفار وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها، والالتزام بها أكثر من شرع الله الذي نزل من فوق سبع سماوات يشكل جريمة عظيمة مهلكة لهذه الأمة.
-
إن تدوير اقتصاد المسلمين على رحى الربا الرأسمالي يعتبر جريمة فظيعة يأذن مرتكبوها بحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أصبحنا في زمان أكل الناس كلهم الربا، ومن لم يأكله ناله غباره.
-
إن صياغة المناهج التعليمية والنشاطات الثقافية وفق سياسات التعليم والثقافة الغربية الكافرة يعتبر جريمة مروِّعَة في حق الأجيال المسلمة، وتدميراً لعقلياتهم ونفسياتهم، وبالتالي فإنها تقضي قضاءً مبرماً على شخصياتهم الإسلامية، وتخرج أجيالاً من المسلمين مضبوعة بالغرب، ومتنكرةً لدينها وعقيدتها وقيمها ونظام حياتها.
-
إن احتكار منابر المساجد ومحاريبها ومقاعد التدريس فيها ـ وعلى رأسها المساجد الثلاثة في مكة والمدينة وبيت المقدس ـ، ومنع قول كلمة الحق فيها، بل وتسخيرها جميعاً لخدمة أغراض الحكام الباطلة يعتبر جريمة ذات بعد مؤلم وعميق في نفوس المسلمين، وتعويقاً كبيراً لعمل العاملين المخلصين الجادين منهم لإقامة دولة خلافة المسلمين.
-
إن السماح بمساواة الإسلام مع غيره من الأديان السماوية أو الأرضية تحت شعار وحدة الأديان أو الحوار بينها، واستقبال أئمة الكفر، والرضا بممارسة أعمال الكفر وطقوس الضلال في الأماكن العامة، ومشاركة بعض المسلمين فيها يعتبر جريمة عَقَدِيّة ترفع الوضيع وتضع الرفيع وتشيب الرضيع.
-
إن تقسيم بلاد المسلمين إلى مزق كرتونية تطلق على نفسها دولاً، تحمل توجهات وطنية ضيقة، ثم السماح بمزيد من الانفصال لولايات إسلامية عن دولها الأم يعتبر جريمة خطيرة في نظر الإسلام تفوح منها رائحةٌ منتنةٌ تزكم الأنوف، ناهيك عن الفرقة والشرذمة التي تفتت المسلمين وتضعف شوكتهم.
-
إن الإستخذاء الفاضح لأميركا من قبل حكام المسلمين وهم يتصدون لمعالجة مشاكل رعاياهم من المسلمين يعتبر جريمة سياسية يهون الانتحار عنها، وليس من سبب يدعوهم إلى فعل ذلك إلا قوة أميركا! أوليس الذي خلقهم وخلق أميركا أولى بالخضوع له، وهو أحق بالعبادة؟
-
إن سكوت كثير من المسلمين وحكامهم عن وجود غاصبين لأرضهم، وقتل مستمر في أبنائهم وإخوانهم، وانتهاك يومي لأعراضهم، وعبث فاضح بمقدساتهم، والأنكى من ذلك الإعتراف بشرعية الغاصبين، وإزالة حواجز العداء معهم جريمة لا يفعلها إلا الأنذال من الخلق والمتآمرون وأهل الدياثة.
-
إن محاولات بعض علماء السلاطين ابتداع ألوان غير معهودة في الفقه الإسلامي، كفقه الواقع، وفقه الموازنات، وفقه المصالح وغيرها يعتبر افتئاتاً على الدين، وجريمة كبرى في حق الفقه الإسلامي.
-
إن دأب الكفار وأعوانهم على تشويه صورة الخلافة في أذهان المسلمين، وتلفيق الأكاذيب على العثمانيين وإبراز أخطائهم، وفي نفس الوقت الترويج للرأسمالية والعلمانية والحرية والتعددية باعتبارها البديل الأفضل لعيش أفضل، قد أوجد جيلاً من المسلمين يعشق الرأسمالية وإفرازاتها، ويتغنّى بالوطنية والقومية وغيرها، بنفس الدرجة التي يكره فيها ذِكرَ الخلافة أو دولة الإسلام جرَّاء هذا التشويه.
أيها الحضور الكرام: هذا غيض من فيض من الجرائم التي ارتكبت ولا تزال ترتكب في حق الإسلام والمسلمين منذ هدم دولة الخلافة الإسلامية التي كانت اسطنبول آخر عاصمة له قبل نيف وسبعين عاماً. فلو قُدّر لنا أن نبدأ في تقديم لوائح اتهامات لهذا الحشد الكبير من المجرمين أمام محاكم عادلة تحكم بالقسطاس المستقيم لخرجت أحكام تطيح بهامات طالما رفعت بالباطل، وتزج بالسجون أناساً طالما نعموا بالحرية وهم لا يستحقونها، وتنـزع أثواب الاحترام والمهابة عن أناس طالما لبسوها زوراً وبهتاناً، وتجرد رجالاً ونساءً من ملكية أموال طائلة طالما تمتعوا بها دون وجه حق. وفي نفس الوقت فإن هذه المحاكم ستعيد الإعتبار إلى رجال كثيرين ونساء كثيرات من المسلمين الأحياء الذين طالما كُبتوا وأقصوا وحُسّروا وأبعدوا عن مواقعهم الحقيقية، وأما من قضى نحبه منهم فإن شكاواهم قد رفعت إلى ملك الملوك الجبار المنتقم والقائل: (إنا من المجرمين منتقمون). واختصاراً للقول فإن تلكم المحاكمات ستكون بحق أعظم محاكمات التاريخ على الإطلاق.
أيها الحضور الكرام: لا بد من ملاحظة أن صحوة المسلمين وتململهم وتحركهم باتجاه النهضة قد واكبه رفعٌ لوتيرة العمل المضاد من قبل الكفار وأعوانهم. فالمراقبة علينا مستمرة والعناية بتطورات عملنا حثيثة، وينبغي للمسلمين أن يكونوا على مستوى المرحلة، إذ لا يصح أن يسهر عدونا بينما ننام نحن ملء جفوننا! فمحاكمهم الجائرة لا تغلق أبوابها على مدار السنة وهي تنظر في القضايا المرفوعة ضدنا باعتبارنا مجرمين في نظرهم أن عملنا بالإسلام وللإسلام، ولا زالت ملاحقاتهم، ومطارداتهم تتوالى، وضرباتهم للتنظيمات الإسلامية الجادة والمخلصة تترى، والفتك بها وبمن يؤيدها أو يتواجد في ساحة عملياتها أصبحت أموراً لا يمكن تجاهلها. وأما مراكز الدراسات الإسلامية في أميركا ودول الكفر غرباً وشرقاً فإنها في ازدياد، ونشاطاتها في تطور، واجتماعات وزراء الداخلية في الدول القائمة في العالم الإسلامي لم تتوقف منذ أمد بعيد وهم يتبادلون المعلومات والنصائح حول كيفية التعامل مع حملة الدعوة الإسلامية، ولا يعطل برامجَها الشوائبُ السياسية التي عادة ما تمنع عقد اجتماعات القمة، أو تُفشِلُ اجتماعات رؤساء الوزارات، أو وزراء الخارجية. والهدف الأكبر لكل ذلك إجهاض أي عمل مخلص يقوم به المسلمون المخلصون لاسترداد مجدهم التليد وإحياء ماضيهم العتيد. ولقد ظهرت آثار كيدهم ومكرهم واضحة جلية في لبنان والشيشان وأوزبكستان وتركيا ومصر والجزائر وسوريا والأردن وفلسطين واليمن وغيرها كثير من بلاد المسلمين. بل يمكننا القول في هذا الصدد إن العمل ضد العاملين الجادين المخلصين للإسلام والهادفين لإعادة بناء دولة الخلافة الإسلامية التي هدمت، واستئناف الحياة الإسلامية التي انقطعت قد امتد ليشمل الأرض كلها.
أيها الحضور الكرام: قبل ثمانية وسبعين عاماً قام المجرم اليهودي مصطفى كمال بارتكاب أم الجرائم بإلغائه نظام الخلافة الذي عاش المسلمون في ظله ثلاثة عشر قرناً من الزمان. فابتدع بدعة شنيعة ما جلبت على الأمة الإسلامية إلا كلَّ شر مستطير، وما زادتهم غير تخسير. ولقد حركت تلك الجريمة النكراء أحاسيس شاعر عاصر ذلك الحدث المؤسف، فجرد قلمه بعد أن شحذ قريحته ونظم شعراً عبر فيه عن الكارثة، واصفاً اللعين مصطفى كمال بما يليق به وبجريمته، بعد أن كان قد مدحه في وقت سابق قبل أن تُكشف له نواياه الخبيثة فقال:
عادتْ أغاني العرس رَجْعَ نُواحِ
كُفِّنْتِ في ليل الزفاف بثوبه
شُيِّعْتِ مِنْ هَلَعٍ بعَبرةِ ضاحكٍ
ضَجَّتْ عليكِ مآذنٌ ومنابرٌ
الهندُ والهةٌ ومصرُ حزينةٌ
والشامُ تَسألُ والعراقُ وفارسٌ
يا لَلرجالِ لحرّةٍ مَوْءُودَةٍ
هَتَكُوا بأيديهِمْ مُلاءَةَ فَخْرِهِمْ
نَزَعُوا عن الأعناقِ خيرَ قِلادةٍ
نَظَمَتْ صُفُوفَ المسلمينَ وخَطْوَهُمْ
بَكَتِ الصَّلاةُ وتلكَ فتنةُ عابِثٍ
أَفْـتى خزعبلـةً وقـالَ ضـلالـةً
|
ونُعِيتِ بين معالم الأفراحِ
ودُفِنْتِ عند تبلُّجِ الإصباحِ
في كل ناحيةٍ وسكرةِ صاحِ
وبَكَتْ عليكِ ممالكٌ ونَواحِ
تَبكي عليكِ بِمَدْمَعٍ سَحّاحِ
أَمَحا مِنَ الأرْضِ الخِـلافَةَ مَاحِ ؟!
قُتِلَتْ بغيرِ جريرةٍ وجُنَاحِ
مَوشيّةً بمواهبِ الفتّاحِ
وَنَضَوْا عن الأعطافِ خيرَ وِشَاحِ
في كل غُدوةِ جُمْعَةٍ ورَوَاحِ
بالشرعِ عربيدِ القضاءِ وقَاحِ
وأتـى بكـفـرٍ في البـلادِ بَـوَاحِ
|
ثم يحذر من الذين خرجوا على المسلمين ووالوا أعداءهم في الحرب العالمية الأولى ويشير إلى خيانتهم فيقول:
لا تبذلوا بُرَدَ النبي لعاجزٍ
بالأمس أوهـى المسـلمين جراحـةً
|
عُزُلٍ يدافع دونه بالـرّاحِ
واليـوم مـدّ لهـمْ يـدَ الجَـرّاحِ
|
ثم يستشرف شاعرنا رؤىً مستقبلية لأحوال المسلمين بعد هدم الخلافة فيقول:
فلتسمعنَّ بكل أرضٍ داعياً
ولتشهدنَّ بكل أرضٍ فتنةً
يفتى على ذهـب المعـز وسـيفِـهِ
|
يدعو إلى الكذاب أو لسجاح
فيها يباع الدين بيع سماح
وهوى النفـوس وحقدها الملحـاح
|
رحمك الله أيها الشاعر وجزاك عما قلت خير الجزاء، وإنا نفتقد أمثالك من أصحاب الأقلام والألسن، ونأمل من الله العلي القدير أن تتحرك مشاعر المسلمين اليوم فيستشعروا ضخامة الجريمة التي ارتكبت بحقهم، فيهبوا لغسل عارهم، ويردوا الصاع صاعين للمتسببين.
أيها الحضور الكرام: عندما أقام الرسول صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة تحقق له وللمسلمين معه ولمن جاء بعدهم وسار على نهجهم تحقق لهم رضا الله ومحبته، فنادى جبريلَ عليه السلام أن يا جبريل إنني أحببت هؤلاء القوم فأحبهم، فنادى جبريل في ملائكة السماء أن الله قد أحب هؤلاء القوم فأحبوهم، فنشطت الملائكة في تنفيذ أمر المحبة الإلهي، وتقزمت نشاطات مردة الجن والشياطين، وضعف سلطانهم. فوضع للمسلمين القَبولُ في الأرض، وفتحت أمامهم الأمصار، وانتشرت الدعوة أيما انتشار، وشاع العدل وانحسر الظلم، وأصغت الملوك والرؤساء إلى دعوتهم، فآمن من آمن فأعزه الله، وكفر من كفر فأذله الله، وجردت الملائكة المقاتلة سيوفها وقاتلت في صفوف المسلمين المجاهدين، فتحقق لهم النصر المؤزر المبين (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين).
جاء في الحديث عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ(فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالمَلائِكَةِ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَنَظَرَ إِلَى المُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِياً فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
أيها الحضور الكرام: هذا عين ما نبتغيه اليوم، ونعمل جاهدين لتكرار حدوثه، إذ ما قيمة عيش المسلمين في ظل حكم الطاغوت والجاهلية؟ وما بقاؤنا بعد نزع سلطاننا وظهور أعدائنا علينا؟ فما أحوجنا لرضى الله وإستعادة ثقته بنا بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.
هذا وإننا مصممون ـ بحول الله وقوته ـ على إعادة الخلافة مهما كان الثمن، لأننا نريد أن ينظر إلينا ربنا بعين الرضا والرحمة، وأن تتجدد لنا أوامر المحبة الإلهية، فيصرف عنا كيد شياطين الإنس والجن، ويوضع لنا القبول في الأرض. ونحن نحب لكم ما نحب لأنفسنا، وعليه فإننا ندعوكم وجميع المسلمين إلى العمل بجد وإخلاص بكامل الطاقة مع العاملين المخلصين الجادين والهادفين لإعادة الخلافة الضائعة، واسترداد المفقود النفيس، كي نأخذ من جديد موقعنا الحقيقي بين الأمم سراةً وهداةً ومجاهدين، فذلكم لعمري هو عز الدنيا والآخرة. فلا يتقاعسن أحد منكم عن هذا العمل الشريف، وكونوا خير خلف لخير سلف، فاستنهضوا عزائمكم، وحركوا غيرتكم على دينكم ومصير أمتكم، ولا تهولنكم كثرة الباطل وسطوته، فقد أوشكت جولته على النهاية، والخط البياني لعمل العاملين للخلافة في صعود مذهل، وخطواتهم نحو النصر تقترب أكثر وأكثر في كل يوم. فثقتنا بالله كبيرة وأملنا بنصره القريب لا تشوبه شائبة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وهو سبحانه القائل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2000-06-08