صعوبة زعزعة الثقة في جو الإيمان
2000/06/08م
المقالات
2,052 زيارة
لقد تعرض المسلمون لحملة من التشكيك لزعزعة ثقتهم بالإسلام وأفكاره وأحكامه، وكذلك لزعزعة الثقة بالمسلمين حملة هذا الدين سواء أكان ذلك من اليهود أم النصارى أم كفار قريش أم المنافقين، وقد حدث التشكيك فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، تشكيك بالقرآن وبالسنة وبالرسول نفسه صلى الله عليه وسلم، ولقد حاورهم القرآن الكريم وجادلهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليثبت لهم أن ما جاء به هو الحق ولكنهم ظلوا على عنادهم وكفرهم.
إن الصراع بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر كان وما زال وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لذا يشن أعداء الله حملة كبرى لزعزعة الثقة بالإسلام وبحملة الدعوة. ولقد صور لنا القرآن الكريم الكثير من هذا، واليوم يتعرض حملة الدعوة إلى زعزعة الثقة بدعوتهم وكتلتهم، من قبل الكفار وأجهزتهم ومن الأنظمة الجائرة ومخابراتهم ومن الحركات المفلسة وأعضائها، وما أشبه اليوم بالأمس، حملة كبرى تشن من قبل أعداء الله في كل زمان ومكان، ولكن أنى لهم أن يزعزعوا ثقة حملة الدعوة بدعوتهم وبحزبهم، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشد عزمنا ويقوي ثقتنا، فعند تحويل القبلة من بيت المقدس قال اليهود «قد التبس عليه أمره وتحير» فرد الله عليهم بقوله: (سيقولُ السفهاءُ من الناسِ ما ولاَّهم عن قبلتِهِمُ التي كانوا عليها، قُل لله المشرقُ والمغربُ يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ، وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناسِ ويكون الرسولُ عليكم شهيداً، وما جعلنا القبلةَ التي كنت عليها إلا لنعلَمَ من يتبعُ الرسولَ ممن ينقلبُ على عقبيهِ، وإن كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى اللهُ وما كان اللهُ ليُضيعَ إيمانَكُم إنَّ اللهَ بالناسِ لرؤوفٌ رحيمٌ، قد نرى تقلُّبَ وجهكَ في السماءِ فلنوَلينَّك قبلةً تَرضاها، فولِّ وجهَكَ شَطرَ المسجدِ الحرامِ، وحيثُ ما كُنتمْ فولُّوا وجوهَكُم شَطرَهُ، وإن الذين أوتوا الكتابَ ليعلمونَ أنَّه الحقُّ من ربِّهِم وما اللهُ بغافلٍ عما يعملون، ولئن أتيتَ الذين أوتوا الكتاب بكل آيةٍ ما تبعوا قبلتَكَ وما أنت بتابعٍ قبلَتَهُم وما بعضُهُم بتابعٍ قبلَةَ بعضٍ ولئِن اتبعتَ أهواءَهُم من بعد ما جاءَكَ من العلمِ إنَّكَ إذاً لمن الظالمينَ) البقرة (142ـ145).
فاليهود حاولوا زعزعة الثقة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليهم بأنهم سفهاء وربط ذلك بالعقيدة فقال: (قل لله المشرق والمغرب)، ثم قرر أن هذا التشكيك من أهل الكتاب هو اختبار للصحابة، وأن أهل الكتاب لن يتبعوا الرسول ولا القبلة، وأن المسلمين يجب أن يتمسكوا بدينهم مهما كان التشكيك من اليهود.
لقد دأب الكفار على مر العصور على زعزعة الثقة بهذا الدين وحملته بأساليب كثيرة وبأعمال وأقوال شتى، تنوعت بتنوع العصر وتبدل الزمان، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً.
إن قضية الثقة هي من القضايا المهمة في حياة الأمم والشعوب والحركات والأحزاب، فأية أمة لا تثق بعقيدتها وبما تحمل من أفكار معرضة للانحطاط وسيطرة الأمم الأخرى عليها، بل معرضة للزوال، ولذلك عمد الكافر المستعمر إلى زعزعة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه بأساليب كثيرة ما أفقد الأمة الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه في حل مشاكل الإنسانية لفترة من الزمن، وكذلك أفقد الثقة بالعاملين للإسلام، ما سبب إكباراً للغرب وأفكاره وإعجاباً بما عنده وتقبلاً لكل ما ينشره الغرب من أفكار وأخبار ولا يثق المسلم بما يطرح عليه من قبل أخيه المسلم ولأهمية هذه القضية نجد أن القرآن زعزع ثقة الكفار بعقائدهم وأفكارهم وعلاقاتهم وأرشدنا إلى التمسك بعقيدتنا وأفكارنا وأن نعض عليها بالنواجذ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل بقسطه الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك».
قال ابن القيم رحمه الله “قلَّ أن يسلم الساخط من الشك، يداخل قلبه ويتغلغل فيه، وإن كان لا يشعر به، فلو فتش نفسه غاية التفتيش، لوجد يقينه معلوماً مدخولاً، فإن الرضا واليقين أخوان مصطحبان، والشك والسخط قرينان”.
فمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قول ابن القيم، يتبين لنا أن في الرضا (القناعة) بأمر الله الفرح، وأن السخط والغم والحزن في الشك، وأن القناعة بأوامر الله ونواهيه، تولد عند المسلم الخضوع والخشوع في ذله، وتوجد الثقة بالإسلام وأحكامه، ويكون التصديق بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما حدث مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث صدق بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسراء والمعراج، حيث كانت قناعته بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله هو الحق، وعندما سأله كفار قريش عما قال صاحبه، أجابهم بثقة المؤمن المصدق بأن ما قاله الرسول هو الصدق: ولولا قناعته بان محمداً رسول الله، وبأنه الصادق المصدوق، لما وقف ثابتاً كالجبل الشامخ، ولتزعزعت ثقته كما تزعزعت ثقة بعض المسلمين، فارتدوا عن الإسلام.
جاء في سيرة ابن هشام “فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر، فقال أكثر الناس: هذا والله الأمر البين، إن العير لتُطرد، شهراً من مكة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة، ويرجع إلى مكة!! قال: فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة، قال: فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك!! فوالله إنه ليخبرني إن الخبر ليأتيه من الله (من السماء) إلى الأرض في ساعةٍ من ليل أو نهارٍ فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة، قال: نعم، قال: يا نبي الله، فصفه لي، فإني قد جئته ـ قال الحسن: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما وصف له منه شيئاً، قال: صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق، فيومئذٍ سماه الصديق”.
قال تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرة الملعونة في القرآن…).
فأبو بكر في جو التشكيك، لم يصدق كفار قريش، وشك في خبرهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فالقناعة بالأمر تولد الثقة به، فما هي القناعة إذاً وما هي الثقة، وكيف تتزعزع الثقة بالفكرة، وبالتكتل، وكيفية إيجادها؟!
القناعة: الرضا بالأمر، والخضوع له في ذلٍّ وخشوع، والالتصاق به والانقطاع إليه (لسان العرب) وينتج عنها الثقة بالأمر المقتنع به، والدفاع عنه، وحمله، وبذل النفس والمال في سبيله.
والثقة: هي الائتمان المحكم وسكون القلب لصحة الأمر وصدقه.
وهي مصدر لـ وُثِق به يثق، وثاقة وثقة: أي ائتمنه، والوثيق: المحكم، الوثاق: الحبل أو الشيء الذي يوثق به، أي الرباط، قال تعالى: (فشدّوا الوثاق) والمواثقة: المعاهدة، قال تعالى: (وميثاقه الذي واثقكم به)وفي حديث كعب بن مالك: “… ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام” أي تحالفنا وتعاهدنا، والميثاق: العهد. (لسان العرب ج15، مادة: وثق).
وحتى توجد الثقة، لا بد من إيجاد القناعة، والقناعة لا تأتي من المشاعر فقط، ولا تأتي اعتباطاً ولا تذهب اعتباطاً، والقناعة بصحة الشيء وصدقه أي بمطابقته للواقع أو الفطرة، تحصل بناءً على برهان يثبت صحة الشيء وصدقه وهذا البرهان: إما أن يكون عقلياً مرتبطاً بالمشاعر، أي يقوم الدليل العقلي على صحته وصدقه، ويشعر الشخص بصحته وصدقه، كالإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصدق كل ما جاء به ويؤمن به، وإما أن يشعر الشخص بصحته وصدقه فقط من غير أن يقوم دليل عقلي عليه، ومن تكرار ذلك تحصل القناعة وتتولد الثقة، كتطبيق الإسلام في دولة الخلافة الراشدة، فإن الأمم التي فتحت بلدانها، كانت تتولد عندها الثقة بصحة الإسلام وصدقه من تطبيق الإسلام عليها، وما رأت فيه من العدل والحق، فما كان منها إلا التمسك به، والمجاهدة مع المسلمين، للحفاظ على الدولة الإسلامية.
ولقد مرت على الأمة الإسلامية فترة من الزمن، زُعزِعَت ما لديها من ثقة بالإسلام وأفكاره وأحكامه، والزعزعة تعني (تحريك الشيء لاقتلاعه)، وكذلك زعزعت الثقة في قدرة هذه الأفكار والأحكام على حل مشاكل الإنسان هذه الزعزعة أتت من الكافر المستعمر، وما بثه من أفكارٍ في الأمة، وأخذت الأمة في الخمسينيات والستينيات تركب الموجة الغربية والشرقية، سواء أكانت أفكار الشيوعية، أم الرأسمالية، وكانت الأمة ترفض أفكار الإسلام وأحكامه.
وفي أثناء ذلك، وجدت في الأمة كتلة مخلصة واعية، هذه الكتلة أبصرت طريقتها، وحددت غايتها، وبينت فكرتها، وأدركت واقع الأمة والمجتمع الذي نحن فيه، وواقع المجتمع الإسلامي المنشود، عاملة بالطريق السياسي، لإيجاد الثقة بالإسلام وأفكاره وأحكامه، ولما كان وضع الثقة في نفوس المسلمين، وسائر الناس لا يتأتى إلا بإقامة البرهان العقلي والشعوري على صحة الأفكار الإسلامية والأحكام الشرعية وصدقها، كان لا بد أن تكون الخطوة الأولى في إعادة الثقة بالإسلام من أجل إنهاض الأمة وإقامة الدولة هي العمل بالطريق السياسي.
فقامت هذه الكتلة المخلصة، بجعل الوقائع الملموسة، والحوادث الجارية، تنطق بصحة أفكار الإسلام وأحكامه، وصدقها وصلاحيتها، وذلك بحملها الدعوة بالطريق السياسي أي بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الأفكار الإسلامية التي لها واقع يجري التعامل بين الناس به، ثم تناولت أفكار الكفر، التي يحاول الكفار وعملاؤهم إدخالها في بلاد المسلمين، مثل الاشتراكية والرأسمالية والمساواة والوسطية والخصخصة والعولمة وحوار الأديان، وفصل الدين عن الحياة وغيرها، قامت بتناول هذه الأفكار وبينت زيفها وفسادها وبطلانها لأنها أحكام كفر، مبنية على عقيدة كفر، لا يصح أخذها بحال، وأن العلاج الصحيح هو الإسلام بعقيدته وأحكامه الذي أنزله الله رب العالمين، فهو وحده سبحانه الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته وما يحقق لهم الطمأنينة في كل شؤون حياتهم وآخرتهم.
وهذه الكتلة ماضية بإذن الله في طريقها الذي رسمه الإسلام لها حتى تعيد الثقة كاملة للأمة بأفكار الإسلام وأحكامه، وإزالة زعزعة الثقة التي عمل الكفر وعملاؤه، لغرسها في عقول المسلمين.
ومن الجدير ذكره أن سبب زعزعة الثقة هو عدم وجود جو الإيمان في الأمة، أي عدم وجود دولة الخلافة، التي تجعل الأمة (جماعة المسلمين)، وتطبق عليهم الإسلام في الداخل، وتحمله رسالة هدىً إلى العالم بالدعوة والجهاد، فبوجود جو الإيمان تصعب زعزعة الثقة بالإسلام وأحكامه، وأفكاره، وهذا ما كان عليه الحال طيلة قرون سابقة. فلما وجد جو التشكيك، سهل على الكفار وخاصة الغربيين منهم، أن يزعزعوا الثقة بأفكار الإسلام وأحكامه، وصعب على حملة الدعوة أن يعيدوا الثقة بها لفترة من الزمن، والزعزعة تعني (تحريك الشيء لاقتلاعه)، وهذا ما فعله الكفار، حيث حركوا العقول وأثاروا النفوس ضد أفكار الإسلام وأحكامه، حتى يتم اقتلاعها من عقول المسلمين، ولكن أنى لهم ذلك، وهم لا يدركون حقيقة هذه العقيدة التي هي مكمن سر قوة من يعتنقها، وهي سر اندفاع من يحملها، وهي التي يضحي من أجلها بالغالي والنفيس، ويحتقر كلُّ من يعتنقها العذابَ في الدنيا الذي يصادفه من أجل عقيدته، ومن أجل الثبات عليها ومن أجل أن تبقى عزيزة ومهيمنة على البشر، ويصبح المؤمن بها جبلاً شامخاً، لا تؤثر فيه سياط المجرمين ولا سجن الساقطين، ولا عذاب المنبوذين، بل يستعذب ذلك في سبيلها.
والآن، وبعد أن أوشكت الثقة بالإسلام تصبح عند الأمة قوية كما كانت، وأصبح حكم الإسلام هو مطلبها، ودولة الخلافة هي أمنيتها وتريد أن يحكمها الإسلام، وأن تزول أحكام الكفر المسلطة عليها ويسقط أولئك الرويبضات، وتتوحد الأمة، وجدت مشكلة عند الأمة، حيث المشكلة تتجسد في عدم الثقة بالحركات العاملة للإسلام، والسبب في ذلك يرجع إلى الضعف الشديد في فهم الأمة لأفكار الإسلام وأحكامه، فلو أدركت الأمة الإسلام فهماً ووعياً، وأدركت طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في حمل الدعوة، لأدركت من خلال ذلك الحركة المخلصة الواعية، «اعرف الحق، تعرف أهله»، ولكن الأمة في تخبط وفي عدم استنارة لطريقة حمل الدعوة، فهي تجرب الحركات واحدة تلو الأخرى، وتلاحظ التصرفات في الواقع والمجتمع، وما قامت به بعض الحركات الإسلامية من الارتماء في أحضان الحكام، وجعلت الرابطة المصلحية هي أساس تكتلها، ودعت إلى الإسلام هذه الحركات المأجورة بشكل مفتوح وبطريقة غامضة، وسارت معها بعض الأمة لحين، ثم اكتشفت أن هذه الحركة أو تلك تسير سيراً خاطئاً، وأن الفكرة غير واضحة، والطريقة خاطئة، والرابطة غير مبدئية، والأفراد ليسوا مخلصين، وأخذت القناعة بها تضمحل والثقة تفقد في قدرة هذه الحركات على الحكم والسير بشكل صحيح في عصر تكثر فيه الأفكار، وتتحكم في العلاقات دول عظمى، وهيمنة للاستعمار الرأسمالي بأساليبه المختلفة (السياسية، الاقتصادية، والفكرية…) فيئست الأمة من هذه الحركات. وأيضاً عدم وجود مقياس تقيس به الأمة التصرفات والأعمال، فنظرت إلى الحركات جميعها، بالنظرة نفسها وبقاعدة القياس الشمولي.
وحتى تدرك الأمة الحركة المخلصة، لا بد أن نبذل المزيد من الجهد، لتعريف الأمة، بالمقياس الصحيح، ونوضح لها الأفكار المطروحة على الساحة، وأنها أفكار كفر، وأن الحكام يحكمونها بغير ما أنزل الله، وأن العمل الصحيح لإقامة شرع الله، هو العمل لاجتثاث الكفر وأهله، ولا يتم ذلك إلا بإقامة الخلافة بالصراع الفكري والكفاح السياسي.
وعندما تدرك الأمة الحركة المخلصة، وتوجد عندها قناعة بها، سوف تتولد الثقة بالحركة العاملة لإقامة الخلافة، وتلتف الأمة حولها وتنصرها.
ولكن بيان ذلك للأمة متوقف على إخلاص حملة الدعوة وجديتهم، فلا بد أن تكون قناعة الشباب بما يحملونه قوية ومتينة، حتى توجد الثقة بالكتلة، أي الثقة بقدرة الكتلة على إقامة الدولة، وقدرتها على بناء الدولة وتسييرها بعد إقامتها وإشاعة الثقة في الأمة. وهذا متوقف، بالدرجة الأولى، على ثقة أعضاء الكتلة بكتلتهم، وثقتهم بأداء دورهم، أما إذا كانت الثقة مفقودة من أعضاء الكتلة، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه الثقة لا بد أن تكون بالأفكار التي نحملها وندعو الناس إليها، وبقدرة الكتلة على تطبيقها، أي أن أفكار الإسلام وأحكامه قادرة على بناء دولة عصرية قوية، تواجه التحديات بصلابة المؤمنين، ووعي المخلصين المفكرين، فإن لم توجد في الكتلة الثقة بشكل مركّز في قدرة الإسلام والمسلمين وفي حملة الدعوة على هذه المهمة العظيمة، فإن الكتلة لا تستطيع إيجاده في الناس بشكل يجعلهم يستجيبون وينقادون، ويبذلون كل ما يملكون في هذا الطريق المليء بالعقبات والصعوبات والأشواك، ولهذا لا بد من إيلاء المزيد من الاهتمام، لتعميق الثقة بحملة الدعوة وأنهم قادرون على حسن تدبير الأمور وتصريفها، ومعالجة القضايا المستقبلية، ومواجهة أعداء الأمة، والتحرك بوعي وحذر واقتدار في حقول الألغام المحيطة بالأمة.
ولتجلية الأمور عند الأمة، لا بد أن نطرح لها الإسلام بشكل واضح ومبلور، وعلى أساس تكتلي سياسي، وأن نفرق لها بين عملنا كحملة دعوة وبين عمل الدولة، أي بين عمل الكتلة وعمل الدولة، ونجعل الثقة بالكتلة عن طريق طرح الأفكار، أي ندعو الأمة إلى أفكار الإسلام وربطها بالعقيدة، وجعل العقيدة هي الأساس، وهي القاعدة، وهي القيادة الفكرية لما يراد توضيحه للأمة، فالثقة هي ثمرة من ثمار المفاهيم، فإذا كانت المفاهيم الإسلامية التي ندعو إليها واضحة مبلورة بينة، فإنه لا بد أن تؤثر في السلوك، إما بالإقبال أو الإعراض، وهذا الإقبال والإعراض مربوط بالثقة، والثقة مربوطة بالقناعة، والقناعة لا تأتي إلا بالبرهان العقلي على صحة ما نقول، وهذا ما يجب على حملة الدعوة إدراكه، من أجل كسب ولاء الأمة.
وإننا على يقين بإذن الله، بأن نصر الله لقريب، وبأن الخلافة قادمة (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).
المهندس ناصر
2000-06-08