الصادق المهدي يدعو إلى ابتداع فقـه جديد في المعاملات !!
2000/03/07م
المقالات
1,744 زيارة
نشرت صحيفة (الرأي الآخر) السودانية في عددها رقم 1089 الصادر الاثنين 11 شوال 1420هـ الموافق 17/01/2000م مقالاً للسيد عبد الرحمن تنديلي يرد فيه على رسالة الصادق المهدي التي أوردتها صحيفة أخبار اليوم في عددها رقم 1864 الصادرة بتاريخ الأحد 3 شوال الموافق 09/01/2000م، وقد تليت تلك الرسالة خلال خطبة عيد الفطر المبارك من قبل الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار التابعة له.
وقد رأت « الوعـي» أن تنشر أبرز ما جاء في المقال وتضعه بين يدي القارئ ليتعرف على عينات من العاملين في الحقل السياسي الذين بدأت أصواتهم ترتفع جهاراً نهاراً للتخلي عن أحكام الإسلام في شؤون الحياة، بعد أن كانت هذه الأصوات تهمس في الخفاء أو من وراء ستار.
=============================
يذكر الصادق المهدي في رسالته أربع قضايا يقول إنها جوهر أزمة الحركات الإسلامية الحديثة ويضيف أنه ما لم نُقم فقهاً جديداً للتعامل مع الحياة الجديدة فإن الأزمة سوف تستمر.
ويعدِّد هذه القضايا الأربع، كما جاء في الصحيفة المذكورة على النحو التالي:
(أولاً: قضية نظام الحكم، فالمرجعيات الموجودة تتعلق بالخلافة للأمة الواحدة، والحقائق الماثلة في الواقع تتعلق بأوطان قطرية ودول حديثة.
ثانياً: قضية الاقتصاد، فالمرجعيات الموجودة تتعلق باقتصاد قبل الحداثة، والواقع الماثل يتعلق باقتصاد حديث صاغته الرأسمالية وتعديلاتها بعد إصلاحات الاشتراكية الحديثة.
ثالثاً: العلاقات الدولية، المرجعيات المتاحة تتعلق بعالم مقسم بين دار إسلام ودار حرب، والواقع الدولي المعاصر متعلق بنظام تعاهد دولي شامل.
رابعاً: استخدام العنف في العمل العام، المرجعيات المتاحة تتعلق بالجهاد وفقه الجهاد المقترن بظروف ماضية، والواقع المعاصر يقوم على عهد المواطنة الذي يساوي بين المواطنين على اختلاف الدين، وميثاق الأمم المتحدة الذي يقيم السلام بين كافة الدول.
وتضيف الرسالة، أن غالبية الحركات الإسلامية التي مارست السلطة وقعت في مشاكل كبيرة ما بين متطلبات المرجعيات وبين حقائق الواقع، ويقول هذا هو جوهر أزمة النظم الإسلامية الحديثة وما لم نتجاوز المرجعيات المستمدَّة من اجتهاد الأقدمين، ونقم فقهاً جديداً للتعامل مع الحياة الجديدة، فإن الأزمة سوف تستمر.
ويقول أيضاً في رسالته: المطلوب أن يكون المسلم المعاصر أصولياً في العقائد والعبادات والأخلاق، أما المعاملات وهي مرتبطة بالمصالح والحركة، فالمطلوب التخلي تماماً في أمرها عن الأصولية والثوابت، والاجتهاد في أمرها لاستنباط فقه جديد. انتهى.
بعد ذلك تورد الصحيفة مقال السيد عبد الله عبد الرحمن تنديلي رداً على رسالة الصادق المهدي، يقول فيه:
ينبغي ابتداءً التفريق بين أمرين جوهريين: الإسلام كنظام شامل للحياة وبين الجماعات الإسلامية.
فالإسلام كدين، لا يُنتقد اعتراضاً عليه، لأنه وحده الحق، وإذا نقده مسلم معترضاً عليه، يكون قد خرج من ملة الإسلام، أما الكافر فإن نقده للإسلام أمر طبيعي، فهو كافر ينتقد الإسلام ليزداد كفراً.
أما الجماعات الإسلامية فالأمر مختلف، فإن الأصل فيها أن تلتزم بالإسلام وتجعله أساساً في طريقة سيرها، ولكن للأسف لقد كانت هناك تجربة مريرة للجبهة الإسلامية في السودان فقد كانت تدعي كجماعة أنها تعمل لتطبيق الإسلام ولكن الذي حدث وشهد عليه كل الناس أن الأمر كان سائراً إلى أسوأ، فلم يحدث تطبيق للإسلام بل كانت العلمانية والرأسمالية هي المطبقة، فكان التعامل بالربا، وبشهادة مرموقين في الدولة، وكان هناك خصخصة يتم فيها بيع ممتلكات الأمة العامة لأفراد على غرار النظام الرأسمالي الفاسد، ويوزع المال بشكل رأسمالي، ويمنع تداول المال بين الناس بطريقة شرعية. لم تتغير القوانين الحاكمة وكثير منها حسب قوانين الإنجليز الوضعية كقوانين الشركات وغيرها.
والدستور الموضوع للدولة لم يؤخذ من الإسلام، والقوانين من مبادئ شتى، وتشرَّع عن طريق رأي الأغلبية وليس حسب قوة الدليل كما يوجب الإسلام، وعليه فإن تجربة الجبهة الإسلامية القومية لا تصلح أبداً للقياس باعتبارها إسلاماً، وإذا حصل القياس يكون قياساً خاطئاً، فإن الذي يتخذ قياساً هو صحة أفكار الإسلام وقوانينه، وليس الأشخاص الذين يطبقونه، أي العبرة بالكتاب والسنة، أما القياس على غير ذلك فهو قياس خاطئ ويكون من باب الضلال والتضليل.
بعد ذلك نأتي للحديث عن النقاط الأربع المثارة في رسالة عيد الفطر المبارك، فقد طلبت الرسالة أن يكون المسلم أصولياً في بعض الأمور وهي العقائد والعبادات والأخلاق، وأما في المعاملات فقد طلبت العكس حيث طلبت التخلي عن الأصولية.
وللرد على ذلك أقول:
إنه يجب ملاحظة أن المسلم عندما يقوم بعمل ويترك آخر، يكون ذلك بدافع تقوى الله، فيقوم بالعمل الأول لأن الشرع أوجبه أو أجازه له، ولا يقوم بالعمل الثاني لأن الشرع نهى عنه، وعندما ينظر إلى الأعمال يجعل العقيدة الإسلامية أساساً له، باعتبار أن ديننا لم يترك أمراً من أمور الحياة الشرعية إلا وجعل له حكماً: فرضاً أو مندوباً أو حراماً أو مكروهاً أو مباحاً، فليس هناك عمل يقوم به المسلم إلا وله حكم من هذه الأحكام. يقول المولى عز وجل: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) ويقول سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فكيف يكون استثناء للمعاملات من الالتزام بما أمر به الشرع بشأنها؟ هل أمر الشرع بالتقيُّد بالإسلام (الأصولية والثوابت) في العقائد والعبادات والأخلاق، ولم يأمر بالتزام الإسلام في المعاملات؟
«وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وقد أمر الرسول ونهى في المعاملات وقد بينت أحكامها في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم. فالمعاملات كلها مبيَّنة، حلالها وحرامها، والحلال في الإسلام ثابت لا يتغير لا بالزمان ولا بالمكان، وكذلك الحرام، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والحلال حلال محمد، فهو حلال إلى يوم القيامة، والحرام حرام محمد، فهو حرام إلى يوم القيامة».
وهنا يرد سؤال، كيف يجتمع الاجتهاد، وهو أمر شرعي، في أمر يتعلق بالأصولية والثوابت، كما أوردت الرسالة؟ فهنا تناقض واضح بين المسألتين، لأن الأمر إذا كان ثابتاً في الأصول وثابتاً بنص صريح لا يمكن أن يجري فيه الاجتهاد كحرمة الربا والاحتكار فإنه لا اجتهاد مع النص، وكثير من المعاملات أمرها كذلك، وعليه فالمقصود بالاجتهاد الوارد في الرسالة، غير الاجتهاد الشرعي المعروف الذي يتم داخل النصوص من الكتاب والسنة فيما هو ظني الدلالة، فقوله هذا يعني بلا شك الخروج عن إطار الأدلة الشرعية، وإعطاء الآراء من خارج دائرة الكتاب والسنة، أي تقديم رأي وقول فوق كلام الله عز وجل، مع أن الله سبحانه يدعو الذين آمنوا قائلاً: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله)، وما جاء في الرسالة كذلك يعني الاحتكام إلى العقل وليس الشرع مع أن الله سبحانه يقول: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، ويعني كذلك عصيان الله عز وجل ورسوله والاحتكام إلى الطاغوت وهو كل أمر غير الشرع والعياذ بالله.
والملاحظ أن هناك أمراً مشتركاً يجمع هذه النقاط الأربع وهو قياس أحكام الإسلام بالنسبة لما هو مطبق ومنفذ عالمياً بإشراف الأمم المتحدة حامية أمريكا وبريطانيا وحلفائها الذين قادوا نشر الظلم والكفر في العالم. فالرسالة جعلت الواقع هو الأساس، أي أن الذي أملاه علينا الغرب، الاستعمار الأمريكي الإنجليزي الفرنسي من قوانين وتشريعات والتي وضعها الغرب لتبعدنا عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، جعلت الرسالة هذا هو الأساس مع العلم أن الأصل في المسلم ألاّ يجعل الواقع الفاسد أساساً بل يذهب إلى دين الهادي عليه السلام خير الأنام ويأخذ منه العلاج الناجع للواقع الفاسد. والغريب أنه في بداية كل نقطة من هذه النقاط يجعل أحكام الإسلام الثابتة تحت كلمَتَيْ (المرجعيات الموجودة) ثم يقارن بينها وبين قوانين وأحكام الأمم المتحدة والاستعمار الذي هدم الدولة الإسلامية التي كانت تجمع المسلمين، ثم مزَّق بلداننا إلى كيانات ضعيفة هزيلة تابعة للدول الاستعمارية عن طريق القوانين التي وضعها. وقد خلصت الرسالة بعد هذه المقارنة إلى الطلب من المسلمين الالتزام بشريعة الأمم المتحدة (الواقع) وطلبت ترك الإسلام (المرجعيات) على النحو الذي ذكرته عند بحث تلك النقاط، فطلبت الالتزام بالإسلام ـ الأصولية والثوابت ـ في العبادات والعقائد والأخلاق، وأمرت بالتخلي عن الإسلام ـ الأصولية والثوابت ـ في المعاملات. والالتزام ـ بدلاً من ذلك ـ بما جعلته أمريكا وبريطانيا واقعاً قائماً في العالم تحت زيف (الحداثة والعصرنة).
ونرد الآن على النقاط المذكورة:
أولاً: تحدثت النقطة الأولى عن نظام الحكم وأقرّت بأن المرجعيات الموجودة تقول بالخلافة للأمة الواحدة وتقول النقطة إن الواقع يتعلق بأوطان قطرية ودولة حديثة. فهل الخلافة للأمة الواحدة أمر شرعي أم لا؟ فإذا قال الشرع به فالواجب الالتزام به وهذا ليس خاصاً بحزب أو جماعة أو فرد وإنما يخص كل مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وقال: «وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم» وقال: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ففي هذه الأحاديث أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم ببيعة الخليفة وهو نفسه الإمام وذلك بعد أن بيّن الحديث أن النظام بعد الرسول سيكون خلافة للأمة الواحدة والتي تكلم عنها الرسول في أحاديث أخرى، وأمر البيعة هنا للوجوب وقد أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزمه أهل القبلة باعتبار أنه من أهم أحكام الإسلام ويأثم المسلمون بتركه. ولكن المستعمر استطاع أن يزيل دولتنا ويمزق بلدنا إلى كيانات كرتونية هزيلة بعد أن كان كياناً واحداً قوياً، وأصبح الكفار بعد تمزيقنا يفعلون ما يشاءون بنا تحت مظلة ما يسمى بالشرعية الدولية التي مكنت اليهود من اغتصاب فلسطين، ومكنت أمريكا وبريطانيا وحلفاءهم من تقتيل أهل العراق وأطفالهم ومحاصرتهم، ومكنت الصرب من تقتيل أهلنا واغتصاب نسائنا في البوسنة، ومكنت الروس من تقتيل إخواننا في الشيشان، وكذلك محاصرة ليبيا شهوراً وسنوات، بالإضافة إلى تدخل أمريكا وبريطانيا في بلادنا لإجراء مزيد من التمزيق تحت مظلة حق تقرير المصير وحقوق الإنسان وغيرها من الفظائع التي ارتكبوها في حق الشعوب المسلمة والمستضعفة في العالم أجمع، كل ذلك تحت مظلة الشرعية الدولية المزعومة.
والسؤال الطبيعي الآن، إذا كانت هذه هي حال الدولة القطرية التي تريدها لنا أمريكا زعيمة الأمم المتحدة، والتي يصيبنا في ظلها الضعف والهوان، وإذا كان الرحمن عز وجل وعبده محمد صلى الله عليه وسلم يريد لنا وحدة الأمة في ظل دولة الخلافة، فأيهما نأخذ؟ أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أم قوانين الكفر التي فرضها الاستعمار؟
ثانياً: تحدثت النقطة الثانية عن قضية الاقتصاد. تقول الرسالة إن المرجعيات الموجودة تتعلق باقتصاد قبل الحداثة، والواقع الماثل يتعلق باقتصاد حديث صاغته الرأسمالية وتعديلاتها عبر إصلاحات الاشتراكية الحديثة. وهنا أقول إن الإسلام دين كامل، وقد بين الإسلام النظام الاقتصادي كما بين غيره من أنظمة الحياة، فقد بين الشرع سياسة الاقتصاد والملكيات بأنواعها الثلاثة والتصرف في الملكية وأحكام المعاملات من شركات وعقود والبيوع والقروض والحوالة وأحكام النقد وغيرها من أمور الاقتصاد بشكل تفصيلي لم يترك شاردة ولا واردة إلا ولها محل حكم سواء أتعلّقت بالأفراد أم بالدولة وسواء أكان الأمر متعلقاً بالإيرادات أم بالنفقات العامة والخاصة بما يحقق العدل في توزيع المال دون فساد أو إفساد.
أما النظام الرأسمالي فقد أتى بأحكام تناقض أحكام الإسلام، فقد فصل الدين عن الحياة تماماً، والحقيقة الماثلة في هذا النظام طبقات غنية وأخرى فقيرة، والثروة تتركز لدى أفراد قلائل فمثلاً في أمريكا 70% من ثروتها في يد 1% فقط من الشعب الأمريكي. إن صناديق الأمم المتحدة التي تخدم هذا النظام تتعامل بالربا في القروض والتي يطلقون عليها خدمة الدين أو العائد التعويضي وتطبقه على المتعاملين معها من دول العالم؛ ففي السودان، قبل حل المجلس التشريعي، الذي يشرع عن طريق الأغلبية على الطريقة الديموقراطية في التشريع، عُرض على هذا المجلس قرار بقرض أمريكي بمبلغ واحد مليون ومائتي ألف دولار بربا قدره 3% في السنة وفترة سماح مدة 15 سنة، وقد تم التصويت عليه وفاز بالأغلبية ووافق المجلس عليه وباركه رئيسه. ولا زال السودان يسدِّد فوائد الديون الربوية التي أخذت في عهد النميري بواقع (5) مليون دولار شهرياً، سداداً للفوائد الربوية، وليس لأصل الدّين، طبقاً لأوامر صندوق النقد الدولي، وذلك رغم قول الله تعالى: (فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً وحرم حلالاً» فدفع الربا حرام والأصل أن يلتزم بدفع أصل القرض فقط والشروط المتعلقة بدفع الفوائد الربوية غير معتبرة لأنها باطلة، والأحقُّ أن يرضى هو الخالق وليس المخلوق الظالم، وعليه فإن الرأسمالية تعمل لتسير الشعوب بعيداً عن الإسلام، فالذي يريد أن يعود إلى الصندوق ليأكل الربا ثم يضغط على شعبه لدفعه من عرق الفقراء ودمائهم، فيدفع شهرياً (5) مليون دولار، الذي يريد ذلك يكون قد ارتكب جريمتين، جريمة الربا المحرم وجريمة إثقال كاهل الناس بعبء الدَّيْن وشظف الحياة. وليس هذا فحسب بل الرأسماليون يسعون لأكثر من ذلك من ظلم، والله سبحانه قد بيَّن لنا نفسيتهم (ودُّوا ما عنتّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون). هذا بعض ما يحدث للعالم جرَّاء النظام الرأسمالي، فهل بعد هذا يصح أن نترك دين نبينا ونأخذ الرأسمالية العفنة التي أزكمت رائحتها الأنوف.
ثالثاً: بالنسبة للنقطة الثالثة والرابعة فإن هناك رابطاً يجمعهما وهو أمر الجهاد الثابت وجوبه عند أهل القبلة، بقسميه، الهجومي والدفاعي، فالله عز وجل يقول: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) ويقول سبحانه:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ويقول حبيب الرحمن: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم»، فهذه الأدلة صريحة وواضحة في هذا الأمر وما فعله الرسول عليه السلام في سيرته العطرة كان قتالاً، في الدفاع والهجوم، طبقاً لهذه الأدلة.
والجهاد واجب في الإسلام إلى يوم القيامة. قال صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل» فلا يصح أن يقال إن الجهاد مقترن بظروف ماضية فإن هذا القول مخالفة ومعاندة للحق وعصيان صارخ وتكذيب للرسول عليه الصلاة والسلام.
أما بالنسبة لعهد المواطنة، التي أوجدتها بريطانيا وفرنسا في الأمة، فهي رابطة جديدة دخيلة حلَّت محل رابطة العقيدة الإسلامية والأخوة الإسلامية التي تجمع المسلمين وتجسِّد وحدتهم وينصر بعضهم بعضاً، أما وفق المواطنة فالنصرة لا تكون إلا لمن يسكن معك في الوطن الذي رسمت حدوده بريطانيا، أما نصرة أخيك المسلم الذي لا يسكن معك في هذه الرقعة، فهي ممنوعة عليك، فإذا هجم الروس على المسلمين في الشيشان فإنه يحرم على المسلمين في العالم أجمع أن ينصروا إخوانهم في الشيشان لأن المواطنة تحرّم ذلك، فالذي يعيش معك في القطر الذي حدّده المستعمر هو أخوك وفق المواطنة، أما الشيشاني المسلم فهو أجنبي لأنه لا يعيش معك في هذا القطر بل إذا ناصر المسلمون إخوانهم الشيشان يكونون إرهابيين متطرفين، معتدين على الشرعية الدولية التي تحرِّم ما يسمى بالتدخل في شؤون الغير، وهذا، للأسف، ما يطبقه الحكام في بلاد المسلمين فتجدهم لا يجرؤون على نصرة إخواننا مع أن الشرع أوجب ذلك وشدَّد عليه تشديداً يهزّ القلوب، فالمؤمنون كالجسد الواحد وهم إخوة على الدوام.
ولقد ختمت الرسالة هذه النقاط الأربع بالقول إنه إذا لم تترك هذه المرجعيات ـ والذي اتضح أنها تتعلق بأمور قطعية لا خلاف فيها ولا يجوز فيها الاجتهاد ـ فإن الأزمة سوف تستمر. والمقصود بالأزمة، أزمة القضايا الأربع، علماً بأن العكس هو الصحيح، فإن أزمة الأمة مستمرة لأن شرعة الكفر هي المطبقة على المسلمين، لذلك فنحن أذلاء، مستضعفون، مهانون، وأصبح حالنا في العالم، رغم أننا نفوق المليار، كحال الأيتام على مائدة اللئام. والرحمن عز وجل يذكرنا بقوله: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ويقول: (وما النصر إلا من عند الله) فالنصر له شرط واحد هو أن ننصر الله، ونصر الله يكون بطاعته والسير على المرجعية ـ كتاب الله وسنة رسوله ـ والتي هي المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، فالزيغ يكون بتركها، والذهاب والركون إلى شريعة الأمم المتحدة والظالمين، والرحمن يحذرنا من ذلك(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) ويقول سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) ويقول جل وعلا: (ألم يَأْنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقسـت قلوبـهـم وكثير منهم فاسقون).
ومن الملاحظ أن هذه الأفكار المطروحة في الرسالة، تشبه تماماً التي يقولها رئيس المجلس الوطني السابق د. حسن الترابي والتي يقول بها كل من د. حسن مكي والحاج وراق ود. الطيب زين العابدين وأمثالهم، فما الذي جرى لأمتنا حتى تُـعلن فيها هذه الآراء، وهي خير أمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون).
اللهم مكِّن لنا ديننا الذي ارتضيت لنا.
والله المستعان.
2000-03-07