كلمة الوعي: دولة يهود لا تنفع معها المفاوضات
2005/08/07م
المقالات, كلمات الأعداد
1,856 زيارة
كلمة الوعي: دولة يهود لا تنفع معها المفاوضات
يقول شارون بأنه سينسحب كلياً من قطاع غزة في أواسط شهر آب الجاري، وقد طلب منه مسؤولو السلطة الفلسطينية أن ينسّـق معهم شؤون الانسحاب والاستسلام والتسليم؛ كي يضمنوا أن لا تقوم بعض فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق النار على الجيش اليهودي أثناء تقهقره، ولكن شارون رفض وهدد بعظائم الأمور إن حصل أي هجوم على فلول جيشه.
والشغل الشاغل الآن لمسؤولي السلطة هو كيف يؤمّـنون الحماية لفلول جيش شارون كي لا يحِـلَّ عليهم غضب شارون، وبخاصة أن هناك من المجاهدين من يخطط لملاحقة هذه الفلول ومهاجمتها وإذلالها كما حصل لفلول جيش يهود حين خرجت مدحورة من جنوب لبنان في أيار سنة 2000م. أي إن السلطة صار كل همّها أن تنفّذ رغبة رئيس وزراء دولة العدو. وهناك خشية حقيقية أن تتورط السلطة بارتكاب مجزرة في الشعب الفلسطيني كُـرْمى لعيون شارون.
هل يفهم مسؤولو هذه السلطة أن دولة يهود لا تنفع معها المفاوضات، وأنها لا تنسحب من أي شبر إلا تحت الضربات الموجعة؟ لم تنسحب من لبنان بالوسائل الدبلوماسية، ولا بقرارات مجلس الأمن، ولا بضغط من الرأي العام الدولي، وبقيت ترفض وتعاند حتى دحرتها ضربات المجاهدين. وحين خرجت من سيناء كانت تعلم أن لا طاقة لها بالبقاء. وحين تخرج الآن من غزة فإنها تخرج بفعل ضربات المجاهدين الذين يستنـزفونها منذ زمان، حتى تمنى أحد زعمائها لو يستيقظ يوماً ويجد أن البحر ابتلع غزة وأراحهم من عنائها. وهذه الجولان لم تنسحب منها دولة يهود رغم المفاوضات وقرارات مجلس الأمن؛ ذلك لأنه لا توجد ضربات تجبرها على ذلك. وإذا كانت سوريا تنتظر ضغوط الرأي العام الدولي، أو تنتظر من الدول الكبرى أو من الأمم المتحدة أن تعيد إليها حقها فإن انتظارها سيطول.
مسؤولو السلطة يبيعون الشعب الفلسطيني وهماً يسمونه «دولة فلسطينية»، وكان اليهود باعوهم هذا الوهم في أوسلو، وحين حلّ الموعد قال لهم اليهود: إن هذا الموعد ليس مقدّساً. ثم بدأ اليهود ببناء الجدار ليجعلوا في النهاية من الضفة علبة مقفلة من جميع الجهات، ومقسمة من الداخل إلى عدة كانتونات معزولٍ بعضها عن بعض بكتل استيطانية وأوتوسترادات مسيَّـجة. وبحيث أن هذه السلطة لا سيطرة لها على حدودها، ولا على أجوائها، ولا على أرضها، ولا على ما في باطن أرضها، ولا يحق لها أن تملك جيشاً ولا سلاحاً (إلا سلاح الشرطة الأمنية)، ولا سياسة خارجية. والقدس كلها لليهود بما في ذلك الهيمنة على المسجد الأقصى الذي يهيّئون لهدمه وبناء الهيكل مكانه. وعودة اللاجئين شُـطبتْ وصارت السلطة تنادي بحل عادل لقضيتهم، حتى إن رئيس السلطة صار ينادي الدول لإعطائهم جنسيتها. بينما شارون يدعو يهود فرنسا ويهود العالم كي يهاجروا إلى فلسطين على الرحب والسعة. ويحق لدولة يهود أن تعود لاحتلال موقت أو دائم لأية مدينة أو منطقة ترى أن السلطة لا تنفّـذ فيها أوامر يهود. كل ما تطلبه السلطة أن تكون هذه «الدولة الفلسطينية» قابلة للحياة. هذه ليست دولة، وليست حكماً ذاتياً. هذه لا تزيد عن أن تكون إدارة موجهة مثل أية بلدية من البلديات. فهل يوجد أو يُـتَـصوَّر وجود أكثر من هذا الذلّ الذي يسعى إليه مسؤولو السلطة؟! ويطلب شارون من هذه السلطة أن تسحب سلاح جميع فصائل المقاومة، وهذا هو البند الأول من بنود خارطة الطريق. أي لا أمل لهذه السلطة أن ترتقي إلى مستوى سلطة بلدية إلا إذا قامت بمجزرة مسلحة لتجريد جميع المقاومين من السلاح. حتى لو قامت السلطة بذلك فلن يفي شارون بوعده، بل سيضع شروطاً جديدة زيادة في الإذلال﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [البقرة 100].
إن المسألة بيننا، نحن المسلمين، وبين دولة يهود، ليست مسألة جزئيات أو مسألة حدود، إنها مسألة وجود. إن كل ما تم في شأن فلسطين منذ اغتصبها اليهود إلى الآن هو باطل. ما قرره حكام العرب في قممهم من التنازل لليهود عن فلسطين المحتلة قبل سنة 1967م هو خيانة. وما وافق عليه مسؤولو السلطة الفلسطينية من تنازلات عن فلسطين بما فيها المقدّسات وحقوق أهل فلسطين، وما يمارسونه من إذلال للشعب الفلسطيني لإرضاء يهود هو خيانة.
إن رئيس السلطة يسوّغ الخضوع، والقبول بالذل، والقبول بالتنازل؛ لأن ميزان القوى هو في مصلحة العدو. وحكام العرب والمسلمين يسوّغون ذلك أيضاً للسبب نفسه. ألا يعرف هؤلاء أن صاحب الحق، سواء أكان دولة أم شعباً أم فرداً، لا يتنازل عن حقه لعدوّه مهما كلف الأمر، وإذا كان في وضع ضعيف لا يمكّـنه من تحصيل حقه فإنه يؤجل البتّ فيه، ويعمل بأقصى طاقة وأقصى سرعة؛ لتوفير الإمكانية لتحصيل حقه كاملاً، ولو احتاج الأمر عقوداً من السنين. وقضية فلسطين ليست مسؤولية أهل فلسطين وحدهم، وليست مسؤولية العرب وحدهم،بل هي مسؤولية الأمة الإسلامية كلها، وهذه المسؤولية تتوزع حسب قاعدة الأقرب فالأقرب؛ لقوله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة 123]. وتطبيقها الآن ليس منوطاً بالقرب المكاني، بل بالأقرب إمكانية. والأمة الإسلامية الآن قادرة على تحرير فلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية الواقعة تحت احتلال الكفار أو نفوذهم، والعائق أمام الأمة الإسلامية في ذلك هو حكامها الخاضعون لدول الغرب الكافرة المستعمرة. والذي يجعلهم يخضعون ليس لأنهم مُـكْـرَهون على ذلك، بل لأنهم تجتمع فيهم صفات: الجُبْن، والتمسُّـك بالكرسي، واستمراء العمالة لدول الكفر، واستسهال الخيانة لدينهم وأمتهم وبلادهم. وهذا ليس شتيمة لهم ولا تجنياً عليهم، بل هو وصف لواقعهم؛ ولذلك فلا يُـرجى حلُّ لقضايا المسلمين في ظل أمثال هؤلاء الحكام. فهلاّ فَهِمَ ذلك المخلصون والعقلاء والحريصون على هذه الأمة؟
العدو ليس دولة يهود وحدها. العدو الأول هو أميركا وحلفاؤها. وميزان القوى الآن هو لمصلحتهم برضى المسلمين وليس رغماً عنهم، لأن المسلمين رضوا بهؤلاء الحكام ورضوا بأن يكونوا ممزقين إلى بضع وخمسين دولة. ميزان القوى سيكون حتماً لمصلحة الأمة الإسلامية لو انتفضت على واقعها الذليل المشرذم، وعادت إلى الموقع الذي خصها به الله بقوله:﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران 110]. إن عودة الأمة لاقتعاد هذا المركز ليست بعيدة وليست صعبة علىالمؤمنين، وبخاصة أنها دبّـت فيها الحيوية وأبصرت طريقها، وعرفت الأعداء، وعرفت العملاء، وعرفت المخلصين.
2005-08-07