الاختلاف في بدء يومي الصوم والعيد… لماذا
1987/09/28م
المقالات
3,351 زيارة
جعل الله الأمة الإسلامية أمة واحدة: (ان هذه أمتكم أمة واحدة)، وشرع لها أحكاماً عدة تحفظ وحدتها وتصونها، وتحول دون تمزقها وتبعثرها، فكان أن أناط أمرها لرجل واحد، تلتفت بشعوبها وقبائلها وأفرادها حوله، ولا تخرج عن أمره كائناً ما تكون الظروف، ما التزم شرع الله، ودأب على تطبيقه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن بايع »إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر.
فيا حبذا أن نقوم نحن جميع المسلمين في بقاع العالم أن نظهر مظهر الأمة الواحدة بتوحيد بدء شهر الصيام من كل عام، كما وأننا رجل واحد، وتوحيد بدء العيد بيوم واحد لا يتخلف عنا متخلف، فهذا الأمر ليس مجرد حرص أملته رغبة غيارى مندفعين أو مخلصين.
وإنما هو حكم شرعي، أمر الله الأمة امتثاله صوناً لوحدتها، حيث عادت أو تكاد شعوباً وقبائل منقسمة على ذاتها. والحكم الشرعي هذا، يقضي بأن يبدأ المسلمون جميعهم الصوم، قال صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، «لا تصوموا حتى تروا الهلال»، فكلمة ” صوموا”، الواردة في الحديث الشريف عامة تشمل جميع المسلمين، في جميع بقاع الأرض، وكلمة الرؤية جاءت بلفظ عام كذلك “لرؤيته”، “إذا رأيتم”، “حتى تروا”، وهذا يجعلها تشمل كل رؤية، وليست خاصة برؤية الشخص نفسه، ولا برؤية أهل بلده.
وعليه فإن الخطاب الذي يأمر المسلمين بالصوم، وبالفطر عام، ومتعلق الخطاب وهو الرؤية هو عام أيضاً، فلا شك أن الحكم يكون حينئذ عاماً، فليزم الأمر بالصوم والفطر جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم عند رؤية الهلال. فلو رأي أهل أقصى بلاد الشرق الهلال لزمت لرؤيتهم هذه أهل أقصى بلاد الغرب، ورؤية هؤلاء رؤية لأولئك وتلزمهم، فيبدأوا صومهم سوية ويبدأوا العيد معاً، كأهل البلد الواحد سواء بسواء.
هذا هو حكم الله حسب دلالة النصوص الشرعية، وقد كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومون ويفطرون جميعاً في يوم واحد، رغم اختلاف مناطقهم، وأماكن وجودهم قربت أم بعدت، وهذا أيضاً يشكل دليلاً شرعياً آخر، يؤكد ما ذهبنا إليه من أن رؤية الهلال، توجب على جميع المسلمين أن يصوموا معاً، وأن يفطروا معاً بيوم واحد.
أما ما ذهب إليه القائلون باختلاف بدءِ الصوم وباختلاف بدءِ يوم العيد، فيتلخص في أمرين اثنين، أحدهما: أنهم يقولون أن لكل بلد رؤيته التي لا تلزم غيرهم، فأهل كل بلد مخاطب بما عنده كما في أوقات الصلاة ومن هنا قالوا باختلاف المطالع. ونقول بأن اختلاف أوقات الصلاة بين الأقطار، مقيد بدخول أوقاتها، وهذه متفاوتة في الحصول من بلد إلى آخر، فضلاً عن تفاوتها في البلد الواحد، وهذا أمر لا بدّ منه لأن العلامات التي حددها الشارع، تتفاوت في الحصول، ولكون حركة الشمس وصيرورتها في كبد السماء في بلد ما، وهي وقت دخول صلاة الظهر فيه، لا يمكن أن تلقي ظلالها على بقعة أخرى من الأرض، تكون للشمس، كما لذلك البلد منها في الوقت نفسه، وبعبارة أخرى لا يمكن للشمس أن تكون في وسط السماء بالنسية لنقطتين متباعدتين على الأرض في ذات الوقت، فيكون التفاوت في العلامات الدالة على دخول أوقات الصلاة أمراً حتمياً بين بلد وآخر. وبالنسبة للصوم فإن هذا التفاوت حاصل عند الإمساك قبيل الفجر وعند الافطار بعيد الغروب، لأن النص الشرعي جاء يدل على هذا التفاوت. قال تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل). فالإمساك والإفطار تتفاوت أوقاتهما من بلد لآخر كما تتفاوت أوقات الصلاة فيه، ولكن هذا التفاوت يحصل ضمن اليوم الواحد، وبدء الصوم لا بدّ أن يكون في يوم واحد، والتفاوت يحصل في أجزاء هذا اليوم، هذا ما دلت عليه نصوص الأحاديث، وهذا ما يثبته مناط الحكم، فالتفاوت في مطالع الهلال بين أبعد نقطتين على سطح الكرة الأرضية لا يزيد عن اثنتي عشرة ساعة. وعليه فإن جميع أهل الأرض بإمكانهم رؤية الهلال في خلال اثنتي عشرة ساعة هذه، لولا حيلولة العوامل الطبيعية من غمام ونحوه دون ذلك، أي أن تحديد بدء الصوم يثبت لأهل الأرض كافة في أجزاء من اليوم الواحد، فيلزمهم حينئذ أن يبدوأ صيامهم جميعاً، وهذا ينطبق على تحديد بدء العيد.
إلاّ أن المجتهدين الأوائل معذورون في عدم فهمهم للمناط، إذ لم يكونوا يدركون حركة الأرض والشمس والهلال، أما الآن وقد وضحت لدينا حركتهم، وفهمنا مناط الحكم لم يعد هناك مبرراً لمن يقول باختلاف المطالع يوماً كاملاً فضلاً عمن يقول باختلافها عدة أيام.
أما ثانيهما، فهو ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من عدم التزامه رؤية اهل الشام للهلال، وقوله: “هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم” في ذلك، فيتخذ من يقول باختلاف بدء يوم الصوم وباختلاف بدء يوم العيد هذا الحديث حجة لقولهم هذا، ووجه استدلالهم هو أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام، ودلالة حديث ابن عباس هو أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلزم أهل بلد العمل برؤية بلد آخر، فيكون الحديث مخصصاً لحديث الرؤية ومبيناً له، والجواب على ذلك أن الحديث لابن عباس وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو اجتهاد له كصحابي، واجتهاد الصحابي ليس دليلاً شرعياً، فليس بحجة ولا يلزم إلاّ صاحبه ومن يقلده، وفوق ذلك، فإن اجتهاد الصحابي لا يجوز أن يخصص الحديث، وعليه وبعد هذا التبيان لواقع حكم توحيد بدء الصوم بيوم واحد وتوحيد يوم العيد بيوم واحد، لم يعد من مسوّغ للزوم الفهم السابق الذي يقضي باختلاف مطالع الهلال.
أيها المسلمون هذا بيان لكم، ولتعلموا أن بامتثالكم أمر الله وباتباعكم شرعه، وحرصكم على تعظيم شعائر الله بإظهار هذا الجانب من وحدتكم المتمثل بتوحيد يوم الصوم وتوحيد يوم العيد، تكونوا قد سرتم على الطريق السويّ الذي اخططه لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتنظروا حولكم ولتروا فتدركوا، أن امتكم الإسلامية لا يمكن أن يستقيم لها أمر، أو يعظم لها شأن، ما لم يكن لها إمام تجتمعون حوله، ويكون له أمر كل صغيرة وكبيرة، وخاصة الأمور التي يختلف حولها، ويلزمها من يبت بها، وينفذ منها ما يرسّخ حقيقة وحدة الأمة. وخير دليل نسوقة للدلالة على صحة هذه الحقيقة، هو اجتماع كافة المسلمين في سائر أنحاء الأرض على اعتبار يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى عيداً لهم لا يشذ عنهم أحد، علماً بأن التوافق في تحديد يوم العيد أي يوم العاشر من ذي الحجة مرهون ومرتبط بالتوافق في تحديد أول أيام هذا الشهر – ذي الحجة – وهذا يلزم بالضرورة توافق عامة المسلمين والعمل برؤية واحدة، فكيف يلزم المسلمون أنفسهم العمل برؤية واحدة ويجتمعون عليها في تحديد بدء شهر، ولا يلزمون أنفسهم ويختلفون في تحديد بدء شهر آخر، وعلى ذلك فإننا نعزو أمر الاختلاف والتشرذم بين أمتنا الواحدة ونقرنه باختلاف الحكم والسلطان، كما ونؤمن أن أمر توافقها ووحدتها مرهون بوحدة الحكم والسلطان، فإلى هذا الأمر العظيم ندعوكم، فهل من مستجيب.
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
أحمد عبد الرحيم ـ بيروت.
1987-09-28