مآلات الخطاب المدني
2012/02/07م
المقالات
2,234 زيارة
مآلات الخطاب المدني
جاء في كتاب الدكتور إبراهيم السكران « مآلات الخطاب المدني» مباحث جادة وقيِّمة وجليلة المقصد، توضح مآلات ومخاطر الدعوة إلى الدولة المدنية الحديثة التي يتبجح بها كثيرون في أيامنا هذه، سيما بعد أن هبت الثورات في المنطقة، وبدأ الناس يبحثون عن البديل للأنظمة الحاكمة في بلادنا. ومن أهم ما جاء في هذا البحث القيم من مآلات خطرة:
حصر ثمار الاستقامة بيوم القيامة: يحاول كثير من غلاة الدولة المدنية أن يجعلوا المأمورات والمنهيات الشرعية مرتبطة بالجنة والسلامة من النار فقط، ولا علاقة لها بسعادتنا وظفرنا وسلامتنا الدنيوية، فالدين بحسب هؤلاء شرط للنجاة الأخروية لا للنجاح الدنيوي، ولذلك يشعر بعضهم أن المجتمع الغربي ليس بحاجة فعلية إلى الإسلام لإصلاح دنياه، وإنما يحتاج الإسلام فقط لينجو من النار يوم الحساب، وتبعاً لذلك يعبر بعضهم عن المجتمع الغربي بأنه يمثل الإسلام بلا مسلمين. والواقع أن هذا جهل مؤلم بمضامين الوحي ودلالاته على الآثار الدنيوية للالتزام الديني، فقد دلت محكمات الوحي على خمسة آثار دنيوية للاستقامة الدينية وهي: التمكين السياسي في الأرض، واستقرار الأمن في البلاد، والرخاء الاقتصادي، والطمأنينة النفسية، والسلامة من كوارث الغضب الإلهي. فكيف يقال بعد ذلك إن الدين لبناء الآخرة فقط والمدنية لبناء الدنيا، أو أن المجتمع الغربي لا يحتاج الإسلام لإصلاح دنياه؟!
اتباع الأهواء: يلاحظ أن بعض المنتسبين للدعوة الإسلامية قد قارب بعضهم بين الدولة المدنية وبين الإسلام بحسن نية وتحت وطأة الرغبة الملحة في هداية الناس وتأليف قلوبهم وتحبيبهم في الخير والتودد لهم والدخول إلى قلوبهم من جهة ما تهواه، ورغم نبل الهدف يبقى سلوكاً غير محمود، فلكم نبهت آيات القرآن من مخاطر الوقوع تحت «سلطة الجماهير»، والحقيقة أن الكثيرين يظنون أن الصراع مع الهوى هو صراع مع هوى النفس الشخصي فقط، ولكن هناك ما هو أقوى على العامل للإسلام من ذلك، إنه الصراع مع أهواء المخاطبين، والرغبة في الاستحواذ على رضاهم وكسب تعاطفهم مع الإسلام. (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا).
إهمال الشرع: يتبرم البعض حين يتمتم له العاملون للإسلام بمفصلية هذا الموضوع، وبضرورة اتخاذ رأي حازم فيه، مطالبين بالتخفف وعدم الإثقال على الناس بما لا يطيقون. فيما الحقيقة هي أن هذا “القرآن” ليس مجرد مخزون معرفي أو تراتيل طقوسية بل هو رسالة إلهية تحمل “قضية” هي فوق كل قضية، حتى قطعت بها أواصر موصولة، وسلت لها سيوف مغمدة، وسقطت لها عروش شامخة، وصعد بها رويعي الغنم مرتقى صعباً. فكم هو مؤلم أن يصبح الإبداع اليوم -في نظر كثير من المثقفين- هو أن لا تكثر من القرآن والسنة في كتاباتك، وأن لا تنير مقالاتك بذكر الله سبحانه وتعالى وبركة آياته وهدايتها، وإنما الإبداع هو الاستعراض بحشو مقالاتك بذكر فلان وفلان من الأسماء الفرانكفونية الرنانة، ومن هو دون الله من كلام المخلوقين، فتستبشر لك الوجوه وتحتفي بك النفوس. لينطبق على هؤلاء (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)
2012-02-07