أضواء على الأوضاع السياسية في إندونيسيا
2000/01/06م
المقالات
1,976 زيارة
استقطبت إندونيسيا الأضواء وأنظار المراقبين في عام 1998 بشكل متميز، فكانت المظاهرات الدموية، والاحتجاجات التي رافقها التخريب، ضد سوهارتو وعائلته، ثم الإطاحة به، والإتيان بربيبه يوسف حبيبي خلفاً له، الذي لم يرضِ المحتجين والمعارضين، واعتبروه امتداداً لحكم سوهارتو، وتواصلت الاحتجاجات، ولكن بدرجة أقل من العنف والدموية والتخريب، ثم كانت الانتخابات التشريعية لأول مرة منذ عشرات السنين، والتي أعطت حزب ميغاواتي سوكارنو أعلى النتائج، وبالتالي جعلها تستحق منصب الرئاسة، إلا أن انتخابات الرئاسة جاءت بعبد الرحمن الواحد رئيساً، وبميغاواتي نائبة للرئيس، وجرى الاستفتاء في تيمور الشرقية بين الاستحقاقين الانتخابيين، وجاءت نتيجة الاستفتاء، كما كان متوقعاً، مؤيدة لانفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، ووافق الجيش والجمعية الوطنية على نتائج الاستفتاء، بتوصية من حبيبي، وتم سحب الجيش الإندونيسي، والميليشيات المؤيدة للوحدة مع إندونيسيا، والآن يجري بناء هيكلية دولة مستقلة لتيمور الشرقية تحت إشراف الأمم المتحدة. في هذا المقال نلقي أضواء على الأوضاع السياسية في إندونيسيا من خلال العناوين الآتية:
1ـ جمعية نهضة العلماء:
أنشئت هذه الجمعية سنة 1926، ومؤسسها هو الشيخ هاشم أشعري، جد عبد الرحمن الواحد، الرئيس الإندونيسي الحالي، ولها خطة تسمى «خطة عام 1926»، ومنها أن هذه جمعية للعلماء الذين يدينون بمذهب أهل السنة والجماعة، ويتمسكون بآراء الأشعري في العقيدة، وبالمذهب الشافعي في الأحكام، وليس لهم كتب خاصة بهم يدرسونها في اجتماعاتهم، كما أنه ليس لرئيسها مؤلفات يلتزمون أفكارها. وقد كانت الجمعية تؤيد حزب ماشومي (مجلس شورى المسلمين في إندونيسيا) ولكنها استقلت عنه قبيل انتخابات 1955، وصارت حزباً سياسياً باسم حزب نهضة العلماء.وحقق الحزب نتائج جيدة في الانتخابات. وفي أيام سوهارتو، انصهر حزب نهضة العلماء مع أحزاب إسلامية أخرى في حزب الاتحاد والتنمية عام 1977، ومنذ عام 1984 رجع حزب نهضة العلماء إلى الشكل القديم الذي تأسس عليه، وهو الشكل الجمعي.
جمعية نهضة العلماء لا تشتغل بالعمل السياسي، ولكنها تبيح لأعضائها بشكل فردي أن يشتغلوا بها، وقد أقام عبد الرحمن الواحد وبعض الأشخاص، قبل الانتخابات العامة الأخيرة حزباً أسموه حزب نهضة الشعب، على غير أساس الإسلام، وإنما على أساس وطني، لزعمهم أن الناس لا يتجاوبون مع حزب إسلامي، ويبرر عبد الرحمن إصراره على عدم قيام الحزب على أساس الإسلام، بأن فشل الحزب في الانتخابات لا يعتبر فشلاً للإسلام، وأن الحزب يعمل للإسلام بالشكل الثقافي.
يبلغ عدد أعضاء ومؤيدي جمعية نهضة العلماء حوالي أربعين مليوناً (أي خمس السكان) ويشكل رجال المعاهد الإسلامية قواعد الجمعية، وهناك علاقات دم ونسب بين هؤلاء الرجال، لأن هناك تقليداً في إندونيسيا، أن رجال المعاهد يصاهر بعضهم بعضاً، وكذلك الحال بين كبار العلماء. فبعد وفاة مؤسس الجمعية الشيخ هاشم أشعري عام 1947، خلفه قريبه الشيخ وهب حب الله حتى وفاته عام 1971، واستلم رئاسة اللجنة التنفيذية عام 1947، واحد هاشم ابن المؤسس الشيخ هاشم، وانتقلت رئاسة اللجنة التنفيذية إلى ولده عبد الرحمن منذ عام 1984.
يتبع الجمعية هيئات ورابطات واتحادات كثيرة منها: رابطة الطلاب الثانويين، ورابطة الطالبات الثانويات، واتحاد الطلاب المسلمين في إندونيسيا، وحركة شباب الأنصار، وحركة فتيات نهضة العلماء، وحركة نساء نهضة العلماء وهي تضم زوجات العلماء والمشايخ والمؤيدين للجمعية، أما جمعية نهضة العلماء فليس فيها نساء.
وأعضاء الجمعية يواظبون على أداء العبادات من صلاة وصوم وحج، وهم يتمسكون بالحلال والحرام، ولكن ليس بشكل مبدئي، وفي الغالب فإن نساءهم لا يلتزمن باللباس الشرعي، وهم مقلدون لعلمائهم، وإذا لفت نظرهم إلى موقف لأحد رؤسائهم مخالف للشرع، برروا له ذلك بأنه من أولياء الله، وعنده بعد نظر، ولكنهم مستعدون للحوار مع من يجدون عنده علماً بالأمور الشرعية والعلوم اللغوية. وهناك اتجاهان في الجمعية: اتجاه تقليدي يضم كثيراً من العلماء والمشايخ، واتجاه عصري يقوده عبد الرحمن الواحد، ويتبعه الشباب الذي بهرته أفكار العلمانية والديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.
الجمعية لا تملك رؤية واضحة في موضوع الماسونية، ودولة يهود، فبعض العلماء يرون ضرورة تأجيل العلاقات مع اليهود، ولكن الأكثرية صامتة؛ وهم ينشرون فكرة أخوة غريبة، فهم يقولون بالأخوة الإسلامية مع مسلمي إندونيسيا، وبالأخوة الوطنية مع غير المسلمين في إندونيسيا، وبالأخوة الإنسانية مع كل الناس خارج إندونيسيا سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين. وترتب على ذلك أنهم لا يتحمسون لنصرة إخوانهم المسلمين المظلومين في البوسنة وكوسوفا وفلسطين، حتى ولا يشجبون اعتداءات نصارى جزيرة أمبون على المسلمين، خشية جرح مشاعر غير المسلمين في إندونيسيا.
2ـ الرئيس عبد الرحمن الواحد:
هو حفيد مؤسس جمعية نهضة العلماء، ودرس في الأزهر الشريف، وفي بغداد، ويتقن العربية، وهو رجل منفتح على الأديان والأفكار، وغير متعصب ضد الأعراق الأخرى، ولا يؤمن بإقامة دولة إسلامية في إندونيسيا. وشارك في تأسيس ندوة الديموقراطية في إندونيسيا، وكان رئيساً لها إلى أن حلها سوهارتو، ويرأس المؤتمر العالمي للأديان والسلام الذي مركزه في الفاتيكان، الذي عقد في 25/11/1999 مؤتمره الدوري في عمان، وحضره عبد الرحمن الواحد إلى جانب العديد من ممثلي الأديان السماوية وغير السماوية. زار عبد الرحمن إسرائيل عدة مرات، برغم أن إندونيسيا لا تقيم أية علاقة رسمية مع دولة يهود، فقد زارها في عام 1994 زيارة رسمية بصفته رئيساً للمؤتمر العالمي للأديان والسلام، ثم زارها عام 1997 باعتباره أحد أعضاء مجلس أمناء جامعة شمعون بيريز في إسرائيل، وخلال هذه الزيارة صرّح بأن له الشرف أن يزور إسرائيل. وقد حضر حفل توقيع اتفاق وادي عربة الخياني بين الأردن ودولة يهود عام 1994. وقد أعلن أكثر من مرة أنه سيقيم علاقات تجارية مع دولة العدو اليهودي من أجل مصلحة إندونيسيا، وقد جاء في خطاب له نقلت صحيفة «الشرق الأوسط» في 3/11/1999 مقتطفات منه، ما نصه: «يجب أن أكون على اتصال مع الإسرائيليين لأنهم مثلي أصحاب فكر مستقل، كما أنهم يحترمون الديموقراطية، وما هو الأكثر أهمية لديهم الحس بالوحدة، وسأستفيد منهم لإصلاح الاقتصاد المهشم، وربما يكون هناك تعاون في مجال النقل وغيره من النشاطات التجارية.».
وقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن سفير دولة يهود العدوة في سنغافورة قام بزيارة سرية إلى جاكارتا في أواخر شهر تشرين أول/ أكتوبر، حيث سلّم الرئيس الإندونيسي رسالة من رئيس دولة العدو تتعلق بإقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين، وذكر أن الرئيس الإندونيسي طلب إبلاغ الرئيس اليهودي بأنه سُرّ كثيراً لتسلم الرسالة منه.
من أفكاره ومعتقداته: أن الأديان كلها على حق، وان الإسلام المبدئي هو عدوه الأكبر، وأن كلمة «الكافرون» في سورة «الكافرون» ليست عامة، وإنما هي تختص بقريش فقط، وهو يجيز زواج المسلمة من كافر، ويعتبر موقف الإسلام من ردة المسلم غير منطقي وغير عادل، إذ لا يسمح للمسلم بالارتداد، ولكنه يقبل غير المسلمين إذا دخلوا في الإسلام. وصدق الله تعالى: (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ).
3ـ الحركات الانفصالية:
بعد نجاح تجربة انفصال تيمور الشرقية بتخطيط ودعم من الغرب، وبتواطؤ من حكام إندونيسيا والقيادات العسكرية والحزبية، تحرّكت فئات أخرى تريد الانفصال عن الدولة الإندونيسية، فقد تصاعدت أعمال العنف في أتشي، وتجمع في 8/11/1999 مئات الآلاف من الأتشيين أمام المسجد الكبير، بيت الرحمن، في باندا لحضور مهرجان ينادي بالاستفتاء وحق تقرير المصير، من أجل الانفصال عن الأقاليم الإندونيسية. وقد تعهد عبد الرحمن الواحد بإجراء استفتاء في أتشي وبقبول نتائج الاستفتاء، وأرسل وزير حقوق الناس إلى أتشي لاستطلاع الموقف، وسحب القوات العسكرية التي كانت أرسلت إلى هناك لقمع الشغب والدعوات الانفصالية، ولكن أمين رئيس، رئيس الجمعية الوطنية (أو ما يسمى مجلس نواب الشعب) حذّر من أن انفصال أتشي سوف يؤدي إلى تفتيت إندونيسيا، وكذلك ضباط الجيش لا يوافقون على الانفصال، ولهذا نقل مؤخراً عن عبد الرحمن أنه لا يوافق على إجراء استفتاء في أتشي، رغم أنه أكد في زيارته الأخيرة لليابان أنه سيسمح بإجراء الاستفتاء، فهل هذا التغيير في موقفه مرده إلى شجب القيادات السياسية والعسكرية لذلك، أم أن هناك تعليمات جديدة تلقاها من الرئيس الأميركي بوقف مسلسل التفتيت. فقد نشرت صحف أميركية أثناء زيارة عبد الرحمن لأميركا، أن الولايات المتحدة واليابان أبلغتا عبد الرحمن أنهما وافقتا على انفصال تيمور الشرقية بشكل استثنائي، وأنهما لا ترغبان في استمرار مسلسل الانفصال.
إن إندونيسيا أكبر دولة في بلاد المسلمين من حيث عدد السكان، إذ يزيد عدد سكانها على المائتي مليون، غالبيتهم الساحقة من المسلمين، وقد أدى استمرار القهر الرسمي، والحرمان الذي كان من تداعيات الانهيار الاقتصادي، وتضاعف نتيجة عمليات الاختلاس، والسيطرة على المال العام من قبل زمرة سوهارتو، أدى كل ذلك وغيره إلى تطلع بعض الأقاليم نحو الانفصال، فإقليم أتشي، وإيريان ورياو، وسولاويسي الجنوبي، وكاليمنتان الشرقي، كلها تتطلع نحو الانفصال، مدفوعين بظلم الحكام، وفساد النظام، ومخدوعين بفكرة حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير والديموقراطية، وراغبين في الاستئثار بخيراتهم وثرواتهم دون توزيعها على كل الأقاليم.
إن فكرة الانفصال لن تحل للناس مشاكلهم، ولن ترفع عنهم الظلم والاضطهاد، لأن الفساد منبعه النظام نفسه، ولهذا يجب التركيز على تغيير النظام في عاصمة النظام، وفي مواقع قوته واستمراره، لذلك ندعو المسلمين في إندونيسيا للعمل مع المخلصين من إخوانهم وأبنائهم، من أجل إعادة تحكيم شرع الله، وتحويل إندونيسيا إلى دار إسلام تكون فيها الحاكمية لله، وتعلو فيها رايات الإسلام
2000-01-06