خطورة «وثيقة الأزهر» حول مستقبل النظام السياسي في مصر
2011/08/06م
المقالات
2,068 زيارة
خطورة «وثيقة الأزهر» حول مستقبل النظام السياسي في مصر
بادر شيخ الأزهر أحمد الطيب مع مجموعة من العلماء والمثقفين المصريين إلى وضع مجموعة من المبادئ والتصورات الأساسية للنظام السياسي لمصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني أطلق عليها اسم «وثيقة الأزهر» والتي تم بموجبها تحديد مفهوم علاقة الإسلام بالدولة. وقد جاء في مقدمة تلك الوثيقة التي تلاها شيخ الأزهر على الملأ أمام عدسات الفضائيات ونشرتها العديد من وسائل الإعلام: «نعلنُ توافقنا نحن المجتمعين على المبادئ التالية لتحديد طبيعة المرجعية الإسلامية النيرة، التي تتمثل أساساً في عدد من القضايا الكلية، المستخلصة من النصوص الشرعية القطعية الثبوت والدلالة، بوصفها المعبرة عن الفهم الصحيح للدين» . إلا أن تفحص بنود تلك الوثيقة تكشف عن فجوة سحيقة بينها وبين نظام الحكم في الإسلام الذي أقره الشرع ونناقش فيما يلي أبرز دعائم تلك الوثيقة لنتبين مدى خطورتها وبطلانها شرعًا.
– «دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة» .
يتناقض هذا البند مع الحكم الشرعي المتمثل بأن الدولة في الإسلام هي دولة الخلافة، وهي دولة الأمة وليست دولة وطنية أو قومية، وهي دولة عابرة للحدود المصطنعة والأوطان المفصلة من قبل الكافر المستعمر. كما يتناقض أيضًا مع كون الدستور والقانون في الإسلام إنما يأتي من خلال ما ارتضاه الله تعالى للأمة وأن لا خيار لها البتة في التحاكم لغير الإسلام، وأنه لا يعتد برأي أحد قل أم كثر في ميزان الشرع إن تعارض مع أي حكم من أحكامه، يقول تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)
– اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة.
إن النظام الديمقراطي يجعل السيادة للشعب بشكل مطلق وهو ما يتضارب مع الإسلام الذي يجعل السيادة للشرع، والقدسية للوحي، الذي يعلو ولا يعلى عليه (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه) كما لا يصح بحال خلط الديمقراطية بالشورى أو مزجهما وكأنهما شيء واحد، ذلك أن الشورى حكم شرعي يمارسه الحاكم خارج دائرة التشريع وفي المصالح العامة لرعاية شؤون الأمة، ولا يمكن للشورى في الإسلام أن تعارض نصًا أو تنال من مقدس، فيما لا يوجد مقدس في الديمقراطية سوى إرادة الشعب ورغباته، وأن الجائز والمحظور فيها مرجعه الأكثرية وليس الشرع، وأما الانتخاب المباشر أو غيره فإنما هو آلية مباحة لا حاجة لاستيراده من النظام الديمقراطي أو غيره.
– الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي.. وتأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية.
إن منظومة الحريات الأساسية التي ينص عليها النظام الديمقراطي، والتي يجب على الحاكم حمايتها والمحكوم احترامها، هي تلك التي تلغي معايير الحق والباطل من حياة الناس، وتجعلها نسبية وفردية يُمنح الناس بموجبها حق التمرد على الدين والهجوم على أحكامه ووصفها بالتخلف، بل والنيل من كل مقدس بذريعة حرية الرأي والتعبير والإبداع. كما أن الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية يعني الاعتراف بـ (إسرائيل) وبهيمنة القوى الكبرى على العالم، وبالخضوع للأعراف والقوانين الدولية القائمة على الفكر الرأسمالي العلماني، والتي تتعارض مع الإسلام أصلاً وفصلاً!
لقد حق للعلمانيين أن يفرحوا بتلك الوثيقة ويهللوا لها، وهو بالفعل ما حصل، بل وطالبوا بوضعها كبوصلة يهتدي بها المجتمع لتحديد النظام السياسي في مصر، وهذا ليس مستغربًا فإنها تنهل من نبعهم وتصب في بحيرتهم الآسنة، ولا علاقة لتلك الوثيقة بالنصوص الشرعية القطعية الثبوت والدلالة سوى علاقة التضاد، على نقيض ما ادعاه شيخ الأزهر.
يذكر أنه في القرن الماضي ادعى أحد مشايخ الأزهر (علي عبد الرازق) بأنه لا يوجد نظام حكم في الإسلام، فقام مفتي مصر حينها الشيخ العلامة محمد بن بخيت المطيعي بتحذيره من ضلالته تلك وباستتابته ورد عليه في كتابه «حقيقة الإسلام وأصول الحكم» ردودًا حاسمة تثبت بأن النصوص الشرعية تجزم بأن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة. فما أشبه اليوم بالأمس، ولا ندري أيهما أشد سوءًا وخطرًا، أن يدعي أحدهم أن لا نظام حكم في الإسلام، أم أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام ديمقراطي مدني وطني يلتزم بالمواثيق والقرارات الدولية! ?
2011-08-06