خطر اللعب بورقة الحركات الإسلامية المعتدلة إبعاد الحكم بالإسلام
أبو العز عبد الله عبد الرحمن- السودان
إن الأمة الإسلامية اليوم لم تتحرر من ربقة الاستعمار بعد، ولكنها بإذن الله ستحقق قريباً وعد الله سبحانه وتعالى وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكي يتم التحرير لا بد أن تنعتق الأمة من هيمنة الغرب الكافر، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً! نعم، فالغرب يستعمر الأمة في كل شيء، وسياسته هذه لا يمكن إخفاؤها لا فعلاً ولا قولاً!
فهذا فرانك كارلوتشي وهو رئيس مجموعة كارلايل الأميركية العملاقة، وآخر وزير دفاع في إدارة رونالد ريغان، ومستشار الأمن القومي الأميركي ومن المقربين بشدة إلى وزير الدفاع السابق «رامسفيلد» يقول قبل الحرب الاستعمارية على العراق: «إن الذين يسألون عما إذا كانت لدينا استراتيجية عُليا يصح لهم أن يعرفوا أن لدينا استراتيجية عُليا، وأن هذه الحرب القادمة خطوة على طريقها» . ثم يستطرد «كارلوتشي» «وفقًا لتقرير صدر فيما بعد عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك» «لدينا استراتيجية عُليا غاية في البساطة، نحن نريد في المنطقة نظمًا موالية لنا، لا تقاوم إرادتنا، ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع، ونريد ضمانًا نهائيًا لأمن (إسرائيل) لأنها الصديق الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه في هذه المنطقة!» .
ورغم هذا التكالب على الأمة الإسلامية العظيمة وفي هذا الظرف الحرج الذي تمر به، بدت بوادر تتلمس بها الأمة طريق الانعتاق من هذه الهيمنة. والغرب بقيادة أميركا يعلم علم اليقين أن الأمة اكتفت من زيف الأنظمة التي يدعمها الغرب نفسه، بل ويعلم أن الأمة ما أضحت ترضى عن الإسلام بديلاً؛ لذلك قامت مجموعة من المراكز البحثية (مراكز البحوث في أميركا وغيرها وهي مسؤولة عن تقديم النصح والبدائل المناسبة للسياسات الأميركية والغربية عموماً) باقتراح تقديم أنظمة تابعة للغرب، تظهر وكأنها بديلة وتلبس ثوب الإسلام؛ وذلك ليسرق الغرب بواسطتها تململ الأمة وثوراتها المرتقبة والتي أصبحت حقيقة ماثلة اليوم، ولتبعد الأمة عن النهضة الحقيقية التي ترجوها بتطبيق الإسلام كاملاً. وقد أكدت تصريحات الساسة الغربيين على تبنِّي هذه الخطط.
ولكن الذي يجب التنبه له أن الغرب بمؤسساته وساسته ما كان ليلجأ لذلك إلا لوجود رأي عام قوي للإسلام لدى الأمة الإسلامية؛ لذلك كان القصد الأساس هو خداع هذه الأمة الكريمة حتى تتقهقر سنوات أخرى عن النهضة الحقيقية وتتأخر بإقامة أنظمة ترفع شعار الإسلام وتحكم بأنظمة الغرب وتوالي الغرب كما في السابق ولكن بثوب جديد.
ويمكن فيما يلي عرض بعض من هذه الخطط:
1- تحت عنوان «السياسة الخارجية الأميركية والتجديد الإسلامي» أصدر معهد السلام الأميركي «United States Institute of Peace USIP»
دراسة في 2006م حول دور الولايات المتحدة في وضع إطار يساهم في تحديد طبيعة المناقشات والجدل الدائر الآن داخل المجتمعات في البلاد الإسلامية بين ما يسمى بالتيارات السلفية الأصولية وتيار التجديد الإسلامي.
تقول الدراسة إن حركة التجديد الإسلامي تحمل فرصة ذهبية لتحسين سمعة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي ووضعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن دعم الإصلاح ومواجهة الفكر المتطرف عن طريق التعاون مع حركة التجديد الإسلامي يعطي جهود دعم الإصلاح التي تبذلها الولايات المتحدة مصداقية كبيرة. وتمثل هذه الخطة بديلًا مثاليًا للخيارات الأخرى مثل سياسات تغيير الأنظمة، والتعاون الأمني مع الحكومات الاستبدادية، أو دعم الديمقراطية من خلال مفاهيم غربية علمانية غريبة عن الثقافة السياسية في العالم الإسلامي.
وتؤكد الدراسة أنه لا شك في أن الترابط بين الإسلام والسياسة أمر واقع، يجب أن تتقبله الولايات المتحدة عاجلًا أو (أم) آجلًا. ولكن التساؤل يبقى: أي رؤية إسلامية ستنتصر في الصراع الجاري بين التطرف والتجديد، رؤية التشدد والتعصب الديني أم رؤية التسامح والمساواة والتطور؟ هذا صراع يمكن أن يحسم لصالح الرؤية الأخيرة إن ساندت السياسة الأميركية مؤيدي التجديد الإسلامي.
وطرحت دراسة معهد السلام الأميركي هذه عدة توصيات لترميم السياسة الأميركية تجاه العالم الإسلامي ومواجهة ما وصفته بخطر التطرف الديني، وتتمثل أهم نقاطها في:
-
إنشاء منظمة مستقلة تحت اسم «المؤسسة الإسلامية العالمية» لتعزيز السلام والتنمية والرخاء والانفتاح في المجتمعات والدول الإسلامية.
-
توفير منح خاصة للجماعات الأميركية لدعم البحوث والدراسات التي تبرز الأعمال والأفكار «الإسلامية التحديثية» .
-
مشاركة الأحزاب الإسلامية على أساس معياري، وتركيز الحوار على القضايا السياسية المهمة مثل حرية الرأي والتعبير، وحقوق المرأة والأقليات، بدلًا من الانشغال الزائد بمسألة الانتخابات الحرة.
-
التأكيد على ضرورة الإصلاحات المعنية بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية الهامة.
-
إعادة صياغة هيكل وجهود برامج كل من الدبلوماسية العامة ودعم الديمقراطية والمعونات لتحسين وضع حركة الإصلاح والتجديد الإسلامي.
-
النظر في دعم المؤسسات الخيرية ذات الهوية الدينية التي من الممكن أن تساعد على تقوية الاعتدال الديني بالعالم الإسلامي.
وفي عام 2007م أصدر المعهد نفسه دراسة حول «الإسلام المعتدل» عنوانها «دمج الإسلاميين وتعزيز الديمقراطية: تقييم أولي» . وهي عبارة عن محاولة أولية لتقييم الجهود الأميركية المبذولة في إطار تعزيز ودعم الديمقراطية في البلدان العربية.
وهنا تقرر الدراسة ابتداءً أن معركة الولايات المتحدة مع تيارات العنف والتطرف لابد وأن تتم من خلال دعم وتقوية عمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي، حتى وإن أدى ذلك إلى صعود الإسلاميين «المعتدلين» ، بل تؤكد الدراسة على ضرورة دعم هؤلاء الإسلاميين باعتبارهم حائط الدفاع الأول في مواجهة المتطرفين والمتشددين؛ لذلك تطالب الدراسة بضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتعزيز دمج الإسلاميين في الحياة السياسية الغربية.
2- مؤسسة راند Corporation RAND التي تأسست عام 1948م، في حقل السياسة الخارجية كان اهتمامها في البداية منصبًا على الاتحاد السوفياتي، ولكن بعد ذلك وسعت دائرة اهتمامها لتشمل مناطق أخرى من العالم. نصف عملها يتركز حول الدفاع والأمن القومي، والنصف الآخر حول السياسات في قضايا محلية في الحقول الاجتماعية والاقتصادية. انطلق مشروعها من حاجة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أن ينشأ مركز دراسات يعمل على خدمة التوجهات الدفاعية الأميركية. ويعمل في استشارات لبعض مشروعات هذه المؤسسة مستشار الأمن القومي السابق سكو كرفت، وثلاثة من وزراء الدفاع الأميركيين السابقين، وهم هارولد براون، فرانك كارلوتشي، ووليام بيري. وتجسد راند نموذجًا واضحًا ومباشرًا في البحوث التعاقدية أو (مقاولي الحكومات) مع وزارة الدفاع الأميركية.
أعدت شارلي بينارد- الباحثة بمؤسسة (راند) للدراسات دراسة نُشرت عام 2004م- تصنف فيها «الإسلام السياسي» إلى أشكال متعددة، كان أهمها «الإسلام المعتدل» .
وفي عام 2007م أصدرت مؤسسة (راند) دراسة شاملة حول «بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي» شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل.
وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس «صراع أفكار» ، وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الغرب يكمن فيما إذا كان العالم الإسلامي سوف يقف في مواجهة المد الجهادي الأصولي، أم أنه سيقع ضحية للعنف وعدم التسامح. وقد قامت هذه الفرضية الغربية على عاملين أساسيين: «أولهما أنه على الرغم من ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذًا وتأثيرًا ووصولًا لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أم أميركا الشمالية. وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية والتي لا يوجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون» .
وانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الخيط الرئيسي في الدراسة يصب في «ضرورة قيام الولايات المتحدة بتوفير المساندة للإسلاميين المعتدلين من خلال بناء شبكات واسعة وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لبناء حائط صد في مواجهة الشبكات الأصولية» .
وقالت الدراسة إن صناع السياسة في أميركا يواجهون ثلاثة تحديات رئيسية تختلف كليًا عما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة: أولها، يتعلق بصعوبة الاختيار بين استراتيجيتي الدفاع أو الهجوم، فالبعض فضل اللجوء للاستراتيجية الهجومية من أجل خلخلة النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، من خلال خلق شبكات داخلية لمهاجمة كافة الحكومات الشيوعية. في حين اعتقد البعض الأخر ضرورة اللجوء للاستراتيجية الدفاعية من خلال اعتماد استراتيجية «الاحتواء» من خلال دعم الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية وآسيا وأميركا اللاتينية.
التحدي الثاني يتمثل في كيفية حفاظ الحلفاء المحليين على مصداقيتهم أمام شعوبهم بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، ولذا فقد حاولوا وضع مسافة واضحة بين أنشطتهم وعلاقتهم بواشنطن.
أما التحدي الثالث فيتمثل في شكل وبنية التحالف الذي يمكن بناؤه في مواجهة الشيوعية، هل يتم من خلال العلاقة مع الاشتراكيين السابقين الذين تحولوا ضد الشيوعية، ولكنهم أيضًا ينتقدون السياسة الخارجية الأميركية، أم يتم بالبحث عن شركاء آخرين؟ وفي النهاية لجأت الولايات المتحدة إلى بناء تحالف كبير يضم جميع من ينتقد الأيديولوجية الشيوعية، لذا تم تأسيس ما يطلق عليه «كونجرس الحرية الثقافية» .
وتشير الدراسة إلى أن أهم الشركاء «المحتملين» في مواجهة من وصفته بـ «الإسلام الراديكالي» هم المسلمون الليبراليون والعلمانيون الذين يؤمنون بقيم الليبرالية الغربية وأسلوب الحياة في المجتمعات الغربية الحديثة. «والذين يمكن من خلالهم محاربة الأيديولوجية الإسلامية المتشددة والراديكالية، ويمكن أن يكون لهم دور مؤثر في حرب الأفكار» . إذًا هذه بعض صفات المسلمين المعتدلين حسب الرؤية الغربية «ليبراليون وعلمانيون» ، ومعروف أن كلتا الصفتين جزء من الثقافة الغربية.
بيد أن الدراسة تؤكد على أنه لابد من توفير كافة مصادر التمويل التي تمكن هؤلاء المعتدلين من نشر أفكارهم وحصد مؤيدين وأنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط على الحكومات السلطوية للسماح لهم بالتحرك بحرية ودون قيود.
3- تتناول ورقة العمل التي قدمتها الباحثة كريستينا كاوش ونشرتها مؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوار الخارجي في إطار ما تنشره من مواضيع حول العالم العربي والإسلامي على موقعها، مسألة الحوار المباشر بين الإسلاميين المعتدلين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المنطقة العربية) وحكومات دول الاتحاد الأوروبي، وقد اعتمدت الدراسة على حوارات سرية، ولم تكشف عن مصادرها، جرت بين ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسياسيين إسلاميين حول علاقاتهم وارتباطاتهم وسياساتهم. تقول الباحثة كريستينا كاوش: «إن الحوار المباشر مع الحركات السياسية الإسلامية عمومًا كان أمرًا محظورًا على حكومات دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت قصور هذه المقاربة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والقاضية بالتعاون مع الحكام وتجاهل التواصل مع الحركات الإسلامية ولو من بعيد، بهدف ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والدفاع عن مصالح دول الاتحاد الاستراتيجية فيها» .
فالأوروبيون بالرغم من إدراكهم لما تتمتّع به هذه الحركات من ثقل شعبي وسياسي، إلا أنهم لا يشعرون بالاطمئنان تجاهها ولا يثقون بنواياها وأهدافها، ويخشون من عواقب الانخراط في حوار مباشر معها، كي لا يُثيروا شكوك وغضب الحكومات العربية التي تربطهم بها صداقات وصلات تعاون وثيق في مختلف المجالات الحيوية.
ولكن هذا لم يمنع من ظهور تناقضات عدة في هذا الشأن، حيث تبدلت المواقف وأخذ الأوروبيون يبحثون عن سياسات بديلة للتعامل مع ما يسمونهم بالإسلاميين «المعتدلين» .
والحقيقة أن هناك ضرورة لانتهاج سياسات بديلة قد تدفع واضعي السياسات الأوروبية إلى تغيير مواقفهم من الإسلاميين المعتدلين، مع العلم أن الحوافز لإعادة توجيه مسار سياسات الاتحاد الأوروبي في المنطقة قليلة، ويعتبر منع التطرف جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، بل إن فكرة الحوار بين الاتحاد الأوروبي والقوى الإسلامية نشأت في الأصل لأسباب أمنية.
ويرى الاتحاد الأوروبي بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستقرار في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الضغط على الحركات الإسلامية من الداخل، وغالبًا ما وصفوا «بالاعتدال» الأحزاب الإسلامية التي تتطلع إلى الحكم عبر المسار الديمقراطي ولها دور فاعل في التأثير والتغيير.
وترى الدراسة أن اندماج بعض الجماعات الإسلامية «المعتدلة» في السياسة الوطنية ونمو طاقاتها وحصولها على دعم واسع من المجتمع، وكذا نجاح بعضها في الانتخابات، أهّلها لتصبح محاوراً سياسياً على قدر من الأهمية.
4- في صحيفة الشرق الأوسط 18 فبراير2011 العدد 11770، نُشِرت مقالة بعنوان: «مستقبل مصر ديمقراطية» لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة (كونداليزا رايس) ذكرت فيه ما يلي: «والخطوة الأكثر أهمية الآن هي التعبير عن الثقة في مستقبل مصر الديمقراطية. والمصريون ليسوا إيرانيين، والثورة المصرية لا تشبه الثورة الإسلامية الإيرانية التي اندلعت عام 1979م. والمؤسسات المصرية، أقوى وعلمانيتها أعمق. ومن الوارد أن يشارك الإخوان المسلمون بإرادة الشعب في انتخابات حرة ونزيهة. ويجب أن يتم إجبارهم على الدفاع عن رؤيتهم لمصر. ولكن هل يسعى الإخوان المسلمون لفرض حكم الشريعة الإسلامية؟ وهل ينوون توفير مستقبل للتفجيرات الانتحارية والمقاومة العنيفة لإسرائيل؟ وهل سيستخدمون إيران كنموذج سياسي أم سيستخدمون نموذج «القاعدة» ؟ وهل ستوفر مصر وظائف عمل لشعبها؟ وهل يتوقعون تحسين الظروف المعيشية للمصريين المنفصلين عن المجتمع الدولي عبر سياسات مصممة لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟» .
وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 24/2/2011 أن الإدارة الأميركية لن تعارض وصول جماعة الإخوان المسلمين المصرية للسلطة ما دامت تنبذ العنف وتلتزم الديمقراطية وحقوق كل أبناء المجتمع. وأضافت أنه ينبغي أن تضمن القوانين في مصر أنها ديمقراطية حقيقية.
5- إن هذه السياسة الأميركية بدأت تتضح ثمارها من خلال ظاهرتين:
الأولى: تطعيم الحركات الإسلامية بأفكار علمانية على النمط الغربي، فقد صرح بعض أعضاء الحركات الإسلامية في الكويت ومصر، ومن قبل في الأردن، أن لا مانع من أن يضم الحزب المسمى (إسلاميًا) أعضاءً من المواطنين غير المسلمين. وصرح عضو إسلامي بارز في مصر أن شعار (القرآن دستورنا) هو «شعار عاطفي لا يعبر عن منهجنا للعمل السياسي» … أي أن أميركا تحاول أن تجعل الأحزاب الإسلامية كالأحزاب المسيحية في الغرب. فمثلاً حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حزب الاتحاد المسيحي الاشتراكي… وهكذا أي أن تكون أحزاباً تذكر الدين في اسمها ولكنها في العمل السياسي علمانية الطابع والتفكير مع بعض المشاعر الدينية إذا اقتضتها ظروف خاصة.
الثانية: محاولة الإدارة الأميركية الاتصال ببعض الحركات الإسلامية، وقد أصبح هذا الأمر مكشوفاً تنشر عنه الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، كالاتصالات مع بعض الحركات في مصر وسوريا والكويت ولبنان وفلسطين.. التي كانت تتم مع مسؤولين رسميين أميركيين أحياناً، ومع وفود من الكونغرس أو رجال الأعمال الأميركيين أحياناً أخرى. ولقد دخلت أوروبا على خط الاتصالات مع بعض الحركات الإسلامية بالعلن أحياناً وبنصف العلن أحياناً أخرى. ومن ذلك ما خطه الدبلوماسي الأميركي إدوارد دجرجيان عن اللقاءات السرية مع بعض قادة جماعات إسلامية معتدلة في كتابه: «خطر وفرصة: رحلة سفير أميركي في الشرق الأوسط» . حيث يقول فيه: مثالان يخطران على بالي: حسن الترابي وراشد الغنوشي.
1- الترابي يزور الخارجية الأميركية…سراً
«في بداية التسعينات عندما كنت مساعدًا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، زارني حسن الترابي في مكتبي، وهو زعيم سياسي سوداني بارز كان في بداية حياته السياسية عضوًا في حركة الإخوان المسلمين (ثم انشق عنها بذكاء وأصبح مستقلاً لكونها جامدة ومتخلفة فكريًا) . عندما زارني الترابي في مكتبي في واشنطن، كان يرتدي بذلة فاخرة من ثلاث قطع، وكان يتصرف بطريقة لا تختلف عن كبار رجال الأعمال المحنكين في الشرق الأوسط الذين عرفتهم في بيروت. وخلال حديثنا، لاحظت أنه يملك معرفة كبيرة وعميقة لمعظم قضايا الشرق الأوسط وعلاقة الولايات المتحدة والغرب بتلك القضايا. هذه ليست مفاجأة إذا علمنا أنه يحمل دكتوراه (في القانون) من السوربون، ويتحدث بطلاقة مدهشة الفرنسية والإنجليزية (والألمانية) ولكن المثير لي حقًا أنه تحدث عن ضرورة إزالة الخلاف بين الشيعة والسنة وتوسيع حقوق المرأة في العالم الإسلامي، كما تحدث بايجابية وثقة عن وجود «ديمقراطية إسلامية» !! إنه نفس الشخص الذي أسس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي كان يقوده وهو يرتدي ملابسه السودانية التقليدية وعمامته واستضاف زعماء حركات متطرفة من جميع أنحاء العالم» .
2- والغنوشي أيضًا…يراسل أميركا سرًا!!
«وبالمثل، بعد أن ألقيت خطابي في «الميريديان هاوس» وصلتني رسالة طويلة من راشد الغنوشي، وهو قيادي إسلامي (إخوان مسلمين) معارض للنظام التونسي هرب إلى لندن في سنة 1989م ليفر من حكم بالسجن المؤبد، وعبّر الغنوشي في رسالته لي عن سعادته بأن خطبتي تضمنت أن الولايات المتحدة لا تعتبر الإسلام نفسه عدوًا. وهذا بعض ما كتبه لي: «المسلمون لا يوجد لديهم مشاعر كراهية لكم كأميركان ولا لوضعكم كقوة عظمى. ولكننا نريد حريتنا في بلداننا. نريد الحق في أن نختار النظام الذي نرتاح له. نريد أن تكون علاقتنا معكم مبنية على الصداقة وليس التبعية أو الخضوع. هناك إمكانية لتبادل الأفكار والمعلومات بيننا، وتبادل المعلومات والثقافات في عصر تحكمه قواعد المنافسة والتعاون بدلًا من قواعد السيطرة والخضوع» .
يقول دجرجيان «لقد كنت على علم تام أن هدف الغنوشي غير المباشر هو كسب تعاطفي للحصول على فيزا لدخول الولايات المتحدة الأميركية والتي رفضنا باستمرار في وزارة الخارجية منحه إياها، ولهذا عكست عباراته بدهاء ما تريد الولايات المتحدة أن تسمعه من زعيم إسلامي مشهور، طبعًا.. إذا كان هناك أي سبب أو دليل ملموس للاعتقاد أن رسالته تعبر عن حقيقة أفكاره!! ولكنه، مثل الترابي الذي يحترمه الغنوشي كثيرًا، كان لديه دائمًا وجه آخر. فهو يساند الثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها آية الله الخميني بل ويردد مصطلحات الخميني التي تصف أميركا بـ «الشيطان الأعظم» . كما وصف إدارة بوش الأب بـ «أعظم خطر على الحضارة والدين والسلام العالمي» . وخلال حرب عاصفة الصحراء ساند الغنوشي صدام حسين بقوة للأسف» .
ما هو الاعتدال في نظر الغرب؟
أولاً: أصدر «معهد أميركان إنتربرايز» الأميركي دراسة تحت عنوان «محاولة للبحث عن الإسلاميين المعتدلين» نُشرت في مجلة «كومنتري» الأميركية في فبراير 2008م، وقد نشر موقع «تقرير واشنطن» ملخصاً لها:
ما هو الإسلام المعتدل وأين نجده؟
تشير كلمة «معتدل» إلى كمية أو درجة أقل من الشيء. فعلى سبيل المثال فإن اليساري المعتدل، ليس بعيدًا جداً عن اليسار. فهل «المسلم المعتدل» ليس مسلماً تقياً ورعاً؟.
أخذْ الأمر على هذا النحو يعني الإقرار بأن الإسلام يتناقض مع الغرب. وأن القضية هي الكراهية الشديدة. وبذلك يمكن أن نقبل ضمناً أن الإرهاب هو نتيجة طبيعية للولاء التام للعقائد الإسلامية، وهو القياس الذي من المفترض أن نرفضه حسبما أشارت الدراسة.
وتحاول الدراسة النفاذ إلى فكرة «الإسلام المعتدل» عبر طرح قناعات جديدة لتثبيت المعايير الغربية لـ «الإسلام المعتدل» التي لا تختلف في الأصل عن المعايير التي وضعتها دراسة «راند» ؛ كون هذه المعايير تنبع من مصدر فكري غربي واحد. حيث تقول الدراسة: «إذا كانت معركتنا ضد الإرهاب تقوم على أن المسلمين يجب أن يصبحوا أقل إيماناً وتقوى، فإن فرص النجاح ستكون ضئيلة وسيئة. ما نريده لا يتعلق بحماس المسلمين لقناعاتهم الدينية وإنما يتركز على أرضية قبول أو رفض التعددية» .
وفي إطار الإجابة على تساؤل «أين نجد الإسلام المعتدل؟» أشارت الدراسة إلى أربع مجموعات من المسلمين المعتدلين:
المجموعة الأولى: تشمل المواطنين العاديين في البلدان الإسلامية الذين يمارسون شعائر دينهم دون أن تتمركز السياسة في حياتهم. ولا يشاركون في أعمال العنف، وفي الغالب لا يدعمونها.
المجموعة الثانية: «المعتدلون» وتشمل الأنظمة، حيث يتضمن «الاعتدال» التحالف مع الغرب.
المجموعة الثالثة: تضم ليبراليين علمانيين يتعاطفون مع القيم السياسية والثقافية للغرب…
المجموعة الرابعة: تضم مجموعات متنوعة من الإسلاميين الذين يصفون أنفسهم بأنهم ضد العنف.
وترى الدراسة أنه على الرغم من أهمية المجموعتين الأولى والثانية فإنهما لا تلعبان دوراً مهماً في محاربة «الإرهاب» . وربما يوجد بين المجموعتين الثالثة والرابعة مصادر قوة جديدة في هذه الحرب حيث يُعتبر الليبراليون العلمانيون المجموعة ذات الصلة الأكبر بالديمقراطية والقيم الغربية. وتضيف الدراسة أنه لسوء الحظ، لا تحظى وجهات نظرهم بالولاء، خصوصاً عندما تقف ضد قوة الحركات الإسلامية الصاعدة والمتزايدة بقوة. ويتضح ذلك في مصر وفي السلطة الوطنية الفلسطينية (خسارة فتح في انتخابات 2006م لصالح حماس) .
ثانياً: يقول خليل العناني في موقع «تقرير واشنطن» الأميركي: «لا يزال الغرب مسكوناً بهاجس التطرف الإسلامي، ولا تزال الكثير من مؤسسات ومراكز الأبحاث الأميركية تقوم بالعديد من الدراسات والأبحاث حول كيفية تحقيق مواصفات «الإسلام المعتدل» وتشير الدراسة إلى أن نقطة البدء الرئيسية التي يجب على الولايات المتحدة البدء بها في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية هؤلاء الإسلاميين. وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه يمكن التغلب على صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلى التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد «راند» مثل دارسة شارلي بينارد «الإسلام المدني الديمقراطي» ، ودراسة أنجل رابسا «العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر» .
ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسية التي يمكن من خلالها تحديد ماهية «الإسلاميين المعتدلين» ، حسب المعايير الغربية، أهمها ما يلي:
1- القبول بالديمقراطية: يعتبر قبول قيم الديمقراطية الغربية مؤشراً مهماً على التعرف على «الإسلاميين المعتدلين» ، فبعض الإسلاميين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن البعض الأخر يقبل منها ما يتواءم مع المبادئ الإسلامية خصوصاً مبدأ «الشورى» ويرونه مرادفاً للديمقراطية.
كما أن الإيمان بالديمقراطية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية التي يتحكم فيها رجال الدين، لذا يؤمن «الإسلاميون المعتدلون» بأن لا أحد يملك الحديث نيابة عن «الله» .
2- القبول بالمصادر غير «المتعصبة» في تشريع القوانين: وهنا تشير الدراسة إلى أن أحد الفروق الرئيسية بين الإسلاميين «الراديكاليين» و «المعتدلين» هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة. فالتفسيرات التقليدية للشريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة على ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني عبد الله بن نعيم قال فيه إن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقًا متساوية في الشريعة الإسلامية.
3- «احترام حقوق النساء والأقليات الدينية» : وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن «المعتدلين» أكثر قبولاً بالنساء والأقليات المختلفة دينياً، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها؛ نظراً لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبان العصر النبوي الشريف. وهم يدافعون عن حق النساء والأقليات في الحصول على كافة المزايا والحقوق في المجتمع.
4- «نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع» : وهنا تؤكد الدراسة على أن «الإسلاميين المعتدلين» يؤمنون، كما هو الحال في معظم الأديان، بفكرة «الحرب العادلة» ، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف، ومتى يكون مشروعاً أو غير مشروع؟.
وفي نهاية هذا الجزء تضع الدراسة مجموعة من التساؤلات، أشبه بمقياس للفرز بين «الإسلاميين المعتدلين» ، وأولئك الذين «يتخفون وراء مقولات الاعتدال والديمقراطية كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر» ، على حد قول الدراسة.
هذه الأسئلة هي بمثابة اختبار لإثبات مدى اعتدال أي جماعة إسلامية من عدمه وتتمثل فيما يلي:
– هل الجماعة تتساهل مع «العنف» أو تمارسه؟، وإذا لم تكن تتساهل معه فهل مارسته في الماضي؟.
– هل الجماعة تؤيد الديمقراطية باعتبارها «حق» من حقوق الإنسان؟.
– هل تحترم الجماعة كافة القوانين والتشريعات الدولية لحماية حقوق الإنسان؟.
– هل لديها أية استثناءات في احترام حقوق الإنسان (مثل الحرية الدينية على سبيل المثال) ؟.
– هل تؤمن بأن تغيير الديانة أحد «حقوق الإنسان» ؟.
– هل تؤمن بضرورة أن تطبق الدولة قانوناً جنائياً (الحدود) يتطابق مع الشريعة الإسلامية؟.
– هل تؤمن بضرورة أن تفرض الدولة قانوناً مدنياً متلائمًا مع الشريعة؟، وهل تؤمن بحق الآخرين في عدم الاحتكام بمثل هذا القانون والرغبة في العيش في كنف قانوني علماني؟.
– هل تؤمن بضرورة أن تحصل الأقليات الدينية على نفس «حقوق» الأغلبية؟.
– هل تؤمن «بحق» الأقليات الدينية في بناء دور العبادة الخاصة بهم في البلدان الإسلامية؟.
– هل تؤمن بأن يقوم النظام القانوني على مبادئ غير دينية؟.
حلفاء محتملون: علمانيون وليبراليون ومتصوفة
وتشير الدراسة إلى أن هناك ثلاثة قطاعات مهمة في العالم الإسلامي قد تمثل «نواة جيدة» لبناء شبكات من «الإسلاميين المعتدلين» من أجل مواجهة «المتطرفين الإسلاميين» . وهذه القطاعات هي (العلمانيون والإسلاميون الليبراليون والمعتدلون التقليديون بما فيهم المتصوفة) .
أما فيما يخص العلمانيين فتشير الدراسة إلى أن التيار العلماني في العالم الإسلامي، خصوصاً في البلدان العربية، يعاني من الضعف والتهميش؛ نظراً للعلاقة الوثيقة التي نشأت بين العلمانية والنظم الشمولية. وتشير الدراسة إلى وجود ثلاثة أنواع من العلمانيين:
أولها العلمانيون الليبراليون وهم الذين يؤيدون تطبيق القوانين العلمانية في الدول الإسلامية. وهم يؤمنون بالقيم العلمانية الغربية التي تقوم على ما يسمى بـ «الدين المدني» .
أما النوع الثاني من العلمانيين فتُطلِق عليه الدراسة اسم «الأتاتوركيين» نسبة إلى العلمانية التركية، التي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة. وهي أقرب ما تكون للنموذج الفرنسي والتونسي، وخير مثال على ذلك موقفهم من قضية الحجاب.
أما النوع الثالث فتطلق عليه الدراسة «العلمانيون السلطويون» وقائمتهم تشمل البعثيين والناصريين والشيوعيين الجدد.
وعلى الرغم من علمانيتهم الظاهرة إلا أن هؤلاء قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط من أجل كسب التعاطف الشعبي.
-
أما الإسلاميون الليبراليون، فعلى الرغم من أنهم يختلفون مع العلمانيين في أيديولوجيتهم السياسية، إلا أنهم يحملون أجندة فكرية وسياسية تتلاءم تمامًا مع القيم الغربية، وهم يأتون من أوساط الإسلاميين التحديثيين.
وترى الدراسة أن هؤلاء لديهم نموذج خاص من الليبرالية الإسلامية يتواءم مع الديمقراطية الليبرالية الغربية خصوصاً فيما يتعلق بالديمقراطية وشكل الدولة وحقوق الإنسان والتعددية السياسية.
بل أكثر من ذلك، إن موقفهم من مسألة تطبيق الشريعة «متقدم وبنّاء» ، على حد وصف الدراسة، حيث ينظرون إلى الشريعة باعتبارها منتجًا تاريخيًا وأن بعض أحكامها لم يعد يتناسب مع الوضع الراهن…
-
أما «الإسلاميون التقليديون» والصوفيون، فتشير الدراسة إلى أنهم يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم الإسلامي، وهم يعبرون عن الإسلام المحافظ، ويؤكدون على السير على خطى السلف، والتمسك بالجانب الروحي للإسلام. وهم يعتمدون على المذاهب الأربعة في فهمهم للإسلام.