الوعي العام لعملية التغيير الصحيح
2011/11/05م
المقالات
3,302 زيارة
الوعي العام لعملية التغيير الصحيح
حمد طبيب
موضوع الوعي العام يرتبط ارتباطاً حتمياً بالتغيير الجذري المبدئي، لأنه لا يمكن تحقّقه في المجتمعات -أي التغيير- دون مقدمات، وأهم هذه المقدمات وأولاها هو الوعي العام على ما يراد إيجاده في المجتمع من عملية تغيير شاملة، قائمة على أساس مبدئيٍّ فكريٍّ صحيح، وهذا الأمر أيضاً هو من أحكام الطريقة في عملية التغيير الشرعية التي لا تجوز مخالفتها أو الحيد عن تفاصيلها؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد سار في هذا الطريق في المدينة المنورة في عملية تهيئة الأجواء من أجل توطئة الأرضية لإقامة الدولة الإسلامية، لذلك ومن هذا المنطلق لا بد من فهم معنى الوعي العام، وكيف يتحقق من أجل عملية التغيير الخاصة (المبدئية ).
فالوعي إذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية، نجد أن معناه حسب ما ورد في الصحاح للجوهري الحفظ والفهم؛ قال: وعاه أي حفظه وفهمه،تقول: وعيت الحديث أعيه وعياً.. أما كلمة العام فهي مأخوذة من عمّ الشيء أو الأمر؛ أي شمل الجميع، قال: عم الشيء يعم عموماً أي شمل الجماعة، يقال: عمهم بالعطية.. فيصبح معنى الوعي العام كما وردت في لغة العرب هو فهم الأمة وحفظها لما يراد إيصاله إليها من فكر، وانتشار هذا الفهم والحفظ عند معظم الناس في المجتمع فيتحقق معنى الشمول.
أما كيف يتحقق هذا الوعي في المجتمع، فلا بد قبل بيان كيفية تحقّقه ومعرفة ذلك في المجتمع من بيان أنواع هذا الوعي العام في أي مجتمع كان وتأثيره في عملية التغيير. أما هذه الأنواع فهي:
الوعي على حاجات المجتمع المتعلقة بالنواحي الغريزيّة والحاجات العضوية: قد يقول قائل هنا: إن مظاهر الغرائز والحاجات العضوية تدفع الإنسان للإشباع بشكل فردي عند كل إنسان، وهي تحتاج إلى مفهوم عن الأشياء التي تشبع الحاجات، ولا تحتاج إلى وعي وإحاطة، ولا دخل لموضوع الوعي بهذا الأمر. فنقول: هذا الكلامُ صحيح لأن الغرائز والحاجات العضوية تدفع الإنسان للإشباع، ولكنّها لا تدفعه للتغيير المجتمعي الشامل على أساس الحاجات العضوية والغرائز، فلا بد من أن يسبق عملية التغيير للمجتمع على أساس هذه النظرة وعي وإحاطة وتشخيص للواقع حتى وإن كانت متعلقة بالحاجات العضوية والغرائز؛ لأن الموضوع هنا هو عملية تغيير وليس عملية إشباع فقط. فمثلاً نقول: إن نسبة البطالة كذا في المجتمع، وإن عدد الجوعى كذا، وعدد العاطلين عن العمل ومَنْ أجورهم دون الحد الأدنى كذا… فهذه الأمور كلها تتعلق بالحاجات العضوية من مأكل ومشرب ومسكن، وقد يكون الأمر ناتجاً عن الكبت والتضييق والاستعباد كما جرى في العصور الوسطى عند الشعوب الأوروبية، أو في العصور القديمة عند الرومان، ثم تقوم الشعوب بشكل جماعي منظم بعد تشخيص واقعها هذا، بالعمل لتغيير هذا الواقع مع أن الدافع لذلك هو دافع غرائزي ابتداء يتعلق بالحاجات العضوية أو بغريزة حب البقاء.
فكل عمليات التشخيص هذه التي تسبق التغيير تحتاج إلى وعي وإدراك عليها، حتى وإن كان دافعها في البداية غريزي أو نابعاً من حاجات عضوية، والوعي العام على الواقع هذا يكون مقدمة لعملية تغيير شاملة قائمة على أساس تحسين الوضع المعيشي فقط، أو الانعتاق من ربقة العبودية، وهذا الوعي العام يُحدث رأياً عاماً في أوساط الشباب والقادرين على التغيير، فيندفع هؤلاء الناس إلى عملية تغيير شاملة تحسّنُ الوضع المعيشي، أو تنتج تحرراً وانعتاقاً من العبوديات؛ كما جرى في عهد الكنيسة أو في عهد الرومان ..
الوعي العام الناتج عن الأفكار الخاطئة المغلوطة: سواء أكانت هذه الأفكار ناتجة عن مبدأ أم كانت بدون أساس مبدئي، وذلك كما جرى في كثير من بلاد أوروبا الغربية عندما فُصل الدين عن الحياة، وأصبح عند الشعوب مبدأٌ اسمه (الحل الوسط)، وأصبح لهذا المبدأ عقيدة وفكرٌ جديد، وصار له رأيٌ عام معاكس لظلم الكنيسة والتسلط. فالشعوب في أوروبا أصبحت تعي على هذا الفكر الجديد؛ أي أصبح هناك وعيٌ عام في أوساط الجماهير، وفي أوساط القادرين على التغيير من القوى السياسية، ثم أصبح هذا الوعي العام رأياً عاماً عند عامة الناس، وقامت عملية تغييرٍ جذريّ على أساسه في معظم دول أوروبا، ثم انتقلت إلى شعوب أخرى في مناطق كثيرة من العالم عندما أصبح لهذا الفكر الجديد رأي عام نابع من قناعات الشعوب به (أصبح له وعيٌ عام).
الوعي العام الناتج عن المبدأ الصحيح: والمبدأ الصحيح – كما نعلم – هو ما كانت عقيدته مبنية على العقل، أي تقنع العقل الإنساني بشكل عام، وكانت موافقة للفطرة الإنسانية؛ أي لغريزة حب التدين؛ بمعنى أنه يقرّر ما في الإنسان من احتياج للخالق العظيم.. وهذا لا يوجد إلا في مبدأ الإسلام لأنه يقنع العقل الإنساني في كل مكان بأن لهذا الكون خالقاً خلقه، وأيضاً يقرّر ما في الإنسان من احتياج لهذا الخالق.
والحقيقة أن هذا الوعي العام – الناتج عن المبدأ الصحيح – لا يمكن تحققه إلا عند المسلمين، والسبب أنه لا يوجد في العالم كله مبدأ يتصف بصفة إقناع العقل وموافقة الفطرة إلا مبدأ الإسلام فقط.
أما تحقيق هذا الوعي العام فإنه يكون بوضوح أفكار الإسلام الرئيسة المراد إيجاد التغيير على أساسها في أذهان الناس؛ عقيدةً وأحكاماً، عند عامة الناس في المجتمع؛ أي حصول الوعي على عموم أفكار الإسلام عند عامة المجتمع!!، وهذه الأفكار العامة مثل وحدانية الله عز وجل، وأنه هو المشرع فقط، ولا يجوز أخذ تشريع من غيره، وأن التشريع من غير الله كفر لا يُقبل أبداً. والوعي أيضاً أن الأمة الإسلامية أمة واحدة من دون الناس، تسودها أخوة الإسلام، وتربطها عقيدة الدين فوق العرقيات والإقليميات، وأن الدولة الإسلامية هي عنوان هذا الوحدة، وعنوان قوة المسلمين، وأنها فرض على الأمة الإسلامية وقضية مصيرية من قضاياها، والأمة بدونها ضائعة ضعيفة، عدا عن وقوعها في دائرة الغضب الإلهي. والوعي العام أن الكفار أعداءٌ للأمة لا يريدون لها الخير وأنهم يحرصون على عدم عودة الإسلام بعودة الوحدة إلى الأمة، أي بعودة دولة الإسلام، وأنهم يسهرون على منعها، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة وبأس. والوعي أن طريقة نهضة الأمة الإسلامية هي بفكرها ومبدئها، وليس عن طريق أفكار الغرب ولا عن طريق الحركات أو الأحزاب العميلة المرتبطة بالغرب، حتى وإن كانت إسلامية .فهذا كله هو من الوعي العام الواجب إيجاده في الأمة، ويحتاج في نفس الوقت أيضاً إلى وعي خاص على كل جزئية منه عند طائفة خاصّة من أبناء الأمة من أجل إحداث عملية التغيير المبدئي في المجتمع؛ أي عند القائمين على عملية التغيير من الأحزاب، وعند أهل القوة والنصرة والمنعة، أو وجهاء الناس لأنهم في مقدمة الصفوف من أجل عملية التغيير، ويحتاجون إلى وعي خاص فوق الوعي العام الموجود عند باقي الأمة، وذلك حتى تكون نصرتهم صحيحة وعملهم سليماً، ولا يحدث عندهم أيّ انحراف أثناء عملية التغيير الجذري .
هذا الوعي العام إذا حصل عند الأمة فإنه يُحدث بشكل تلقائي رأياً عاماً شاملاً في أوساط الجماهير السياسية والفكرية، وعند عموم الناس، فيصبح عند الأمة الاستعداد لقبول هذه العملية التغييرية على أساس الفكرة المراد إيجادها في المجتمع، وتصبح الأمة حارسة لهذه العملية داعمة لها..
ومع هذا الوعي العام على الإسلام، وعلى الكفر وأساليبه وغاياته، وعلى عملية التغيير المراد إيجادها في المجتمع يجب أن يكون عند الأمة وعيٌ عامٌ على من يحمل هذا الفكرة ويعمل لها، ويريد إيجاد واقع عملي لها في الحياة؛ أي يجب أن يكون هناك وعي على الأحزاب القائمة على التغيير وعلى إخلاصها وصدقها. والوعي المطلوب هنا على الأحزاب هو وعيٌ على استقامة هذه الأحزاب، واستقامة تمسّكها بالفكر الذي تحمله، وإخلاصها للأمة، وعدم ارتباطها بأي جهة أخرى، وقدرتها على القيادة وكفاءتها في تقدم الصفوف وقدرتها على الاستمرارية بعد عملية التغيير ..
والحقيقة أن الوعي المطلوب اليوم في بلاد المسلمين هو الوعي العام على عملية التغيير المبدئية الصحيحة، وعلى المخلصين من القائمين عليها، وذلك بجانب هذا الرأي العام الكاسح الموجود للإسلام، وليس الوعي المرتبط بالغرائز والحاجات العضوية؛ أي الوعي على حالة الفقر من حيث المأكل والمشرب والأجور والحاجات المعيشية وحرية التصرف والانعتاق من القيود المفروضة على الناس فقط.
فالناظر اليوم في بلاد المسلمين يرى أن عموم المسلمين عندهم رأيٌ عام للإسلام والحمد لله، وأصبح الإسلام مطلباً كذلك عند الأغلبية الساحقة، وهذا الرأي العام يأخذ اتجاه الوعي العام الكامل ولكنه تعترضه وتحاول أن تحرفه عنه أفكار مخلوطة ومتداخلة تجمع بين النقيضين أحياناً، ومشوهة عن الإسلام، وواردة إلينا من ثقافات الغرب المسمومة، عبر بعض الحركات الإسلامية وغير الاسلامية التي تخدم الاستعمار، وبسبب تضليل علماء السوء والمؤسسات الدينية التي ترعاها الدول الكافرة في بلاد المسلمين، وبسبب وجود وسائل الإعلام والمنابر بيد الحكام، وبسبب الحرب الشريرة التي تشنها الدول الكافرة ضد الوعي الصحيح حتى لا تنقلب الأمور عليها رأساً على عقب، وتنفلت من يدها في بلاد المسلمين .
أما بالنسبة لحزب التحرير وفكرته ودعوته فإن هناك في أكثر الدول في العالم الإسلامي رأيٌ عام له؛ أي للحزب نفسه، نتيجة السجون والقتل والتنكيل، ونتيجة معرفة الأمة بإخلاصه وإحساسهم بذلك، ولكن هذا الرأي العام للحزب كذلك يعترضه الغرب الكافر والحركات الإسلامية وغير الإسلامية وتحاول أن تشوه صورته لكي تبعد الناس عن فكرته وطريقته وغايته حتى لا يوجد وعيٌ على الحزب في هذه الدول عند عموم المسلمين، والسبب في عدم تحقّق هذا الوعي العام ليس راجعاً للحزب وفكره، أو إلى جهوده في إيصال الفكرة، وإنما راجع إلى حالة التضييق والتعتيم التي تمارس ضدّ فكره وضدّ رجالاته وأعماله، وإحاطة الناس بهالة من الخوف والكبت والقهر والسجون لمن يقترب من هذا الحزب، ورغم ذلك يوجد وعيٌ عند كثيرٍ من أبناء المسلمين في تلك البلاد وخاصة بين أوساط المثقفين والمتعلمين.
ويمكن القول إن الأمة فيها رأي عام للإسلام، وفي بعض بلاد المسلمين يوجد فوق الرأي العام للإسلام رأي عام عظيم للحزب، ولكن مازال الوعي العام يحتاج إلى اكتمال عند عموم الأمة، وإن كان موجوداً عند الكثير من أفرادها، وهذه هي المشكلة التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم .
والناظر في الأحداث العالمية التي حدثت، ومازالت تحدث في بلاد المسلمين وخارجها يرى أنها كلّها تستنهض فكر الأمة نحو الوعي العام، وخاصة ما جرى من احتلال اليهود لأرض فلسطين، وعجز الأنظمة عن مواجهة ذلك طوال ستين عاماً، وما جرى من احتلال أفغانستان والعراق ومساعدة الحكام والجيوش في بلاد المسلمين لهذا الاحتلال، ولهث الدول في العالم الإسلامي خلف يهود للسلام، ووقوف حكام المسلمين في صفّ أميركا لمحاربة الإرهاب (الإسلام)، وتصفية المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية كقادة الجهاد والعلماء، وأخيراً جاءت هذه الثورات والانتفاضات العارمة كرافدٍ جديد يصب في بوتقة الوعي العام عند الأمة، والتي ثارت في وجه الحكام كالبركان، وحطّمت الكثير مما أقامه الحكام من حواجز أمام الوعي العام كي لا يتحقق .
وقد ساعد أيضاً في هذا الاستنهاض الفكري نحو الوعي العام ما جرى من تهاوي الأفكار العالمية كالاشتراكية والرأسمالية، وعجزها عن معالجة شؤون الناس في مجالات الحياة المختلفة كالنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، ويمكن القول إن الأمة قد أخذت تشق طريقها بتسارع كبير نحو تحقق الوعي العام على الإسلام وعلى الحزب أيضاً.
وقبل أن نختم نقول: إن هذه الثورات ستحطم بإذن الله كل القيود والسدود التي أقامها الحكام لعدم وصول الأمة إلى درجة الوعي العام الصحيح على دينها وواقعها وعلى الأحزاب المخلصة التي تريد نهضتها وتغيير واقعها، وستُظهر هذه الثورات الحكام وأفكارهم الهزيلة أمام شعوبهم على أنها أوهى من بيت العنكبوت، وستصل الشعوب عما قريب في خضم هذه الأحداث المتعاقبة والمتسارعة إلى قناعة تامة أن خلاصهم ليس بالأفكار الغربية الواهية المزيفة كالديمقراطية والحرية، وإنما في فكر الإسلام العالي الراقي، وسيحصل عندها أيضاً قناعة تامة ناتجة عن وعي عام أن الحزب؛ أي حزب التحرير هو وحده الذي يحمل لواء التغيير الصحيح في العالم الإسلامي، ويسعى له بصدق وجد وإخلاص وعمل دؤوب متواصل.. وفي هذا مؤشر خير بإذنه تعالى كي تحتضن الأمة الأفكار الصحيحة ليصبح عندها وعي عام عليها، ويصبح عندها أيضاً وعيٌ عام على فكر الحزب وطريقته لعملية التغيير الشاملة الصحيحة..
نسأله تعالى أن يهيئ الظروف لتحقّق هذا الأمر عما قريب.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2011-11-05