بسم الله الرحمن الرحيم
ما مصلحة الكيان اليهودي في المؤامرة العالمية على أرض الشام؟
حمد طبيب – بيت المقدس
في خضم الأحداث الكبرى التي يحيكها الغرب للقضاء على صوت الإسلام، في أرض الشام (تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ومحاربة التنظيمات الإرهابية…) وفي خضم هذه المؤامرة الإجرامية الشريرة، نسمع ونقرأ ونشاهد ساسة (كيان يهود)، يحرّضون باستمرار على التعجيل في إنجاز هذه المؤامرة الكافرة الشريرة، في ضرب الجماعات المقاتلة العاملة للإسلام، بل ويقدّمون الخدمات (اللوجستية والميدانية)، ويشاركون عملياً في هذه المؤامرة الكبرى في المحافل الدولية؛ وذلك لوأد (ثورة الشام) ضد الظلم والفساد والكفر، ولوأد العمل الحثيث في أرض الشام لبناء كيان إسلامي (نقطة ارتكاز)، يطبق الإسلام؛ ليكون نواةً لعمل إسلامي عالميٍّ عظيم هو (الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة..)، فما هي حقيقة هذه التصريحات والمشاركات الفعلية من قبل كيان يهود؟ وما هي مصلحة هذا الكيان – المسخ الشرير – من هذه الأقوال والأعمال الإجرامية ضد الشام وأهله؟!
أما تصريحات الساسة اليهود وأقوالهم، فإنها كثيرة ومتعددة، سنقف عند بعض منها. فقد ذكرت صحيفة (يديعوت أحرنوت) اليهودية بتاريخ 3-10-2012م على لسان رئيس أركان الجيش اليهودي (بيني جانتز) قال: «في المستقبل فإننا لن نواجه التهديدات العسكرية من سوريا وهضبة الجولان فقط، ولكن سيكون علينا أيضًا مواجهة الخطر الإرهابي المتزايد هناك…». وقال الجنرال (عاموس جلعاد) – رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الصهيونية: «إن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على (تل أبيب) نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط….» ونقلت الجزيرة في 28/1/2013م عن نائب رئيس وزراء يهود (سلفان شالوم) قال: «…إن سيطر المتطرفون في سوريا على الأسلحة الكيماوية – وهم يقتربون من مواقعها في منطقتين: في ريف دمشق والسفيرة في حلب – فإن (إسرائيل) ستقوم بضربات عسكرية وقائية»، وقال رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو): «إذا ما تم نقل أسلحة كيماوية إلى متطرفين في سوريا، فإن هذا شيء خطير للغاية، ولا يمكن لدول العالم التسامح فيه…»، وقد أيد اليهود في هذه الأقوال الخبيثة الكاتب الأميركي (توماس فريدمان)، فقال – في مقال نشرته له صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، واقتطفت الجزيرة نت مقتطفات منه في 10/2/2013م – «…إن بعض الجنرالات الإسرائيليين يرون الحرب المستمرة في سوريا خطرًا استراتيجيًا عظيمًا، يهدد إسرائيل؛ بنفس الدرجة التي يشكلها خطر البرنامج النووي الإيراني عليها..». وأضاف: «… إنه إذا ما تحولت سوريا إلى أفغانستان أخرى على الحدود الإسرائيلية، فإن الأرض السورية ستصبح بؤرة تعجّ بالجهاديين وبالأسلحة الكيماوية، وبصواريخ أرض جو، وكلها تنتشر بحرية في كل الأرجاء في الجوار الإسرائيلي في المنطقة..».
وأما المشاركات الميدانية في الأعمال العسكرية من قبل اليهود ضد ثورة الشام، وضد المجاهدين على أرضه، فنضرب لها بعض الأمثلة، ومن ذلك ما نقلته (رويترز) في 4-5-2013م أنه «قد قامت طائرات إسرائيلية خلال هجوم الليلة الماضية، بتدمير مخازن لصواريخ الفاتح 110 ،التي تنقل من إيران إلى حزب الله». وقال عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، (يسرائيل حسون): «… إن الصواريخ التي جرى استهدافها، هي صواريخ إيرانية الصنع من طراز فاتح 110؛ القادرة على إصابة أهداف في كل إسرائيل، وبصورة سوبر دقيقة، وشدد في رسالة إلى الإسرائيليين على ضرورة الاطمئنان إلى أن ما حصل لن يؤدي إلى تصعيد أمني أو مواجهة»…. وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) في 30-1- 2013م: «الطيران الإسرائيلي يقصف قرب دمشق موقعًا لصواريخ أرض-جو، ومجمعًا عسكريًا محاذيًا يشتبه بأنه يضم مواد كيميائية، وبحسب مسؤول أميركي، فإن الغارة قد تكون ألحقت أضرارًا بأهم مركز أبحاث حول الأسلحة الجرثومية والكيميائية…”، وذكر موقع (بوابة الشرق الإلكترونية) 21-8-2015م: «يواصل الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجوية الدامية على الجزء السوري من الجولان، فقد وجه الاحتلال منذ 2013م سلسلة ضربات طالت أهدافًا سورية وأخرى لحزب الله الشيعي اللبناني، الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، وتواصلت الغارات حتى وصلت إلى 14 غارة خلال الثلاثة أعوام الماضية، آخرها التي شنت أمس الخميس واليوم الجمعة، وكانت أول غارات الاحتلال مطلع 2013م في 30 يناير، حيث قصف الطيران الإسرائيلي موقعًا لصواريخ ( أرض-جو) ومجمعًا عسكريًا محاذيًا يشتبه بأنه يضم مواد كيميائية قرب دمشق، بحسب مسؤول أميركي… «، وقد ذكر موقع (الجزيرة نت) 22 -8-2015م سلسلة الغارات (الإسرائيلية) على أرض الشام؛ من بداية الثورة السورية؛ وهي على النحو التالي: ( في 30 كانون ثاني 2013م غارة إسرائيلية على موقع عسكري قرب دمشق… وفي 5 أيار 2013م غارة على مركز الأبحاث العلمي قرب دمشق … في 30 كانون ثاني 2014م غارة على مركز جمرايا للبحث العلمي في ريف دمشق… وفي 19 آذار 2014م غارة على موقع عسكري استهدف شحنة صواريخ، في طريقها لحزب الله… وفي 16 أيار 2014 غارة على مركز للبحوث العلمية في دمشق… وفي 22 حزيران 2014م غارة على مواقع عسكرية سورية، ردًا على مقتل طفل يهودي في الجولان… وفي 15 تموز 2014م غارة على مقر اللواء 90 في هضبة الجولان… في 7 كانون أول 2014م غارتان على مناطق عسكرية في منطقة (الديماس)، وعلى مستودع في مطار دمشق… وفي 30 آب 2015م غارة على منطقة القنيطرة في الجولان… ).
فما هي أهداف الكيان اليهودي من وراء هذه الأقوال والأعمال المتعددة والمستمرة – حتى يومنا هذا-، وما هي مصلحتهم من وراء تدمير أرض الشام، وقواه العسكرية ومقدراته المادية والمعنوية؟!، وللإجابة على هذه الأسئلة سنقف على بعض الأمور المهمة في هذا الموضوع:
أولها: إجماع واجتماع اليهود والنصارى، في كراهية الإسلام وحربه.
ثانيها: أهمية الاستقرار السياسي لدى الكيان اليهودي في الأنظمة المحيطة به.
والأمر الثالث: خطورة قيام كيان سياسي إسلامي على الحدود المحيطة بالكيان اليهودي.
الأمر الرابع: هل يمكن أن تمنع هذه المؤامرات الكبرى (المشتركة من اليهود والنصارى وعملائهم) قيام كيان سياسي إسلامي مستقبلاً ؟.
الأمر الخامس: ما هو مصير الكيان اليهودي في أرض بيت المقدس، بعد قيام الخلافة الإسلامية الراشدة؟ وما هو مستقبل أرض بيت المقدس بعد تحريرها من رجس هذا الكيان الشرير المغتصب؟
أما الأمر الأول؛ وهو الدافع العقائدي عند اليهود والنصارى بوجه خاص، وملل الكفر بوجه عام… فإن الله عز وجل قد شهد في كتابه العزيز، في أكثر من موضع على كراهية اليهود والنصارى لأمة الإسلام وإجماعهم واجتماعهم على هذا الأمر، وأنهم يكيدون ويمكرون لهذه الأمة بكل مجالات الكيد والمكر، ويحاربونها بشتّى السبل؛ وكافة الوسائل من أجل ردها عن دينها وعقيدتها، قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ ، وقال: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾… واليهود على وجه الخصوص أشد الناس عداوة لأمة الإسلام على وجه الأرض، قال تعالى: ﴿ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾.
وقد صدّق التاريخ على مر العصور – بأحداثه وحروبه – هذه الشهادة الربانية العظيمة.
فقد حاول اليهود قتل الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة في بداية الدعوة، وحاكوا المكائد له في المدينة، وتآمروا مع الأحزاب لإخراجه من المدينة المنورة، وحاربوه في خيبر، ولولا أن الله عز وجل قد حفظ وعصم رسوله عليه الصلاة والسلام من القتل، ومن أذى اليهود لنالوا منه، ونفّذوا مخططاتهم الشريرة كما فعلوا مع أنبياء سبقوه من بني إسرائيل…
تآمر اليهود على الخلافة العثمانية في آخر أيامها مع الإنجليز، وقدموا لهم الأموال في الحرب العالمية الأولى والثانية، مقابل وعود في أرض فلسطين قدمها لهم وزير خارجية بريطاني اللورد بلفور في الوعد المعروف باسمه (وعد بلفور 1917)، وتآمروا كذلك – مع الدول الغربية، وبعض الزعامات في بلاد المسلمين؛ ممن يسمون بالهاشميين وآل سعود قبل سنة 48 – على المسلمين في هذه الديار من أجل إخراجهم من أرضهم وحقهم في بيت المقدس…
إن تاريخ اليهود حافل بالتآمر على أمة الإسلام وحربها، لذلك فليس غريبًا أن تكون لهم تحريضاتٌ ومشاركاتٌ بالقول والعمل في الحرب الدائرة اليوم على أرض الشام، خاصة وأن المشروع الإسلامي هو أقوى المشاريع في أرض الشام، وله رأي عام قوي في (الحاضنة الشعبية) عند أهل الشام، ونادت به الفرق العسكرية المقاتلة بشكل إجماعي تقريبًا في بدايات الثورة…
إن اليهود يعملون بكل جهد مستطاع للحيلولة دون قيام كيان سياسي على أساس الإسلام في أرض الشام، تمامًا كما عملوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وكما عملوا في أواخر الدولة العثمانية على هدم هذا الكيان، وساعدوا الإنجليز في هذه المهمة الشريرة الكافرة… لذلك فإن المدقق في أقوال اليهود – مما خرج من أفواههم – فإنه يرى أنه يركز على محاربة المشروع الإسلامي بكل قوة في أرض الشام…
الأمر الثاني: وهو الاستقرار السياسي وأهميته لبقاء الكيان اليهودي واستمراريته.
إن الكيان اليهودي لا يثبت في أرض الواقع إلا بأحد أمرين – كما شهد بذلك رب العزة جل جلاله – حبل من الله أو حبل من الناس؛ قال تعالى: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾، وقد انقطع حبل الله عز وجل بانقطاع الرسالات، وبمحاربتهم وقتلهم للأنبياء من قبل، وبقي حبل الناس من الكفار أو أولياء الكفار من عملاء الحكام. فالكيان اليهودي قام بمساعدة من حبل الناس أوروبا وأميركا، واستمر هذا الكيان كذلك بواسطة حبل الناس ومساعداتهم المالية والعسكرية… وقد قام حكام المسلمين بأمر من أسيادهم – أميركا ودول أوروبا – بتقديم كامل العون والمساعدة لإنشاء هذا الكيان ابتداء؛ وذلك من بداية عهد الثورة العربية الكبرى، وانتهاء بقيام الكيان اليهودي وتنفيذ اتفاقات (سايكس بيكو) ووعد بلفور سنة 1917م… ثم استمرت الدول العربية المحيطة بالكيان اليهودي تقدم له العون والمساعدة المادية والمعنوية، وتتآمر معه لتمكنه من أرض فلسطين، واستمرت هذه المؤامرات في تثبيته وحراسته؛ على طول الحدود الممتدة آلاف الكيلو مترات؛ من جهة الشمال والشرق والجنوب. الكيان اليهودي حقيقة لا يحرس حدوده، ولا يستطيع – بمقدراته الموجودة – حراستها، ولو أراد أن يقيم جيشه على هذه الحدود لكلفه ذلك المليارات كل شهر، ولعاش في حالة رعب من جميع الجهات المذكورة. فالمنطقة الشمالية من جهة الحدود السورية هي منطقة حساسة، وهي من أكثر المناطق هدوءًا على حدوده باعتراف قادته السياسيين والعسكريين، فقد ذكر موقع العربية 12-5-2013م نقلًا عن الرئيس السابق لجهاز الموساد (الإسرائيلي) (أفرايم هاليفي) قال: «… إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وإن إسرائيل تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية، إن هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في عام 1974م ….وقال هاليفي في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأميركية تحت عنوان «رجل إسرائيل في دمشق»: إنه «حتى عندما نشب قتال عنيف بين القوات الإسرائيلية والسورية على الأراضي اللبنانية في عام 1982م فإن الحدود على جبهة الجولان ظلت هادئة!!… «
وذكر مسؤول أمني يهودي كبير لصحيفة (التايمز اللندنية) بتاريخ 18/5/2013م: «إن إسرائيل تفضل أن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد على قيد الحياة ، وينجح في الحرب الأهلية في سوريا… «
ونقل موقع الجزيرة نت عن الصحافة اليهودية عن… (يرون فريدمان) أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب- دعوته الإدارة الأميركية لضمان بقاء نظام الأسد، واعتبر أن هذا يمثل ضمانة لخدمة المصالح المباشرة للولايات المتحدة و(إسرائيل). وقال فريدمان – في مقال نشره على موقع (واي نت) الإخباري: «يتوجب على الولايات المتحدة تذكر حقيقة أن الطرف الوحيد الذي يحول دون سيطرة تنظيم القاعدة على سوريا، ومن بعدها لبنان هو نظام بشار الأسد الذي تخطط الولايات المتحدة لضربه، واعتبر فريدمان أن إسقاط نظام الأسد لن يخدم مصالح الغرب، وتوقع أن يعقب سقوط هذا النظام صراع داخل سوريا على الهوية والعلاقة بين الدين والدولة. أما رئيس أركان الجيش (الإسرائيلي) الأسبق «دان حالوتس» فقد ذكر لصحيفة معاريف اليهودية 14-12- 2013 فقال: «إن موقف إسرائيل من النظام السوري، أنها تفضل بقاء نظام بشار الأسد» خشية سيطرة جهات إسلامية متطرفة على الحكم في سوريا. ونقلت صحيفة (معاريف) أقواله في موقعها الإلكتروني، معترفة بأن تصريحات (حالوتس) تدل على أن لـ (إسرائيل) القدرة على إسقاط نظام الأسد…
فمنذ حرب ثلاثة وسبعين (حرب أكتوبر) وحتى يومنا هذا، لم تخرج عمليات مؤثرة من الحدود السورية على الكيان اليهودي، بل إن هذه الحدود محروسة بشكل جيد، ولا يتمكن أحد من اختراقها من جهة الحدود السورية. وقد ذكر هذه الحقيقة أكثر من مسؤول في الكيان اليهودي… من ذلك على سبيل المثال: ما قاله (الرئيس السابق لجهاز الموساد (الإسرائيلي) (أفرايم هاليفي) في أيار 2013م : «إن بشار الأسد ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في عام 1974م».
من أجل ذلك فإن الكيان اليهودي هو من أكثر الدول دعماً لنظام بشار وأعوانه من آل الأسد، ويحرصون كل الحرص في محاربة أي تنظيم عسكري يتصف بصفة الإسلام أو يدعو له، وهو – الكيان اليهودي- على اطلاع ومتابعة لأي أمر سياسي دولي تفعله الدول الكبرى في مؤتمر جنيف أو غيره من أجل الحلول المطروحة كبديل عن نظام الأسد، وإن أي حل سياسي تطرحه الدول الكبرى (أميركا وأوروبا وروسيا) فإنه يأخذ بالحسبان الحاجات اليهودية في الناحية الأمنية، ويستشار الكيان اليهودي في هذا الأمر.
الأمر الثالث: خطورة قيام كيان إسلامي على حدود الكيان اليهودي.
فالمصلحة للكيان اليهودي في عدم حدوث أي تغيير على مقربة من حدوده الشمالية، يكون لأي من الجماعات الداعية لتطبيق الإسلام ضلع فيه، وهو يسعى جاهداً لتكون الحلول السياسية على أرض الشام تتفق مع مصلحته في إيجاد كيان أو عدة كيانات تقيم معه علاقات حسنة، وتقوم بنفس المهمة التي طبقها النظام السابق عبر خمس وأربعين سنة خلت من الاستقرار والهدوء والحراسة الأمنية لحدوده.
والكيان اليهودي يرتعب من كلمة إسلام، ومن تغير للمناطق المجاورة لحدوده على أساس الإسلام. والسبب هو أولاً النظرة العقائدية لليهود وعدائهم لأمة الإسلام. والشيء الثاني هو أهمية أرض فلسطين من ناحية شرعية، وخاصة أن بها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين، فهذا الأمر؛ (التغيير في المحيط اليهودي على أساس الإسلام) في غاية الخطورة بالنسبة للكيان اليهودي، وهو يعمل بكل جهد مستطاع لمنع أي تغيير في أرض الشام على أساس الإسلام، وقد صرح قادته أكثر من مرة أن هذا الأمر في غاية الخطورة ويجب أن يحارب دولياً وإقليمياً..
فقد صرح رئيس هيئة الاستخبارات في جيش الكيان اليهودي (الجنرال أفيف كوخافي) – في كلمة ألقاها في إطار مراسم تخريج دفعة جديدة لضباط الاستخبارات- ونشرها الموقع الرسمي لجيش الكيان اليهودي؛ قال: «… إن سوريا تستقطب في هذه الأيام الآلاف من نشطاء الجهاد العالمي وأصوليين إسلاميين من دول المنطقة والعالم أجمع…. وأضاف أن سوريا أصبحت مرتعًا لهذه العناصر المتطرفة التي تسعى، ليس للإطاحة بالنظام الأسدي فحسب، بل دفع رؤيا الدولة التي تعتمد على «الشريعة الإسلامية». ورأى الجنرال كوخابي أن هذه التطورات من شأنها أن تنعكس ليس على سوريا وحدود دولة إسرائيل فقط، وإنما على لبنان والأردن وشبه جزيرة سيناء أيضًا، وربما على المنطقة… ويقول (بنيامين بن أليعازر) وزير الدفاع الأسبق: «لا أحد يمكن أن يعطينا جوابًا حول ما سيحدث في الشرق الأوسط، نحن في عين العاصفة، ومن المتوقع أن يحدث صراع مع مصر، وأنا لا أعرف ما الذي سيحدث في سوريا والأردن، إننا نواجه تهديدًا وجوديًا شئنا أم أبينا” ويقول (عاموس جلعاد ) رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب (الإسرائيلية): «إنّ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل، مشيرًا إلى أنّ بديل الأسد ولادة إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط…).
ونصل إلى النقطة الرابعة في هذا الموضوع وهي: هل يمكن لهذه المؤامرات جميعاً – بما فيها مؤامرات الكيان اليهودي – أن تمنع قيام كيان سياسي على أساس الإسلام في أرض الشام، أو في أي مكان آخر في العالم الإسلامي؛ يمتد بعد ذلك ليصل إلى حدود هذا الكيان، بل إلى قلبه ليقضي عليه ويقلعه من جذوره… إن هذا الأمر ليعيدنا إلى أحداث التاريخ التي مرت على هذه الأمة سابقًا، وكيف كانت في كل مرة تتغلب على الصعاب لتقف مرة أخرى على أقدامها، ويعيدنا كذلك إلى النصوص الشرعية القطعية الدلالة في عودة هذه الأمة مرة أخرى لتقف على أقدامها، وتستعيد سيرتها الأولى. فالناظر في تاريخ هذه الأمة العريق يرى أنها قد مرت في فترات من التاريخ كبت فيها، ثم نهضت مرة أخرى، رغم أنها كانت تلاقي ما تلاقي من ألوان الاضطهاد والتمزق والغزو الخارجي.
ففي فترة الحروب الصليبية (1096- 1291م) في العصور الوسطى، مرت الأمة الإسلامية بفترات من الوهن والضعف والتمزق لدرجة أن الدول النصرانية الصليبية قد طمعت في غزوها في عقر ديارها، وأقامت لها ممالك في كثير من المناطق في بلاد المسلمين؛ ومنها أرض بيت المقدس ومدينة القدس، وأصبح المسجد الأقصى المبارك أسيرًا تحت رحمة عُبّاد الصليب، ولم تقم فيه الصلاة أكثر من تسعين عامًا متواصلة، وكان النصارى يستخدمونه كمربط للخيول الغازية طيلة هذه الفترة. ومن كان ينظر إلى حال الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، كان يظن كل الظن أنه لن تقوم للمسلمين قائمة أبدًا… ولكنها سرعان ما وقفت هذه الأمة على أقدامها، واقتعدت مكانها، فهيأ لها الله عز وجل قادة عظام أمثال (نور الدين آل زنكي)، وقائده المغوار المظفر (صلاح الدين الأيوبي )، الذي نال شرف تحرير المسجد الأقصى المبارك وما حوله من مدن بيت المقدس.
وفي عهد المغول حدثت نفس القضية عندما جاؤوا غزاةً إلى أرض الإسلام، وفعلوا فعلتهم في بغداد، واستمروا في إذلال الأمة وحرق وتخريب مدنها في الشام وغيرها… لكن الله عز وجل قيَّض لهذه الأمة الكريمة رجالاً من المماليك، (بيبرس) و(قطز)؛ فوحّدوا مصر والشام، وجاؤوا إلى المغول زاحفين في عين جالوت، ولقنوهم درسًا بليغًا في عزة هذه الأمة وكرامتها ورفعتها، وطردوا المغول شر طردة، وهزموهم هزيمة منكرة ألقت الرعب والخوف فيمن خلفهم من صفوف الكفار.!!
وفي فترة الاستعمار الأول بعد هدم الخلافة العثمانية، طمع الكفار في بلاد المسلمين بعد هدم كيانهم السياسي وقوتهم (الخلافة)، وقالوا مقالتهم المشهورة على لسان وزير خارجية بريطانيا (اللورد كاريزون): «لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام، والخلافة)»!!
فهل سكتت الأمة واستكانت ورضيت بالاستعمار، عند هذه المرحلة العصيبة، إنها لم تسكت ولم ترضَ بالهوان ولا بالذل، إنما بدأت تجاهد ضد هذا المستعمر في كل بلاد المسلمين المستعمرة، وبذلت آلاف بل ملايين الشهداء في سبيل تحرير أرضها من ربقة هذا المستعمر، وفعلًا طردته شر طِردة من أرضها وديارها…
وإن هذه الأمة سوف تقف على أقدامها مرة أخرى؛ سواء في أرض الشام أو في غيرها من أرض الإسلام، وسيتحقق عما قريب – بإذنه تعالى – قيام نواة لدولة إسلامية، تكون نقطة ارتكاز توحد كل بلاد المسلمين في دولة واحدة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية الموعودة، فهذه المؤامرات في أرض الشام؛ سواء من اليهود أم من النصارى لن تمنع هذه الأمة العريقة العظيمة من الوقوف على أقدامها، تمامًا كما أن الصخور والحواجز لا تمنع تدفق موج البحر من الامتداد والتدفق، وكما أن الغيوم العابرة لا تمنع ظهور الشمس الوضاءة في كبد السماء…
ونصل إلى الزاوية الأخيرة في هذا الموضوع، وهي مستقبل هذا الكيان الشرير( كيان يهود) الجاثم في بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، ومستقبل أرض بيت المقدس ومصيره بعد تحريره من نجاسة يهود وشرهم.
فمصير الكيان اليهودي قد حدده رب العزة جل جلاله، قال تعالى:(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) 8 الإسراء. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله – وزاد مسلم: إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود» متفق عليه.
فهذه الأرض هي ملك لأمة الإسلام جميعاً؛ في مشارق الأرض ومغاربها، وليست ملكاً للعرب ولا لأهل فلسطين؛ لذلك فإن جموع المسلمين الزاحفة من كل أرجاء الأرض ستكون بالملايين على حدود هذا الكيان، بل سيكون جزءٌ منها في عقر بيته، ولن يستطيع أن يوقف هذه الملايين الزاحفة من اقتلاعه من جذوره، لأن القضية قضية مصيرية بالنسبة لأمة الإسلام، ولن تمنعها كل قوى الكفر- ولو اجتمعت أمامها – من الوصول إلى أرضه الطاهرة المباركة… فالمعركة لتحرير الأقصى وأرضه سيكون جزء منها على أرض الأقصى، والجزء الأكبر على الحدود المحيطة، ولن تنفع يهود كل أسلحته وعتاده وعدته.
أما مستقبل أرض بيت المقدس؛ فهي كما بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاصمة الخلافة الإسلامية الثانية في حديث ابن حوالة رضي الله عنه قال: «وضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على رأسي ثم قال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذٍ أقرب من الناس من يدي هذه إلى رأسك) رواه الإمام أحمد. وسوف تنطلق الفتوحات لفتح أقطار الأرض؛ ومنها روما من قلب بيت المقدس بإذن الله تعالى.
وفي الختام نقول: إن المؤامرات على هذه الأمة تزيدها قوة وصلابة وتصميمًا لتحقيق غايتها وهدفها السامي النبيل، فقد كانت في كل مرة تصاب من سهام الكفار، أو يغزونها في عقر دارها تعود أكثر قوة وعافية وصلابة، تمامًا كما يحدث مع المعدن الأصيل إذا حميت عليه النار ازداد صلابة ولمعانًا، وعاد أفضل مما كان، وأمر آخر هو أن هذه الأمة الكريمة قد حملت من كثرة ما أصابها من تعاور الكفار عليها، وهذا الحمل الذي حملته في بطنها هو من جنسها ومن جنس فكرها ودينها.. لقد حملت حملًا طيبًا خالصًا لله عز وجل، وذلك مباشرة بعد أن مكن الكفار الإنجليز أبناء القردة والخنازير من أرض بيت المقدس؛ مما يجاور المسجد الأقصى (سنة ثمان وأربعين) عندما ضاع قسم من أرض فلسطين بتواطؤ من حكام العرب والمسلمين، ثم كبر هذا الحمل شيئًا فشيئًا في أرض بيت المقدس، وازداد وكبر مع المصاب الثاني الذي أصاب الأمة الإسلامية عندما ضاع المسجد الأقصى المبارك وأرضه من البقية الباقية من أرض فلسطين.. فكبر هذا الحمل، وازدادت معه الأمة تصميمًا على إعادة وحدتها في ظل الإسلام؛ لتحرير المسجد الأقصى المبارك!!.
إن هذا الحمل المبارك في الأرض المباركة هو حزب التحرير ،بإذن الله تعالى، الذي أخذ على عاتقه القضاء على زمرة الحكام الذين باعوا الأقصى وأرضه المباركة بثمن بخس، ومكنوا اليهود من هذه الأرض الطاهرة المقدسة… لقد أخذ على عاتقه تحرير الأمة أولًا من الحكام الرويبضات، وإعادة وحدة هذه الأمة على أساس الإسلام في ظل دولة تحكم بالإسلام، ثم ينطلق في أول أعماله بعد الوحدة والتمكين وجمع شمل الأمة على أساس دينها، ينطلق إلى تحرير أولى القبلتين وثالث المسجدين، لتكون هذه الأرض المقدسة الطاهرة بإذنه تعالى مركز دولة الإسلام حتى تقوم الساعة…
نسأله تبارك وتعالى – وهو العليّ الأكرم – أن يكرمنا عما قريب بحكم الإسلام ووحدة الأمة في ظله، وأن تقرَّ عيوننا بتحرير المسجد الأقصى المبارك؛ تمامًا كما حرره صلاح الدين، وأن نكون جنودًا في الجيش الذي ينطلق لفتح روما من ساحات المسجد الأقصى المبارك. آمين يا رب العالمين.