مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
2015/08/30م
المقالات
2,004 زيارة
مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
لما أنزل الله سبحانه ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ( أنكر المشركون ذلك متسائلين كيف تكون الآلهة إلهاً واحداً؟ فأنزل الله سبحانه هذه الآية تدعوهم للتفكر في مخلوقات الله سبحانه ليستدلوا بها ويؤمنوا من خلالها بالخالق الواحد الأحد الذي خلق هذا الكون وربط أجزاءه معاً ربطاً محكماً بنظام متقن دقيق يدلّ على وحدانية خالقه وعظمته:
-
فهذه السموات والأرض بما فيها من نجوم وكواكب، كلّ في فلك يسبحون بنظام دقيق عجيب لا يخرج واحد منها عن مساره ولا يصطدم بغيره.
-
وهـذا اللـيـل والنهـار وتعاقبه واختلاف أطواله وأحواله وظلمته وضوئه ونوره واستعماله سباتاً ومعاشاً.
-
وتلك السفن التي تجري في البحر يحملها الماء وتحركها الرياح وتحيط بها الأمواج تتلاطم بها وتتصادم، ومع ذلك فهي تجري في خضم الأمواج وعباب البحر وتحمل ما ينتفع الناس به سفراً أو تجارة.
-
ثم هذا الماء النازل من السماء إلى الأرض فيصيب الله به ما يشاء، فيحيي به الأرض بعد موتها وتكسوها الخضرة بعد أن كانت مصفرة.
-
وتلك الدواب التي تنتشر على الأرض تتكاثر وتتوالد وتعيش على ما تنبت الأرض وما يجري فيها من ماء.
-
ثم هذه الرياح المسيرة بأمر الله وذلك السحاب المسخر بقدرة الله بين السماء والأرض يحركه الله كيف يشاء، فيسوقه ليمطر هنا أو هناك.
كلّ ذلك في نسق عجيب دقيق لا يخرج واحد منها عن نظامه: لا السماء تقع على الأرض ولا الليل سابق النهار ولا البحر أو الفلك بغير صفاته وخواصه، ولا المطر أو الرياح أو السحاب يخالف أمر الله، ولا الذي يدبّ على الأرض يخالف الفطرة التي فُطر عليها.
لا فوضى أو اضطراب، ولا خروج على المسار أو المدار، ولا الخضرة بدون ماء، ولا البحار في غير مكانها أو الرياح في غير أوانها.
بل السموات والأرض وما فيهن من مخلوقات كلّ ميسر لما خلق له ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( الملك/آية3.
هذا النظام العجيب الدقيق في مخلوقات الله على الأرض وفي السماء، وبين الأرض والسماء لآيات لقوم يعقلون.
فمن تدبرها وتفكر فيها تبين له وحدانية خالقها؛ فانتظام الكون وانضباطه، وعلاقات مكوناته مع بعضها في نظام محكم متقن، كل ذلك ينطق بأن الخالق واحد، هو الله رب العالمين ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (.
إن التفكر في مخلوقات الله سبحانه يؤدي بالقطع إلى أن لها خالقاً عظيماً واحداً أحداً لا معبود سواه ولا إله غيره.
إن الله سبحانه الحكيم الخبير قد جعل في مخلوقاته آيات بينات على عظمته ووحدانيته ورحمته، والعاقل من تفكر وتدبر ولم يمرَّ على مخلوقات الله مراً عابراً، بل يقف عندها وقوف المتدبر المتفكر.
تقول عائشة أن النبي e لما قرأ هذه الآية قال: «ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها»[1].
[1] أخرجه ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن عائشة – رضي الله عنها – الدر المنثور: 2/111
2015-08-30