كيف يمكننا الانتصار على الحرب العالمية على الإسلام
2015/07/01م
المقالات, كلمات الأعداد
2,002 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يمكننا الانتصار
على الحرب العالمية على الإسلام
تواجه وتواكب الثورة في سوريا منذ أوائل انفجارها ضغوطاً دولية، وأخرى إقليمية تعمل لمصلحتها، لاستيعابها وإفشالها وإعادتها إلى مرحلة ما قبل انطلاقتها، ولكنها بحول الله وحده، استعصت على الجميع. والناظر إلى ما يحدث هناك يرى أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، يتعامل مع هذه الثورة على أساس أنها تتجاوز في مطالبها مطلب إسقاط النظام السوري إلى مطلب إقامة الخلافة؛ وهذا ما يفسر أنه يقف وراء هذه الهجمة الهمجية على هذه الثورة هجمة غربية مسمومة لئيمة حاقدة على الإسلام خشيةً من عودته إلى مسرح الحياة لقيادة البشرية من جديد. ولولا أن هذه الثورات، وخاصة تلك التي في سوريا تشكل خطراً على أميركا من الناحية القومية والاستراتيجية لما عادتها هذا العداء اللئيم، ولما أجرمت بحقها هذا الإجرام الموصوف، ولما سخَّرت لها كل هذه الإمكانات وجنَّدت لها كل هؤلاء العملاء من أجل إجهاضها. نعم إن الغرب أشد ما يخشى اليوم من هذه العودة لأنها لا تعني عنده إلا القضاء على حضارته المتوحشة اللاإنسانية؛ لذلك هو بهذه الهجمة يدافع قبل أي شيء عن حضارته التي انكشف إفلاسها للقاصي والداني، وبات أهلها يتلظَّون بسعيرها مثل غيرهم، ووصل الحال بهم إلى أن يعلنوا انتفاضتهم على غول الرأسمالية في عواصم المال عندهم؛ إذ قامت مظاهرات عندهم مستوردة من ثورات الشرق الأوسط تنادي باللغة العربية وباللكنة الأميركية أن الشعب يريد إسقاط وول ستريت وكان ذلك في أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام ٢٠١١م.
إن أميركا، ومعها دول الغرب، تدرك أن الثورات التي قامت في المنطقة هي ثورات أمة واحدة، وأنها ثورات كونية ستسفر إن تركت عن تغيير جذري في العالم سيؤدي إلى قيام حضارة الإسلام وأفول حضارتها، وهي في سوريا كانت أصدق تعبيراً عما تريده، وكانت أكثر معاندة واستعصاء في عملية احتوائها؛ لذلك تطلَّبت هذا القدر من التآمر الدولي عليها، واستطاعت أن تغلف فيه الصراع ضد الإسلام على أنه صراع ضد الإرهاب. هذا وقد وضعت خطتها للقضاء على هذا التوجه لدى المسلمين وهي خطة تتجلى فيها الأمور التالية:
– تقسيم دول المنطقة إلى كيانات طوائفية، أو عرقية، أو مذهبية هزيلة، ترسم حدودها بالدماء، وتقوم على الأحقاد والتناحر والحروب؛ لتكون غير قابلة للوحدة أو الاتحاد. وهذه التقسيم مرشح لأن ينسحب على كل دول المنطقة من السعودية إلى تركيا إلى مصر إلى إيران نفسها؛ إذ كلها قائمة على فسيفساء قابل للفرط والتفتُّت بسهولة بعيداً عن الإسلام. والناظر في هذا الأمر يرى أن أميركا، ومعها الغرب، وضعت ذلك خصيصاً لمنع إقامة دولة الخلافة، وبالتالي منع توحيد المسلمين وبلادهم من خلالها.
– اللعب بورقة الخلافة نفسها. فبعد أن كان ذكر الخلافة من المحرمات دولياً، وكان الغرب قد ألقى عليها ظلالاً كثيفة من التعتيم، صار ذكرها على لسان حكام الغرب، وصارت الموضوع السياسي الأول دولياً، والموضوع الأبرز في دراسات مراكز الأبحاث الغربية، ورغم كل الإجرام الذي مورس بحق المسلمين لمنعها، إلا أنها بقيت الموضوع الأول في الصراع القائم في بلاد المسلمين. ولعل أقرب دليل على ذلك ما تعمل على الاستفادة منه من إعلان ما سمي بدولة الخلافة في العراق والشام لتعطي أسوأ المثل عن دولة الخلافة، ولتضرب قناعة المسلمين بها وربطها بالإرهاب، ولتشويه صورتها لدى المسلمين ولدى غير المسلمين.
– إن الحرب التي تشنها أميركا، ومعها دول الغرب، على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب هي حرب عالمية، ولولا أن هذا الموضوع كبير وخطير لما استنفرت معها كل الدول وأنشأت له تحالفاً دولياً. إن ما يحدث ليس متعلقاً بترتيب الوضع في سوريا فقط، أو بترتيبه في اليمن فقط، أو في ليبيا، أو في مصر، أو في تونس… بل هو متعلق بجميع بلاد المسلمين، التي قامت فيها ثورات وتلك التي لم تقم فيها، إنه متعلق بتطلع الأمة الواحد لمشروعها الجامع المتمثل بإقامة الخلافة الراشدة؛ لذلك اقتضى مثل هذا التحالف الدولي لمواجهته، واقتضى مثل هذا الإجرام. إنها حرب عالمية، بكل معنى الكلمة، على «الخلافة».
– إن الصراع الطاغي في المنطقة هو الصراع الحضاري على الصراع السياسي؛ لذلك تجتمع الجهود الدولية بين الأطراف الدولية المتنازعة سياسياً، من أميركا إلى دول أوروبا إلى روسيا إلى الصين… وإن حكام المسلمين دخلوا في هذا الصراع من باب العمالة، ومن باب أن مشروع الخلافة يقضي على عروشهم الواهية، لذلك اجتمعوا على اختلاف ولاءاتهم، وهم الذين لم يجتمعوا من قبل على شيء، اجتمعوا على محاربة هذا المشروع، بمن فيهم حكام السعودية وإيران، وقبلوا بمقرَّرات مؤتمر (جنيف١) التي تطالب بالدولة المدنية. كذلك فقد تم إنشاء (معارضة) خارجية علمانية في سوريا لا تنتسب إلى مشروع المسلمين في شيء، وضُم إليها (معارضة) الداخل العلمانية هي الأخرى والتابعة للنظام السوري ليتشكل منهما رجال الحكم العميل الجديد. وهؤلاء جميعهم يختلفون على كل شيء إلا على اعتبار مقررات (جنيف١) الأميركية هي أساس أي حل لسوريا، وهذا يدلِّل بشكل واضح على أن هذه المعارضة جزء من هذه الحملة العالمية على الإسلام، وهي (معارضة) عميلة منذ ولادتها، وأنها ستكون من جنس حكام المسلمين. وهي معارضة غير شعبية، تمثل من أوجدها ولا تمثل المسلمين في شيء.
أما على الأرض، فإن أميركا تقف وراء ما يمارسه المجرم بشار من إجرام مسكوت عنه، وبشار هذا ليس إلا كلب تهويش لها. وهي قد جنَّدت حكام المسلمين العملاء لها في كل من إيران والعراق ولبنان وتركيا لضرب هذه الثورة وإنقاذ عميلها الأسد، وسمحت للروس بأن يمدوا عميلها بالسلاح الفتاك وباستخدام الفيتو في مجلس الأمن ليمنعوا أية محاسبة دولية له، وسكتت عن مدِّ إيران له بالمال والسلاح والرجال، ومنعت أي دولة من مد الثوار بالسلاح الفعال الذي يستطيعون به أن يحققوا أهدافهم من الثورة، وسمحت فقط بأن يحصل الثوار على السلاح «غير الفتاك» بحجة الخوف من وقوع السلاح الفتاك بيد (المتطرفين) واستخدمت جامعة الدول العربية مع مجلس الأمن في عملية إعطاء المهل للأسد لكي يفتك بالثورة، وهي تقف وراء المبعوثين الدوليين من أجل فرض حلها، وسكتت عن استعمال الأسد للكيماوي،… وبالخلاصة، لم تترك وسيلة لضرب الثورة في سوريا إلا واتبعتها، ولكنها، والحمد لله وحده، لم تفلح.
إن أميركا هي رأس الأفعى، ولها اليد الطولى في كل مآسي المسلمين، وما تدَّعيه من أنَّها لا تتدخل فيما يحدث في سوريا ولا تريد ذلك إنما هو نفاق يزيد إجرامها إجراماً، ويزيد من سقوط حضارتها، فهي قد غاصت في أعماق الدم السوري بصورة يجعلها نازية أكثر من نازية هتلر، ومن عجيب ما نسمعه من حكام وسياسيين ومحللين قولهم إن على أميركا أن تتدخل، وكأنها لا تفعل ذلك، وكأنهم لا يكفيهم ما يأتي من مآسٍ منها.
والآن، وبعد كل ما ذكرناه، فهل يعقل ان نتلمَّس الحلول من عدونا أميركا التي تعمل على فرض حلها عبر مقررات (جنيف1) ونترك الحل الشرعي الذي يرضي ربنا: (الخلافة)؟!. هل يعقل أن نقبل مشروع أميركا التفتيتي للمنطقة والذي سيؤدي إلى الاستمرار بالمزيد من شرذمة المسلمين وإضعافهم وإضلالهم وإفقارهم وجعلهم في مؤخرة الأمم ونترك مشروع الخلافة العظيم الجامع للأمة الإسلامية على صعيد واحد وهو عبادة الله وحده، وتعبيد الناس لله وحده، دولة ستكون هي الدولة الأولى في العالم، وستكون خلافة إعمار لا استعمار؟!. هل نقبل التعاون مع أميركا التي عملت وتعمل على تخريب كل بلاد المسلمين؟!. هل نكافئ أميركا على تآمرها وإجرامها بحق المسلمين وإهدارها لدمائهم بهذا الشكل المروِّع على ما ذكرنا، ونعطيها الذي تريد؟!. هل يعقل كل ذلك؟!. إن من يسير مع أميركا إنما يسير مع الشيطان الأكبر… يسير مع مشروعهم الشيطاني الإجرامي، بينما مشروع الخلافة هو مشروع رحماني إنقاذي.
إن الذي يجعل المشروع الغربي، الذي لا يحمل إلا الشرَّ للمسلمين، مطروحاً بين جنبات المسلمين ويعمل على فرضه بالقوة وبالدعاية الكاذبة هم الحكام العملاء والوسط السياسي العلماني الساعي إلى المراكز والمصالح على حساب قضايا المسلمين، هؤلاء الذين قدَّروا، وساء ما قدَّروه، أن العمالة للغرب هي طريقهم للوصول… إن الذي يدعو للحل الأميركي، ويدعوها للتدخل، هو عميل لها، عدوّ للأمة، وخائن لدينها. وإن أميركا ودول الغرب لا يثبت لهم وجود في بلادنا لولا هؤلاء العملاء؛ لذلك كان الواجب على المسلمين العمل على كفِّهم عن طلب تدخل دول الغرب في فرض حلولهم الكافرة المسمومة؛ ولذلك فإن طرح مشروع الخلافة الجامع يقتضي أول ما يقتضي منع التدخل الغربي وأوله الأميركي وكل توابعه من الحكام العملاء وأذنابهم ممن يسمونهم بـ (المعارضات) فهؤلاء هم الذين يتدخل الغرب بالحل عن طريقهم.
إن الثورة قامت على المخلصين الذين قدَّموا أغلى ما عندهم، ولكنَّ الإخلاص وحده ليس كافياً، فلا بدَّ لهم من الوعي: الوعي على الغرب ومخططاته التي لم تعد خافية على أحد. الوعي على حكام المسلمين العملاء، أذناب الغرب، فالتدخل التركي ينسق مع أميركا خطوة خطوة ويعمل معها على تدريب قوات سورية من أهل البلد ليكونوا نواة الجيش الوطني السوري الجديد والذي تخطط لأن يكون أحد أذرعتها في فرض حلها. والأردن يعمل بدوره لأن يكون له حظ في التغيير وهو يعمل جاهداً لأن يشتري الولاءات له مستفيداً من قربه من العاصمة دمشق؛ لذلك تقوم مخابراته بحَراك نشط ليسبق غيره في عملية تغيير النظام. وهناك دويلات الخليج وعلى رأسها السعودية وتليها قطر فالإمارات، فإنَّها تستغلُّ حاجة الثوار إلى المال والسلاح لتفرضَ ليس حلها، وإنما حلول أسيادها الغربيين، وتريد إقامة دولة مدنية علمانية، وتحارب من يريد إقامة دولة الخلافة. ناهيك عن إيران التي تخدم السياسة الأميركية في سوريا، كما خدمتها في كل من أفغانستان والعراق، وهي لها أجندة خاصة قائمة على أحلام إمبراطورية مندثرة بعيدة عن الإسلام كل البعد…
إننا مقابل كل ذلك، نملك ما هو أقوى من كل هؤلاء، حتى ولو كانوا مجتمعين. إننا نملك سلاحاً لا يمكن لغيرنا أن يمتلكه، إنه سلاح الايمان بالله واستمداد العون منه وحده، إنه سلاح الأنبياء من قبل، والذي انتصروا به على أعتى الإمبراطوريات في وقتها، إنه سلاح الالتزام بطريقة الرسول B في تغيير هذه الأوضاع القاسية التي تقيم الخلافة على أصولها، والتي تأمر أن لا يستمد الملتزمون بها العون إلا من الله وحده، والتي تحرم عليهم أخذ السلاح والمال السياسي المشروط، والتي لها أهلها الذين يقيمونها بقوة الإيمان ودقة الالتزام، أهلها من السياسيين المفكرين ورجال الدولة والدعوة على أرفع طراز، ومن أهل النصرة الأتقياء الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يقبلون المساومة على دين الله. هذا هو سلاح وعد الله الذي لا يخلف الميعاد بالنصر، السلاح الذي انتصر به الرسول B من قبل، إنه سلاح المستضعفين الذي به وحده ينتصرون…
إن أي حل لا ينبع من الداخل، من عقيدة الأمة، ومن مشروعها الجامع (الخلافة الإسلامية) هو خيانة للأمة ولدينها، وإن هذه التضحيات التي قدَّمها المسلمون في سوريا لم يكبِّدهم الغرب المتوحش والدول العميلة له هذا الثمن الفادح إلا لأنهم مسلمون، إلا لأنهم يقولون ربنا الله، ويجب أن نحفظ دماء شهدائنا، وأن لا نفرِّط بها أو نضيِّعها بالتماس الحلول من الغرب الكافر. نعم، إن التضحيات التي قدمت والدماء التي أريقت لا يكافئها إلا قيام دولة الخلافة الجامعة التي ترضي الله ورسوله والمؤمنين، وتوقف مآسيهم. (… وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)). وليعلم المسلمون أن مشروعهم لاقامة الخلافة هو مشروع أمة لا يمكن إجهاضه، قال تعالى🙁 يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)).
2015-07-01