العدد 469 -

السنة التاسعة والثلاثون، صفر 1447هـ الموافق آب 2025م

مشروع طريق التنمية ونظام «تي. آي. آر» (TIR) مشروع استعمار اقتصادي بواجهة استثمارية

بهاء الحسيني

تسارع الحكومة العراقية اليوم إلى تنفيذ ما يسمى «مشروع طريق التنمية»، والذي يربط ميناء الفاو بالخليج عبر العراق إلى تركيا وأوروبا، متزامنًا مع تطبيق نظام «تي. آي. آر» (TIR) للنقل البري الدولي. ويُقدّم المشروع كأنه نهضة اقتصادية ومفصل تجاري يعيد إلى العراق دوره الحضاري، إلا أن هذا المشروع، في حقيقته، ليس سوى جزء من منظومة الهيمنة الغربية – التركية – الخليجية على موارد العراق وموقعه الجغرافي، ضمن تقسيم دولي للأدوار والممرات والطاقة، بعيدًا من إرادة الأمة ومصلحتها الحقيقية.

 أولًا: ما مشروع طريق التنمية ونظام «تي. آي. آر»(TIR)؟

شروع طريق التنمية: طريق بري وسكة حديد تبدأ من ميناء الفاو، تمر بمحافظات جنوبية ووسطى (البصرة، ذي قار، بابل، بغداد…)، وتنتهي شمالًا عبر نينوى إلى زاخو فتركيا، ومنها إلى أوروبا.

نظام «تي. آي. آر(TIR) “: نظام جمركي دولي يُطبق بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة النقل الدولي (IRU) يُسرّع عبور الشحنات ويمنع التفتيش في كل دولة، عبر ختم موحّد وتتبع إلكتروني.

أدوات الرقابة: منصة (TIR-EPD) لإرسال البيانات مسبقًا للجمارك، ومنصة أوروك العراقية لتتبع الشاحنات، وأجهزة تتبع فضائي بالأقمار الصناعية.

ثانيًا: حقيقة المشروع وأبعاده الاستعمارية:

 –  ظاهريًا:

تقليل زمن الشحن من أوروبا إلى الخليج بنسبة 60–80٪. خفض كلفة الشحن بـ38٪.

استثمارات وفرص عمل وتطوير بنى تحتية.

لكن واقعًا:

رهن سيادة العراق لمصالح قوى خارجية:

تركيا تستفيد جيوسياسيًا من تمرير الشحنات إلى أوروبا عبر أراضيها.

الخليج يُنهي اعتماده على إيران وقناة السويس.الغرب يحقق منفذًا بريًا سريعًا للموارد دون الحاجة إلى أمن البحر.

العراق ممَر لا مركز:

المشروع لا ينهض بصناعة ولا زراعة، بل يحوّل العراق إلى ممر ترانزيت.

لا توجد رؤية وطنية لتطوير قدرة الدولة الإنتاجية.

هيمنة الشركات الأجنبية:

الشركات المنفذة ومشغلو الطريق والخدمات هم شركات تركية وصينية وخليجية.

عقود التشغيل تمتد لعقود تحت مظلة البنك الدولي ومنظمات الغرب.

إقصاء الإرادة الشعبية والأمة:

لم يُعرض المشروع على الأمة.

لا يُخضع لمراقبة شرعية ولا محاسبة سياسية حقيقية.

ثالثًا: الثغرات الأمنية والسياسية

مناطق رخوة أمنيًا (نينوى – الأنبار – الحدود):

خطر تهريب السلاح، التنظيمات المسلحة، تهديد الاستقرار.

ضعف سيطرة الدولة المركزية على بعض المحافظات.

التحكم الخارج بالسيادة:

تركيا قد تستغل المشروع ورقةً للنفوذ في نينوى والمنافذ.

الخليج يسعى لاختراق اقتصادي بأغطية استثمارية.

غياب الشفافية:

لا توجد عقود منشورة للرأي العام.

العوائد مجهولة المصير، ويُتوقع نهبها عبر أدوات الدولة العميقة.

رابعًا: من يتحكم بالعوائد؟

تُدفع رسوم عبور وجمارك وتأمينات تذهب إلى: وزارة المالية وهيئة الجمارك وهيئة المنافذ. لكن تُدار في بيئة فساد سياسي وإداري معروفة.

لا توجد ضمانات بأن الأموال ستُوظف لصالح الشعب أو البنية الوطنية.

خامسًا: الموقف الشرعي من المشروع

نظام «تي.آي.آر.» (TIR) واتفاقياته تخضع لهيمنة الغرب والأمم المتحدة، وتُفقد الدولة قدرتها على ضبط تجارتها وفق أحكام الشريعة في حال قيام     الدولة الإسلامية المرتقبة

المشروع يجعل العراق تابعًا اقتصاديًا لا قائمًا بقدراته الذاتية، ويخالف مبدأ الاستقلال الاقتصادي والسياسي في الإسلام.

الأمة ليست طرفًا في اتخاذ القرار، والسلطان الحقيقي فيه للأجنبي والشركات لا للأمة، مما يُخالف أصل السلطان للأمة.

 الحل الشرعي: نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة

إن النهضة الاقتصادية الحقيقية، وضمان استغلال ثروات العراق وموقعه الجغرافي، لا تكون عبر ربط البلاد بمشاريع استعمارية، بل عبر:

إقامة دولة الخلافة الراشدة التي توظّف الموقع والثروات في خدمة الإسلام لا الكافر المستعمر.

إنشاء منظومة نقل وصناعة وزراعة ضمن خطة اكتفاء ذاتي، تُحرر الأمة من الحاجة إلى الخارج.

تحرير الإرادة السياسية والاقتصادية من التبعية الغربية، وإخضاع كل مشروع للرقابة الشرعية.

جعل المشروع مشروع أمة تحمل رسالتها، لا دولة وظيفية تمرر الشاحنات والهيمنة.

أيها المسلمون في العراق:

لا تنخدعوا بزخرف الشعارات الاقتصادية.

لا تقبلوا أن يُباع بلدكم باسم التنمية والاستثمار.

طالبوا بجعل ثرواتكم وموقعكم في خدمة مشروعكم الإسلامي.

حاسبوا الحكام والعملاء الذين يفرّطون بالسيادة ويتواطؤون مع الغرب وتركيا والخليج على حسابكم.

ولا نهضة حقيقية، ولا سيادة، ولا كرامة… إلا بدولة الخلافة التي تحكم بشرع الله، وتحمي الأمة من كل استغلال وذل وتبعية.

(إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *