أين أنتم يا علماء المسلمين ؟!
3 أسابيع مضت
المقالات
1,426 زيارة
سلافة شومان
بيت المقدس
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء«. رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس، وذكره السيوطي في الجامع الصغير بهذا اللفظ.
إن العلماء هم مَنْ مَنَّ الله عليهم بفقه الدين وعلوم الإسلام وزكَّاهم بالحكمة والمعرفة، فهم أعلم الناس بالحلال والحرام… إن العلماء هم الأجدر بمعرفة قدْر الله؛ لذلك نجد أن عليهم أن يكونوا أخشى الناس لله، وهم أَولى من يقع على عاتقه حمل لواء العلم ومن ثم العمل على التغيير.
ومن كان كذلك يكون حريصًا على القيام بما فرضه الله عليه من نصرة الحق ونشره، ومناصحة كل من يحتاج إلى النصيحة، سواء أكان من زمرة الحكام أم المحكومين، وتعريف الناس بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ إن ذلك من أعظم الفرائض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكَنَّ أن يبعث الله عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
والعلماء هم أولى الناس بمحاربة الظالم وإنصاف المظلوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
ومن يستطيع أن يفرق بين الحق والباطل والعدل والظلم مثل العالم؟! ومن يستطيع أن يعرف طريق الحق والطريقة الشرعية للتغيير مثل العالم؟!، لذلك أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق أن صلاح المجتمعات من صلاح الأمراء والعلماء، وأن فسادها من فسادهم. فالأمير إذا همَّ بالإفساد رده العلماء إذا كانوا علماء ربانيِّين. وهؤلاء موجودون في كل مكان وزمان.
و من اللافت أن نصوص الوحي من كتاب وسنة تضافرت على بيان فضل العلم والعلماء وذكر مكانتهم ومن ذلك :
– قال تعالى: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ) في الآية بدأ بنفسه ثم ثنَّى بالملائكة وثلَّث بأهل العلم، وناهيك عن ذلك شرفًا وفعلًا…
– وقال تعالى: (يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين سبعمائة درجة، ما بين الدرجتين خمسمائة عام.
– وقال تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا).
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ويلهمه رشده».
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء». ومعلوم أن لا رتبة فوق النبوَّة، ولا شرف فوق الوراثة لتلك الرتبة.
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يستغفر للعالم ما في السموات والأرض». فأي منصب يزيد على منصب من تنشغل ملائكة السموات والأرض بالاستغفار له؟!.
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد. وموت قبيلة أيسر من موت عالم، وهو نجم طمس» رواه الطبراني عن أبي الدرداء ورفعه.
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء».
– وقال صلى الله عليه وسلم: «فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ
– وقال صلى الله عليه وسلم: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
– وقال صلى الله عليه وسلم: « يشفع يوم القيامة ثلاث الأنبياء والعلماء والشهداء».
– وعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: «القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته. وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة»
– وقال أبو الأسود: «ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس * والعلماء حكام على الملوك».
– وقال ابن عباس – رضي الله عنها -: «خُيِّر سليمان بن داود (عليهما السلام) بين العلم والمال والملك، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه».
– وسئل بن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء. قيل فمن الملوك؟ قال: الزهَّاد قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين.
– وقال الحسن: «لولا العلم لصار الناس مثل البهائم».
– وقال الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله: «فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين؛ لكونهم اتَّكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا لله النيَّة؛ أثَّر كلامهم في القلوب القاسية، فليَّنها، وأزال قساوتها. وأما الآن؛ فقد قيَّدتِ الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالَهم أحوالُهم، فلم ينجحوا، ولو صَدَقوا وقصدوا حقَّ العلم؛ لأفلحوا. ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حبِّ المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر».
فمن خلال هذه النصوص من آيات وأحاديث وأقوال مأثورة نجد المكانة التي أحاط بها الإسلام العلماء، وذلك لدورهم العظيم في حمل راية الهداية والدعوة والنصح لهذه الأمة حيث إنهم بعلمهم حملوا هذه الأمانة وكانوا محل الثقة والأولى بالاتباع؛ هذا إذا كانوا علماء ربانيين أعوانًا للحق على الباطل حريصين على النصح للحاكم، وهذا ما كان يتمتع به العلماء في العالم الإسلامي إبان الدولة الإسلامية في مختلف العصور، وهناك الكثير من النماذج على مقارعة الظالمين وأهل الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تاريخنا الإسلامي المجيد،
هكذا هم العلماء الربانيون، وهكذا كان موقفهم في كل عصر من عصور الإسلام: نصرة للحق لا يخشون في الله لومة لائم، يبغون الآخرة ولا يبالون بهذه الدنيا الفانية…
فأين أنتم با علماء أمتنا في يومنا هذا وأحوال الأمة تتردَّى من سيئ إلى أسوأ، وقد تكالبت عليها الأمم الكافرة من كل حدب وصوب، لا يتألَّفون فيما بينهم إلا حين يعلنون الحرب على الإسلام والمسلمين؟!… أين أنتم فيما يحدث اليوم بعد طوفان الأقصى وقد بان عوار الأنظمة العميلة وبان حقد الشرق والغرب على الإسلام والمسلمين؟!… هي حرب شعواء لا هوادة فيها، والأمة تحتاج إلى من يعزز ثقتها بدينها وبنفسها، ومن يقف إلى جانبها في استنصار أصل القوة والمنعة لنصرة الحق وتحرير البلاد والعباد.
أيها العلماء، اعلموا أنكم حملتم هذه الأمانة، فإما أن تؤدُّوها بحقها وتبرِّئوا ذمتكم أمام الله وتستحقُّوا الثواب في الدنيا والآخرة، وإما أن لا تنالوا هذه الدرجة وتتقاعسوا عن هذا الواجب العظيم، ووقتها عليكم أن تقرِّروا بماذا ستجيبون الله يوم العرض العظيم وقد خنتم هذه الأمانة؟!. ولتعلموا أيها العلماء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن زمننا هذا؛ حيث يكون الناس فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه.
فمن منكم يعيد سيرة ابن تيمية والعز بن عبد السلام فيكون عالـمًا ربانيًّا هاديًا لدين الحق، وارثًا للنبوَّة، لا يخشى إلا الله، يقول الحق لا يخشى في الله لومة لائم.
2025-01-01