طوفان الأقصى… تغيرُّات وتحوُّلات ولأجيال قادمة
أسبوعين مضت
المقالات
473 زيارة
نصر فياض/أبو إبراهيم
الأرض المباركة فلسطين
إن عملية طوفان الأقصى والعدوان على أهل غزة والأرض المباركة، أحدثت هزة عنيفة، وأنتجت طوفان في الإحساس والشعور وصلت إلى أعماق النفوس؛ فأحدثت مجموعة من التغييرات والتحولات الجوهرية على أكثر من صعيد، والتي سيمتد تأثيرها إلى الأجيال القادمة، والتي يمكن للمراقب بل لكل ذي عينين أن يرصدها، حتى إن السفارات الغربية وهي عيون الغرب رصدت هذه التغيرات والتحولات، والتي حسب تقديرها سيصل تأثيرها إلى جيل بأكمله من شباب الأمة، الذي استهدفه الغرب في عمليات التغريب والإفساد والتتفيه لشخصية المسلم، فأطلقت التحذيرات والإنذارات بهذا الخصوص من السفارات الأمريكية والفرنسية العاملة في المنطقة، وفي أكثر من بلد، منها على سبيل المثال السفارات الأمريكية في (عمان ومصر والأردن) فقد كشفت شبكة «سي إن إن» عن تلقي الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذيرات صارخة من دبلوماسيين أمريكيين في العالم العربي من أن دعم واشنطن القوي للحرب (الإسرائيلية) المدمرة على قطاع غزة «يجعلها تخسر الجماهير العربية على مدى جيل كامل «الجزيرة 10/11/2023م.
وجاء أيضًا ذات التحذير والإنذار من عشرة سفراء فرنسيين في مذكرة داخلية وجهت للرئاسة الفرنسية لم يُكشف عن مضمونها، وعبَّرت عن استياء وتحذير أن فرنسا تفقد تأثيرها في المنطقة، ويبدو أنها تشي بالخطر من التغييرات الجذرية التي حدثت في المنطقة. ونستطيع أن نتناول هذه التحوُّلات والتغيرُّات عبر عناوين: (ما يتعلق بدولة يهود من أزمات وتصدُّعات… وما أحدثه من تغيُّرات على المستوى العالمي… وما أحدثه على صعيد الأمة).
الأزمة الاستراتيجية والتصدُّعات في كيان يهود:
ا- انكشاف هشاشة هذا الكيان، وسقوط استراتيجياته الأمنية في 7 اكتوبر القائمة على (الإنذار المبكر، والردع ،والحسم)، فتآكلَ تفوقه الأمني والعسكري أمام صمود المجاهدين في غزة.
2- عزَّزت صدمة 7 من أكتوبر وما تلاها من فشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة بالحل العسكري حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وهذا انعكس سلبيًّا في دولة يهود على أكثر من صعيد، من القناعة بعدم قدرة الجيش على استعادة الأسرى وإعادة الذين نزحوا من مناطق غلاف غزة ومستوطنات الشمال، والشعور بانعدام الأمن وفقدان الثقة بالدولة والجيش ما دفع مليون أو أكثر للخروج من الكيان إلى الخارج، والسعي إلى أخذ جوازات سفر الكثير من الدول الغربية، فقد قدم 5 آلاف من سكان الكيان طلبات جوازات في ألمانيا.
وأيضًا، وعلى صعيد آخر، احتدمت الخلافات والانقسامات داخل الكيان وصدق الله تعالى حين قال: (وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) [المائدة: 64] وقال تعالى: (لَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرٗى مُّحَصَّنَةٍ أَوۡ مِن وَرَآءِ جُدُرِۢۚ بَأۡسُهُم بَيۡنَهُمۡ شَدِيدٞۚ تَحۡسَبُهُمۡ جَمِيعٗا وَقُلُوبُهُمۡ شَتَّىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡقِلُونَ ١٤) [الحشر: 14].
3- تعمُّق القناعة عندهم بحقيقة عجز كيان يهود عن الدفاع عن نفسه بمفرده، وأنه يستمد قوته من الداعمين الإقليميين من الدول العربية العميلة، ومن الداعمين الدوليين المتمثل في الغرب، ورأس حربته أمريكا ، وأنه مشروع غربي يقوم بدور وظيفي لصالح الغرب في قلب العالم الإسلامي، وهذا دفع اليهود إلى البحث للحصول على جنسيات لدول أخرى عبر العالم.
4– خسرت دولة يهود في تسويق روايتها أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، وأنها محاطة بالأعداء لتجلب التعاطف الدولي لها؛ فأصبحت دولة منبوذة، وأصبحت دولة خارجة عن القانون وتلاحق في المحاكم الدولية على ما ارتكبته من جرائم وإبادة جماعية.
التغيير الذي أحدثه طوفان الأقصى عالميًّا:
1- فضح الغرب ومؤسساته الدولية ونظامه الدولي، ومنظومة القيم الرأسمالية من حقوق إنسان وحقوق الطفل والمرأة، وغيرها من النظم والقوانين والشرائع، وأنها مجرد شعارات، وغطاء للهيمنة الغربية والاستعمار، فقد سقطت الرواية الغربية وفقدت مركزها الأخلاقي والقيمي والفكري، فأصبحت محل سؤال وانتقاد، ووصل الأمر عند البعض أن تكون محل شك بعد أن أمدَّت الدول الغربية كيان يهود بكل الدعم للقيام بجرائمه وبالإبادة الجماعية.
2- هذا النفاق والازدواجية في المعايير التي ظهرت في التعامل الغربي مع أوكرانيا وغزة، فقد تُركت غزة تباد، ودافعت الدول الغربية باستماتة عن كيان يهود، ومُدَّت بالسلاح بالرغم من قيامه بالمجازر والإبادة الجماعية وبكل الموبقات؛ فقد أحدث هذا تحولًا في المجتمعات الغربية والرأي العام الغربي، وحتى الرأي العام العالمي، وخاصة في جيل الشباب عند الغرب، وظهر ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي وفي الجامعات الأمريكية والغربية وحتى العالمية، فقد تحوَّلت نظرة هؤلاء الشباب للقضية الفلسطينية ولدولة يهود؛ فأصبحوا يرَون أن دولة يهود هي دولة محتلة، وعنصرية، وأنها تقوم بإبادة أهل غزة، وأن أهل فلسطين هم أصحاب الحق وأهل الأرض والمعتدى عليهم؛ وهذا تسبَّب في أن يفقد الشباب الثقة بالإعلام الغربي الذي تبنَّى الرواية للكيان، وأيضًا فقدت الثقة بالمسؤولين الذين يدعمون كيان يهود في حرب الإبادة الجماعية. وهذه لحظة فارقة وتاريخية وتحوُّل ساهم الطلاب وغيرهم من المسلمين في إحداثه. وهذا التحوُّل يمكن البناء عليه في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى، وخاصة عند قيام الدولة الإسلامية.
التحولات والتغيرات على صعيد الأمة الإسلامية، وخاصة جيل الشباب:
1- سقوط الحكام وازدياد الحنق والغضب عليهم، وباتت الأمة لا يخدعها كذب من يرفع شعار الإسلام منهم، ولا من صدع رؤوسنا منهم بمحور الممانعة والمقاومة، فقد سقطوا من أول النزال.
فقد كتب دينيس روس المبعوث السابق لعملية السلام في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 17/10/2023م: (إسرائيل ليست وحدها في الاعتقاد بضرورة هزيمة حماس. في الأسبوعين الأخيرين، تحدثتُ إلى مسؤولين عرب في أنحاء المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، كلهم بدون استثناء قالوا لي إن من المهم تدمير حماس في غزة، وأكدوا على أنه إذا خرجت حماس بصورة منتصرة فإن ذلك سيكرس أيديولوجية الرفض التي تدعو لها، وسيدعم إيران والمتعاونين معها، ويضع حكومات المنطقة في موقف الدفاع) القدس العربي 30/10/2023م.
فإن هذا الموقف المخزي للحكام والمسؤولين العرب، والذي توَّجته القمم العربية واجتماعات الدول الإسلامية، والتي ظهر فيها حكام العالم الإسلامي أنهم يد واحدة في صف أعداء الأمة، فظهر التواطؤ المفضوح مع الحرب اليهودية الصليبية، وقدَّموا المبادرات السياسية، والتي تحقِّق لليهود ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب. وفوق ذلك فإنها تقدم لليهود جائزة على جرائمه، فهي مستعدة للمشاركة بشكل فاعل في تحقيق أمنه ودمجه في المنطقة عبر المضي باتفاقات تطبيع جديدة وبمشاريع اقتصادية بالشراكة الكاملة مع كيان يهود.
2– طوفان الأقصى قوَّى وعزَّز الرأي العام الرافض للأفكار والمفاهيم التي عمل على الترويج لها منذ عقود لقبول التعايش مع الكيان المغتصب، بما يعرف بثقافة السلام والتعايش المشترك والسلمي، والدعوات لأن يجعل الرابط بين دول المنطقة الديانة الإبراهيمية أو غيرها من الدعوات، أو ما يروَّج له من القيم الإنسانية المنطلقة من القيم الغربية والعلمانية والتي يعمل على أن تشكل جامعًا بين الناس والشعوب، والتي تروج لها المؤسسات الدولية والمحلية التابعة للغرب، فأصبح من يروج لهذه الأفكار خائنًا عميلًا منبوذًا.
3- أزال طوفان الأقصى وحرب غزة تأثير ثقافة الهزيمة وحالة اليأس والإحباط التي صنعها الكفار وروَّج لها المنافقون، والتي كانت تسيطر على الكثير من أبناء الأمة، فسقوط جيش أمام ثلة من المقاتلين الأبطال، أسقط قوة الردع لدولة يهود من حسابات المسلمين، وتعزَّزت القناعة الموجودة بأن يهود لا يقوَون على قتال حقيقي مع جيوش المسلمين، ولن ينفعهم ما يمتلكون من أسلحة يوم معركة التتبير التي سيخوضها جيش التحرير القادم. قال تعالى: (لَن يَضُرُّوكُمۡ إِلَّآ أَذٗىۖ وَإِن يُقَٰتِلُوكُمۡ يُوَلُّوكُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ١١١)[آل عمران: 111].
فهذا السقوط المذلُّ أعاد الذاكرة لبطولات المسلمين في أكثر من بلد في العراق وأفغانستان وغيرها في العقود التي مضت؛ فعزز ذلك الثقة عند الأمة بنفسها وبقدرتها على مواجهة أعدائها من قوى الشر، أمريكا والغرب وغيرهم من دول الكفر مهما امتلكوا من أسلحة، وأنها قادرة على الانتصار عليهم بتوفيق الله وتأييده، وستفتح الأرض من جديد مشارقها ومغاربها.
4– أظهرت حرب غزة أصالة الأمة، ومعدنها الحقيقي، فقد أظهرت الأحداث في غزة للناس كافة الايمان المستقر في النفوس، وما يقتضيه من الولاء والبراء، وعشق الجهاد والشهادة، والتوكل على الله سبحانه، واللجوء إليه وحده، والرضى والتسليم بالقضاء والقدر، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، والثبات والصمود، وغيرها من الأفكار والمفاهيم، فهي راسخة في الأمة رسوخ الجبال الراسيات.
فقد ظهر الإيمان على حقيقته واليقين وحلاوته في مشهد يثير التعجب من أمة هذا حالها وقت المصاب والألم. فهذا المشهد لا يعرفه البشر إلا في القصص والأساطير؛ ما دعا عدد من الغربيين لدراسة القرآن ليتعرفوا على هذا الـمَعين الذي صنع هذا الإيمان في هذه النفوس.
5– فبالرغم من الجهود المبذولة لإنهاء جذوة الجهاد في الأمة، إلا أن الجهاد ما زالت جذوته قائمة، ولن تزول بالرغم من هذه الحرب الضروس التي تهدف للقضاء على المجاهدين وإنهاء هذه الحالة في الأمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» رواه مسلم. وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وختامًا، إن هذه التغيرات والتحولات الإيجابية وغيرها مما لا تخطئه العين يجب أن يكون دافعًا لإنهاء حالة الخذلان والانتكاس الذي تعيشه الأمة، وأن تتحرك بكل طاقاتها وخاصة الجيوش فيها للقيام بواجبهم في نصرة الدين وإقامة حكم الله في الأرض، ونصرة الأرض المباركة والمستضعفين فيها، والثأر لهم، وتحرّر المسجد الأقصى المبارك.
إن هذا السقوط لدولة يهود إلى درك الانحطاط وقيامها بالإبادة الجماعية، وظهور ذلك للعالم – فقد أصبحت في عزلة دولية – ما يجعل حبل الناس ينقطع عنهم عند تحرك الأمة للتحرير.
وإن ما فعله يهود من إفساد هو نذير أن يرسل الله عليهم عبادًا له يسومونهم سوء العذاب، ويستأصلون شأفتهم، قال تعالى: (إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا٧) [الإسراء: 7] وقال تعالى(…وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا)[الاسراء: 8].
فعلى الأمة، وخاصة الشباب فيها، التحرك للتغيير، وأن تفتح الباب أو تكسره بأن تزيل كل عائق يحول بينها وبين ما أوجبه الله عليها، والله معها وناصرها. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧)[محمد: 7].
2024-11-03