الارتباط الوثيق بين مسألة تحرير فلسطين وحتمية عودة الخلافة
2024/06/19م
كلمات الأعداد
1,301 زيارة
صالح عبد الرحيم – الجزائر
إن من بين أبرز ما كشفَتْه حربُ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م على غزة في فلسطين عدةَ أمور منها:
– إن كيان يهود رغم كل الدعم الغربي – كمًّا ونوعًا – الذي يصل إليه من كل أصقاع المعمورة، وخاصةً من أمريكا بوصفها الداعم الرئيسي الحاضن للكيان، فهو ليس بتلك القوة التي صنعها له الغربُ بالخداع السياسي عبر الإعلام وغيره؛ إذ الغرض من ذلك كان وما زال صنع هزيمة نفسية عند المسلمين مفادها أن الأمة الإسلامية قد أخذ الضعفُ والهوان منها كل مأخذ، بل ربما قد ماتت أو أشرفت على الموت، وأنه لا مناص من التطبيع، ما يجعل مجرد تصور إمكانية التفوُّق على الكيان أمرًا مستبعدًا إن لم يكن مستحيلًا! ناهيك عن هزيمته عسكريًّا أو إزالته. فما بالك بإمكانية قهر مَن يقف وراءه من قوى الغرب مجتمعةً! ما يعني عند المسلمين الاستسلام التام وتسليمَ المفاتيح والانبطاح الكامل لقوى الغرب الرأسمالي الاستعماري الحاقد. بينما الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فقد أثبتت هذه الحربُ العكس، وأحيت روحَ الجهاد في الأمة بأسرها، وبرهنت على أن ثلةً من المجاهدين، أو بعض جيوش المسلمين فقط قادرٌ على إزالة الكيان الجبان في معركة واحدة، مهما بلغ الدعم الغربي للكيان، شريطة أن تتحرر إرادةُ تلك الجيوش من قبضة الحكام العملاء. وهنا مربط الفرس!! وها نحن أمام الحقيقة الساطعة أن أمة الإسلام أمة واحدة في كل أصقاع الأرض وأنها حية لن تموت!
– كشفت الحرب أيضًا أن كيان يهود ليس دولة رعايةٍ حقيقة، لا لليهود ولا لغير اليهود على أرض فلسطين، وإنما هو كيان همجي وظيفي هجين أوجده الغربُ لأداء مهمة بل مهام محدَّدة لصالح الغرب عدو الإسلام والمسلمين، وترعاه أمريكا تحديدًا. وأنه أداة من أهم أدوات الغرب الاستعمارية الكثيرة لإدامة بقاء نفوذه وهيمنته على بلاد المسلمين وأخذ ثرواتها ونهب خيراتها؛ وذلك بالتنسيق الكامل مع حكام المنطقة الخانعين. ومن ذلك إخضاع المنطقة بتكريس الفرقة ومنع الوحدة والحيلولة دون استعادة القوة التي تقتضي قيام كيانٍ جامع للمسلمين (الخلافة) وطرد الاستعمار من بلادهم. وقد فضحتْهم جميعًا هذه الحربُ في غزة، حيث تبيَّن أن حال المسلمين بعد زوالِ الخلافة تتمثل بالفعل في أن حكامَهم في صف أعدائهم!.
– كما بينت الحربُ أن كيان يهود منذ نشأته متوقفٌ وجوده واستمرارُه وبقاؤه حصرًا على الإرادة الأمريكية. كما أظهرت أن الكيان تُشرف عليه عصابة مجرمةٌ حقيرة حاقدة إلى درجة لا تتصور من يهود متدينين متعصبين حاقدين وصهاينة علمانيين فاسدين مفسدين، تتندَّر على داعميها وتبتزُّهم بطريقة تكشف ما وصلوا إليه مما وصفهم به ربُّ العزة في كتابه مما أوقعوا أنفسهم فيه من الغدر والخيانة والخِسَّة والهوان، وما ضُرب عليهم من ذلة ومسكنة وما حلَّ بهم من غضبٍ من الله. كما أظهرت أن الوسط السياسي في الكيان المجرم هشُّ ومهلهل إلى حد لم يكن مكشوفًا قبل الحرب. ولا شك أن هذه الحرب ستكون لها تداعيات ونتائج وخيمة على مستقبله، وستترك بصماتٍ قد تُشعل العالم بأسره بثورات أو صراعاتٍ لا حصر لها في بلاد المسلمين خاصة، ما قد يؤدي لانهيار المنظومة الدولية الظالمة برمتها بسببه، ويمهد لتحرر الأمة الإسلامية جرَّاء ذلك من قبضة أعدائها في الغرب، فضلًا عن زوال الكيان المسخ.
ولكن مع ذلك يبقى – دون أدنى شك – أهمُّ وأبرز ما انكشف جراء هذه الحرب على أهل فلسطين في غزة، بل وكل الحروب السابقة واللاحقة المرتبطة بأرض فلسطين، هو مدى ارتباط قضية فلسطين – وكيفية تحريرها – مع مسألة وجوب وحتمية إعادة دولة الخلافة إلى ديار لمسلمين؛ وذلك من زاوية أن تلك القضية نشأت أصلًا في خضم صراعِ الغرب مع الأمة الإسلامية الذي تُوِّج بإسقاط الخلافة وإلغائها من الوجود سنة 1924م. ولم يكن ممكنًا احتلالُ بلاد الشام أصلًا ومنها فلسطين قبل الإجهاز على دولة الخلافة العثمانية. ثم جرى بعد ذلك تهجير أهل فلسطين وتسليمُ أرضها من طرف دول الغرب الكبرى وبالأخص دولة الإنجليز سنة 1948م لمن هم أشد الناس عداوة للمسلمين بإنشاء كيان (إسرائيل) في قلب بلادهم، ضمن مشروع استعماري بغيض يهدف إلىإخضاع الشعوب الإسلامية بإبعاد الإسلام عن الحكم وتمزيق بلاد المسلمين وإحكام السيطرة عليها، إن لم يكن القضاء على الأمة الإسلامية!… ولإيضاح حجم تلك المؤامرة نقول:
بينما شكَّل فصلُ الدين عن الدولة في أوروبا قبل قرون منعطفًا تاريخيًّا أدى إلى بروز كياناتٍ سياسية قوية تأسَّست على فكرة العلمانية، وظهورِ حضارةٍ ونمط حياةٍ جديد في تلك البلاد، فإن فصلَ الدين عن الدولة وعن السياسة في بلادنا أحدث بدعةً منكرةً في حياة الأمة، وشكَّل ضربةً قاتـلةً تمثَّلت في إبعاد الإسلام عن الحكم بالقضاء على دولة الخلافة وإزالتها من الوجود. وهو ما جسَّد على أرض الواقع إخراجَ المسلمين من حلبة الصراع الدولي ومن المسرح العالمي؛ إذ لم يكن المسلمون يعرفون في بلادهم نمطًا في الحكم والسياسة ورعايةِ الشأن العام غير نظام الخلافة منذ مجيء الإسلام.
وبينما أثمر فصلُ الدين عن الدولة في أوروبا مخرجًا من درَك الانحطاط، وشكل منطلقًا لأصحاب الفكر والعلم والسياسة والإبداع في جميع المجالات انبثقت عنه نهضةٌ شاملة في المجتمعات الأوروبية مبنيةٌ على التحرر التام من سلطة الكنيسة ورجال الدين، فإن زوال الدولة القائمةِ على العقيدة الإسلاميةِ في بلاد المسلمين (دولة الخلافة)، أحدث انتكاسةً مروعةً على جميع المستويات! إذ كانت العقيدة النصرانيةُ وما زالت تنطوي على متناقضاتٍ لا يمكن تأليفها مع العقل، فكان لا بد لأهلها من اعتناق عقيدة جديدة، وهو ما تمخَّض عن ذلك الصراع المعروف في أوروبا بين الدين من جهة والعقل والعلم من الجهة الأخرى، أي بين رجال الدين ورجال الفلسفة والفكر، والذي كانت نتيجته إبعاد الدين (المغلوط) عن الحياة وعن الشأن العام، بغض النظر عن مدى صحته أو بطلانه؛ إذ كان أساسه يصطدم مع مقررات العقل ومكتشفاتِ العلم معًا. فنتج عن ذلك طراز خاص من الحضارة ومن المدنية، هو ما نراه اليوم في العالم الغربي كله يبدو (للسذج) تفوُّقًا للغرب على الشرق منذ قرون!! هذا في أوروبا. أما في بلاد المسلمين، فإن فصلَ الدين عن الدولة وعن السياسة أدى إلى أعظم كارثةٍ حلت بالمسلمين منذ أن تشكَّلت الأمةُ الإسلامية وأُخرجت للناس!! فصدق من قال: «حلولهم مشاكلنا»!! مفارقةٌ لا يصعب فهمُها إذا ما أدرك المسلمون أن الإسلام في أساسه، أي في عقيدته، مبني على العقل. وأن لا تناقض مطلقًا، لا مع العقل ولا مع مقرَّرات العلم، ولا وجود لهذا الصراع في الحضارة الإسلامية أصلًا؛ ولهذا فإن ما يسميه الغربيون سياسةً هو دين عندنا. ومن هنا يتبين أن لا مساحة مشتركة بين الحضارتين مطلقًا؛ لأن المشكلة تكمن في الأساس.
أما ما حصده المسلمون جراء هذا الفصل بين الدين والسياسة في بلادهم – والذي لا يعني على أرض الواقع سوى ذهاب دولة الخلافة التي ترعى شؤون المسلمين كما أسلفنا – فهو الضياع والانحدار والتخلف والفوضى والدمار والذلة والاستعمار!! وهو ما يعني أيضًا ضياع الأرض والعرض، وضياع المقدسات والمكتسبات، وتعطيل كل الطاقات في جميع المجالات!!! وهو المشاهد من حال الأمة اليوم. أَوَليس هذا هو الواقع فعلًا؟!.
من هنا تأتي أهمية العمل الفكري والسياسي في الأمة. ومن هنا تبرز ضرورة ووجوب وجود حزب سياسي في الأمة على الأقل يقوم بهذا العمل الفكري والسياسي لمواجهة هذا الواقع المغلوط الذي أوجده الغرب، وتوجيه البوصلة باتجاه إعادة الأمور إلى وجهتها الصحيحة بإعادة وصل ما انقطع وإعادة الأمة إلى دورها الحقيقي الذي أراده الله لها… ومن هنا وجد حزب التحرير. فقد عمد حزبُ التحرير منذ نشأته سنة 1953م إلى نقض ما فعله الغربُ في بلاد المسلمين على مستوى الفكر والمعتقد، وما نتج عن ذلك في الأمة من مآسٍ وعُقد! كما عمد إلى مناهضة الوجود الاستعماري الغربي في بلاد المسلمين كجزء أساسي من كفاحه السياسي وطريقة عمله؛ وذلك بهدف تحرير الأمة من التبعية وإنهاء نفوذ الغرب المتعددِ الأشكال في الأمة الإسلامية، وبغرض تطهيرها من براثن الكافر المستعمِر وشروره، ومن كل ضلالاته وأفكاره الدنيئة وحضارته السقيمة الزائفة. بل وإحداث نهضة شاملةٍ في الأمة الإسلاميةِ وتطهيرها من كل ما نجم عن تقزيم الإسلام العظيمِ وشريعته، بعدما تم إبعادُه عن الحكم في بلاد المسلمين بأنْ صار في أذهان المسلمين وأعمالهم طقوسًا شكليةً أي عباداتٍ وأخلاقًا فرديةً لا غير! مدرِكًا أن هذا الفصل بين الدين والسياسة إنما هو رأس البلوى ولب المشكلةِ ومكمن الداء في الأمة. قال الله تعالى: (أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠)[المائدة: 50]. فكان حجر الزاوية في صراعه وكفاحه هو التصدي لهذه العلمنة المقيتة الآتية من الغرب، وكشف خطط الاستعمار الغربي وما ينفذه عملاؤه ووكلاؤه في طول البلاد وعرضها منذ أن حلت بالأمة فاجعةُ إبعاد الإسلام عن الحكم جراء هدم دولة الخلافة، جامعةِ شمل المسلمين وحاميةِ بيضتهم؛ حيث صار المسلمون لأول مرة ومنذ بداية القرن الماضي يُحكَمون في بلادهم من قِبل أعدائهم!! فأي مصيبة أعظم من هذه؟؟
ولما وقع الفأس في الرأس وأدرك المسلمون – أو كثير منهم – بعد زوال الدولةِ أنهم في كرب عظيم، وأمام خطر جسيم، حل السؤال بينهم: كيف السبيل إلى التحرر؟ وما السبيل إلى عودة الإسلامِ إلى واقع الحياة؟؟ ولكن هذه المرة، عظُم الكرب وزاد البلاء وتعقدت المشكلةُ ألف مرة، بعد أن فقد المسلمون دولتَهم!! فكان أن تضاعف كيدُ الأعداء وانتقل الكفار المستعمرون – من أجل ترسيخ الوضع القائم وحالةِ التبعية والانكسار – انتقلوا إلى مرحلة جديدة من الكيد وهي سطوة الحكَّام العملاء والخونة، بعد أن رأَوا أنها آتت أكلها من قبلُ في كثير من البلاد أيام ضعفِ الدولة العثمانية، من أيام محمد علي في مصر بعد الحملة الفرنسية (مثلًا) ومَن قَبْلَه في غيرها.
وكان ذلك الأسلوب من الاستعمار خاصةً بعد أن دخلت أمريكا الاستعمارية بقوتها الجبارة في صراعٍ مع الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية لتأخذ عنوةً «حصتها» من الغنيمة، أي من ثروات البلاد الإسلامية، بعد أن صارت هذه البلاد وأهلُها وثرواتها ومقدراتها مستباحةً لكل ناهب وعابث!! وليس صدفةً أن بدأت أمريكا بأخذ أرضِ الكنانة من الإنجليز عن طريق الانقلاب في 1952م، لتتبعها بلاد أخرى. ولا غرابة أنْ صار قبل ذلك للصهاينة الأنجاس «دولة» على أرض فلسطين، لتكون خنجرًا مسمومًا في وسط الأمة منذ 1948م، باعترافٍ ودعمٍ من «المجتمع الدولي» بعدما تمَّ إقصاء المسلمين منه بالإجهاز على دولتهم، بل باعتراف الكيانات التي أوجدها الاستعمارُ نفسه في بلاد المسلمين!؛ وذلك بغرض إحكام القبضة وضمان التفوق وإدامة الهيمنة وتخليد الانتصار على الأمة الإسلامية. والحقيقة هي أن هذه الحرب القائمة الآن على غزة منذ أشهر ليست سوى محطة أو جولة من جولات الصراع مع الغرب.
إلا أنه في تلك الظروف تحديدًا، وبعد أن تضاعف مكرُ وخداعُ الكفار للمسلمين، وبعد أن بلغ كيدُهم أضعافَ ما كان عليه قبل وعند إسقاط الدولة، نشأ حزب التحرير في قلب الأمة الإسلامية؛ حيث كان الصراع على أشده. موقنًا – بتوفيقٍ من الله ومنةٍ منه جل شأنه – أن أم المآسي والنكبات وسببَ الضياع والفرقة والشتات والذلة والفقر وسوء الرعاية والتخلف والدمار والخراب في بلاد المسلمين إنما هو فصل الدين عن السياسة بإبعاد الإسلام عن الحكم. ومعناه غياب الدولة التي ترعى شؤون الناس بأحكام الإسلام في كافة مناحي الحياة، والتي منها الحكم والاقتصاد تحديدًا. وأن عودتها مرهونة حصرًا بنهضة الأمة فكريًّا وسياسيًّا!! كما أيقن أن خداع الكفار وكيدَهم للمسلمين لا ولن ينتهي إلا بانتهاء الصراع بين الحق والباطل. أما عدم انخداع المسلمين لأهل الباطل من الكفار والمنافقين في لحظةٍ ما من الزمن – أي في لحظةٍ ما من حياة الأمة – فتلك مسألة أخرى، إذ هو مرهون بمدى وعي المسلمين على قضيتهم الأساسية وإدراكهم لمعنى وجودهم في الحياة. ومرهونة أيضًا بمدى فهمهم للإسلام وتمسكهم بدينهم، ومنه الحفاظ على دولتهم. وما أكثر ما يخطط الكفارُ لضرب الإسلام ولخداع المسلمين!.
فنجد في التاريخ القريب مثلًا ما استخدمته بريطانيا الحاقدةُ على الإسلام وأهله من خُدعٍ قل نظيرها نجحت بها في إنهاء دولة الخلافة العثمانية. منها على سبيل المثال لا الحصر أنها صنعت من مصطفى كمال اليهودي العميل «بطلًا فذًّا» و»منقذًا عظيمًا» في أعين المسلمين من العرب والترك وغيرهم، عبر انتصارات وهمية في معارك مسرحية أُعدت نتائجها سلفًا، فانقادوا له في هدم صرح الخلافة في الآستانة، إلا فئة من المؤمنين الواعين. ومن أنجع الخُدع أيضًا أنْ رسَّخت في أذهان المسلمين بعد إسقاط الدولة فكرةَ التوسل بإصلاح الفرد طريقًا إلى إصلاح المجتمع؛ وذلك لصرف الأذهان عن السياسة وعن وجوب إعادة دولةِ الخلافة سريعًا، بل أولًا! وليس ذلك هو سبيل إصلاح شأن الأمة بأي حال من الأحوال لا عقلًا ولا شرعًا، مهما طال الزمن وزاد العدد؛ إذ إصلاحُ حال الأمة وتصويبُ أمرِ الجماعة يمرُّ حتمًا عبر إقامة الدولة على أساس هويتها؛ إذ هي التي ترعى كافةَ شؤون الناس وفق أحكام الإسلام. وأن الطريق إلى ذلك شرعًا إنما هو تكتُّل المسلمين سياسيًا لإقامتها، وليس هو إصلاح الأفراد بالعبادات والأخلاق قطعًا. ومنها أيضًا أنها وعدت العربَ بالاستقلال عن الأتراك «المستبدِّين» فآزروها على دولة الخلافة العثمانية فيما سمي بـ»الثورة العربية الكبرى» خلال الحرب العالمية الأولى في 1916م، تلك الثورة التي تزعمها الشريف حسين والي مكة والحجاز حينها بإيعاز من دولة الإنجليز ألد أعداء الأمة!! وكانت النتيجة وبالًا وفرقةً ودمارًا وذلةً واستعمارًا! وكان ذلك من أنجع الأساليب الشيطانية التي استخدمها الإنجليزُ في عملية الإجهاز على الدولة العثمانية! ولو أن المسلمين كان لديهم بقية من وعي سياسي منبثق عن عقيدتهم لما وقعوا فريسةً لما خططه بإحكامٍ أعداؤهم.
ولقد كان من حلقات التآمر ومن المؤامرات الخبيثة التي صنعها الأعداء والتي أوصلتنا – من بين أمور أخرى – إلى هذه الحال المزرية، أن أقيم في عام 1905م مؤتمر كامبل بنارمان الذي استمرت جلساتُه حتى عام 1907م، بدعوة سريةٍ من طرف المحافظين البريطانيين للحصول على أكبر مكاسب لهم، والمحافظة عليها أطول مدة ممكنة. وقد ضم المؤتمرُ كلًّا من بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، وإيطاليا. وكان من مخرجاته أن تبنَّت هذه الدول الأوروبية وثيقة سريةً أطلق عليها «وثيقة كامبل» نصَّت على أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لوصل الشرق بالغرب، ولممراته الطبيعية التي تصل آسيا وأفريقيا، وأن هذه المنطقةَ تمتلكها دولة واحدةٌ فيها أمةٌ واحدة، ودين واحد، ولسان واحد، هي دولة الخلافة العثمانية؛ لذلك تقرر في المؤتمر إبقاء شعوب المنطقة مفكَّكةً جاهلة متأخِّرة؛ حيث جرى تقسيم الدول في العالم إلى ثلاثة أنواع: دول الحضارة الغربية النصرانية، وواجبهم تجاهها هو الدعم والمساندة. ودول لا تقع ضمن الحضارة الغربية النصرانية، ولكن لا يوجد أي تصادم حضاري معها ولا تشكل أيَّ تهديد عليها، وواجبهم تجاهها هو الاحتواء وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدًا عليها وعلى تفوقها. أما الصنف الثالث فهو الدول التي لا تقع ضمن الحضارة الغربية النصرانية، ويوجد تصادم حضاري معها، وتشكل تهديدًا لتفوُّقها (وهي البلاد الإسلامية). والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم والعلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في أي مجال ومحاربة أي توجه وحدوي فيها (بعد هدم دولة الخلافة العثمانية؛ حيث إن المؤتمر انعقد قبل نحو عقدين من تاريخ إلغاء الخلافة)؛ ولذلك دعَوا إلى فصل القسم الآسيوي عن القسم الأفريقي من بلاد المسلمين بدولة عدوةٍ لهم يُوجدونها على أرض فلسطين، بعد تسليمها لليهود ليتمَّ الفصلُ الكاملُ اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا وجغرافيًّا.
ولقد نجحت الدول الأوروبية في إنفاذ هذه التوصيات بشكل منقطع النظير؛ وذلك بعد الاستعمار المباشر عقب إنهاء دولة المسلمين وانتقال الغربيين إلى الاستعمار غير المباشر بواسطة عملاء تمت صناعتُهم خِصِّيصًا لمرحلة ما بعد ذهاب دولة المسلمين.
ولا شك أن من خداع الكفار الغربيين أيضًا – بعد زوال الدولة – الاستقلالاتُ الزائفة (الدول الوطنية)، والحركاتُ الواقعية، والجامعةُ العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطةُ العالم الإسلامي وحكمُ آل سعود في الحجاز ونجد.. وغيرُ ذلك كثير لا يحصى.
ولما جاء الاستعمارُ الأمريكي إلى المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، في غياب دولة المسلمين دائمًا، استخدم هو الآخر خُدَعًا لا تحصى ولا تعد أيضًا، اعتمد عليها في صراعه مع الأمة الإسلامية من أجل إخضاعها وإدامة محنتها. ولكن أيضًا في صراعه مع منافسيه الدوليين، وعلى رأسهم دون منازع بريطانيا الحاقدة التي ما فتئت تعمل من خلال أتباعها وعملائها من أجل الحفاظ على نفوذها ومصالحها، في صراع خفي مع الاستعمار الجديد في بلاد المسلمين. وكانت تفعل ذلك بكل ما كانت تمتلك من أدواتٍ ونفوذ في المنطقة، وبكل ما كان لديها من عراقة وخبث وحيلة ودهاء؛ إذ لم تكن تقوى على المواجهة والمجابهة بعد الحرب العالمية الثانية بشكل علني سافر وذلك لضعفها. إلا أن حزب التحرير كان وما زال مواكبًا لكل ما كان يحدث. ويمكن القول إنه كان متفرِّدًا بإدراكه لذلك الصراع الخفي بين من كان يحكم المنطقةَ قبل مجيء أمريكا، وهم الإنجليز ومعهم وخلفهم بقيةُ الأوروبيين (الفرنسيون أو الإيطاليون أو غيرهم، حسب البلد)، الذين حلوا في بلادنا محل دولة الخلافة بعد هدمها في «رعاية شؤوننا» وفق مصالحهم لا مصالحنا. ولا شك أن ذلك الصراع الخفي بين الأمريكان والإنجليز بواسطة أدواتهم وأتباعهم وأشياعهم – ومنهم الحكام وأعوانهم من قادة الجيوش والأحزاب والمنظمات والعلماء والقائمين على مراكز الأبحاث والصحف والفضائيات وغيرهم – هو إلى اليوم ما يفسر أكثر ما يجري من تطاحن على المنافع في أكثر أقطار البلاد الإسلامية، والذي تذهب فيه أموالُ المسلمين وأعراضُهم ودماؤهم هدرًا، خدمةً للأجنبي، كالذي يجري اليومَ من صراع امتلأت به أخبارُ الصحف والفضائيات في اليمن والعراق والسودان وليبيا ومنطقة الخليج، بل وفي كل مكان. وهي – أي بريطانيا – ما زالت إلى اليوم تطمع وتتحيَّن الفرصَ من أجل العودة إلى ما كانت عليه من قوة واستكبار بعد ضعفٍ وانكسار.
وتعتمد الولاياتُ المتحدة الأمريكيةُ هذه الأيام – من بين ما تعتمده من أساليب السياسة والخداع – على خُدعٍ لا تنتهي إلا بانتهاء وجودها ونفوذها في بلاد المسلمين، والذي سيكون قريبًا إن شاء الله! فالأمم المتحدة مثلًا خُدعة، وفكرة «المجتمع الدولي» مُـمَـثَّلًا أساسًا في قوى الظلم والاستكبار، أمريكا أولًا وأوروبا ثانيًا، والذي هو في الحقيقة مؤامرة غربية كبرى على الإنسانية وعلى الإسلام والمسلمين خاصة، أيضًا خُدعة. وفكرة (مكافحة الإرهاب) و»عداء» أمريكا المزعوم للنظام السوري منذ عقود، وكذلك «عدائها» لنظام الملالي في طهران، وفكرة «أصدقاء الشعب السوري» ووعود أمريكا لأكراد سوريا والعراق كل ذلك خُدَع وأكاذيب. كما أن أردوغان ذاته ودوره في سوريا ونهجه ونظامه في تركيا، ونظام السيسي ومَن قبله في مصر الكنانة، وحكم البشير في السودان أيضًا خُدعٌ أمريكية!! كما أن الطائفية الـمَقيتة تشكل أحد أهم أساليب وخُدع أمريكا لبثِّ الفرقة بين المسلمين خدمةً لمشاريعها في بلاد المسلمين هذه الأيام؛ وذلك عن طريق الحكام الظلمة والعملاء الخونة.
ولكن ألا يجدر بنا أن نتساءل: إلى متى تنطلي خُدعُ الغرب على المسلمين؟! وما السر في أن هذا الغرب يجد دائمًا مِن بين المسلمين مَن يؤازره وينفذ له خططَه في بلادهم على حساب الأمة وشعوبها، بينما جنايات الغربيين ماثلة أمام أعين المسلمين؟؟، والله تعالى يقول: (۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١)[المائدة: 51]، ويقول: (إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٩)[الممتحنة: 9]. وقد فعلت بريطانيا الآثمة وأمريكا وفرنسا وروسيا القيصرية والسوفياتية (وما بعد السوفياتية) ودولة يهود وحتى الصين والهند وغيرُها كلَّ ما يُتصور وما لا يُتصور من جرائم مروِّعة وزيادة في حق المسلمين وغيرهم! بل وجناياتهم على الأمة الإسلامية وبلاد المسلمين منذ عقود لا تخفى على ذي بصر وبصيرةٍ، تفريقًا وتهجيرًا وتقتيلًا وتعذيبًا وتشريدًا وتقسيمًا!!
ولا ريب في أن الجواب على ذلك السؤال يكمن حتمًا في غياب حصن المسلمين، أي دولة الخلافة. ولا شك أن غياب الوعي السياسي في الأمة بسبب بعدها عن دينها ومبدئها هو ما أدى إلى هبوطها ثم إسقاطها. وأن لبريطانيا والدول الأوروبية الحظ الأوفر في تلك الجريمة النكراء. وظل حزب التحرير منذ نشأته إلى اليوم عازمًا على إعادة دولة الخلافة، مدركًا أن لا خلاص للأمة إلا بعودتها قوية نافذةً! فكان طبيعيًّا أن يواجَه من قِبل المستعمِر الغربي وأجهزته على كافة الأصعدة فكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا، وأن يواجِـهَ من قِبل الحكومات العميلة – من ضمن ما يواجِه – تعتيمًا رهيبًا لا يقتصر على منعه من كافة المنابر (الإعلامية خاصةً) فحسب، بل يتعدَّى ذلك إلى منع جميع المنابر من ذكره في جميع البلاد الإسلامية وفي غيرها. وكانت الأوامر ألا يُذكر لا بالاسم ولا بالمسمى إلا نادرًا!!
ومن تلك الخُدع أيضًا أننا نحن المسلمين – بعد ذهاب دولة الخلافة – انطلت علينا خُدعة غربية أخرى هي ربما أشد من كل التي ذُكرت جميعًا، وهي خُدعة أن الحكام في أوطاننا «المستقلة» هم منا، وأنهم إنما استهواهم الغربُ وكسبهم نفعيًّا ومصلحيًّا فقط، وصاروا يخدمون مصالحه على حساب شعوبهم! وأن الأمل لأجل صلاح الأمة وانتظام شؤونها معقود على عودتهم للجادة، وأن الخلاص إنما يكون في طاعتهم بل ومشاركتهم وعدم الإنكار عليهم بحجة الحفاظ على سلامة الأرواح وأمن البلدان واستقرار الأوطان، فضلًا عن عدم خلعهم والخروج عليهم.
والحقيقة المفزعة والمروعة هي أن الغرب الكافر المستعمِر هو من صنعهم جميعًا وهيَّأهم ابتداءً لهذه الأدوار، أي لحكم الشعوب الإسلامية، بوضعها في أقفاص هذه الكيانات الوطنية الوضيعة أي في هذه «الدول» التابعة التي أوجدها هو على أنقاض دولة الخلافة، التي لا ينبغي للمسلمين شرعًا أن يكون لهم دولة سواها. وشتَّان ما بين الفهمين. وهذا الفهم لواقع الأمة المرير ولحالتها الشاذَّة هو الذي ظل يتحدث عنه حزبُ التحرير ويسعى لإيجاد مقتضاه، أي ما يستوجبه من عمل وما يتطلبه من تغيير في الأمة الإسلامية منذ عقود! علمًا أن ما ذُكر من خُدعٍ في شأن الحكام العملاء ينطبق أيضًا إلى حد التطابق على العلماء المأجورين الذين هم صنائع الحكام، بل هم تَـبَعٌ لهم بحكم الوظيفة، أي من حيث المهام والأدوار الموكلة إليهم!! فلا غرابة بعدئذ فيما تعيشه الأمةُ السجينة من انتكاسة فظيعةٍ، ومن أوضاع غايةً في الاضطراب على جميع المستويات في كنف هؤلاء الحكام الأقزام وأشياعهم منذ عقود.
وإذْ هم في خدمة الغرب على هذه الشاكلة، وإذ هم في صف أعداء الأمة فكرًا وشعورًا، بل في خدمة دولِ الكفر على درب الخيانة ظاهرًا وباطنًا، ولا سبيل لإلزامهم بالتحوُّل عن العمالة والخنوع للكافر المستعمِر ولا لحملهم على الحكم بالإسلام وتطبيق الشريعةِ في الحال، نظرًا لارتباطهم الوثيق بأسيادهم في الغرب، فلا مناص شرعًا من خلعهم وجوبًا، وذلك عبر تكتل المسلمين سياسيًّا على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستجابةً لأمر الله سبحانه وتعالى بغرض إقامة مَن يُقيم الدينَ مكانهم؛ وذلك عن طريق الأمة ونصرةِ أهل القوة من أبنائنا في جيوشنا، ولا أقول في جيوشهم، لتنصيب مَن يحكمنا بديننا الذي هو عصمة أمرنا ومصدر وحدتنا وقوتنا وعزتنا، وهو خليفة المسلمين.
وإذ هم متآمرون مع الأعداء على هذا النحو، وإذ هم خدَم لعدو الإسلامِ والمسلمين على هذه الشاكلة، فهل يصح أن يُنتظر منهم خير للأمة الإسلامية وهم جميعًا عملاء ووكلاء للغرب الكافر مخلصون له فيما جرتْ تهيئـتُهم له؟؟
إلا أنه مع كل ما يقترفه الحكامُ في بلاد المسلمين، فإن ذلك لا يعني أن أبناء جيوش الأمة ليسوا منا، حتى وإن كانت العساكر الآن تؤدي دورَ الحارس للنظم القائمة في أكثر بلاد المسلمين؛ وذلك لأنهم في حقيقة الأمر مخدوعون فكريًّا وسياسيًّا في ولائهم للظالمين من الحكام العملاء المرتبطين بالغرب!؛ لذا كان لا بد من تصحيح اتجاه البوصلة لديهم. وبيان ذلك ما يلي:
إن من أثر الواقعية السقيمة التي تَقْلب الحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا، أن أصحابَها ينكرون على مَن يلتزم من الحركات والأحزاب الإسلامية طريقةَ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم في العمل لإقامة الدولة، التي هي أحكام شرعية، ينكرون عليها عدمَ وجود أجنحةٍ عسكريةٍ لها.
والحقيقة هي أن جلَّ هذه الحركات الواقعية وقعت في جميع الفخاخ التي نصبها الكافرُ المستعمِر لمنع تحرُّر الأمة بعودة الخلافة إلى ديار المسلمين، ومنها انتهاج القتال سبيلًا لإقامة الدولة!؛ إذ إن ذلك لا يعني – وفي غالب الأحيان – سوى استعداء العسكر والصدام مع الجيوش النظامية في بلدان المسلمين. ومن ذلك أيضًا – وهو أبرزه – أنها وقعت في فخ الأنظمة العميلة من حيث إنها لم تعد تُحمِّل مسؤوليةَ القيام بفريضة الجهاد العظيمة – ولو دفاعًا بدرء مخاطرِ الكفار عن بلاد المسلمين – لم تعد تحمِّل ذلك ولا شيئًا منه لحكام الأمر الواقع ولا حتى لقادةِ جيوش المسلمين في هذه الدول القائمة اليوم. وهذا بلا شك زللٌ فظيع! وكأنها أعفَتْهم من المهمة، وأقامت هي أجنحةً وكتائب مسلحةً استعاضت بها عن الجيوش النظامية، التي أفرادها مسلمون!
وأقرَّت بذلك واقعًا مريرًا يريده الاستعمارُ في جميع أقطار بلاد المسلمين يقول إن هذه الجيوش – التي هي اليومَ مكمنُ القوة القتالية الفعلية في مجتمعات المسلمين – ليست منّا وبالتالي لا يُنتظر منها شيء، وإنما هي من بطانة الحكام المرتبطين بالأعداء في الغرب؛ إذ مهمتها حمايةُ الأنظمة العميلة من غضب الشعوبِ المسلمة ومنعُ هذه الأخيرة من الإطاحة بها عند حدوث أية مواجهةٍ في صراع الأمةِ مع عدوها الحقيقي وهو الغرب الكافر، ولو بقتل المسلمين وسفكِ دمائهم وإزهاق أرواحهم. وقد حدث ذلك مرارًا في بلاد المسلمين على مر عقود!! فهذه الجيوش بحسب هذا الفهم هي إذًا في الصف الآخر!
وليس الأمر كذلك في حقيقة الأمر؛ إذ أفرادُ هذه الجيوش بجميع أسلاكها مسلمون تمامًا كما هو حال جميع أبناء الأمة، ولكن يقع على عاتق من يعمل لإنهاض الأمةِ بالفكر والسياسة أن يُشعل فيهم جذوةَ الإيمان ويوقظ فيهم نخوةَ الإسلام ببث الوعي السياسي من زاوية الإسلام في أوساطهم تمامًا كما في أوساط غيرهم، بضرب الفكرة القومية أو الوطنية الدخيلة مثلًا؛ إذ المشكلةُ في الأمة فكرية سياسية، وطريقُ إقامة الدولة شرعًا هو الطريقُ السياسي ولا شيء سواه؛ ليتحركوا باتجاه نصرة الحق ونُصرة الشعوب المسلمة التي ينتمون إليها، لا لحراسة أنظمةِ الحكام العملاء الظالمين الموالين للكفار في هذه الدول الوطنية التي أنشأها المستعمِر. وهذا هو موضع التحدي اليومَ لقلب موازين القوى في مجتمعات المسلمين باتجاه قيام دولةِ المسلمين الضامنة للتغيير الجذري وانعتاق الأمة، والتي هي الخلافة على منهاج النبوة! وهذا في الحقيقة هو أخشى ما يخشاه الغربُ ويحترز من حدوثه من خلال أجهزته التي لا تنام.
2024-06-19